سنة ٧٥٠ب.م: أزهرت الماسونيَّة في بغداد كثيرًا أيام تسلط الخلفاء العباسيين، فكانت بلاد العرب مظهر التمدن ومهد العلوم ومحطَّ الصنائع والفنون، وبعد سقوط القياصرة من الغرب انتقل البناءُون إلى سوريا وبلاد العرب، وساعدوا كثيرًا بصناعتهم وعلومهم على تقدم الماسونيَّة في بلاد العرب.
سنة ٧٧٥ب.م: دخلت البناية العربية إلى إسبانيا في عهد الخلفاء الأمويين، فكانت البنايات تشيد تحت مراقبة الجمعيات الماسونيَّة واستدعى الخلفاء كثيرًا من البنَّائين من بغداد وأحلوهم كوردو التي بناها الرومان سنة ٢٥٢ق.م فأنشئوا بنايات عظيمة وبلدان كثيرة وجوامع أنيقة كلها على النمط البيزنطي، واشتهرت قرطبة في ذلك الزمان بصناعتها وعلومها وتقدم البناء فيها فقصدها البناءُون من سائر أنحاء العالم.
وإذا كانت أعمال هذه الجمعية وأسرارها مجهولة التزمت أن تحور قليلًا من قوانينها وشرائعها قبل أن تمتد في البلاد لتوافق طبائع الأهالي وآرائهم، وكان المسلمون في ذلك العهد ذوي سطوة عظيمة، وكان تقدمهم في التمدن والحضارة عظيمًا لا ينازع، وانضمَّ كثيرون منهم إلى البنَّائين.
وفي زمن تسلط عبد الرحمن الأول الذي اشتهر بغناه المفرط ومحبتهِ للعلوم والصنائع كانت إسبانيا التي دُعيت منذ ذلك العهد أندلسًا زاهية زاهرة بعلماءَ أعلام، وأصبحت كوردو محط رحال علم البناية، فكان يتقاطر إليها الطلبة من أربعة أقطار العالم ليقتبسوا من سناها ويتدرَّبوا على النمط الأندلسي الذي أُنشئَ في ذلك العهد.
الماسونيَّة في فرنسا وبريطانيا
سنة ٧٨٠ب.م: عادت الماسونيَّة فأزهرت في فرنسا أيام تملَّك عليها شارلمان الذي عُرفت محبته للعلوم وتنشيطه للصنائع والفنون واستدعى من لومبارديا كثيرًا من البنَّائين الذين دُعوا ناحتي الحجارة.أَلْفِرِد الكبير
سنة ٨٧٥ب.م: تملَّك على بريطانيا أشهر ملوك السكسونيين، وهو أَلْفِرِد الكبير أو الأعظم فامتدت الماسونيَّة في أيامهِ امتدادًا عظيمًا، وأُنشئت الكنائس والقصور والمعالم والحصون، ورُمِّمت المباني القديمة التي كان حرقها الدانوان Danois في حربهم مع السكسونيين، ودُعي أَلْفِرِد الكبير حامي الماسونيَّة في بريطانيا.ولد أَلْفِرِد الأعظم سنة ٨٤٩ مسيحية، وجلس على كرسي الملك سنة ٨٧١، ولم يكن هو الوارث الحقيقي للملك، بل ابن أخيهِ أثلولد الذي كان لا يزال حيًّا يرزق، وقد اختاره أعيان مملكتهِ لاحتياجهم إليهِ في ذلك الزمان، فحارب الدنيمارك برًّا وبحرًا وانتصر عليهم مرارًا.
وكان ماسونيًّا عاملًا فأحيا الصناعة وحصَّن بلاده فبنى فيها القلاع المنيعة واهتمَّ بالبنَّائين اهتمامًا خصوصيًّا واعتنى بالمعارف فوضع للمدارس قوانين ونظامات وألَّف كتبًا متنوعة للتعليم وجعل بيته كمدرسة للاستفادة وفرض على أشراف وطنهِ وجوب تعليم أولادهم، وأسس مدرسة أُكسفورد الشهيرة.
وكان يقسم يومه ثلاثة أقسام؛ الأول للصلاة والمطالعة، والثاني للنظر في شئون مملكتهِ، والثالث للنوم والراحة والطعام، وكان ينير الشمع فيحسب احتراق كل قيراط من الشمعة بعشرين دقيقة ويجري في عملهِ على هذا القياس، ووضع قانونًا لبلادهِ بغاية الصرامة والعدل، ولم يسبقه إلى مثلهِ أحد في ضبط الأراضي الإنكليزية وحافظ على السلام حتى اشتهرت أيامه بالأمن. ولُقِّب بالكبير لعظمة أعمالهِ، وتوفي في فارندون بولاية يوركشير ودفن في ونشستر (انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون في مشاهير الماسون»).
وتولى بعد «أَلْفِرِد الكبير» ابنه «إدوارد» الملقب بالأكبر، وذلك سنة ٩٠١، وهو أول من دُعي ملك إنكلترا، وكان يدعو نفسه أحد ملوك سكسونيا الغربية، وقد أسس مدرسة كمبردج الجامعة وخلف أولادًا كثيرين. وبعد وفاتهِ سنة ٩٢٥ تولَّى ابنه «أثلستان» المُلك، وكان من مشاهير الماسون، وقد ترجم الكتاب المقدس في أيامهِ وانتشرت الماسونيَّة انتشارًا مهمًّا. انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون في مشاهير الماسون».
سنة ٨٧٦ب.م: اشتهر القديس سوينين الذي كان كاهنًا ونقاشًا في بريطانيا … إلخ.
سنة ٩٠٠ب.م: سمي إثلورد Ethelward، وصهره إثرد Ethred اللذان نبغا في صناعة النقش مراقبين لطائفة البنَّائين.
انتشار الماسونيَّة من بريطانيا الی العالم
سنة ٩٢٥ب.م: أخذت المدن البريطانية تنشئُ كل واحدة محفلًا خاصًّا لها، ولكن وجد رغمًا من قوانينها وشرائعها القاضية عليها بالوفاق التام والاتحاد المكين والمحبة العظمى تراخٍ في هذه الأمور، ولم تعد العلائق كالأول متينة، وكان المسبب لهذا الانقسام الحروب الداخلية التي دامت خمسة أجيال، وقسمت المملكة البريطانية بسببها إلى أقسام جُعل عليها ملوك مستقلون مما لا دخل لتفصيلهِ في هذا الكتاب، وما أشرنا إليهِ إلا لسبب الخسائر الماسونيَّة واحتراق أوراقها التي كانت محفوظة إلى ذلك العهد، وفي مدة ملك أَلْفِرِد الكبير الذي ذكرناه سابقًا، وابنه إدوارد الأكبر الذي عيَّن أخاه إثلورد وزوج أختهِ إثرد مراقبين للبنائين زهت الماسونيَّة وتقدمت لأن إثلورد كان عالمًا بارعًا ونقاشًا ماهرًا، وهو الذي بمعرفتهِ بُنيت كليَّة كمبردج وغيرها من المباني الفخيمة.سنة ٩٢٤ب.م: ولما توفي إدوارد سنة ٩٢٤ وتولى الملك بعده ابنه أثلستان سنة ٩٢٥ مسيحية كانت الماسونيَّة قد انتشرت في سائر الأنحاء، فحافظ أثلستان على مبادئها وجعل مركزها العمومي في مدينة يورك، وكان هذا الملك محبوبًا من جميع رعاياه وموقرًا من كبيرهم وصغيرهم حتى كان للجميع على اختلاف طبقاتهم كأخٍ وصديق فجاءه أمراءُ المملكة ونواب الأمة والأمراءُ الموالون له من أوروبا كلها بالهدايا الثمينة والتحف النفيسة علامة حبهم واحترامهم له فكانوا يفاخرون به وبآدابه وعدلهِ وبرهِ في رعيتهِ والتاريخ الإنكليزي الماسوني يمدحه ويطنب في مديحهِ كل الإطناب، وفي تلك الأثناء أدخل أخاه أدون في الماسونيَّة.
أثلستان وأخوه البرنس أَدوِن ١ الأستاذ الأعظم
ولما كان أثلستان ملكًا، وكانت حقوق المُلك تستدعيهِ إلى القيام بواجباتهِ ووقته لا يسمح له بالاجتماع مع الماسون كثيرًا عيَّن أخاه البرنس أَدوِن رئيسًا على الماسون ورسم له الخطة التي ينبغي أن يسير بموجبها وأمره أن يعقد كل سنة اجتماعًا حافلًا في مدينة يورك، ودعا المحفل الماسوني هناك المحفل الأعظم الذي يحمي بقية المحافل الماسونيَّة التابعة له.سنة ٩٢٩ب.م: في هذه السنة انتخب البنَّاءُون البرنس أدوِن رئيسًا للمحفل الأعظم نظرًا لأهليتهِ ولياقتهِ وما نظروا فيهِ من حُسن الشمائل وحميد الخصال، فبذل غاية جهدهِ لإنجاح الماسونيَّة وشغل كثيرين ببناء الكنائس والمعابد وترميم المباني التي خربت أثناء الحروب مع الدانيين وغيرهم من الأمم المتوحشة ووالى الاجتماع مع الماسون، فأزهرت الجمعية في أيامهِ.
واستدعى أَدوِن سائر رؤساء المحافل المعروفة في ذلك الزمان إلى مدينة يورك وعقد مجمعًا ناب فيهِ كل رئيس عن محفلهِ وقُدِّم له أوراق كثيرة وبقايا عن الماسونية باللاتينية واليونانية ولغات أخرى مختلفة، وبحث الإخوان الموجودون في ذلك المجمع عن الماسونيَّة وماهيتها وتاريخها، وتناقشوا في توحيدها وقرءوا الأوراق التي لديهم كلها فاستخلصوا منها شرائع وقوانين ماسونية أساسية سموها «لائحة يورك»، كما ترى في [الباب الأول، الفصل السادس] من هذا الكتاب، وتعهدوا بعضهم لبعض بحفظها والسير بموجبها (اقرأ ترجمة أثلستان وأَدوِن في كتابنا «الجوهر المصون في مشاهير الماسون»).
سنة ٩٣٠ب.م: بعد تنازل كونراد ملك جرمانيا عن الملك لخصمهِ هنري الأول الذي كان أميرًا لساكسونيا وصار ملكًا على جرمانيا طلب هنري جماعة البنَّائين من بريطانيا ليبنوا له الكنائس والأسوار والقلاع ونحوها، فساروا إلى هناك جماعة بعد أخرى على توالي الأيام والسنين وشيدوا كاتدرائية مكديورغ وميسين ومرسبورغ وغيرها.
قصر الحمراء بالأندلس
سنة ٩٣٦ب.م: بدأ البنَّاءُون من العرب بإنشاء قصر الحمراء في الأندلس زمن تسلُّط الأمير عبد الرحمن، وكان هذا القصر أنيقًا عظيمًا مشيدًا على أربعة آلاف وثلاثمائة عمود من الرخام الثمين الناصع البياض، وقد استحضر عبد الرحمن أمهر البنَّائين من بغداد والقسطنطينية وباتحادهم مع بنائي بلادهِ أتموا بناءَ ذلك القصر الملكي الدال على مهارة البنَّائين وكرَم الأمير.سنة ٩٣٨ب.م: في هذه السنة توفي البرنس أَدوِن الأستاذ الأعظم للماسون المذكور آنفًا، واختلف المؤرخون بسبب وفاتهِ، فذكروا أمورًا كثيرة الإضراب عنها أولى من ذكرها؛ لأنها غير مثبتة ولا تصدَّق عن الشهم الفاضل الملك أثلستان الذي اتُّهم بقتلهِ لسماعهِ أنه تآمر على خلعهِ من الملك، ولا يُعقَل أن أخًا فاضلًا عالمًا يأمر أتباعه أن يأخذوا أخاه بمركبٍ ويجوعوه حتى من عزَّة نفسهِ يلقي ذاته في البحر فيموت غرقًا. والروايات الكثيرة التي ذُكرَت عن موت هذا الفاضل وسيرة أثلستان المبرورة تنفي هذه التهمة، وقد تبرَّأ صاحب التاريخ الماسوني الإنكليزي من تصديق هذا الخبر، ولام الذين دوَّنوه ونفاه، وقال: إنه ليس لدينا خبر أكيد ولا التواريخ بيَّنت كيف مات أَدوِن، ولكننا نعلم أنه بعد وفاتهِ عاد أثلستان فتولى الرئاسة العظمى على الماسون مكان أخيهِ، وقد كان الحزن عامًّا على أَدوِن اللطيف الهمام.
سنة ٩٤٠ب.م: وفي أيام الملكة برتا Berthe ملكة برغونيا Bourgogne التي قصدت إحياء معالم بلادها وبناياتها بعد الحروب التي حدثت فيها استدعت من إنكلترا معلمين وصناع من الماسون، وبأمرها برئاسة ماكنتري رئيس الشغل الاسكوتلندي الماهر بنوا كنائس وأديرة ومحلات من أعظم بنايات ذلك الزمان، وأكثر هذه الأعمال العظيمة كانت بإدارة الأب ماجولس دي كلوني Majolus de Cluny فشيَّد دار أسقفية وكنيسة البنيدكتن في بايرن Payerne، وفي هذا العهد انتشرت الماسونيَّة من إنكلترا إلى بقية العالم، وكانوا يسمون أنفسهم إخوة ماري يوحنا.
سنة ٩٤١ب.م: في ٢٥ أكتوبر (ت١) من هذه السنة توفي الملك أثلستان في غلوسستر فحزنت الأمة عليهِ عمومًا والبنَّاءُون خصوصًا، وفي ترجمة حياتهِ بكتابنا «الجوهر المصون» الكفاية عنه. وبعد وفات أثلستان تشتت الماسون واضطربت أحوالهم ولم يشتهر أحد سوى ماكنبري البناء الاسكوتسي والنقاش الماهر، وبقيت الماسونيَّة متأخرة، وتولى الملك بعد أثلستان إِدْمُند بن إِدْوَرْد الأكبر سنة ٩٤١، وهذا حارب الدنيماركيون، وانتصر عليهم وقُتل سنة ٩٤٦ وهو يتعشى، فتولى الملك أخوه إدورد، وتوفي في ونشستر سنة ٩٥٥، وتولى مكانه أدوي بن إِدْمُند حفيد أثلستان فثار أهل مُرسيا ونوثمبريا عليهِ (أدوي) لسوء أدبهِ فأنزلوه عن الملك، وأقاموا مكانه أخاه إِدْغَر سنة ٩٥٨، ومات أدوي حزنًا سنة ٩٥٩.
سنة ٩٥٩ب.م: اشتهر دونستان (القديس دونستان) رئيس أساقفة كنتربري الذي كان رئيسًا أعظم للماسون، ومن بعد موت أثلستان إلى هذا التاريخ كانت الماسونيَّة منحطة؛ لأنها لم تلقَ عضدًا، ومع أن دونستان لمَّ شعثهم وشغلهم في بناء بعض المعابد لم ينجحوا (انظر ترجمة دونستان ﺑ «الجوهر المصون»).
سنة ٩٦٠ب.م: هاجر كثيرون من الماسون إلى ألمانيا وغيرها ودعوا أنفسهم إخوة ماري يوحنا، وظلوا بهذا الاسم في ألمانيا.
سنة ٩٧٥ب.م: وتوفي إِدْغَر سنة ٩٧٥ وبقيت الماسونيَّة منحطة إلى أوائل الجيل العاشر.
ذكرنا في [الباب الأول، الفصل السادس] من هذا الكتاب أن المجمع الماسوني العام انعقد سنة ٩٢٦، والصحيح سنة ٩٢٩، وقلنا: إنه كان برئاسة البرنس أَدْوِن ابن الملك أدلستون، والصواب أنه ابن إدوارد، وشقيق أثلستان وليس أدلستون ونفس هذا الغلط وقع في [الباب الأول، الفصل الثالث والفصل التاسع].
المصدر: راسخون2017