القاعدة الشعبية للامام الرضا عليه السلام

اتّساع القاعدة الشعبيّة للامام الرضا عليه السلام أهّلته(عليه السلام) للحكم المتعارف لا المنشود: فحينئذٍ، هنا الإمام الرضا (عليه السلام) منذ بداية تسلّمه زمام المسؤولية نفّذ خصائص هذه المرحلة من حيث كونها مرحلة ارتفاع هذه القواعد الشعبيّة.
Monday, June 12, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
القاعدة الشعبية للامام الرضا عليه السلام
 القاعدة الشعبية للامام الرضا عليه السلام





 

اتّساع القاعدة الشعبيّة للامام الرضا عليه السلام أهّلته(عليه السلام) للحكم المتعارف لا المنشود:
فحينئذٍ، هنا الإمام الرضا (عليه السلام) منذ بداية تسلّمه زمام المسؤولية نفّذ خصائص هذه المرحلة من حيث كونها مرحلة ارتفاع هذه القواعد الشعبيّة.
ولكن نموّ هذه القواعد الشعبيّة لم يكن يعني حقيقةً أنّ مرحلة عمل الإمام كانت مرحلة تسلّم زمام الحكم، بل بالرغم من كلّ هذا النموّ المتزايد في القواعد الشعبيّة كان الإمام -وكلّ شخصٍ عميقٍ في ملاحظة الظروف الموضوعيّة- يعلم بأنّ الإمام ليس على مستوى تسلّم زمام الحكم؛ لأنّ الحكم الذي يريد أن يتسلّمه الإمام غير هذا الحكم الذي يملك مثل هذه القواعد الشعبيّة.
يعني: هذه القواعد الشعبية التي كانت موجودةً في العالم الإسلامي كانت تهيّئ الإمام (عليه السلام) لِأنْ يتسلّم زمام الحكم على مستوى ما يتسلّمه أيُّ زعيم آخر؛ فبإمكان الإمام الرضا (عليه السلام) أن يتسلّم زمام الحكم على النحو الذي يتسلّمه المنصور، أو على النحو الذي يتسلّمه أبو السرايا، أو على النحو الذي يتسلّمه الأمين أو المأمون، هذا كان بالإمكان؛ لأنّ هناك قواعد ضخمة، وهذه القواعد الضخمة يمكن أن تمدّه بالجيوش الكبيرة، ويمكن أن تمدّه بأموال كثيرة أيضاً.
ولكن مثل هذه القواعد لم تكن تصلح قاعدةً للحكم الذي يريده الإمام الرضا (عليه السلام)؛ لأنّ هذه القواعد كانت مرتبطةً بمدرسة الإمام علي ارتباطاً فكريّاً غامضاً عامّاً، وارتباطاً عاطفيّاً حراريّاً قويّاً. هذه الحرارة كان يشعلها في كلّ لحظةٍ الدمُ الطاهر المراق على ساحة الجهاد من ناحية، ومن ناحية اُخرى يسعّرها ظلم الظالمين وجبروت الحكّام الذين كانوا قد اعتدوا على أمر هذه الاُمّة وهتكوا حرمتها وأهدروا كرامتها.
فهذه القواعد التي كانت ترتبط بمدرسة الإمام علي (عليه السلام) كانت ترتبط بها بهذا المستوى، وهذا المستوى من ارتباط القواعد قد يمهِّد لحكم راسخ قويٍّ عتيدٍ كما مهَّد لحكم العباسيّين؛ فإنّ العباسيّين لم يمهّد لحكمهم إلّا هذه القواعد وأمثال هذه القواعد، ولكن لم يمهّد هذا الوضع من القواعد لحكم الإمام علي (عليه السلام) الذي هو اُطروحة أولاده المعصومين (عليهم السلام).
ولهذا نرى أنّ الثورات الاُخرى التي عاشها المسلمون من المخلصين للإمام علي (عليه السلام) كانت تُمنى كثيراً من الأحيان بالتناقضات الداخليّة، حتّى من قبل قواعدهم الشعبيّة، وكان يحصل فيها انحراف بين حينٍ وحين؛ وذلك لأنّ القاعدة لم تكن واعيةً للاُطروحة، كانت حارّةً ولم تكن واعية، والحرارة لا تنتج بناءً حقيقيّاً للإسلام، وإنّما البناء الحقيقي للإسلام يقوم على أساس الوعي‏.
فمثلاً محمّد بن إبراهيم -هذا الرجل العظيم- كان قائده أبو السرايا، أبو السرايا كان كمالك الأشتر بالنسبة إليه. أبو السرايا ارتبط به ارتباطاً عاطفيّاً(1).
رآه في طريقه متّجهاً من المدينة إلى مكّة؛ فإنّه‏ لمّا كان مسافراً من المدينة إلى مكّة واجه شخصين:
أنّ نصر بن شبيب زاره في المدينة أوّل الأمر ومنّاه النصرة، وتواعدا، فزاره ابن طباطبا في الجزيرة طلباً للنصرة، ثمّ صرفه عنها قومه، فاعتذر نصر من ابن طباطبا، فغضب الأخير ورجع إلى الحجاز حيث التقى في طريقه إليها بأبي السرايا، وما بعد. والمقصود من الجزيرة هنا على ما يبدو: «ما بين دجلة والفرات» (2)
أحدهما لا أذكر اسمه بل أذكر القصّة، واجهه وقال له‏: «إنّك رجل مهيّأ، وبإمكانك أن ترفع الراية، وأن تعرض على المسلمين البيعة على الرضا من آل محمّد، وأن أكون جنديّك وحامل هذه الراية»، يقتنع محمّد بن إبراهيم بهذا الكلام‏، ويقول له: «أعطني الفرصة في التفكير».
ثمّ يذهب هذا الشيخ إلى أهله وذويه وأهل البصيرة من ذويه فيستشيرهم في ذلك الموضوع، فيقال له: «ماذا صنعت؟ هذا يمثّل شعار علي (عليه السلام)، ونحن مؤمنون بالإمام علي (عليه السلام)، إذاً يجب أن لا نُعينه ويجب أن لا نبرز على المسرح». يقول: «كيف؟»، يقال له: «لأنّ هذا الشخص حينما يتقدّم في الميدان إلى المسرح وتقع المعركة بينه وبين خلفاء بني العباس: إمّا أن ينتصر خلفاء بني العباس وإمّا هو ينتصر، وعلى كلّ حالٍ أنت سوف تفقد كيانك»، قال: «كيف؟»، قيل له: «إذا انتصر خلفاء بني العباس فحسابك واضح؛ لأنّك شخصٌ هيّجت على هذه الاُطروحة، وإذا انتصر هذا، فإن كان هذا هو السائر في خطّ الإمام علي (عليه السلام) حقيقةً إذاً فهو سوف يعاملك كما يعامل سائر المسلمين، على أساس أنّك كسائر المسلمين، ولا يعطيك ولا يشبع من طموحك وآمالك إلّا في حدود مصلحة الإسلام، وإذا افترضنا أنّه مستعدّ لِأنْ يشبع طموحك خارج نطاق مصلحة الإسلام إذا ما هو الفرق بينه وبين الخليفة العباسي؟!».
هذا لمّا رأى هذا الكلام منطقيّاً ذهب إلى محمّد بن إبراهيم واعتذر منه فقال: «أنا أعتذر وأنا اُعطيك كذا مقداراً من المال تستعين به على أمرك»، فقال له: «أغناني الله عن مالك»، وتوجّه في طريقه إلى الحجاز.
قصّة محمّد بن إبراهيم طباطبا مع السري بن منصور (أبي السرايا):
في طريقه إلى الحجازاجتمع مع أبي السرايا، أبو السرايا تجاوب مع الموضوع. وأبو السرايا قائد حركة بالنسبة إلى محمّد بن إبراهيم طباطبا، مع هذا فإنّه يمارس انحرافاً كبيراً في عمليّاته، حتّى إنّه في الوقعة الحربيّة الحاكمة التي انتصر فيها على الجيش الذي اُرسل من قبل الحسن بن سهل من بغداد -وكان الحسن بن سهل والي المأمون في بغداد- انتصر عليهم بالغدر.
ذهب إلى محمّد بن إبراهيم يريد أن يذكّره -وكان محمّد بن إبراهيم على فراش الموت، كان يلفظ أنفاسه الأخيرة- بأنّهم انتصروا على أكبر جيشٍ أرسله الحسن بن سهل، وكانت الأخبار قد وصلت إلى محمّد بن إبراهيم، قال له: «إنّي لا أعتبر هذا نصراً؛ لأنّ النصر لا يكون إلّا بوسائله النظيفة، أمّا إذا كان بوسائل اُخرى فلا يكون نصراً؛ إنّ جدّي الإمام عليّاً (عليه السلام) الذي أحرز النصر لم يباغت قوماً، ولم يبدأ قوماً بقتال، ولم يهتك أموال اُولئك حين سيطر، فإذا كنت تريد أن تكون صادق البيعة للرضا من آل محمّدٍ فاستغفر لنفسك، وارجع، وليُرجع جميعُ جنودك ما غرموا من أموال إلى هؤلاء؛ فإنّهم مسلمون بغاة، والباغي لا يجوز أخذ المال منه».
وبعد هذا بأيّام مات محمّد بن إبراهيم‏(3).
يقول الطبري بأنّ أمير المؤمنين
المأمون أرسل إليه سمّاً فقتله‏(4).
إذاً، نعرف من هذا أنّ القواعد والأرض التي كان يعتمد عليها أمثال هؤلاء كانت تعيش المرحلة الحراريّة للحركة، لا المرحلة الواعية للحركة، ولهذا حينما يتسلّم زمام الحكم حينئذٍ يتساءل كثيرٌ من أصحابه‏، فيفكّرون أنّه هل‏ بالإمكان أن نقذف بهم إلى تحقيق أغراضهم ومصالحهم؟
إذاً، فهذه المرحلة بالرغم من أنّها كانت مرحلة تهيّؤٍ لتسلّم زمام الحكم على مستوى الحكم الذي يعرفه الناس، لكنّها لم تكن على مستوى تسلّم زمام الحكم بالشكل الذي كان يطرقه الإمام.
ولهذا امتنع الإمام (عليه السلام) عن قبول الخلافة حينما عرضها عليه المأمون، وكذلك‏ عن قبول ولاية العهد حينما عرضها عليه.
دوافع المأمون في توليّة الإمام الرضا (عليه السلام) ولاية العهد:
كان بالإمكان التفكير في الموقف الذي قام به المأمون من الإمام الرضا (عليه السلام) على أساس الدوافع المنفعيّة والإيمانيّة عند المأمون بخطّ الإمام علي (عليه السلام)؛ لأنّ المأمون كان ينطوي في نفسه على الإيمان بخطّ الإمام (عليه السلام)، لكن ليس معنى تفكيره بهذا أنّه كان هو الدافع المطلق الحقيقي الذي يعيش كلّ أبعاد نفس المأمون.
من الممكن أنّه كان هناك زاوية في نفس‏المأمون تكشف بين حينٍ وحينٍ آخر عن تأثّره بخطّ الإمام علي (عليه السلام)، لكن كان هناك في نفس الوقت زوايا اُخرى أكبر وأوسع من التأثّر بخطّ الإمام علي (عليه السلام). كان هناك زوايا اُخرى أكبر وأوسع في نفس المأمون تمثّل المصالح السياسيّة، والأغراض الوقتيّة، وبناء مدٍّ لدولته، تلك الزوايا الاُخرى يمكن أن نعبّر عنها في أربع نقاط:
1- النقطة الاُولى: إلباس خلافة المأمون ثوب الشرعيّة:
النقطة الاُولى هي أنّ المأمون كان يريد أن يُكسب خلافته الثوب الشرعي، وكان يزعم أنّ خلافته بحاجةٍ إلى ثوبٍ شرعي؛ على أساس أنّ القواعد الشعبيّة المؤمنة بالخلافة العباسيّة كانت تنظر بريبٍ إلى خلافة المأمون التي لم تنتهِ إليه إلّا بقتل الخليفة الشرعي السابق، الذي هو الأمين؛ فانتقال الخلافة عن طريق قتل الخليفة الشرعي كان فيه نوعٌ من الريب والتردّد عند القواعد الشعبيّة المؤمنة ببني العباس وخلفاء بني العباس.
أمّا القواعد الشعبيّة الاُخرى -أي التي لا تؤمن بخطّ بني العباس، وإنّما تدور في فلك الإمام علي (عليه السلام) بمستوىً وآخر، بمختلف المستويات- فلم تكن تنظر إلى الخطّ الذي يعيّن المشروعيّة على أنّه متمثّل في‏ خلافة المأمون ولا الأمين ولا المنصور ولا آباء المنصور، بل كانت‏ تشعر بأنّ هذه الخلافة التي اغتصبها المأمون‏ أو التي سيطر عليها بالقوّة وبقتل أخيه تحتاج إلى ثوبٍ شرعيٍّ تعتمد عليه وتقدّره قواعد في العالم الإسلامي.
من هنا كان إلباس هذه الخلافة الثوبَ الشرعيَّ عن طريق استدعاء الإمام الثامن (عليه السلام)، الذي كانت الخلافة حقّاً شرعيّاً له بدرجةٍ واُخرى على مستوى إيمان كثيرٍ من جماهير العالم الإسلامي: إمّا على مستوى أنّه أفضل
أولاد الإمام علي (عليه السلام)، أو على مستوى أنّه أفضل ...
فعلى‏ مستوى من هذه المستويات يوجد هناك مؤشّر واضح النقاط بأنّ الإمام الرضا (عليه السلام) يتمتّع بحقٍّ شرعيٍّ للخلافة.
يبعث المأمون‏ على الإمام الرضا (عليه السلام) ويقول له: «إنّي أنزع الخلافة واُعطيها لك»؛ أوّل الأمر لم يطالبه بقبول‏ ولاية العهد، وإنّما قال: «أنا أنزع الخلافة واُعطيها لك»؛ لكي يردّها عليه الإمام الرضا (عليه السلام)، ويكون في ردّ الخلافة عليه من الإمام الرضا (عليه السلام) كسبٌ للثوب الشرعي لهذه الخلافة.
لكنّ الإمام الرضا لم يستجب لطلب المأمون‏؛ ولهذا حينما قام المأمون بهذه المناورة قال له: «إنّ الخلافة هل هي ثوب ألبسك الله إيّاه، أو لا؟ فإن كانت ثوباً ألبسك الله إيّاه فلا يكون بإمكانك أن تنزعه وتلبسني إيّاه، وإن لم يكن شيئاً أعطاك الله إيّاه، إذاً فكيف تعطيني ما لا تملك؟»
فأكّد في هذا النصّ الصريح الواضح أنّه لا يؤمن بشرعيّة الخلافة للمأمون، وأنّ رفض قبول الخلافة ليس معناه إرجاع الخلافة إليه، بل معناه أنّه لا يرى أنّ مثل هذا الإعطاء له مدد، بعد أن كانت الخلافة أجنبيّةً عن هذا الشخص المعطي.
وبهذا سجّل النصر الذي كان له أثره الكبير -في الحاضر وقتئذٍ، وفي المستقبل- في نزع ثوب المشروعيّة عن خلافة المأمون.
2- النقطة الثانية: محاولة شراء رضا القواعد الشعبيّة:
النقطة الاُخرى التي كان بالإمكان افتراض أنّها تمثّل زاويةً اُخرى من الزوايا هي أنّ‏ نفس المأمون -كما قلنا- كان يعيش مشاكل تلك القواعد الشعبيّة للإمام الرضا (عليه السلام) ومدرسة الإمام علي (عليه السلام) في كلّ أرجاء العالم الإسلامي، كان يريد أن يثبّت هذه القواعد الشعبيّة، كان يريد أن يشتري رضاها واستسلامها ومواكبتها للوضع الحاكم، وذلك‏ عن طريق ضمّ قائدها الأمثل، ضمّ إمامها الفكري، ضمّ اُمثولتها العليا إلى جهازه‏، إلى وضعه.
وهذا الموضوع أيضاً التفت إليه الإمام الرضا (عليه السلام) وأحبطه، وذلك بأنْ سجّل منذ اليوم الأوّل أنّه لم ينضمّ إلى جهاز المأمون، وإنّما هو مجرّد قبول على أساس إصرارٍ من قبل الخليفة المأمون، لا أكثر ولا أقلّ.
ولهذا اشترط الإمام الرضا (عليه السلام) في الوثيقة التاريخية التي كتبها: «أنّي لا اُمارس أيّ نوعٍ من أنواع السلطة في جهاز الدولة العبّاسيّة». وهذا معناه -بالفهم العامّ الإسلامي وقتئذٍ، وإلى يومنا هذا- أنّه غير راضٍ، وأنّه‏ إعلان عن عدم رضاه عن الوضع الحاكم كلّه، وأنّ هذا الوضع الحاكم «لا اُمارس فيه عملاً»، وأنّه يحتاج إلى تغيير، يحتاج كلّه إلى هدمٍ ثمّ إلى بناء من جديد؛ «فأنا ماذا أصنع في قبال هذاالوضع الحاكم الذي يحتاج كلّه إلى تغيير ويحتاج كلّه إلى تبديل؟»، وقد كانوا ... أيضاً ....
ولهذا أشرنا في ما سبق إلى أنّ الفضل بن سهل بعث شخصاً بمئة ألف دينار أو درهم -لا أذكر- قال له: «اذهب بالمال إلى الكوفة وخذ البيعة في الكوفة للمأمون بالخلافة ولعليّ بن موسى الرضا بولاية العهد».
يأتي هذا الرجل إلى الكوفة ليأخذ البيعة للمأمون -فإنّه‏ إلى ذلك الوقت لم يكن المأمون‏ قد بويع بيعة رسميّة في كلّ العالم الإسلامي، ولهذا كان يفتّش عن ثوب المشروعيّة لخلافته- ومعه مئة ألف درهمٍ أو دينارٍ ليأخذ البيعة للمأمون ولولاية العهد للإمام علي بن موسى الرضا؛ فالكوفة من أضخم القواعد الشعبيّة للإمام علي بن موسى الرضا، لكنّ هذه القاعدة لم تبايع الإمام علي بن موسى الرضا بولاية العهد، وإنّما تبايعه بالخلافة.
إذاً، فمن هذا نعرف بأنّ ولاية العهد للإمام الرضا ليس معناها أنّه أصبح جزءاً من الجهاز الحاكم للمأمون؛ فلم يستطع المأمون عبر هذا الطريق أن يشتري هذه القواعد الشعبيّة، وأن يرتبط ولائيّاً وروحيّاً بمدرسة الإمام علي (عليه السلام).
في مرّةٍ من المرّات التجأ إلى الإمام الرضا (عليه السلام) قال له: «لو كنت تكتب إلى شيعتك في داخل‏ كلّ أرجاء العالم الإسلامي أن يسكتوا عنّي»، قال: «...أنا لا أكتب»؛ امتنع (عليه السلام) عن الكتابة إلى قواعده الشعبيّة بأن يسكتوا عن هذا الشخص الذي يعبِّر عن نفسه بأنّه وليّ العهد بالنسبة إليه‏.
بهذا وذاك وبأمثالهما استطاع أيضاً أن يقضي على هذه ...(5).
3- النقطة الثالثة: محاولة تجريد خطّ الإمام الرضا (عليه السلام) عن رساليّته:
النقطة الثالثة هي أنّه نتيجةخطّ الإمام علي، المأمون كان يشعر بأنّ مجي‏ء الإمام علي بن موسى الرضا إلى هذا الجهاز الحاكم سوف لن يغيّر هذا الجهاز؛ لأنّ هذا الجهاز الحاكم كان قدره‏ أكبر من هذا الفرد بالذات، هذا الجهاز الحاكم كان مستمدّاً من انحرافٍ كبيرٍ تعرفه الاُمّة الإسلاميّة كلّها، وهذا الانحراف الكبير لن يتغيّر بيومٍ أو بيومين، كان يشعر بهذا.
وحينما يأتي الإمام الرضا (عليه السلام) حينئذٍ يمكن للخليفة المأمون ويمكن للمنطق‏ الحاكم أن يقول وقتئذٍ بأنّ هؤلاء تجّار اُطروحة لا أنّهم أصحاب اُطروحةٍ حقيقةً، هؤلاء يتاجرون باُطروحة يهزّون بها آمال المسلمين وآلامهم، وليسوا أصحاب اُطروحةٍ حقيقة.
ولهذا حينما فتحتُ أمامهم أبواب الدنيا وأبواب الخلافة على مصراعيها وأعطيناهم أبواب الخلافة على طريقتنا تركوا اُطروحتهم وجاؤوا إلينا.
4- النقطة الرابعة: محاولة عزل الإمام الرضا (عليه السلام) عن قواعده الشعبيّة:
والنقطة الأخيرة التي كانت ذات دورٍ كبيرٍ في هذه العمليّة هي: محاولة عزل الإمام الرضا (عليه السلام) عن قواعده الشعبيّة ووضعه في سياجٍ يحكم بعزله عن الاتّصال بشيعته.
وفي الواقع: إنّ عمليّة العزل بين الإمام (عليه السلام) وبين القواعد الشعبيّة كانت من الخصائص العامّة للمرحلة الثالثة.
المرحلة الثالثة التي بدأت بالإمام الرضا (عليه السلام)، كان من خصائصها العامّة هذا العزل‏.. والتعذيب، ووُضعوا تحت الرقابة المستمرّة.
والروايات عندنا تدلّ على أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) حينما انسحب من المدينة إلى إيران كان معه حاجبه‏ وهذا الحاجب كان من خواصّ الإمام الرضا (عليه السلام)، وكانت تجمع الأموال للإمام الرضا (عليه السلام) من مختلف أرجاء العالم الإسلامي على يد هذا الحاجب، إلّا أنّ هذا الحاجب كان يبدو أنّه من اُولئك الأشخاص الذين يبيعون ضميرهم، يبيعون بطونهم للدنيا، تعامل مع المأمون، اشتراه المأمون، أصبح جاسوساً وعيناً على الإمام الرضا (عليه السلام) لحساب المأمون ولحساب الفضل بن سهل، كان الإمام الرضا (عليه السلام) لا ينطق بكلام ولا يتحرّك ويتّصل بأحد إلّا وتأتي الأخبار للمأمون.
فلمّا حمل أبو الحسن اتّصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين، وقرّبه ذو الرئاستين وأدناه، فكان ينقل أخبار الرضا (عليه السلام) إلى ذي الرئاستين والمأمون، فحظي بذلك عندهما، وكان لا يُخفي عليهما من أخباره شيئاً، فولّاه المأمون حجابة الرضا (عليه السلام)» (6)
المصادر :
1- مقاتل الطالبيّين: 426 وما بعد.
2- مقاتل الطالبيّين: 424/ مسالك الممالك (الاصطخري): 71.
3- مقاتل الطالبيّين: 434، وليس فيه ما ذكره (قدّس سرّه) حول استشهاد ابن طباطبا بمواقف أمير المؤمنين (عليه السلام). وفيه: إنّه توفّي بين يدي أبي السرايا من ساعته وليس بعد أيّام. نعم، كان ذلك بعد الواقعة بيوم، فراجع: المنتظم في تاريخ الاُمم والملوك 74 :10؛ البداية والنهاية 244 :10.
4- تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 529 :8، وفيه: أنّ أبا السرايا سمّه بسبب منع ابن طباطبا إيّاه عن غنائم وقعتِهم مع جيش الحسن بن سهل، لا المأمون، وهو ما ورد في: المنتظم في تاريخ الاُمم والملوك 74 :10؛ البداية والنهاية 244 :10.
5- تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 559 :8 - 560، وفيه: مئة ألف درهم.
6- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 153 :2.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.