العباس عليه‌السلام و المارد

وكان في عسكر عمر بن سعد رجل يقال له «المارد بن صديف التغلبي» فلما نظر إلى ما فعله العباس من قتل الأبطال ، خرق أطماره ولطم على وجهه ، ثم قال لأصحابه : لا بارك الله فيكم ؛ أما والله لو أخذ كلّ واحد منكم ملأ كفّه
Wednesday, August 30, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
العباس عليه‌السلام و المارد
العباس عليه‌السلام و المارد



 

وكان في عسكر عمر بن سعد رجل يقال له «المارد بن صديف التغلبي» فلما نظر إلى ما فعله العباس من قتل الأبطال ، خرق أطماره ولطم على وجهه ، ثم قال لأصحابه : لا بارك الله فيكم ؛ أما والله لو أخذ كلّ واحد منكم ملأ كفّه تراباً لطمرتموه ، ولكنكم تظهرون النصيحة وأنتم تحت الفضيحة.
ثم نادى بأعلى صوته : أقسم على من كان في رقبته بيعة للأمير يزيد ، وكان تحت الطاعة إلّا اعتزل عن الحرب وأمسك عن النزال فأنا لهذا الغلام!! الذي قد أباد الرجال ، وقتل الأبطال ، وأروى الشجعان وأفناهم بالحسام والسنان ، ثم من بعده أقتل أخاه الحسين عليه‌السلام ومن بقى من أصحابه معه.
فقال له الشمر : إذ قد ضمنت أنّك تكون كفو الناس أجمع ارجع معي إلى الأمير عمر بن سعدو أطلعه على أنك تأتيه بالقوم أجمعين إذا كان بك غنىً عنا.
فقال له المارد : يا شمر! أما والله ما فيكم خير لأنفسكم فكيف تعيرون غيركم؟!
فقال له شمر : ها نحن نرجع إلى رأيك وأمرك وننظر فعالك معه.
ثم قال الشمر للناس : اعتزلوا الحرب حتى ننظر ما يكون منهما.
فأقبل المارد بن صديف ، وأفرغ عليه درعين ضيقي الزرد ، وجعل على رأسه بيضة ، وركب فرساً أشقر أعلى ما يكون من الخيل ، وأخذ بيده رمحاً طويلاً ، فبرز إلى العباس بن علي عليه‌السلام فالتفت العباس فرآه وهو طالب له يرعد ويبرق ، فعلم أنّه فارس القوم ، فثبت له حتى إذا قاربه صاح به المارد :
يا غلام!!! ارحم نفسك واغمد حسامك وأظهر للناس استسلامك ، فالسلامة أولى من الندامة ، فكم من طالب أمر حيل بينه وبين ما طلبه وغافصه أجله ، واعلم أنّه لم يحاربك في هذا اليوم رجل أشدّ قوة مني ، وقد نزع الله الرحمة عليك من قلبي ، وقد نصحت إن قبلت النصيحة ، ثم أنشأ يقول :
إني نصحت إن قبلت نصيحتي / حذراً عليك من الحسام القاطع
ولقد رحمتك إذ رأيتك يافعاً / ولعل مثلي لا يقاس بيافع
اعط القياد تعش بخير معيشة / أولا فدونك من عذاب واقع
قال : فلمّا سمع العباس كلامه وما أتى به من نظامه قال له : ما أراك أتيت إلّا بجميل ، ولا نطقت إلّا بتفضيل ، غير أني أرى حيلك في مناخ تذروه الرياح ، أو في الصخرة الأطمس لا بقتله الأنفس ، وكلامك كالسراب يلوح ، فاذا قصد صار أرضاً بوراً ، والذي أصلته أن استسلم اليك فذاك بعيد الوصول ، صعب الحصول ، وأنا ـ يا عدو الله وعدوّ رسوله ـ فمعوّد للقاء الأبطال ، والصبر على البلاء في النزال ، ومكافحة الفرسان ، وبالله المستعان ، فمن كملت هذه فيه فلا يخاف ممن برز اليه ، ويلك ؛ أليس لي اتصال برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا غصن متصل بشجرته ، وتحفة من نور جوهره ، ومن كان من هذه الشجرة فلا يدخل تحت الذمام ، ولا يخاف من ضرب الحسام ، فأنا ابن علي لا أعجز من مبارزة الأقران ، وما أشركت بالله لمحة بصر ، ولا خالفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما أمر ، وأنا منه والورقة من الشجرة ، وعلى الأصول تثبت الفروع ، فاصرف عنك ما أملته ، فما أنا ممن يأس على الحياة ولا يجزع من الوفاة ، فخذ في الجد واصرف عنك الهزل ، فكم من صبي صغير خير من شيخ كبير عند الله تعالى ، ثم أنشأ يقول :
صبراً على جور الزمان القاطع / ومنية ما أن لها من دافع
لا تجزعن فكل شيء هالك / حاشا لمثلي أن يكون بجازع
فلئن رماني الدهر منه بأسهم / وتفرق من بعد شمل جامع
فكم لنا من وقعة شابت لها / قمم الأصاغر من ضراب قاطع
قال : فلما سمع المارد كلام العباس وما أتى به من شعره لم يعط صبراً دون أن خفق عليه بالحملة ، وبادره بالطعنة ، وهو يظن أنّ أمره هيّن ، وقد وصل اليه ، وقد مكّنه العباس من نفسه ، حتى إذا وصل اليه السنان قبض العباس الرمح وجذبه اليه ، فكاد يقلع المارد من سرجه ، فخلّا له الرمح وردّ يده إلى سيفه ، وقد تخلله الخجل عندما ملك منه رمحه.
قال : فشرع العباس الرمح للمارد فصاح به : يا عدو الله ؛ إنّني أرجوا من الله ـ تعالى ـ أن أقتلك برمحك ، فجال المارد على العباس وقحم عليه ، فبادره العباس وطعن جواده في خاصرته ، فشبّ به الجواد فاذا المارد على الأرض ، ولم يكن لللعين طاقة على قتال العباس راجلاً ؛ لأنه كان عظيم الجثة ثقيل الخطوة ، فاضطربت الصفوف وتصايحت الألوف وناداه الشمر : لا بأس عليك ، ثم قال لأصحابه : ويلكم ادركوا صاحبكم قبل أن يقتل.
قال : فخرج اليه غلام له بحجرة (فرس) يقال له «الطاوية» ، فلما نظر اليه المارد فرح بها وكف خجله وصاح : يا غلام عجّل بالطاوية قبل حلول الداهية ، فأسرع بها الغلام اليه ، فكان العباس أسبق من عدو الله اليها ، فوثب وثبات مسرعات وصل بها إلى الغلام ، فطعنه بالرمح في صدره فأخرجه من ظهره ، واحتوى على الحجرة فركبها ، وعطف على عدو الله ، فلما رآه تغيّر وجهه وحار في أمره ، فأيقن بالهلاك ، ثم نادي بأعلى صوته : يا قوم أغلب على جوادي واقتل برمحي!! يالها من سبّة ومعيرة.
قال : فحمل الشمر فاتبعه سنان بن أنس وخولي بن يزيد الأصبحي وأحمد بن مالك وبشر بن سوط وجملة من الجيش فنفضوا الأعنة ، وقدموا الأسنة ، وجرّدوا السيوف ، وتصايحت الرجال ، ومالت نحو العباس ، فناداه أخوه الحسين عليه‌السلام : ما انتظارك يا أخي بعد ـ والله ـ فقد غدر القوم بك.
قال : ونظر العباس إلى سرعة الخيل ومجيئهم كالسيل فعطف عليه برمحه فناده المارد : يا بن علي عليه‌السلام رفقاً بأسيرك يكون لك شاكراً.
فقال له العباس : ويلك أبمثلي يلقى اليه الخدع والمحال. ما أصنع بأسير وقد قرب المسير.
ثم طعنه في نحره ، وذبحه من الأذن إلى الأذن ، فانجدل صريعاً يخور في دمه ، ووصلت الخيل والرجال إلى العباس فعطف عليهم ، وهو على ظهر «الطاوية» ، وكانت الخيل تزيد عن خمسمائة فارس ، فلم يكن إلّا ساعة حتى قتل منهم ثمانين رجلاً ، وأشرف الباقون على الهرب ، فعندها حمل عمر بن سعد وزحفت في أثره الأعلام ومالت اليه الخيل ، فصاح به أخوه الحسين عليه‌السلام : يا أخي استند إليّ لأدفع عنك وتدفع ، فجعل العباس يقاتل وهو متأخر ، وقد أدركته الخيل والرماح كآجام القصب ، وصار يضرب فيهم يميناً وشمالاً إلى أن وصل إلى أخيه الحسين عليه السلام ، فصاح به الشمر «لعنه الله» : يابن علي ؛ إن كنت قد رجّلت المارد عن «الطاوية» وقتلته فهي والله التي كانت لأخيك الحسن عليه‌السلام يوم «ساباط المدائن».
فلما وصل العباس إلى أخيه الحسين عليه‌السلام ذكر له ما قاله الشمر من خبر «الطاوية» فنظر الحسين عليه‌السلام وقال : هذه والله الطاوية التي كانت لملك الري وانه لما قتل أبي علي بن أبي طالب وهبها لأخي الحسن عليه‌السلام وصارت الطاوية تلوذ بمولانا الحسين عليه‌السلام ... (١).

الشهادة :

اتجه أبو الفضل العباس عليه‌السلام نحو المخيم بعدما ملأ القربة وهي عنده أثمن من حياته ، والتحم مع أعداء الله وأنذال البشرية التحاماً رهيباً ، فقد أحاطوا به من كلّ جانب ـ وهي أربعة آلاف ـ ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى آل النبي ، ورموه بالنبال ، فلم ترعه كثرتهم وأخذ يطرد أولئك الجماهير وحده ، ولواء الحمد يرف على رأسه ، وأشاع فيهم القتل والدمار وهو يرتجز :
لا أرهب الموت إذ الموت زقا
حتى أورى في المصاليت لقى
نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا
إني أنا العباس أغدو بالسقا
ولا أخاف الشر يوم الملتقى
وانهزمت الجيوش من بين يديه يطاردها الفزع والرعب ، فقد ذكرّهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ومحطم فلول الشرك ، ولم يشعر القوم أهو العباس يجدّل الأبطال أم أنّ الوصي يزأر في الميدان ، فلم تثبت له الرجال إلّا أنّ وضراً خبيثاً من الجبناء كمن له من وراء نخلة ـ وهو زيد بن الرقاد الجهني وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي ـ ولم يستقبله بوجهه ، فضربه على يمينه ضربة غادرة فبراها.
لقد قطع تلك اليد الكريمة التي كانت تفيض برّاً وكرماً على المحرومين والفقراء ، والتي طالما دافع بها عن حقوق المظلومين والمضطهدين.
ولم يعن بها سبع القنطرة وراح يرتجز :
والله إن قطعتمو يميني
إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
نجل النبي صلّى الله عليه وآله الطاهر الأمين
ودلل بهذا الرجز على الأهداف العظيمة والمثل الكريمة التي جاهد من أجلها ، فهو إنّما يجاهد دفاعاً عن الاسلام ودفاعاً عن إمام المسلمين وسيد شباب أهل الجنة.
ولم يبعد العباس قليلاً حتى كمن له من وراء نخلة رجس من أرجاس البشرية ، وهو الحكيم بن الطفيل الطائي ، فضربه على يساره فبراها فقال عليه‌السلام :
يا نفس لا تخشي من الكفار
وأبشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختار
قد قطعوا ببغيهم يساري
فأصلهم يا ربّ حرّ النار
فحمل القربة بأسنانه وجعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت عليهم‌السلام.
قال القاضي أبو حنيفة النعمان المتوفى سنة (٣٦٣) : وقطعوا يديه ورجليه حنقاً عليه ولما أبلى فيهم وقتل منهم فلذلك سمي السقاء (2).
ولربما كان قطع رجلي العباس عليه‌السلام ليمنعوه عن إيصال الماء ؛ لأنه عليه‌السلام ترك فرسه وسارع يركض برجليه ، إضافة إلى حنقهم لعنهم الله.
فعند ذلك أمنوا سطوته وتكاثروا عليه ، وأتته السهام كالمطر ، فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها ، وسهم أصاب صدره ، وسهم أصاب عينه ، ووقف البطل حزيناً ، فقد كان إراقة الماء عنده أشدّ عليه من قطع يديه ، وشدّ عليه رجس خبيث وضربه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته.
وهوى بجنب العلقمي فليته / للشاربين به يداف العلقم
وهوى إلى الأرض وهو يؤدي تحيته ووداعه الأخير إلى أخيه قائلاً : «عليك مني السلام أبا عبد الله ...».
قال السيد المقرم رحمه‌الله في هامش كتابه مقتل الحسين عليه‌السلام ٢٦٨ : وسمعت العالم الفاضل الشيخ كاظم سبتي رحمه‌الله يقول : أتاني بعض العلماء الثقات وقال : أنا رسول العباس عليه‌السلام اليك رأيته في المنام يعتب عليك ويقول : لم يذكر مصيبتي شيخ كاظم سبتي فقلت له : يا سيدي ما زلت اسمعه يذكر مصائبك فقال عليه‌السلام قل له : يذكر هذه المصيبة وهي : ان الفارس اذا سقط من فرسه يتلقى الارض بيديه فاذا كانت السهام في صدره ويداه مقطوعتان بماذا يتلقى الارض؟!
فانقض عليه أبو عبد الله كالصقر فرآه مقطوع اليمين واليسار ، مرضوخ الجبين ، مشكوك العين بسهم ، مرتثاً بالجراحة ، فوقف علهي منحنياً ، وجلس عند رأسه يبكي ، وهو يلفظ شظاياً قلبه الذي مزقته الكوارث ، وقال : «الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوي».
وأنشأ يقول :
تعديتم يا شرّ قوم ببغيكم / وخالفتموا دين النبي صلّى الله عليه وآله محمّد
أما كان خير الرسل أوصاكم بنا / أما نحن من نسل النبي المسدد
أما كانت الزهراء امي ويلكم / أما كان من خير البرية والدي
لعنتم وأخزيتم بما قد جنيتم / فسوف تلاقوا حرّ نار توقد
وجعل إمام الهدى يطيل النظر إلى أخيه وقد انهارت قواه ، وانهد ركنه ، وتبددت جميع آماله ، وودّ أنّ الموت قد وافاه قبله :
وبان الانكسار في جبينه / فاندكت الجبال من حنينه
وكيف لا وهو جمال بهجته / وفي محياه سرور مهجته
كافل أهله وساقي صبيته / وحامل اللوا بعالي همته (3)
ورجع الحسين عليه‌السلام إلى المخيم وحده :
وفي الدمعة الساكبة : إنّ من كثرة الجراحات الواردة على العباس عليه‌السلام لم يقدر الحسين عليه‌السلام أن يحمله إلى محمل الشهداء ، فترك جسده في محل قتله ورجع باكياً حزيناً إلى الخيام (4).
قال السيد المقرم رحمه‌الله في مقتل الحسين عليه‌السلام (5) : وتركه في مكانه لسر مكنون أظهرته الأيام ، وهو أن يدفن في موضعه منحازاً عن الشهداء ؛ ليكون له مشهد يقصد بالحوائج والزيارات ، وبقعة يزدلف اليها الناس وتتزلف إلى المولى سبحانه تحت قبته التي ضاهت السماء رفعة وسناء ، فتظهر هنالك الكرامات الباهرة ، وتعرف الأمة مكانته السامية ومنزلته عند الله تعالى ، فتؤدي ما وجب عليهم من الحب المتأكد ، والزيارات المتواصلة ، ويكون عليه‌السلام حلقة الوصل فيما بينهم وبين الله ـ تعالى ـ فشاء حجة الوقت أبو عبد الله كما شاء المهيمن ـ سبحانه ـ أن تكون منزلة أبي الفضل الظاهرية شبيهة بالمنزلة المعنوية الأخروية ، فكان كما شاءا وأحبا.
ثم قام الحسين عليه‌السلام وحمل على القوم ، فجعل يضرب فيهم يميناً وشمالاً فيفرون من بين يديه كما تفرّ المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، وهو يقول : أين تفرون وقد قتلتم أخي؟! أين تفرون وقد فتتم عضدي؟! ثم عاد إلى موقفه منفرداً (6).
ورجع الحسين إلى المخيم منكسراً حزيناً باكياً يكفكف دموعه بكمه ، وقد تدافعت الرجال على مخيمه ، فنادى :
أما من مغيث يغيثنا؟!
أما من مجير يجيرنا؟!
أما من طالب حق ينصرنا؟
أما من خائف من النار فيذب عنا؟
فأتته سكينة وسألته عن عمها فأخبرها بقتله.
وسمعته زينب فصاحت : وا أخاه وا عباساه وا ضيعتنا بعدك!
وبكين النسوة وبكى الحسين معهن وقال عليه‌السلام : وا ضيعتنا بعدك.
فمشى لمصرعه الحسين وطرفه / بين الخيام وبينه متقسم
الفاه محجوب الجمال كأنه / بدر بمنحطم الوشيج ملثم
فأكب منحنياً عليه ودمعه / صبغ البسيط كأنّما هو عندم
قد رأم يلثمه فلم ير موضعاً / لم يدمه عض السلاح فيلثم
نادى وقد ملأ البوادي صيحة / صم الصخور لهولها يتألم
أأخي يهنيك النعيم ولم أخل / ترضى بأن أرزى وأنت منعم
أأخي من يحمي بنات محمد / إذ صرن يسترحمن من لا يرحم
ما خلت بعدك أن تشل سواعدي / وتكف باصرتي وظهري يقصم
لسواك يلطم بالأكف وهذه / بيض الظبى لك في جبيني تلطم
ما بين مصرعك الفظيع ومصرعي / إلا كما أدعوك قبل وتنعم
هذا حسامك من يذل به العداء / ولواك هذا من به يتقدم
هونت يا ابن أبي مصارع فتيتي / والجرح يسكنه الذي هو آلم
مشهد الكفين :
لم يفتأ شيعة أهل البيت عليهم‌السلام كما أنهم يقتصون آثارهم في معارفهم وتعاليمهم يتبركون بتعيين كلّ ما يتعلق بهم من مشهد أو معبد أو مقام ، فيتبعونها بالحفاوة والتبجيل ، ويرون ذلك من متممات الولاء ولوازم الاتباع والمشايعة.
وهو كما يرون لأنه أما مشهد يزار أو معبد يقصد للعبادة أو محل مسرة فيسرهم ذلك أو موقف مأساة فيستاؤون لهم ، وهذا هو التشيع المحض والاقتداء الصحيح.
ومن ذلك ما نشاهده في كربلاء المقدسة من المقام لكفي أبي الفضل اللذين تناقلتهما الألسن ، وأخذ حديثهما الخلف عن السلف ، والسيرة المستمرة بين الامامية كافية في القطع بثبوت المقامين ، ولولا هما لانتقض الأمر في كثير من المشاهد والمعابد والمقامات.
يعد مقام الكف اليمنى في جهة الشمال الشرقي على حدّ محلة باب بغداد ومحلة باب الخان قريباً من باب الصحن المطهر الواقعة في الجهة الشرقية ، وعلى جدار المقام شباك صغير .
ويقع مقام الكف اليسرى في السوق الصغير القريب من الباب الصغير للصحن الواقعة في الجنوب الشرقي ، ويعرف بسوق باب العباس الصغير ، وعلى الجدار شباك ، وكتب بالقاشاني عليه : هذا نظم الشيخ محمد المعروف بالسراج :
سل إذا ما شئت واسمع واعلم / ثم خذ مني جواب المفهم
إنّ في هذا المقام انقطعت / يسرة العباس بحر الكرم
ها هنا يا صاح طاحت بعدما / طاحت اليمنى بجنب العلقمي
اجر دمع العين وابكيه أساً / حق أن يبكى بدمع عن دم (7)
قال شاعر أهل البيت عليهم‌السلام المرحوم السيد جعفر الحلي :
حامي الظعينة أين منه ربيعة / أم أين من عليا أبيه مكدّم
في كفه اليسرى السقاء يقلّه / وبكفه اليمنى الحسام المخذم
حسمت يديه المرهفات وانه / وحسامه من حدّهن لأحسم
فغدا يهمّ بأن يصول فلم يطق / كالليث إذا أظفاره تتقلّم
أمن الردى من كان يحذر بطشه / أمن البغات إذا أصيب القشعم
وقال حفيده الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس عليه‌السلام :
إني لأذكر للعباس موقفه / بكربلاء وهام القوم يختطف
يحمي الحسين ويحميه على ظمأ / ولا يولي ولا يثني فيختلف
ولا أرى مشهداً يوماً كمشهده / مع الحسين عليه الفضل والشرف
أكرم به مشهداً بانت فضيلته / وما أضاع له أفعاله خلف
وقال أيضاً :
أحق الناس أن يبكى عليه / فتى أبكى الحسين بكربلاء
أخوه وابن والده علي / أبو الفضل المضرج بالدماء
ومن واساه لا يثنيه شىء / وجادله على عطش بماء (8)
وقال الكميت الاسدي :
وأبو الفضل إنّ ذكرهم الحلو / شفاء النفوس من أسقام
قتل الأدعياء اذ قتلوه / أكرم الشاربين صوب الغمام (9)
المصادر :
1- إكسير العبادات : ٣٣٥ المجلس العاشر.
2- شرح الاخبار ٣ / ١٩٣ في ذكر من قتل مع الحسين عليه‌السلام.
3- من ارجوزة آية الله الشيخ محمد حسين الاصفهاني قدس‌سره.
4- الدمعة الساكبة ٤ / ٣٢٤.
5- مقتل الحسين : ٢٧٠.
6- إبصار العين : ٣٠.
7- العباس (للمقرم) : ٣٣٥.
8- شرح الاخبار (للقاضي نعمان) ٣ / ١٩٣.
9- ابصار العين : ٣١.
 


نظرات کاربران
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
المقالات ذات صلة