الجبرية و القدر

الجبرية أو المجبرة: هم الذين غلوا في إثبات القدر، حتى أنكروا أن يكون للعباد قدرة، أو إرادة، أو اختيار؛ فيرون أن العباد مجبورون على أفعالهم، وأن العبد كالريشة في مهب الريح، وإنما تنسب إليه الأفعال مجازاً، فيقال: صلى،
Sunday, August 6, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الجبرية و القدر
الجبرية و القدر



 

الجبرية أو المجبرة: هم الذين غلوا في إثبات القدر، حتى أنكروا أن يكون للعباد قدرة، أو إرادة، أو اختيار؛ فيرون أن العباد مجبورون على أفعالهم، وأن العبد كالريشة في مهب الريح، وإنما تنسب إليه الأفعال مجازاً، فيقال: صلى، وصام، وقتل، وسرق كما يقال: طلعت الشمس، وجرت الريح؛ فأنكروا قدرة العباد، واختيارهم، واتهموا ربهم بالظلم، وتكليف العباد بما لا قدرة لهم عليه، ومجازاتهم على ما ليس من فعلهم، واتهموه بالعبث، وأبطلوا الحكمة من الأمر والنهي.
وأهم الفرق التي حملت لواء الجبر، حتى كاد يصير علماً عليها فرقة الجهمية أتباع الجهم بن صفوان الذي استقى تعاليمه من أستاذه الجعد ابن درهم الذي كان يقول بالجبر.
ولكن ذلك اشتهر عن تلميذه الجهم.
وقد نقلت كتب المقالات أقوال الجهم في القدر، فيقول البغدادي عن الجهم: وقال: لا فعل، ولا عمل لأحد غير الله تعالى .
وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز كما يقال: طلعت الشمس، ودارت الرحى من غير أن يكونا فاعلين، أو مستطيعين لما وُصِفتا به.
ويقول الشهرستاني عن الجهم: ومنها قوله في القدرة الحادثة: إن الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة، وإنما هو مجبور في أفعاله لا قدرة له، ولا إرادة، ولا اختيار.
وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجماد، وتنسب إليه الأفعال مجازاً كما تنسب إلى الجمادات، كما يقال: أثمرت الشجرة، وجرى الماء، وتحرك الشجر، وطلعت الشمس، وغربت، وتغيمت السماء، وأمطرت، واهتزت الأرض، وأنبتت إلى غير ذلك.
والثواب والعقاب جبر كما أن الأفعال كلها جبر.
قال: وإذا أثبت الجبر فالتكليف أيضاً كان جبراً.
هذا هو مذهب الجهم، وواضح ما في مذهبه من جبر خالص يجعل الإنسان في أعمال كورقة الشجر التي تحركها الرياح.
لكن مع هذا فإن الأشعري في المقالات يذكر رأي الجهم في القدر لكن مع اختلاف يسير عما ذكره البغدادي والشهرستاني.
يقول الأشعري عن الجهم بأنه زعم أنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وحده، وأنه هو الفاعل، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على سبيل المجاز.
كما يقال: تحركت الشجرة، ودار الفلك، وزالت الشمس.
وإنما فعل ذلك بالشجر والفلك والشمس سبحانه إلا أنه خلق للإنسان قوة كان بها الفعل، وخلق له إرادة للفعل، واختياراً له منفرداً بذلك كما خلق له طولاً كان به طويلاً، ولوناً كان به متلوناً.
هذا هو مذهب الجهمية الجبرية ومن وافقهم.
وقد استدلوا بآيات من القرآن الكريم، وبالعقل، وأهمها:
1- الآيات التي تدل على أن الله خالق كل شيء: مثل قوله تعالى: (ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (1)
وقوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(2)
وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (3)
فهذه الآيات تدل على أن الله خالق كل شيء، وأنه لا خالق إلا هو، وأفعال العباد شيء؛ فالله خالقها وحده، ومن ثم فلا قدرة، ولا إرادة للعباد في أفعالهم؛ فهم مجبورون غير مختارين.
2- الآيات التي تثبت المشيئة لله وحده، وأنه لا مشيئة للإنسان إلا تحت مشيئة الله: كقوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (4)
وقوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (5)
وقوله عز وجل: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (6)
وقوله تعالى: (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ) (7)
وغيرها من الآيات في هذا السياق؛ فهم يرون أن الإنسان إذا كان مسلوب الإرادة، والله هو الذي يشاء ويريد، ويهدي ويضل فهو الخالق لأعمال العباد، وهم مجبورون لا إرادة لهم، ولا مشيئة، ولا خلق.
3- ويستدلون بالآيات التي تنفي الفعل عن العبد، وتثبته لله: كقوله تعالى: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى).
وقوله عز وجل : (إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (8)
فهذه الآيات وما جرى مجراها عندهم نص في أنَّ الإنسان لا إرادة له ولا فعل.
4 واستدلوا بالعقل فقالوا: إن الله عَلِمَ وأراد أزلاً وجود أفعال العباد، وتعلقت قدرته بوجودها فيما لا يزال؛ فما وقع من أفعال العباد فهو بقضاء الله وقدرته، والعباد مجبورون عليها.
قول غلاة الصوفية في القدر
الصوفية وخصوصاً غلاتهم غلوا في الجبر خصوصاً ممن يزعمون الترقي في مقام الشهود للحقيقة الكونية، والربوبية الشاملة، فيرون كل ما يصدر من العبد من ظلم، وكفر، وفسوق هو طاعة محضة؛ لأنها إنما تجري وفق ما قضاه الله وقدره، وكل ما قضاه وقدَّره فهو محبوب لديه، مرضي عنه؛ فإذا كان قد خالف أمر الشرع بارتكابه هذه المحظورات فقد أطاع إرادة الله ونَفَّذَ مشيئته، فمن أطاع الله وقضاءَه وقدرَه هو كمن أطاعه في أمره ونهيه كلاهما قد قام بحق العبودية لله.
ومِنْ ثَمَّ فلا لوم، ولا تثريب، بل الكل مطيع بفعله لإرادة ربِّه، فصححوا بذلك إيمان فرعون وعبدة العجل، واليهود، والنصارى، والمجوس، كما صرح بذلك ابن عربي الصوفي بقوله:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي / إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صار قلبي قابلاً كلَّ صورةٍ / فمرعى لغزلان وديرٌ لرهباني
وبيتٌ لأوثان وكعبةُ طائفٍ / وألواح توراةٍ ومصحفُ قرآن
أدين بدين الحبِّ أنَّى توجهت / ركائبه فالحب ديني وإيماني
وكقول عبدالكريم الجيلي، وهو من أهل وحدة الوجود:
وأسلمت نفسي حيث أسلمني الهوى / ومالي عن حكم الحبيب تنازعُ
فطوراً تراني في المساجد راكعاً / وأني طوراً في الكنائس راتعُ
إذا كنتُ في حكم الشريعة عاصياً / فإني في علم الحقيقة طائعُ
يرى جمهور الأشاعرة ومتأخروهم أن الله عز وجل خالق أفعال العباد فيثبتون مرتبتي المشيئة والخلق، ولكنهم يقولون: إن أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله تعالى وحدها، وليس لقدرتهم تأثير فيها، بل الله سبحانه أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختياراً؛ فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارناً لهما؛ فيكون الفعل مخلوقاً لله إبداعاً وإحداثاً، ومكسوباً للعبد.
والمراد بكسبه إياه: مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك من تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلاً له.
فهم إذاً يرون أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى وهي كسب للعباد.
وعلى ذلك يترتب الثواب والعقاب، ولا تأثير لقدرة العبد في الفعل.
وهذا قول جمهور الأشاعرة، وهو القول الذي شنع بسببه المعتزلة على الأشاعرة؛ لأنهم لما لم يثبتوا للعبد قدرة مؤثرة لم يكونوا بعيدين من قول الجبرية الجهمية؛ فهم أرادوا أن يوفقوا بين الجبرية والقدرية؛ فجاءوا بنظرية الكسب، وهي في مآلها جبرية خالصة؛ لأنها كما مر تنفي أي قدرة للعبد أو تأثير.
ولهذا اشتهر المذهب الأشعري بناءاً على مقالتهم تلك بنظرية الكسب التي صارت علماً عليهم، فما معنى الكسب عندهم؟
للكسب عندهم تعريفات أهمها:
1- أنه ما يقع به المقدور من غير صحة انفراد القادر به.
2- أنه ما يقع به المقدور في محل قدرته.
3- أنه ما وجد بالقادر، وله عليه قدرة محدثة.
ويضرب بعضهم للكسب مثلاً في الحجر الكبير قد يعجز عن حمله رجل ، ويقدر آخر على حمله منفرداً به، إذا اجتمعا جميعاً على حمله كان حصول الحمل بأقواهما، ولا خرج أضعفهما بذلك من كونه حاملاً.
كذلك العبد لا يقدر على الانفراد بفعله، ولو أراد الله الانفراد بإحداث ما هو كسب للعبد قدر عليه، وَوُجِدَ مقدوره؛ فوجوده على الحقيقة بقدرة الله تعالى ولا يخرج مع ذلك المُكْتَسبُ من كونه فاعلاً، وإن وجد الفعل بقدرة الله تعالى.
وهكذا تؤول هذه النظرية جبرية خالصة كما مر، ويبقى الخلاف بينهم وبين الجبرية خلافاً لفظياً بل طريقتهم أكثر غموضاً.
أما حقيقتها النظرية الفلسفية فقد عجز الأشاعرة عن فهمها فضلاً عن إفهامها غيرهم، ولهذا قيل:
مما يقال ولا حقيقة تحته / معقولة تدنو إلى الأفهام
الكسب عند الأشعري والحال عنـ ـد البهشمي وطفرة النَّظَّام
وقد دار حول الكسب جدال طويل، ولم ينته الأشاعرة فيه إلى قول مستقيم.
ومن الأشاعرة من يرى أن الفعل واقع بقدرة العبد، وأن العبد له كسب، وليس مجبوراً، وهذا هو قول الباقلاني.
يقول: ويجب أن يعلم أن العبد له كسب، وليس مجبوراً، بل مكتسب لأفعاله من طاعة ومعصية؛ لأنه تعالى قال: (لَهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (9)
يعني من ثواب طاعةٍ، (وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (10)يعني من عقاب معصية.
وقوله: ( بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس)(11)
وقوله: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيْبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (12)
وقوله: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً) (13)
ويدل على صحة هذا أن العاقل منا يفرق بين تحرك يده جبراً، وسائر بدنه عند وقوع الهم به، أو الارتعاش وبين أن يحرك هو عضواً من أعضائه قاصداً إلى ذلك باختياره؛ فأفعال العباد هي كسب لهم، وهي خلق الله تعالى فما يتصف به الحق لا يتصف به الخلق، وما يتصف به الخلق لا يتصف به الحق، وكما لا يُقال لله تعالى إنه مكتسب، كذلك لا يُقال للعبد: إنه خالق.
المصادر :
1- سورة الأنعام:102
2- سورة الزمر:62
3- سورة فاطر:3
4- سورة القصص:68
5- سورة الإنسان:30
6- سورة التكوير:29
7- سورة المدثر:31
8- سورة النساء:78
9- سورة البقرة: 286
10- سورة البقرة: 286
11- الروم:41
12- سورة الشورى:30
13- سورة فاطر: 45
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.