
أصبح الطلاق وانحلال الأسرة في عصرنا الحاضر مشكلة عالمية كبرى وكل يشتكي ويضـج من ذلك ، ومع أدنى ملاحظة ومتابعة يرى المتتبع ان المجتمعات الغربية والمتمدنة هي أكثر المجتمعات ضحيـة الطلاق وانهيار الأُسر العائلية وليس أدل على ذلك مـن ارتفـاع نسبـة الطلاق في امريكا نسبة مطردة :
جاء في مجلة ( الاسبوع الجديد ) الإمريكية تحت عنوان : ( الطلاق في امريكا ) كتبت هذه المجلة تقول :
( إن الطلاق في امريكا يسير بيسر استئجار السيارةالتاكسي) وقالت أيضاً : ( إن غيوم الطلاق لم تخيم على العلاقات الجديدة فقط . بل شملت امهات هذه العلاقات ، وجرت الأزواج والزوجات ذوات العلاقات القديمة ، بحيث اصبح معدل الطلاق في امريكا – منذ الحرب العالمية الثانية – لا تهبط نسبته عن ( 000 400 ) حالـة في العـام . السن المتوسط لمليوني امرأة أمريكية مطلقة 45 عاماً.
وقد كانت 62 % من النساء المطلقات ذوات أبناء لا تزيد أعمارهم حين الطـلاق عـن 18 سنة .
وبالنتيجة تشكل النساء المذكورات جيلاً خاصاً في حقيقة الأمر )( 1 ) .
وتتابع المجلة وتقول :
( تحس المرأة الإمريكية أنها تتمتع بقدر أكبر من الحرية بعد الزواج ، غير أن المطلاقات الإمريكيـات سواءٌ الشابات منهن أم متوسطات العمر لا يتمتعن بالسعادة ، ويمكن أن نلمس خيبة الأمل هذه من خلال ارتفاع نسبة مراجعـة النساء للعيادات النفسيـة ، وازديـاد نسبة لجوئهن إلى استخدام المشروبات الكحولية ، أو ارتفاع نسبة الإنتحار بينهن .
فمن بين كل 4 مطلقات تعتاد واحـدة منهن على تنـاول الكحول ، ونسبة الإنتحار بينهن تعادل ثلاث مرات نسبة الإنتحار بين النساء المتزوجات .
والخلاصة : أن المرأة الإمريكية بعد خروجها منتصرة من قاعة محكمة الطلاق تقف على حقيقة أن الطـلاق ليس كما تخيلتـه فهو ليس الفردوس المطلوب … فالعلم الـذي يعتبر الـزواج أعمق رابطة انسانية بعد القوانين الطبيعية ، يصعب عليـه أن يتوفر على وجهـة نظر حسنة بصدد المرأة التي تُظهر هذه العلاقة بمظهر العلاقة المفككة . مـن الممكن أن يحترم المجتمع مثل هذه المرأة ويغبطها ، إلاّ أنـه – أي المجتمع – لا ينظر إطلاقاً لمثل هذه المرأة نظرته لتلك التي تشارك الآخر حياته وتجلب له السعادة )( 2).
( في مدينة ( رينو ) تمنح المحاكم أحكام الطـلاق بمعدل حكم واحد كل عشر دقائق ! فكم تظن من هذه الزيجات أخفق بسبب مأساة حقيقية ؟ لو أنك جلست في محاكم ( رينـو ) وانصت إلى أقوال أولئك الأزواج الاشقياء لعرفت حقاً أن الحب ذهب لأتفه السبب ! )( 3).
هـذه المرأة الإمريكية والغربية تعيش التعاسة وخيبة الأمل بل وتعيش جحيم الدنيا قبل جحيم الآخرة وتفضل الموت على الحياة ، مع ماعندها من الحرية الجنسية والإنحطاط الأخلاقي ، فكيف حينئذ بغيرها ؟ .
خطر الطلاق :
فالمرأة ينبغي لها أن تفضل الموت على الطلاق إذا خيرت بينهما لأنها سوف تعيش التعاسة وجحيم الدنيا ولا تقوم لها قائمة سعيدة ، ولنترك المرأة الغربية والإمريكية الغارغة في مشاكلها التي لايخلصها إلاّ الإسلام ، ولنقترب من المرأة في مجتمعنا الإسلامي ودراسة أسباب الطلاق وانهيار الإسرة في ذلك ونقول بكلمة مختصرة : أنها لاسعادة لها إلاّ بالإسـلام فكل مـا اقتربت منه وصار منهجاً لحياتها رأت السعادة وعاشت الحياة الزوجية والعائلية السعيدة ، وبمقدار ماتبتعد عن الإسلام وتقترب مـن العادات الغربيـة والأوربية فإنها سوف تصبح ضحية الطلاق والتفكك العائلي والأسري .
أسباب الطلاق :
وإليك بعض أسباب الطلاق في مجتمعنا الحاضر ، ولعله يوجد أسباب أخرى ندرسها في وقت آخر انشاء الله :
التشكيك في عفة الزوجة :
قد تقدم أن مـن الصفات الحسنة للعروس ومحاسنها هي العفة ومن أهم الأسس الأولية للحياة الزوجية الثقة بين الزوجين ولكن يجب على المرأة بالأخص أن تزرع الثقـة في قلب زوجها وتبتعد عـن كل دنس وعن كل احتمال يؤدي إلى إتهامها والتشكيك بها .
وتشكيك الزوج بزوجتـه ، وعدم الاطمئان بها هو أهـم عامل في انهيار العلاقة الزوجيـة والتي تـؤدي إلى الطـلاق والفراق بينهما وتشتيت العائلة.
وهذا التشكيك مـن الزوج ، سواء كان له واقع ومبرارته من سلوك الزوجة وتصرفاتها ، أو لم يكن له واقع ، وإنما هو مجرد إتهام وبهتان .
مسؤولية الزوجة في ذلك
يجب عليها أن تلتفت إلى أهميـة العفة ، ومحافظة المرأة على كرامتها وسمعتها ، وكرامة أهلها ،وزوجها ، وبدون عفتها ومحافظتها على نفسها ، لا يمكن ان تعيش عيشة سعيدة لا في الدنيـا ولا في الآخرة ، وقد تقدمت الروايات الكثيرة في ذلك ، وإذا كانت الزوجة مطمئنة من نفسها وسلامتها فلابد أن تُجَنِّبَ نفسها عن كل أمر يـوجب الريبة والشك والاتهام من قبل زوجها أو غيره .
فعن أمير المؤمنينعليه السلامقوله : ( مَنْ وضع نفسه مواضع التهمة فلا يَلُومَنَّ مَنْ أساءَ بِه الظَّنَّ )( 4 ).
وقد تقدمت الرواية عن الإمام الصادقعليه السلاموالتي يقول فيها: ( لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهن : صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها حال المحبوب والمكروه ، وحياطته ليكون ذلك عاطفا عليها عند زلة تكون منها …)( 5).
فإذا كانت المرأة تريد أن تستقر حيـاتها الزوجيـة ، وتعيش الحياة الزوجية السعيدة فيجب أن تبتعد عن مواطن الشبهة والاتهام ،خصوصا وأن وسائل الكشف والمتابعة قد تطورت ، وأصبح بإمكان الزوج أن يتعرف على سلوكيات زوجته بشكل دقيق من حيث تعلم أو لا تعلم .
ومسؤولية الزوج في ذلك :
يجب عليه أن يراقب الله في ذلك أولاً وقبل كل شيء ؛ فإنه إن كان عند الرجل غيرة على أهله وحرمه ، وهذه الغيرة من الايمان ، ولكن هذه الغيرة يلزم أن تكون بتحصن .
كما جاء عن الإمـام الصادق عليه السلام : ( إن المرء يحتاج في منزله وعياله ثـلاث خـلال وإن لم يكن في طبعه ذلك : معاشرة جميلة ، وسعة بتقديـر ، وغيرة بتحصّن )( 6 )
بمعنى – والله العالم – أن يكون هو محصّن نفسه وملتزم لا أنه يغار على زوجته ولا يغار على نفسه .
ويحتمل أن يراد : أن تكون غيرته بتعقل واتزان لا بتهور .
كما أنـه يجب عليه أن يراقب الله سبحانه في اتهامه لزوجته ، فإن القرآن الكريم شـدد في أمر قذف الزوج لزوجته ، وجعل على ذلك عقوبة وهي الجلد إذا لم يثبت ذلك أمـام المرافعـة والحكم حتى ينفذ فيها الحكم العادل .
قال تعالى :وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَـاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (*) إِلَّا الّـَذِينَ تَابُوا مِـنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَـإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 7).
فالزوج إذا لم يأتي بأربعة رجـال انهم نظروا إلى عملية الزنا أو ثلاثة وهو رابعهم ، فإنه يقام عليه حد القذف ، فيما لو ادعى عليها أنها زانية .
بل يحاول الزوج أن لا يفتح إلى نفسه وقلبه باب الشك والريبة فإن هذه الصفة من الصفات المذمومة للزوج .
فقد جاء في الصحيح عن جابر بن عبدالله ( الانصاري ) عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : ( ألا أخبركم بشر رجالكم ؟ فقلنا : بلى . فقال : إن من شر رجالكم : البهّات ، البخيل ، الفاحش ، الآكل وحده ، المانع رفـده ، الضارب أهلـه وعبـده ، الملجيء عيالـه إلى غيره ، العاق بوالديه )( 8 ).
والبهّات : كثير البهتان والاتهام سواء كان لزوجته أو غيرها.
والفاحش : إما الذي يستعمـل الفحشـاء أو الذي يتكلم بالفحشاء ويكون لسانـه بذيـاً .
وهذه كلها صفات مذمومة تؤدي إلى سوء العاقبة وبالأخص فيما يرجع إلى الحياة الزوجية .
هذا إذا كان من الزوج على وجه الاحتمال أو لاجل مبررات غير واقعية. وأما لو علم الزوج علم اليقين بانحراف زوجتـه خلقياً فلابد من معالجة الموقف بشكل هادي وبدون ضجة أو إفشاء ذلك أمام الآخرين .
فيعالج الموقف إمـا بالحبس في البيت ومنعها من الخروج ، أو منع دخول الرجال واصدقاءه منزله، أو بأي شكل آخر يتناسب ، ولا يجوز أن يتغافل ويكون لا أبالي فإنه يكون بذلك ( ديوث ) وقد ذمت الروايات هذه الصفة من الرجل( 9).
وقد يكون آخر الأمر سبب ومبرر لفراقها .
انحراف الزوج :
إن صلاح الزوج له الأهميـة الكبرى في صـلاح العائلة وتماسكها واستقرارها ، وإذا انحرف الزوج سبب ذلك انحرافاً للعائلة باجمعها
وبالأخص الزوجة، فإذا علمت الزوجة من زوجها الانحراف الخلقي فقد يؤدي بها إلى الانحراف كذلك ، ومهما كان هو منحرفاً فإنه لا يرضى لزوجته الانحراف ، وتأبى غيرته ذلك فيؤدي ذلك إلى النزاع والاختلاف ، ومهما كانت النتيجة فإن الزوج إذا انحرف فتح الباب لإنحراف زوجته وعائلته :
1 – فقد جاء عن الإمام الصادقعليه السلام: ( إن الله أوحى إلى مـوسى عليه السلام: لا تزنوا فتزني نساؤكم ومن وطيء فـراش امرء مسلم وطيء فراشه كما تدين تدان )( 10 ) .
2 – وعن الإمام الصادق عليه السلام (عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم)( 11 ).
3 – وعن الإمام الباقرعليه السلامقال : فيما أوصى الله إلى موسى عليه السلام : ( من زنى زني به ولو في العقب من بعده … )( 12 ).
4 – وعن الإمام الكاظمعليه السلامقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( تزوجوا إلى آل فـلان فإنهم عفوا فعفت نساؤهم ، ولا تزوجوا إلى آل فـلان فإنهم بغوا فبغت نساؤهم . وقـال : مكتوب في التوراة إن الله قاتل القاتلين ، ومفقر الزانين ، لا تزنوا فتزني نساؤكم ، كما تدين تدان )( 13 ).
فـإذا كان الزوج منحرفاً أخلاقياً فإنـه يؤدي إلى انحراف العائلة وسوف تتفكك وأقرب شيء إلى ذلك هو الطلاق .
المصادر :
1- حقوق المرأة في النظام الإسلامي للشهيد مطهري ص 267 .
2- نفس المصدر السابق عن بعض المجلات الأمريكية.
3- كيف تكسب الأصدقاء ص 92 .
4- نهج البلاغة باب الحكم رقم : 160 .
5- ميزان الحكمة ج4 ص284 عن البحار .
6- ميزان الحكمة ج4 ص285 عن البحار .
7- سورة النور آية : 4 و 5 .
8- الوسائل كتاب النكاح باب7 من مقدمات النكاح ح2 .
9- انظر الوسائل كتاب النكاح باب16 من أبواب النكاح المحرم ح 1 – 5 .
10- الوسائل كتاب النكاح باب1 من النكاح المحرم ح20 .
11- ميزان الحكمة ج4 ص246 عن البحار ج70 ص19 .
12- الوسائل كتاب النكاح باب31 من أبواب النكاح المحرم ح2 .
13- الوسائل كتاب النكاح باب31 من أبواب النكاح المحرم ح7 . وقريب منه في : كنز العمال ح44704 و45637 .