حقوق الهاشميين السياسية

لم تكتف بطون قريش بالحيلولة بين علي عليه السلام ورئاسة الدولة الاسلامية ، بل حرمت على اي هاشمي ممارسة اي وظيفة عامة ، فأبو بكر لم يستعمل اي هاشمي ، عمر كذلك ، وعثمان كذلك
Monday, July 10, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
حقوق الهاشميين السياسية
 حقوق الهاشميين السياسية



 

لم تكتف بطون قريش بالحيلولة بين علي عليه السلام ورئاسة الدولة الاسلامية ، بل حرمت على اي هاشمي ممارسة اي وظيفة عامة ، فأبو بكر لم يستعمل اي هاشمي ، عمر كذلك ، وعثمان كذلك (1) .
قال عبد الرحمن بن عوف ( ابايعك على شرط ان لا تجعل احدا من بني هاشم على رقاب الناس ) اي عدم تولية هاشمي ، فقال علي عند ذلك ( ما لك ولهذا اذا قطعتها في عنقي فان علي الاجتهاد لامة محمد حيث علمت القوة والامانة استعنت بها كان في بني هاشم او غيرهم ) قال عبدالرحمن ( لا والله حتى تعطيني هذا الشرط ) قال علي ( والله لا اعطيكه ابدا ) (2)
ومعنى ذلك انه لا يجوز للخليفة ان يستعمل هاشميا حتى ولو كان ذا قوة وذا امانة ، وتلك منتهى الصرامة ، ولا داعي للتذكير بأن عبد الرحمن نفذ بدقة وصية عمر .

ما هي الغاية من عدم استعمال الهاشمي ؟

الفاروق يجيب على ذلك ، فقد هم مرة ان يسعتمل ابن عباس ولكنه تردد واخبر الفاروق ابن عباس بتردد ، ولما سأله ابن عباس لماذا يخشى منه ويتردد في توليته ، فقال الفاروق ( يا ابن عباس اني خشيت ان يأتي علي الذي هو آت ـ يعني يموت ـ وانت على علمك فتقول : هلم الينا ولا هلم اليكم دون غيركم ... ) (3) .
معنى ذلك ان الفاروق يريد ان يطمئن انه حتى بعد موته بأن الخلافة لن تؤول لعلي او لاي هاشمي ، وهذا قمة الوفاء لشعار لا ينبغي ان يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة .

برح الخفاء وباحث الاسرار

قسمت بطون قريش قسمة خارجية ، فخصصت لبني هاشم النبوة لا يشاركهم بها احد من هذه البطون . فالنبوة خالصة لبني هاشم ، اما الخلافة ـ حسب هذه القسمة ـ فهي خالصة لبطون قريش مجتمعة ، تتداولها بينها ، لا يشاركها فيها هاشمي على الاطلاق . واعتقدت هذه البطون ان هذه القسمة عادلة تماما ، لذلك قررت بالاجماع ان لا تمكن الهاشميين من ان يجمعوا الخلافة مع النبوة . ولكنها لا تدري كيف تفعل ، هل تجعل هذه القسمة ملزمة للجميع ؟
ولا تدري كيف تضع قرارها موضع التنفيذ ، لانها اسلمت متأخرة فتأخرت . وبينما كانت البطون حائرة في امرها لا تدري ماذا تفعل ، برز ابن قريش البار عمر بن الخطاب معبرا عن ضميرها ومترجما قسمتها ، ومنفذا لقرارها ومبررا القسمة وشرعية القرار ، فاستحق بحق لقب ابن بطون قريش البار .
فعمر هو الذي حال بين رسول الله وبين كتابة ما يريد بحجة ان المرض قد اشتد برسول الله ، وان كتاب الله وحده يكفي ، ولا حاجة لكتابة الكتاب الذي اراد رسول الله كتابته ، واعوان عمر هم الذين ايدوا رأيه ، وتطرفوا بتأييد هذا الرأي ، حتى بلغ بهم التطرف حدا ان قالوا ( هجر رسول الله ، استفهموا انه يهجر ) وحتى اختلفوا وتنازعوا مع الفريق الذي ايد رسول الله ، وما كان لهذا الفريق ابدا ان يقول ما قال لولا ثقته المطلقة بالفاروق ومعرفته اليقينية بمضون هذا الكتاب .
فقد ادرك عمر بثاقب بصيرته ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد ان يجدد عهوده للولي ، فحال بينه وبين كتابة ما يريد ، بحجة ان المرض قد اشتد به ، فرأى انه ليس من الصواب ان يكتب النبي وصيته لان المرض قد اشتد به ، والفاروق نفسه لا يرى غضاضة من ان يكتب الصديق وصيته عند اشتداد المرض ، ولا حرج على الفاروق نفسه لو كتب وصيته عند اشتداد المرض به ، مع ان المرض قد اشتد به وبالصديق اكثر من اشتد برسول الله .
وحادثة الحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما اراد ثابتة لم يخلق بعد الذي سينكرها او سيقوى على تبريرها ، وحادثة وصية الصديق اثناء مرضه ، ووصية الفاروق اثناء مرضه ثابتة كطلوع الشمس من المشرق ، وهاتان الوصيتان هم اسس نظام الخلافة التاريخي .

تصريح الفاروق بأسباب المنع

حاور الفاروق يوما ابن عباس فقال له ( كيف خلقت ابن عمك ؟ )
قال ( فظننته يعني عبد الله بن جعفر )
قال : فقلت ( خلفته مع اترابه )
قال عمر ( لم اعن ذلك انما عنيت عظيمكم اهل البيت )
قال : قلت ( خلفته يمتح بالضرب وهو يقرأ القرآن )
قال ( يا عبد الله عليك دماء البدن ان كتمتنيها ، هل بقي في نفسه شيء من امر الخلافة ؟ )
قلت ( نعم )
قال ( ايزعم ان رسول الله نص عليه ؟ )
قال ابن عباس قلت ( وازيدك : سألت ابي عما يدعي من نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه بالخلافة فقال : صدق )
قال عمر ( قد كان من رسول الله في امره ذرواً ـ اي المكان المرتفع ـ من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا ، ولقد كان يربع ـ يمتحن في امره ـ وقتا ما ولقد اراد في مرضه ان يصرح باسمه فمنعته ) (4) .

رأي الفاروق بشعار : لا ينبغي ان يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة

قال عمر لابن عباس في حديث طويل دار بينهما ( يا ابن عباس ، اتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم )
قال ابن عباس ( فكرهت ان اجيبه ، فقلت : ان لم اكن ادري فان امير المؤمنين يدري )
فقال عمر ( كرهوا ان يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتجحفوا على قومكم بجحاً بجحاً ؟ ، فاختارت قريش لانفسها فاصابت ووفقت ) قال فقلت ( يا امير المؤمنين ان تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت ) قال ( تكلم )
قال ابن عباس فقلت ( اما قولك يا امير المؤمنين اختارت قريش لنفسها فأصابت ووفقت ، فلو ان قريشا اختارت لانفسها من حيث اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ، واما قولك : انهم كرهوا ان تكون لنا النبوة والخلافة فان الله عز وجل وصف قوما بالكراهة فقال ( ذلك بانهم كرهوا ما انزل الله فأحبط اعمالهم ) .
فقال عمر ( هيهات يا ابن عباس ، قد كانت تبلغني عنك اشياء اكره ان اقرك فتزيل منزلتك مني )
فقلت ( يا امير المؤمنين فان كانت حقا فما ينبغي ان تزيل منزلتي منك ، وان كانت باطلا فمثلي اماط الباطل عن نفسه )
فقال عمر ( بلغني انك تقول : حرفوها عنا حسدا وبغيا وظلما )
قال ابن عباس فقلت ( اما قولك يا امير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والعالم ، واما قولك حسدا فان آدم حسد ونحن ولده المحسودون ) .
فقال عمر ( هيهات هيهات ابت والله قلوبكم يا بني هاشم الا حسدا لا يزول ) قال فقلت ( مهلاً يا امير المؤمنين لا تصف بهذا قلوب قوم اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) (5) .

فرط الوفاء لهذا الشعار

لم يكتف الفاروق بالعمل على ترجمة شعار ( لا ينبغي ان يجمع الهاشميون النبوة مع الخلافة ) الى واقع وسيادة هذا الشعار في حياته ، انما عمل الفاروق وبكل قواه حتى يسود هذا المبدأ حتى بعد وفاته ، فهو حريص كل الحرص على ان لا تؤول رئاسة الدولة الاسلامية لعلي او لاي هاشمي بعد وفاته ، مثل حرصه على ان لا يتولى اي هاشمي اي عمل من اعمال الدولة الاسلامية ، حتى ولو كان هذا الهاشمي ذا قوة وذا امانة . فشرط عدم تولية الهاشمي حتى ولو كان ذا قوة وذا امانة لم يكن من عبد الرحمن بن عوف انما كان تنفيذا حرفيا لوصية الفاروق ، وهو على فراش الموت ، ونورد ثانية مقاطع من الواقعة التي رواها المسعودي في مروجه :
عندما مات عامل حمص ، ارسل عمر الى ابن عباس وهم بتوليته ثم عدل ، والسبب كما يذكره الفاروق :
( يا ابن عباس اني خشيت ان يأتي علي الذي هو آت ـ يعني موت عمر ـ وانت في عملك فتقول : هلم الينا ولا هلم اليكم دون غيركم ) (6) .
فالفاروق يريد ان يموت وهو مطمئن البال بأنه أياً من الولاة لن يدعو لبني هاشم ، ولن يساعد دعوتهم لترأس الدولة الاسلامية . ومن اجل هذا وضع الشرط عدم جواز تولية الهاشمي حتى ولو كان ذا قوة وذا امانة كما وثقنا ذلك مرارا .
وهذا منتهى الوفاء لشعار ( لا ينبغي ان يجمع الهاشميون النبوة والخلافة ) ولا احد من البطون يمكن ان يصل الى هذه الدرجة من الوفاء لهذا الشعار ، ولم يفرض هذا القيد على اي بطن من بطون المسلمين قط الا على الهاشميين .

هل امر الله بهذا الشعار ؟

هذا الشعار جاهلي من كل الوجوه ، كما اثبتنا مرتين ، فما امر الله به ، ولا امر به رسوله ، ولا تقره عقيدة الاسلام لا من قريب ولا من بعيد ، بل وهو يتعارض تعارضا كاملا مع النصوص الشرعية القولية والفعلية ، كالنصوص المتعلقة بتنصيب علي بن ابي طالب وليا من بعد النبي صل الله عليه وآله وسلم ، والتي عرضناها ووثقناها ، ويتعارض مع النصوص الواردة بضرورة التمسك بالعترة اهل البيت واعتبارهم احد الثقلين ، وسفينة النجاة وحزب الله ، وامان الامة من الاختلاف ، وان الشرف والرئاسة لمحمد وآله ، ولتأكيد هذه الحقيقة جعل الله الصلاة على محمد وآله ركناً من اركان الصلاة المفروضة ، وقد وثقنا ذلك اكثر من مرة فارجع اليه .

اذا لماذا يتمسك الفاروق بهذا الشعار ويخلص له ؟

لان الفاروق ـ حسب اجتهاده ـ يرى ان هذه القسمة ( النبوة للهاشميين والخلافة للبطون قسمة عادلة ) وان قريشا عندما قسمت هذه القسمة قد اهتدت ووفقت تماما ـ كما وثقنا ذلك ـ ثم من باب سد الذرائع ، فلو جمع الهاشميون النبوة مع الخلافة فان
ذلك اجحاف ويؤدي لاجحاف بني هاشم على بطون قريش ، والاجحاف ليس من الاسلام . اما علي بالذات فهو صغير السن بالنسبة لغيره ، وهو غير مؤهل ليكون وليا على المسلمين من بعد النبي ، ولكل ما اشرنا من اسباب ، وللحرص على الاسلام تبنى الفاروق هذا الشعار ، واخلص له بالرغم من ادراكه بأنه يتعارض مع ظاهر النصوص ، لان الفاروق لا يتعامل مع الظواهر انما يتعامل مع البواطن ومآلات الامور .
المصادر:
1- الامامة والسياسة ص 24 .
2- الامامة والسياسة ص 26 ـ 27 .
3- راجع مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 353 ص 454 وقد نقلنا حرفيا هذه القصة في باب المرجعية .
4- راجع شرح النهج لعلامة المعتزلة مجلد 3 ص 105 وقد نقلها عن تاريخ بغداد .
5- راجع الكامل في التاريخ لابن الاثير ج 3 ص 24 آخر سيرة عمر من حوادث سنة 23 وراجع شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن ابي الحديد مجلد 3 ص 107 اخرجه الامام احمد بن ابي الطاهر في تاريخ بغداد بسنده المعتبر الى ابن عباس وراجع شرح النهج تحقيق محمد ابو الفضل ج 12 ص 52 وراجع تاريخ الطبري ص 223 وج 2 ص 289 وراجع عبد الله بن سبأ للعسكري ج 1 ص 114 وملحق المراجعات ص 262 .
6- راجع مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 353 ـ 354 .
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.