السونار وعلم الغيب

قد يشكل على بعض الناس مواضعُ في كتاب الله، وأحاديث رسول الله"فيقول بعضهم: إذا كان الله قد علم كل ما هو كائن، وكتب ذلك كله عنده في كتاب فما معنى قوله: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ)
Sunday, July 30, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
السونار وعلم الغيب
 السونار وعلم الغيب



 

قد يشكل على بعض الناس مواضعُ في كتاب الله، وأحاديث رسول الله"فيقول بعضهم: إذا كان الله قد علم كل ما هو كائن، وكتب ذلك كله عنده في كتاب فما معنى قوله: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) (1)
وإذا كانت الأرزاق مكتوبة، والآجال مضروبة، لا تزيد ولا تنقص فما التوجيه لقوله ": من سرَّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه.
والجواب أن القدر قدران:
أحدهما: القدر المثبت، أو المطلق، أو المبرم: وهو ما في أم الكتاب اللوح المحفوظ فهذا ثابت لا يتغير، ولا يتبدل.
وثانيهما: القدر المعلق، أو المقيد: وهو ما في كتب الملائكة، فهذا هو الذي يقع فيه المحو الإثبات، فالآجال والأرزاق والأعمار، وغيرها مثبتة في أم الكتاب لا تتغير، ولا تتبدل، أما ما في صحف الملائكة فيقع فيه المحو والإثبات، والزيادة والنقص.
فإن الله أمر الملَك أن يكتب له أجلاً : إن وصل رحمه زدته كذا وكذا، والملَك لا يعلم أيزداد أم لا؟ لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر.
وقال في موطن آخر عندما سئل عن الرزق: هل يزيد وينقص؟
الرزق نوعان: أحدهما ما علمه الله أنه يرزقه، فهذا لا يتغير.
والثاني: ما كتبه، وأعلم به الملائكة، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب.
قال ابن حجر : كأن يقال للملَك مثلاً إنَّ عُمُرَ فلان مائة عامٍ مثلاً إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملَك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (2)
فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملَك.
وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة، ويُقال له: القضاء المبرم، ويقال للأول: القضاء المعلَّق.
ثم إن الأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه، فإن كان قد تقدم بأن يرزق العبد بسعيه واكتسابه ألهمه السعي، والاكتساب، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب، وما قدره له بغير اكتساب، كموت مُوَرِّثه يأتيه بغير اكتساب.
فلا مخالفة في ذلك لسبق العلم بل فيه تقيد المسببات بأسبابها، كما قدر الشبع والروي، بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، فهل يقول عاقل بأن ربط هذه المسببات بأسبابها يقتضي خلاف العلم السابق، أو ينافيه بوجه من الوجوه؟
هذا وقد سبق الحديث في أن الإيمان بالقدر لا ينافي فعل الأسباب.
يرد كثيراً في كتب الفلسفة، وعلم الكلام، وفي كتابات بعض المتأخرين: هل الإنسان مسير أو مخير؟
وهناك من يجيب على هذا السؤال بأن الإنسان مسير لا مخير، كما أن هناك من يجيب بأنه مخيَّر لا مُسَيَّر.
والحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال بهذا الإطلاق خطأ؛ ذلك أن الإجابة تحتاج إلى بعض التفصيل.
ووجه الخطأ في الإجابة بأن الإنسان مسيَّر لا مخير تكمن فيما يرد على هذه الإجابة من إشكال؛ فإذا قيل: إنه مسيَّر بإطلاق قيل: كيف يحاسب وهو مسيَّر؟ وكيف يكون مسيراً ونحن نرى أن له مشيئة وقدرة واختياراً؟ وما العمل بالنصوص التي تثبت له المشيئة، والقدرة، والاختيار؟
أما إذا أجيب بأنه مخير لا مسير فيقال: كيف يكون مخيَّراً ونحن نرى أنه قد ولد بغير اختياره؟ ويمرض بغير اختياره؟ ويموت بغير اختياره؟ إلى غير ذلك من الأمور الخارجة عن إرادته.
فإذا قيل: إنه مخير في أفعاله التي تقع بإرادته واختياره قيل: وأفعاله الاختيارية كذلك؛ فقد يريد أمراً، ويعزم على فعله، وهو قادر على ذلك فيفعله، وقد لا يفعله؛ فقد يعوقه ما يعوقه؛ إذاً فليس كل ما أراد فِعْلَه فَعَلَهُ؛ وهذا شيء مشاهد.
ومن هنا يتبين لنا وجه الخطأ في هذا الجواب؛ فلو كان الإنسان مُسَيَّراً بإطلاق لما كان له قدرة ومشيئة، ولو كان مخيَّراً بإطلاق لفعل كل ما شاءه؛ فمن قال بالتسيير بإطلاق فهو ألصق بمذهب الجبرية الذين قالوا: إن العبد مجبور على فعله، وأنكروا أن يكون له قدرة ومشيئة وفعل.
ومن قال بالتخيير بإطلاق فهو ألصق بمذهب القدرية النفاة الذين قالوا: بأن الأمر أنف، وأن العبد هو الخالق لفعله، وأنه مستقل بالإرادة والفعل.
فما الجواب إذاً عن هذا السؤال؟ وما المخرج من هذا الإشكال؟
الجواب: أن الحق وسط بين القولين، وهدى بين هاتين الضلالتين؛ فيقال وبالله التوفيق: إن الإنسان مخير باعتبار، ومسير باعتبار؛ فهو مخير باعتبار أن له مشيئةً يختار بها، وقدرةً يفعل بها؛ لقوله تعالى :
(فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (3)
وقوله: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (4)،
وقوله: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (5)
وقوله: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (6)
ولقوله ": احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. . .
وقوله: صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة: لمن شاء، إلى غير ذلك من الأدلة في هذا المعنى.
وهو مسير باعتبار أنه في جميع أفعاله داخل في القدر، راجع إليه؛ لكونه لا يخرج عما قدَّره الله له؛ فلا يخرج في تخييره عن قدرة الله؛ لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (7)
وقوله: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(8)
ولقوله ": كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
إلى غير ذلك من الأدلة في هذا المعنى.
ولهذا جمع الله بين هذين الأمرين كون الإنسان مخيراً باعتبار ومسيراً باعتبار كما في قوله تعالى : (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(9).
فأثبت عز وجل أن للعبد مشيئة، وبَيَّنَ أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، واقعة بها.
وكذلك الرسول " كما في قوله: ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار.
قالوا: يا رسول الله: فَلِمَ نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: لا، اعملوا فكلٌّ ميسر لما خلق له.
فهذا الحديث دليل لما سبق؟ فهو يدل على أن الإنسان مخير؛ لقوله": اعملوا وعلى أنه لا يخرج في تخييره عن قدر الله؛ لقوله: فكل ميسر لما خلق له.
هذا مقتضى أدلة الشرع والواقع في هذه المسألة.
فلعل في هذا التقرير إجابة شافية، وجمعاً بين النصوص في هذه المسألة.
ومما يستحسن في هذا الأمر أن يصحح السؤال؛ فبدلاً من أن يقال: هل الإنسان مسير أو مخير؟ كان الأولى أن يقال: هل للإنسان مشيئة وقدرة أوْ لا؟
والجواب كما تقدم وتلخيصه أن يقال: إن للإنسان مشيئةً يختار بها، وقدرةً يفعل بها، وقدرته ومشيئته تابعتان لمشيئة الله، واقعتان بها.
وبهذا يزول الإشكال، ويجاب عن هذا السؤال.
ومن هنا يتبين خطأ بعض من يكتبون عن القدر، وذلك حينما يصدِّرون كتاباتهم عن القدر بذلك السؤال: هل الإنسان مسير أو مخير؟ ويطنبون في الخوض فيه، والحديث عنه، دون خروج بنتيجة صحيحة في الغالب وكأن باب القدر لا يفهم إلا بالإجابة عن هذا السؤال.
وكان الأولى بهؤلاء إذا أرادوا أن يكتبوا عن القدر أن يصدِّروها بتوضيح القدر من أصله من خلال نصوص الكتاب والسنة، لا من خلال العقول القاصرة، فيوضحوا القدر بمراتبه الأربع، ويبينوا أنَّ الله أمر ونهى، وأنَّ على العبد أن يؤمن بالقدر ويؤمن بالشرع، فعليه تصديق الخبر، وطاعة الأمر، فإن أحسن فليحمد الله، وإن أساء فليستغفر الله.
وكذلك يبينون أن على العبد أن يسعى في مصالحه الدنيوية، ويأخذ بالأسباب المشروعة والمباحة، فإذا حصل على مراده حمد الله، وإن أتت الأمور على خلافه تعزى بقدره، وهكذا. . .
ففي ذلك الغنيةُ عن كثرة الخوض في مثل هذا السؤال؛ فالإنسان إذا فهم باب القدر على هذا النحو سلم من تلك الإيرادات والشبهات.

مسألة الهداية والإضلال مسألة عظيمة

ربما ظهر على بعض الألسنة أحياناً أسئلة في شأنها، فيقال: إذا شاء الله من الإنسان المعصية، ولم يشأ منه الطاعة، فَلِمَ يحاسبُه على ما يشاء منه؟
ولِمَ لم يشأ منه الطاعة كما شاءها من غيره؟
والجواب أن يُقال: إن الهداية والإضلال والطاعة والمعصية بمشيئة الله، والإنسان سبب في وقوعها، ومسؤول عنها؛ فذلك من الأصول القطعية عند أهل السنةِ، والقاعدةُ التي يتفق عليها العقلاء أن القطعيات لا تتناقض في نفسها وإن بدت لنا متناقضة؛ لقصور إدراكنا؛ فحسبنا أن نقف عند هذه القطعيات، ونؤمن بها جميعاً، ولا نرد منها شيئاً ولو لم نحط بها علماً؛ لأن مسألة القضاء والقدر لها تعلق بصفات الله؛ فالقدر قدرة الله، وقدرة الله كعلمه وحكمته وإرادته وسائر صفاته من جهة كونها معلومة المعنى مجهولة الكيفية؛ فكما أننا نعجز عن الإحاطة بصفات الله فكذلك نعجز عن الإحاطة بسر القدر الإلهي، ومن أسراره أن أضل الله وهدى، وأسعد وأشقى، وأمات وأحيا، وغير ذلك؛ لحكمة يعلمها ولا نعلمها، وهو العليم الحكيم.
ولا يضير المرء في إيمانه عجزه عن معنى الإحاطة بسر القدر؛ لأن ذلك ليس بمستطاع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
ولكن الذي يضيره أن يبني على عجزه أحكاماً، ويتصرف على غير هدى، ويرد بعض الأصول القطعية، ويضرب النصوص بعضها ببعض.
ومما لا نزاع فيه بين العقلاء أن للمالك أن يتصرف في ملكه كيف يشاء، ولا يلزم ليكون تصرفه سليماً أن يُدرك غيرُه الحكمة في تصرفاته، وليس لأحد حق الاعتراض عليه في تصرفه إذا لم يعلم السر في أفعاله.
ولا نزاع بينهم أن البارع في علم من العلوم، أو فن من الفنون، أو صنعة من الصنائع أنه قد يعمل أعمالاً لا تدركها عقول الذين لم يقفوا على أسرار ذلك العلم، أو الفن، أو الصنعة.
ولا يعني عدمُ إدراكهم لذلك القدحَ في ذلك العلم، أو الفن، أو الصنعة.
هذا بالنسبة للبشر القاصرين في علمهم وحكمتهم، فكيف بأحكم الحاكمين، وبمن وسع كل شيء رحمة وعلماً؟!
فإن حاولنا كشف ما طُوي عنا من أسرار القدر مما استأثر الله بعلمه كان ذلك تكلفاً بلا نتيجة، ومن حاول إدراك غير المستطاع فنتيجة محاولته أن يكون:
كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنها / فلم يضرها وأوهى قرنَه الوعلُ
ولو قُدِّر أن عالماً صالحاً أمر الناس بما ينفعهم، ثم أعان بعض الناس على فعل ما أمرهم به، ولم يعن آخرين لكان محسناً إلى هؤلاء إحساناً تامَّاً، ولم يكن ظالماً لمن لم يحسن إليه.
وإذا قدر أنه عاقب المذنب العقوبة التي يقتضيها عدله وحكمته لكان أيضاً محموداً على هذا وهذا.
وأين هذا من حكمة أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين؟! فأمره لهم إرشاد، وتعليم، وتعريف بالخير، فإن أعانهم على فعل المأمور كان قد أتم النعمة على المأمور، وهو مشكور على هذا وهذا.
وإن لم يعنه وخذله حتى فعل الذنب كان له في ذلك حكمة أخرى.
وليس اطلاع كثير من الناس بل أكثرهم على حكم الله في كل شيء نافعاً لهم، بل قد يكون ضارَّاً، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (10)
وهذه المسألة: مسألة غايات أفعال الله، ونهاية حكمته مسألةٌ عظيمة، لعلها أجل المسائل الإلهية .
وقال ابن قتيبة : وعدل القول في القدر أن تعلم أن الله عدل، لا يجور: كيف خلق؟ وكيف قدَّر؟ وكيف أعطى؟ وكيف منع؟ وأنه لا يخرج من قدرته شيء، ولا يكون في ملكوته من السماوات والأرض إلا ما أراد، وأنه لا دين لأحد عليه، ولا حق لأحد قبله، فإن أعطى فبفضل، وإن منع فبعدل .
وخلاصة القول في هذه المسألة أن الهداية والإضلال لله وحده؛ فالله أعلم حيث يجعل هدايته كما أنه أعلم حيث يجعل رسالته.
ولا يعني ذلك تعطيل الأسباب؛ فالله عز وجل نصب أسباباً، وجعلها طريقاً للوصول إلى الهدى، وحذَّر من أسباب الإضلال، وبيَّن أنها موصلة للردى، ويبقى بعد ذلك أن نستحضر أن ذلك كله بيد الله عز وجل فلا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون عما يفعلون.
هذا وقد مرت إشارات إلى هذه المسألة خصوصاً عند الحديث عن نسبة الشر إلى الله عز وجل وعن الحكمة من إرادة الله لما لا يحبه، وعن الحكمة من خلق إبليس والمصائب والآلام وتقدير المعاصي.
فهذا الإشكال يَرِدُ، ويلبس على كثير من الناس، وخلاصتة قولهم: إذا كان الله عز وجل يقول في سورة لقمان: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (11)
وإذا كان الرسول " يقول كما في الصحيحين، وغيرهما عن ابن عمر : في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله، ثم قرأ: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ). الآية.
فكيف نوفق بين ذلك، وبين ما نراه من علم الأطباء بذكورة الجنين من أنوثته؟
والجواب عن هذا الإشكال يسير بحمد الله، وقبل الدخول في ثنايا الإجابة لابد من تبيان مسألة مهمة، ألا وهي: أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته؛ لأن صريح القرآن الكريم، وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً.
بل قد صرح بذلك كثير من الكتاب الغربيين المنصفين، ومنهم الكاتب الفرنسي(موريس بوكاي) كما في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآنُ والعلم)؛ حيث بين في هذا الكتاب أن التوراة المحرفة، والإنجيل المحرَّف الموجودَين اليوم يتعارضان مع الحقائق العلمية، في الوقت الذي سجل فيه هذا الكاتب شهادات تَفَوُّق للقرآن الكريم سبق بها القرآنُ العلمَ الحديث.
وأثبت من خلال ذلك أن القرآن لا يتعارض أبداً مع الحقائق العلمية، بل إنه يتفق معها تمام الاتفاق.
وإذا تقرر ذلك نأتي إلى حل ذلك الإشكال فيقال:
1- أن اختصاص علم الله تعالى بما في الأرحام لا يقتصر على علمه بما فيها من ذكر أو أنثى فحسب، بل هو أعم من ذلك؛ فيشمل ما في الرحم من ذكر أو أنثى منذ اللحظة الأولى قبل التخليق، ويشمل ماذا في الرحم في كل لحظة وفي كل طور، من فيض وغيض وحمل، حتى حين لا يكون للحمل حجم ولا جرم، ويشمل العلم بملامح الجنين، وخواصه، واستعداداته.
ويشمل أيضاً العلم برزقه هل هو قليل أو كثير؟ وصفة ذلك الرزق هل هو حرام أو حلال؟ ويشمل العلم بأجله أقصير هو أم طويل؟ ويشمل العلم بعمله هل هو صحيح أو فاسد؟ ويشمل العلم بشقاوته من سعادته.
فهذا من علم ما في الأرحام، وهو مما اختص الله تبارك وتعالى بعلمه، فلا يُظْهِر عليه أحداً إلا من ارتضى من رسول أو ملَك أو غيرهما.
وليس في الآية تصريح بذكر العلم بالذكورة والأنوثة، وكذلك لم تأت السنة بذلك.
1  أن معرفة ما في الرحم هل هو ذكر أو أنثى لا يعلم إلا بعد تخليق الجنين.
أما المدة التي لم يُخَلَّق فيها الجنين فلا يعلم أحد فيها ذكورة الجنين من أنوثته؛ لأن ذلك من علم الغيب.
وقد اتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر.
ونفخ الروح في الجنين لا يكون إلا بعد تمام صورته، أي بعد تخليقه.
وبعد تخليقه لا يكون العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب؛ لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة، إلا أنه مستتر في الظلمات التي لو أزيلت لتبين أمره.
ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله  تعالى  من الأشعة أشعة قوية تخترق الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أو أنثى.
ولذلك فلا غرابة أن يعرف الجنين بعد أن يتخلق من خلال الأشعة الصوتية؛ فهذا من علم الشهادة، ومن العلم بظاهر من الحياة الدنيا، والله  عز وجل  لم ينفِ ذلك عن البشر، بل أثبته لهم كما في قوله: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(12).
قال ابن كثير  في تفسير آية لقمان 34: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ) : وكذلك لا يعلم مما يريد أن يخلقه  تعالى  سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى، أو شقيَّاً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك، ومن شاء من خلقه.

المصادر :
1  سورة الرعد: 39.
2  سورة الرعد: 39.
3  سورة الكهف: 29
4  سورة البلد:10
5  سورة البقرة:223
6  سورة آل عمران: 133.
7  سورة يونس: 22
8  سورة القصص: 68.
9  سورة التكوير: 28-29
10  سورة المائدة:101.
11  سورة لقمان:34،
12  الروم: 7
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.