
يتفرع نهر العلقمي من شط الفرات ويمرّ بمشهد أبي الفضل العباس عليهالسلام باتجاه قبر الامام الحسين عليهالسلام ثم يشق طريقه إلى قبر الشهيد الحر الرياحي عليهالسلام.
وفي معجم متن اللغة : من معاني علقمة : «النبق» وهو السدر فيستفاد من هذا أنّ ضفاف العلقمي كان مزروعاً بأشجار السدر ، وأنّ هناك سدرة كانت عند قبر الحسين عليهالسلام.
روى الشيخ الطوسي في الأمالي مسنداً عن يحيى بن المغيرة الرازي قال :
كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق فسأله جرير عن خبر الناس فقال : تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين عليهالسلام وأمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت.
قال : فرفع جرير يديه فقال : الله أكبر جاءنا فيه حديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : لعن الله قاطع السدرة ـ ثلاثاً ـ فلم نقف على معناه حتى الأن ؛ لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين عليهالسلام حتى لا يقف الناس على قبره (١).
وفي مدينة المعاجز : روى عن رجل أسدي قال : كنت زارعاً على نهر العلقمي بعد ارتحال عسكر بني أمية فرأيت عجائباً لا أقدر أن أحكي إلّا بعضاً منها : ... إذا هبت الريح تمر عليّ نفحات كنفحات المسك والعنبر وأرى نجوماً تنزل من السماء وتصعد مثلها من الأرض ، ورأيت عند غياب الشمس أسداً هائل المنظر يتخطى القتلى حتى وقف على جسد جللته الأنوار ، فكان يمرغ وجهه وجسده بدمه ، وله صوت عال ، ورأيت شموعاً معلقة ، وأصواتاً عالية وبكاءاً وعويلاً ، ولا أرى أحداً (٢).
وحكي في «الكبريت الأحمر» عن السيد محمد الدين محمد المعروف بمجدي من معاصري الشيخ البهائي في كتابه «زينة المجالس» المؤلف سنة (١٠٠٤) :
أنّ الوزير السعيد ابن العلقمي لما بلغه خطاب الصادق عليهالسلام للنهر «إلى الآن تجري وقد حرم جدّي منك» أمر بسدّ النهر وتخريبه ، ومن أجله حصل خراب الكوفة ، لأنّ ضياعها كانت تسقى منه (3).
قال عبد الباقي العمري :
بعداً لشطك يا فرات فمر لا / تحلو فانك لا هني ولا مري
أيسوغ لي منك الورود وعنك قد / صدر الامام سليل ساقي الكوثر
وقال الشيخ محسن أبو الحب الحائري رحمهالله :
إذا كان ساقي الحوض في الحشر حيدر / فساقي عطاشى كربلا أبو الفضل
على أنّ ساقي الناس في الحشر قلبه / مريع وهذا بالظمأ قلبه يغلي
وقفت على ماء الفرات ولم أزل / أقول له والقول يحسنه مثلي
علامك تجري لا جريت لوارد / وأدركت يوماً بعض عارك بالغسل
أما نشفت أكباد آل محمد / لهيباً ولا ابتلت بعل ولا نهل
من الحق أن تذوي غصونك ذبلاً / أسى وحياءً من شفاههم الذبل
فقال استمع للقول إن كنت سامعاً / وكن قابلاً عذري ولا تكثرن عذلي
ألا أن ذا دمعي الذي أنت ناظر / غداة جعلت النوح بعدهم شغلي
برغمي أرى مائي يلذ سواهم / به وهم صرعى على عطش حولي
جزى الله عنهم في المواساة عمهم / أبا الفضل خيراً لو شهدت أبا الفضل
لقد كان سيفاً صاغه بيمينه / علي فلم يحتج شباه إلى الصقل
اذا عدّ أبناء النبي محمد صلىاللهعليهوآله / رأه أخاهم من رأه بلا فضل
ولم أر ضام حوله الماء قبله / ولم يرو منه وهو ذو مهجة تغلي
وما خطبه إلّا الوفاء وقل ما / يرى هكذا خلاً وفياً مع الخل
يميناً بيمناك القطيعة التي / تسمى شمالاً وهي جامعة الشمل
بصبرك دون ابن النبي بكربلاء / على الهول أمر لا يحيط به عقلي
ووافاك لا يدري أفقدك راعه / أم العرش غالته المقادير بالثل
أخي كنت لي درعاً ونصلاً كلاهما / فقدت فلا درعي لدي ولا نصلي
وقال السيد جعفر الحلي في رثاء العباس عليهالسلام
وهوى بجنب العلقمي وليته / للشاربين به يداف العلقم
وقال السيد عبد الهادي الطعان :
جرعت أعداءك يوم الوغى / في حد ماضيك من العلقم
وقد بذلت النفس دون الحمى / مجاهداً يا بطل العلقمي (4)
العباس عليهالسلام في الميدان :
روى في «رياض المصائب» و «مهيج الأحزان» وغيرها :
«فلما أجاز الحسين عليهالسلام أخاه العباس للبراز ، برز كالجبل العظيم ، وقلبه كالطود الجسيم ؛ لأنه كان فارساً هماماً ، وبطلاً ضرغاماً ، وكان جسوراً على الطعن والضرب في ميدان الكفاح والحرب».
وروى في إكسير العبادات : «.. فسمع الحسين عليهالسلام الأطفال وهم ينادون : العطش .. العطش.
فلما سمع العباس ذلك رمق بطرفه إلى السماء وقال : إلهي وسيدي أريد أن أعتد بعدتي وأملأ لهؤلاء الأطفال قربة من الماء ، فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة في كفه وقصد الفرات.
وفي بعض مقاتل أصحابنا : انّه لما نادى الحسين عليهالسلام : أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله صلىاللهعليهوآله» خرج اليه أخوه العباس ، وقبّل بين عينيه وودعه وسار إلى الشريعة ، وإذا دونها عشرة آلاف فارس مدرعة ، فلم يهوّلوه ، فصاحت به الرجال من كل جانب ومكان : من أنت؟
فقال : أنا العباس بن علي بن أبي طالب ....
ودخل المشرعة وهمّ أن يشرب فذكر عطش أخيه الحسين فلم يشرب ، وحط القربة عن عاتقه واستقبل القوم يضربهم بسيفه كأنه النار في الأخطار وهو يقول :
أنا الذي أعرف عند الزمجرة / بابن علي المسمى حيدرة
فاثبتوا اليوم لنا يا كفرة / لعترة الحمد وآل البقرة (5)
تذكر وصية أبيه فلم يشرب :
في «معالي السبطين» عن كتاب «عدّة الشهور» :
لما كانت ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان وأشرف علي عليهالسلام على الموت أخذ العباس وضمه إلى صدره الشريف وقال : ولدي وستقر عيني بك في يوم القيامة ، ولدي إذا كان يوم عاشوراء ودخلت المشرعة إياك أن تشرب الماء وأخوك الحسين عليهالسلام عطشان (6).
أجل ؛ لقد وصل العباس إلى المشرعة ، وأقحم الماء فرسه ، وملأ كفه بالماء ، واستروح كبده الملتهب رائحة الماء وأحسّ ببرده إلا أنّه تذكر وصية أبيه ، وثار فيه الوفاء الذي ما بارحه آناً من حياته المباركة ، فرمى الماء من كفه وقال : والله لا أشربه وأخي الحسين عليهالسلام وعياله وأطفاله عطاشى ، لا كان ذلك أبداً ، وأنشأ يقول :
يا نفس من بعد الحسين هوني / وبعده لا كنت أن تكوني
هذا الحسين وارد المنون / وتشربين بارد المعين
هيهات ما هذا فعال ديني / ولا فعال صادق اليقين (7)
ولنعم ما قيل :
بذلت أيا عباس نفساً نفيسة / لنصر حسين عز بالجد عن مثل
أبيت التذاذ الماء قبل التذاذه / فحسن فعال المرء فرع عن الأصل
فأنت أخو السبطين في يوم مفخر / وفي يوم بذل المال أنت أبو الفضل
المصادر :
1- الأمالي (للطوسي) : ٣٢٥ المجلس ١١ ح ٩٨.
2- العباس (للمقرم) : ٣١٣ ، عن مدينة المعاجز : ٢٦٣ باب ١٢٧.
3- مقتل العباس (للمقرم) : ٣١٥ ، عن الكبريت الاحمر ٢ / ١١٢.
4- بطل العلقمي ٣ / ٣٨٣.
5- إكسير العبادات : ٣٣٥ المجلس ١٠.
6- معالي السبطين ١ / ٤٥٤ المجلس ٢١.
7- معالي السبطين ١ / ٤٤٦ المجلس ٢٠.