الحياة الفقهية والسياسية الاسلامية

يبدو واضحا ان نظرية عدالة كل الصحابة قد اوجدت مرجعية واقعية تركت بصماتها على الحياة الفقهية والسياسية الاسلامية ، وصارت بحكم النقل والتقليد كأنها هي المرجعية الشرعية التي حددها الله وبينها رسوله . اما المرجعية
Saturday, June 17, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الحياة الفقهية والسياسية الاسلامية
الحياة الفقهية والسياسية الاسلامية


 

يبدو واضحا ان نظرية عدالة كل الصحابة قد اوجدت مرجعية واقعية تركت بصماتها على الحياة الفقهية والسياسية الاسلامية ، وصارت بحكم النقل والتقليد كأنها هي المرجعية الشرعية التي حددها الله وبينها رسوله . اما المرجعية الشرعية نفسها فأصبحت غريبة لكثرة تناسيها وابراز المرجعية البديلة لها ، وظن بعض الناس ـ وان بعض الظن اثم ـ ان المرجعية الشرعية هي غير شرعية ، وان المرجعية البديلة هي نفسها الشرعية . وفي سبيل بيان الحقائق الشرعية المجردة لا بد من افراد باب خاص لهذه الناحية .

ما معنى المرجعية

تعني المرجعية تلك الجهة المختصة ببيان احكام وقواعد العقيدة الاسلامية الالهية لا على سبيل الافتراض والتخمين ، انما على سبيل الجزم واليقين ، بحيث يكون بيانها هذا هو عين المقصود الالهي من هذه الاحكام ، وبالتالي يتقبل الانسان المؤمن بهذه العقيدة بيان تلك المرجعية على انه حقيقة ايمانية او عقلية تصلح كمنطلق فكري او كقاعدة يبنى فوقها او كطريق يسار عليها .
فالنبي ، هو المرجع لكل المسلمين خلال حياته ، يرجعون اليه في امور عقيدتهم ، وقوله الفصل لانه هو الاعلم بأحكام العقيدة ، وعميد اهل بيت النبوة ـ الامام ـ بعد وفاة النبي هو المرجع لانه الاعلم بأحكام العقيدة ـ حسب رأي الشيعة ـ والصحابة مجتمعين ومنفردين هم المرجع او المراجع لبيان احكام العقيدة بعد وفاة النبي ، فهم مجتمعين عدول كلهم ، وكل واحد منهم من العدول وهم من اهل الجنة وهم الشهود الذين نقلوا لنا هذا الدين (1)
لذلك فهم المرجعية الشرعية . فالاقتداء بأي منهم يقود للهداية حتماً . وبموت الصحابة فالمرجع هو الحاكم ينظر بالآراء والاجتهادات المطروحة امامه ثم يختار منها ما يريد وهذه الاجتهادات المعروضة هي اقوال سابقة للصحابة في مسائل طرحت في ازمانهم . والحاكم المرجع أي حاكم لان المسلمين مع من غلب نحن مع من غلب (2)
وهذا قول مشهور للصحابي عبد الله بن عمر وهذا رأي اهل السنة ، فالغالب هو المرجع يجتهد بنفسه حتى ولو لم يكن مجتهداً او يأخذ برأي من شاء من المجتهدين ، حتى لو لم يكونوا مجتهدين بالحق والحقيقة كما سنرى .

تلازم المرجعية مع العقيدة

تتلازم المرجعية مع العقيدة وترتبط معها ارتباطاً عضوياً . فالمرجعية تنهل من العقيدة ، فلا عقيدة بدون مرجعية ولا مرجعية الا في عقيدة ، لان المهمة الاساسية للمرجعية هي بيان العقيدة الالهية .
فالنبي يبين هذه العقيدة عين البيان الذي يريد الله تعالى ، والمرجع بعد النبي بين هذه العقيدة عين البيان الذي اراده الله وبينه النبي فالعقيدة الالهية حددت معاني الاقوال والافعال ، وحددت الاهداف ووسائل بلوغها ، ونظمت العلاقات بين المؤمنين بها وعلى كل الاصعدة . فيكون دور المرجع منحصراً ببيان العقيدة بياناً كاملاً وتكييفها على الوقائع المستجدة .
فالمرجع هو المسؤول عن ترجمة نصوص وقواعد وغايات تلك العقيدة من النظر الى التطبيق ، ومن الكلمة الى الحركة على صعيدي الدعوة والدولة معاً .
فبيان النبي للعقيدة الالهية هو جزء منها ويحسب من جملة مضامين العقيدة لانه نبي ، ولكن بيان علي او الحسن او الحسين او زين العابدين او جعفر الصادق ، او اي امام لا يعتبر جزءاً من العقيدة انما يعتبر سوابق دستورية وضرورية لمن يريد ان يلتقي عمله مع المقصود الالهي ، ولكن بيانه يلزم كل المؤمنين بمرجعيته ولا يجوز مخالفته شرعا لانه الامام الشرعي القائم مقام النبي وطاعته هي طاعة للنبي .

المرجعية اختصاص وعمل فني تماماً

فالعقيدة هي السفينة ، والمرجع بمثابة القبطان لهذه السفينة . والعقيدة هي المخططات اللازمة لمشروع الانقاذ الالهي ، والمرجع هو المهندس الذي يتولى عملية توضيح وشرح هذه المخططات وبيانها وترجمتها مرحلياً الى واقع مادي ملموس ومحسوس . فالمرجع هو معلم البناء ، ومن الجنون تحضير المواد الاولية اللازمة للبناء والشروع بالبناء دون مشورة وعلم المهندس او معلم البناء .
وعلى صعيد العقيدة الاسلامية يجب ان يكون المرجع اعلم اهل زمانه بهذه العقيدة ، واكثر اهل زمانه اخلاصا لها ، واكثرهم اعتصاما بالله وافضل الموجودين وانسبهم للقيادة والمرجعية لان المرجع هو الحكم ( بفتح الحاء والكاف ) وهو الناطق بالحكم الالهي . ويفترض ان ما تتبناه هذه المرجعية هو عين المقصود الالهي .

تعددية المراجع

لايوجد في العقيدة الالهية الواحدة إلاّ مرجع واحد ، فالنبي هو المرجع الاعلى لكل ما يتعلق بالاسلام . وموسى هو المرجع الاعلى في زمانه ، فاذا افترق عن هارون يصبح هارون مرجعاً مرتبطاً بموسى وتابعاً له ، واذا اجتمعا فالمرجع هو موسى . وهكذا عيسى فهو المرجع في كل الامور المتعلقة بالديانة المسيحية ، لان تعدد المراجع في العقيدة الواحدة يؤدي بصورة حتمية لتفسخ العقيدة وتفرق اتباعها ، واستنباط عقائد جديدة من الناحية الواقعية .
فالمرجعية في الاسلام هي مرجعية واحدة وهي اختصاص من اعظم ضرورات الدين . فاذا انعدمت المرجعية الشرعية يركب كل مسلم رأسه ، او تركب كل مجموعة من المسلمين رأسها ، وتعتقد لكثرة ممارستها للخطأ ان الحق معها ، وتتفرق الكلمة ، ويتشتت شمل الامة ولا يلمها ثانية الا وجود مرجع واحد تعتبر كلمته حقيقة عقلية وايمانية يتقبلها المسلمون عن رضى خاطر . وهذه هي السبيل الوحيد لتوحيد المسلمين .

الفارق بين العقيدة والمرجعية

هو الفارق بين الدعوة وبين الداعية ، فالدعوة المحمدية تقوم على اساسين : القرآن الكريم والسنة المطهرة بفروعها الثلاثة : القول والفعل والتقرير ، وهذه خاصية لمحمد صلى الله عليه وآله . فالعقيدة هي القرآن الكريم ، وبيان هذا القرآن المتمثل بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره على اعتبار ان الشخص المبين وهو الرسول جزء لا يتجزأ من العقيدة والوثوق به وموالاته والتسليم بصحة فهمه للدين جزء لا يتجزأ من الدين . لذلك فقوله فصل في كل امر من الامور لانه الاعلم والافهم بالعقيدة والافضل والانسب لقيادة اتباعها .
ثم اكتمل الدين وتمت النعمة الالهية ، وبين القرآن كل شيء ، وانتقل الرسول الى جوار ربه ، فترك العقيدة ، وهي القرآن الكريم ، والبيان وهو قول الرسول وفعله وتقريره . أما المرجعية بعده فموضوع آخر حيث تكون مهمتها بيان العقيدة الالهية وتكييفها على الوقائع الحياتية في زمن ذلك المرجع .
وللتوضيح نقول : ان العقيدة هي بمثابة السفينة ، وان المرجع هو بمثابة القبطان ، وان العقيدة هي بمثابة المخططات العامة والتفصيلية ، وان المرجع هو بمثابة المهندس المختص بفهم هذه المخططات . ان العقيدة هي المواد الاولية اللازمة لبناء الصرح المنشود ، وان المرجع هو معلم البناء .
ان العقيدة بناء فكري ، او ان شئت فقل شخص اعتباري قائم بذاته ، وان المرجع هو المعبر عن موقف هذا الشخص الاعتباري من القضايا المطروحة . ولك ان تقول : ان العقيدة هي الصيدلية الكبرى التي تحوي العلاج الشافي من كل داء ، وان المرجع هو الطبيب والصيدلاني الذي يشخص المرض ويصرف العلاج اللازم المناسب تماماً لهذا المرض من الصيدلية الكبرى ، وهي العقيدة .

تجذير الحكمة من وجود المرجعية

اذا اوحى الله تبارك وتعالى لكل انسان وجره الى الخير جراً ، وخصص له ملكاً من السماء يرافقه ويقومه ، فان هذا الانسان لا يستحق الاجر لانه مكره على الفعل او مكره على الامتناع عنه . والامر الذي يتناسب مع نظرية الابتلاء الالهية هو ان يرزق الانسان القدرة على التمييز بين الحق والباطل بعد ان بين له الله الحق من الباطل ويؤتيه القدرة على فعل الحق وفعل الباطل .
ثم يبين له الله الحق من الباطل والمباح والحلال والحرام ، ثم يعطي الانسان بعد ذلك الحرية ليعمل الحق بارادته وحريته ورضاه او يأتي الباطل بحريته ورضاه وارادته . هنا فقط يستحق الانسان المكلف الثواب اذا اصاب والعقاب اذا اخطأ .
تلك هي الارضية التي انطلقت منها فكرة الرسالات الالهية التي بني البشر ، وانطلقت منها فكرة المرجعية كضرورة من ضرورات بيان الرسالات الالهية ، فدارت فكرة الرسالة الالهية حول محورين :
1 ـ رسول يبلغ الرسالة وهي مرجعها الارضي .
2 ـ رسالة لها مضمون يتعذر تبليغها بدون رسول او مرجع . وهذه الرسالة معدة من قبل الله وهي مشروع هداية إلهية . فالله تعالى هو المرجع الاعلى للرسول في كل ما يتعلق بالرسالة ومضمونها وبيانها .
فالخطوة الاولى هي اختيار الرسول او المرجع .
والخطوة الثانية هي افهام الرسول مضامين هذه الرسالة الالهية ( العقيدة ) .
والخطوة الثالثة هي قيام الرسول بتبليغ هذه الرسالة لاصحابها وبيانها بياناً كاملاً ، ورصد ردة فعلهم عليها ليكون هو الشاهد . الناس يرجعون الى الرسول بوصفه المرجع الذي يفهم الرسالة فهماً يقينياً ، وما اشكل على الرسول من امور الرسالة يرجع به الى الله . تلك حقيقة لا يجادل بها إلاّ جاهل .
كان الرسول ـ اي رسول ـ هو المرجع لمن اتبعه ليوضح وليبين للاتباع ومن بلغ مضامين الرسالة وكيف تتحول هذه المضامين الالهية من النصوص النظرية الى التطبيق العملي ، وكيف تنفذ على الوجه الذي يرضى الله تعالى .
فاذا مات الرسول ـ اي رسول ـ فان العقيدة باقية بالضرورة ما دام لها اتباع ، ويستدعي بالضرورة وجود مرجع ليقوم بدور البيان والشهادة . وهذا من ضرورات الرسالة ، وعملية الابتلاء ان يكون للعقيدة الواحدة مرجع واحد ليقوم بقيادة مسيرة قافلة الايمان ، سواء اكانت على مستوى الدعوى او مستوى الدولة ان نجحت المرجعية بتحويل الدعوة الى دولته .

المرجعية اكبر من ان تنكر

قلت في مقال نشر في عدد جريدة اللواء الاردنية رقم 955 تاريخ 17 صفر عام 1412 هـ ما يلي : الاحزاب الدينية العربية لا تجهل ان الرسالات الالهية لبني البشر لم تتوقف طوال تاريخ الجنس البشري على الارض .
فهل تتفضل الاحزاب الدينية العربية مشكورة ومأجورة فتبين للمسلمين متى ارسل الله رسالة بدون رسول ؟ ومتى خصهم بعقيدة من دون مرجع ؟ معكم الدنيا طولاً وعرضاً ، فوقاً وتحتاً من لدن آدم حتى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فان لم تفعلوا ولن تفعلوا باذن الله فقد آن الاوان ان تتركوا التقليد الاعمى وان تتقوا الله في دينكم وانفسكم ، وفي امتكم وفي الجنس البشري الذي يعلق ضميره كبير الامال على دينكم لينقذه والعالم من براثن المادية المقرفة الى رحابة التكييف الالهي للاحداث والاحكام .
فالعقيدة الاسلامية لها مرجع وهو رسول الله ، وبعد موته بينت هذه العقيدة المرجعية من بعده ، لان المرجعية ضرورة من ضرورات الحياة .
فالاسرة لها مرجع ، والدولة لها مرجع ، والنظام له مرجع . وكل عقيدة الهية او وضعية لها مرجع بالضرورة ، لان المرجع عنصر اساسي لكل دعوة ولكل تجمع بشري ولكل عقيدة ولكل دولة . وسبب المصائب التي حلت بالمسلمين يعود في جوهره الى استبعاد المرجعية الشرعية التي عينها الله ، والتمسك بالمرجعية البديلة التي فرضتها الغلبة واستكان الناس لها بحكم التقليد .
المصادر :
 (1) راجع الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني وبهامشها الاستيعاب لابن عبد البر ص 5 وما فوق .
(2 و 3) راجع نظام الحكم للقاسمي ص 244 ـ 245 .
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.