
روى الصدوق في العيون : عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبي حبيب البناجي أنّه قال :
« رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله في المنام وقد وافى البناج ، ونزل بها في المسجد الذي ينزله الحاجّ في كلّ سنة ، وكأنّي مضيت إليه وسلّمت عليه ، ووقفت بين يديه ، ووجدت عنده طبقاً من خوص نخل المدينة ، فيه تمر صيحاني ، فكأنّه قبض قبضة من ذلك التمر ، فناولني منه ، فعددته ، فكان ثمانية عشر ، فتأوّلت أنّي أعيش بعدد كلّ تمرة سنة.
فلمّا كان بعد عشرين يوماً كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة حتّى جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا عليهالسلام من المدينة ، ونزوله ذلك المسجد ، ورأيت النّاس يسعون إليه ، فمضيت نحوه ، فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبيّ صلىاللهعليهوآله وتحته حصير مثل ما كان تحته ، وبين يديه طبق خوص فيه تمر صيحاني ، فسلّمت عليه ، فردّ السلام واستدناني ، فناولني قبضة من ذلك التمر ، فعددته فإذا عدده مثل ذلك التمر الذي ناولني رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فقلت له : زدني منه يابن رسول الله.
فقال : لو زادك رسول الله صلىاللهعليهوآله لزدناك » (1).
الإمام الرضا عليهالسلام يصف الدواء في المنام
روى الصدوق في العيون : عن أبي حامد أحمد بن عليّ بن الحسين الثعالبي ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبدالله بن عبدالرحمن المعروف بالصفواني ، قال :
« قد خرجت قافلة من خراسان إلى كرمان ، فقطع اللصوص عليهم الطريق ، وأخذوا منهم رجلاً اتّهموه بكثرة المال ، فبقى في أيديهم مدّة يعذّبونه ليفتدي منهم نفسه ، وأقاموه في الثلج ، وملؤا فاه من ذلك الثلج ، فشدّوه ، فرحمته إمرأة من نساءهم ، فأطلقته وهرب ، فانفسد فمه ولسانه حتّى لم يقدر على كلام ، ثمّ انصرف إلى خراسان وسمع بخبر عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام ، وأنّه بنيسابور ، فرأى فيما يرى النائم كأنّ قائلاً يقول له : إنّ ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله قد ورد خراسان فسله عن علّتك ، فربّما يعلّمك دواء تنتفع به.
قال : فرأيت كأنّي قد قصدته عليهالسلام وشكوت إليه ما كنت دفعت إليه ، وأخبرته بعلّتي.
فقال لي : خذ الكمّون والسعتر والملح ، ودقّه وخذ منه في فمك مرّتين أو ثلاثاً ، فإنّك تعافى.
فانتبه الرجل من منامه ولم يفكّر فيما كان رأى في منامه ، ولا اعتدّ به حتّى ورد باب نيسابور ، فقيل له : إنّ عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام قد ارتحل من نيسابور وهو برباط سعد ، فوقع في نفس الرجل أن يقصده ويصف له أمره ليصف له ما ينتفع به من الدواء ، فقصده إلى رباط سعد ، فدخل إليه ، فقال له : يابن رسول الله ، كان من أمري كيت وكيت ، وقد انفسد عليَّ فمي ولساني ، ولا أقدر على الكلام إلاّ بجهد ، فعلّمني دواء أنتفع به.
فقال الرضا عليهالسلام : ألم اُعلّمك ، إذهب فاستعمل ما وصفته لك في منامك.
فقال الرجل : يابن رسول الله ، إن رأيت أن تعيده علَيَّ.
فقال عليهالسلام لي : خذ من الكمّون والسعتر والملح فدقّه ، وخذ منه في فمك مرّتين أو ثلاثاً ، فإنّك ستعافى.
قال الرجل : فاستعملت ما وصف لي فعوفيت.
قال أبوحامد أحمد بن عليّ بن الحسين الثعالبي : سمعت أبا أحمد عبدالله ابن عبدالرحمن المعروف بالصفواني يقول : رأيت هذا الرجل وسمعت منه هذه الحكاية » (2).
لا شكّ أنّ القرآن الكريم نهانا أن نقصّ رؤيانا على كلّ أحد حتّى ولو كان ذلك الإنسان أخاً لنا ، فلو كان أحداً أقرب إلى الإنسان من الأخ لكان يعقوب عليهالسلام يسمح لولده يوسف أن يقصّ رؤياه على إخوته ، ولكنّه نهى عن ذلك حينما رأى الشمس والقمر والكواكب يسجدون له ، وقال :
( قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (3)
والعلّة في ذلك كيد السامع والمفسّر للرؤيا إثر حسده بالنسبة إلى الرائي ، وإن علم أنّه مجرّد رؤيا.
فقصّه يوسف عليهالسلام مع إخوته أدلّ دليل على وجوب كتمان ما يراه الإنسان وعدم بيانه إلّا على مَن كان أهلاً لذلك.
وقد نهينا أيضاً في بعض الأخبار عن الإسراع والإستعجال في تعبير الرؤيا ، حيث شبّهت الرؤيا والمنامات بالطائر الذي يرفرف على رأس الإنسان الذي لا قرار له ولا ثبات ، فإذا اُصيب بالرمية وقع على الأرض ، فكذا الرؤيا ، فإذا عبّرت استقرّت على الراءي.
روى الكليني في الكافي : عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن معمّر بن خلاّد ، قال : « سمعت أبا الحسن عليهالسلام يقول :
ربّما رأيت الرؤيا فاُعبّرها ، والرؤيا على ما تعبّر » (4).
وقال الطريحي في المجمع : « وفي الخبر عنه : الرؤيا على رِجل طائر ما لم تعبّر ، فإذا عبّرت وقعت.
قال بعض الشارحين : وجه الجمع بين هذين الخبرين ـ هذا الخبر والذي قبله ـ أنّه عبّر عن مطلق الرؤيا بكونها كالطائر الذي لا قرار له ولا ثبات له حتّى يحصل تعبيرها ، فإذا حصل صارت كالطائر الذي اُصيب بالضربة أو الرمية فوقع بعد طيرانه » (5).
فلمّا لم يكن كلّ إنسان له القابليّة على التعبير والتفسير حسب ما تشتهيه نفسه ، أو ما يؤدّي إليه نظره ، ذكر في بعض الروايات والأحاديث الإسلاميّة إلى بعض المميّزات التي لا بدّ أن يتّصف بها المُعبّر للرؤيا حتّى يكون تعبيره للرؤيا صحيحاً ، وهي :
1 ـ لا يكون رجل سوء
روى الكليني في الكافي : عن الحسن بن الجهم ، قال : « سمعت أبا الحسن عليهالسلام يقول : الرؤيا على ما تعبّر.
فقلت له : إنّ بعض أصحابنا روى أنّ رؤيا الملك كانت أضغاث أحلام.
فقال أبو الحسن : إنّ إمرأة رأت على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّ جذع بيتها قد انكسر ، فأتت رسول الله فقصّت عليه الرؤيا ، فقال لها النبيّ : يقدم زوجك ويأتي وهو صالح ، وقد كان زوجها غائباً ، فقدم ـ كما قال النبيّ صلىاللهعليهوآله ـ.ثمّ غاب عنها زوجها غيبة اُخرى ، فرأت في المنام كأنّ جذع بيتها قد انكسر ، فأتت النبيّ صلىاللهعليهوآله فقصّت عليه الرؤيا ، فقال لها : يقدم زوجك ويأتي صالحاً ، فقدم على ما قال.
ثمّ غاب زوجها ثالثة ، فرأت في منامها أنّ جذع بيتها قد انكسر ، فلقيت رجلاً أعسر ، فقصّت عليه الرؤيا ، فقال لها الرجل السوء : يموت زوجك.
قال : فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوآله ، فقال : ألا كان عبّر لها خيراً ».
2 ـ أن يكون مؤمناً خالياً من الحسد
روى الكليني : بسنده عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليهالسلام ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الرؤيا لا تقصّ إلاّ على مؤمن خلا من الحسد والبغي » (6).
3 ـ أن يكون عاقلاً
وعنه أيضاً : بسنده عن أبي جعفر عليهالسلام : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقول : إنّ رؤيا المؤمن ترفّ بين السماء والأرض على رأس صاحبها ، حتّى يعبّرها لنفسه أو يعبّرها له مثله ، فإذا عُبِّرت لزمت الأرض ، فلا تقصّوا رؤياكم إلاّ على من يعقل » (7).
4 ـ لا يحدّث بها إلاّ من يحبّ
وعن أبي سلمة ، قال : « كنت أرى الرؤيا فيهمّني حتّى سمعت أبي قتادة يقول : كنت أرى الرؤيا فيمرضني حتّى سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : الرؤيا الصالحة من الله ، فإذا رأى أحدكم ما يحبّ فلا يحدّث به إلاّ من يحبّ » (8).
5 ـ لا يحدّث بها إلاّ ناصحاً أو عالماً
وعن أبي أيّوب مرسلاً : عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، قال : « إنّ الرؤيا يقع على ما عبّر ، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله ينتظر متى يضعها ، وإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدّث بها إلاّ ناصحاً أو عالماً ».
6 ـ لا يحدّث بها إلاّ حبيباً أو لبيباً
وروي عن ابن زرين ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الرؤيا جزء من ستّة وأربعين جزءً من النبوّة ، وهي على رِجل طائر ، فإذا حدّث بها وقعت ، وأحسبه قال : لا تحدّث بها إلاّ حبيباً أو لبيباً ».
7 ـ لا يحدّث بها إلاّ وادّ أو ذي رأي
قال : وفي رواية اُخرى : « الرؤيا على رِجل طائر ما لم يعبّر ، فإذا عبّرت وقعت ، قال : وأحسبه قال : لا تقصّها إلاّ على وادّ أو ذي رأي » (9).
وقفة قصيرة
نقل العلاّمة المجلسي ضمن بيان عن البغوي حول كتمان الرؤيا عمّن لا يحبّه ، أو الحديث إلى العالم والناصح والحبيب واللبيب والوادّ وذي الرأي بياناً شافياً ، وإليك خلاصة ما نقل :
قال رحمهالله : « فيه إرشاد للمستعبر لموضع رؤياه ، فإن رأى ما يكره لا يحدّث به حتّى لا يستقبله في تعبيرها ما يزداد به همّاً ، فإن رأى ما يحبّه فلا يحدّث به إلاّ من يحبّه ؛ لأنّه لا يأمن ممّن لا يحبّه أن يعبّره حسداً على غير وجهه ، فيغمّه أو يكيده بأمر ، كما أخبر الله تعالى عن يعقوب حين قصّ عليه يوسف رؤياه :
( لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً ) » (10).
وقال أيضاً : «الوادّ لا يحبّ أن يستقبلك في تفسيرها إلاّ بما تحبّ ، وإن لم يكن عالماً بالعبارة لم يجعل لك بما يغمّك ، وأمّا ذوي الرأي فمعناه ذو العلم بعبارتها ، فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها أو بأقرب ممّا تعلم منها ، ولعلّه أن يكون في تفسيرها موعظة يردعك عن قبيح ما أنت عليه ، أو يكون فيها بشرى فتشكر الله عليها » (11).
والحاصل : يستفاد ممّا تقدّم أنّه من أراد أن لا يغّمه ما رآه في النوم ، إمّا أن يكتم رؤياه ولا يقصّها على أحد ، عالماً كان أو غيره ، وإمّا أن يقصّها على من يحبّه ، أو من كانت له علم وخبرة بعلم التعبير خالياً من الحقد والحسد ، أو كان عالماً وناصحاً.
المصادر:
1- عيون أخبار الرضا عليهالسلام : 2 / 210. إثبات الوصيّة : 204.
2- عيون أخبار الرضا عليهالسلام : 2 / 211.
3- يوسف 12 : 5.
4- الكافي : 8 / 335.
5- مجمع البحرين : 34.
6- الكافي : 8 / 336.
7- مستدرك الوسائل : 5 / 118.
8- بحارالأنوار : 58 / 174.
9- بحار الأنوار : 58 / 175.
10- يوسف 12 : 5./ بحار الأنوار : 58 / 175.
11- بحار الأنوار : 58 / 175.