سكينة من ذوي القربى

( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) ولم يخف السر في هذا الحكم لأن سادات هذا العنصر الطاهر لما كانوا منبع أنوار الهداية وعندهم مفاتيح الرشاد ومن ناحيتهم ثبتت المعارف الآلهية وبأياديهم الناصعة تهتدي الناس الى
Monday, September 11, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
سكينة من ذوي القربى
 سكينة من ذوي القربى



 

( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) ولم يخف السر في هذا الحكم لأن سادات هذا العنصر الطاهر لما كانوا منبع أنوار الهداية وعندهم مفاتيح الرشاد ومن ناحيتهم ثبتت المعارف الآلهية وبأياديهم الناصعة تهتدي الناس الى سنن النجاح فرض الله تعالى حبهم المؤدي الى اتباع تعاليمهم وجعله أجراً للرسالة.
وتعميم الحكم لسائر افرادهم الذين لم يقطع بانحراف عقيدة أحدهم عما جاء به جدهم الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجل تمرين الملأ الديني على البخوع لعامتهم الحادي الى سلوك مناهجتهم وردعاً للأغرار منهم عما لا يليق بسلفهم وشرفه الوضاح.
مضافاً الى ما ورد من الأحاديث الكثيرة باكرامهم ومساعدتهم على النوائب ودفع الشرور عنهم وان إكرام غير الصالح إنما هولأجل الرسول الأقدس وتكريماً لمقامه ( لأجل عين الف عين تكرم ).
فإذا كانت الحالة هذه في الذرية الطاهرة وان نقم من بعضهم بعض الأعمال فكيف بالأبرياء منهم الذين لم يسجل العلم اليقيني عليهم ما يشين الدين والأخلاق والمروأة غير أحاديث عرفنا منشأها ومستقاها.
ومن هؤلاء بضعة النبوة سكينة ابنة الحسين فان الوقيعة فيها بتلك السفاسف التي سجلها أبو الفرج وغيره كان مصدرها آل الزبير وأمثالهم المعروفين بالعداء لأهل البيت (عليه السلام):
اكرم بعين المصطفى جدهم /ولا تهن من آله أعينا
سكينة الى كربلاء
تنص دراسات التربية على تأثير الناشيء بنفسيات البيئة ونزعاتها تكفيها بما جبل عليه رجالات البيت من الطموح الى الرقي في العلم والترفع عن الدنايا فالعامل الوحيد لتكيف الناشيء بالصفات الفاضلة أو أضدادها ما يتدراسه أرباب البيت المتربي فيه وليدهم ومن الضروري ان يتخذ الخلف طريقة سلفه ويتحرى التخلق بما عليه من ملكات أما ان تأخذ به الى اعلا مستوى الثقافة أو تنحط الى هوة الضعة وفي الغالب تجد المشاكلة بين الجيل الأول والثاني في المعارف والآداب والصناعات والعادات اللهم الا ان يسود ذلك تطور يغلب تلك المقتضيات.
واذا فتشنا بيوتات العالم فلا نجد بيتا يتحرى المناهج الآلهية والسير على ضوء تعاليم الشريعة الخالدة الا البيت العلوي لأنه ضم رجالات العصمة المودع عندهم أسرار التكوين وعلم الطبايع وفقه الشريعة والنظم الاجتماعية منحة من منشئ كيانهم جل شأنه فمن هذا البيت تؤخذ المعارف ويدرس الخلق الكامل :
بيت علا سمك الضراح رفعة / فكان اعـلا شرفـا وارفعا
بيـت مـن القدس وناهيك به / محط أسرار الهدى وموضعا
اعـزه الله فمـا تهبـط فـي / كـعبته الأمـلاك الا خضعا
فكان مأوى الملتجى والمرتجي / فمـا أعـز شـأنه وأمنعـا (١)
واذا كان أئمة الهدى من عترة المصطفى الذين جعلهم الله حجة على البشر بعد النبوة يعلمون الأمة ما فيه مناجحهم ويأخذ بهم الى سعادة الدارين فلا يضنون بمن يتربى في حجورهم من ذكور واناث عن اضائة الطريق الموصل لهم الى الغايات السامية والتنكب عما لا يلائم خطتهم ويستحيل على من تغذى در الامامة تربى في حجور الطاهرين ودرس التعاليم الآلهية الاسفاف مع أهل المجون والأهواء.
والسيدة سكينة حضنتها الحجور الزاكية وتلقت من أبيها سيد الشهداء التعاليم الراقية والآداب الآلهية ودرست القيم الاسلامية وجارت في المجاهدة والرياضة جدتها الصديقة وعمتها العقيلة حتى حازت ارقى مراتب العبادة التي يرضاها رب العالمين ومن هنا منحها الإمام الحجة الواقف على نفسيات البشر ومقادير اعمالهم ارقى صفة تليق بامرأة كاملة تفانت في طاعة الله تعالى وهي ( خيرة النساء ).
( من هذا وذاك صحبها ( ابي الضيم ) الى محل شهادته في جملة من انتخبهم الباري سبحانه دعاة لدينه فشاهدت بين تلك الثنايا والعقبات الآيات المنذرة بتدابير النفوس وتخاذل القوم عن نصر الهدى واجتماعهم على ازهاق نفس ريحانة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واراقة ( دمه الطاهر ) وانهم قادمون على عصبه لا ترقب فيهم إلا ولا ذمة فلم تعبء بتلكم الأهوال التي يشيب لها فود الطفل تسليماً للقضاء وطاعة للرحمن عز شأنه.
وشاهدت اولئك المناجيد مضرجين بالدماء مقطعين الأوصال وبينهم علة الكائنات ومدار الموجودات ابو عبدالله الحسين (عليه السلام): وقد مثلوا فيه بكل مثلة.
ووجهوا نحوه في الحرب أربعة / السهم والسيف والخطي والحجرا
فقابلت تلكم الفوادح برباطة جأش وهدوء بال ولولا انخراطها في الاستغراق مع الله تعالى وتفانيها في الطاعة له كما اخبر أبوها الحجة (عليه السلام)بقوله ( الغالب عليها الاستغراق مع الله ) لا نهد قواها وساخ صبرها وتبليل فكرها وفقدت مشاعرها ولكنها بالرغم من ذلك لم يرعها ذل الأسر ولا شماته العدو وتراكم الرزايا وأنين الأطفال وبكاء الفواقد فلم يصدر عنها ما لا يتفق مع الخضوع للأصلح المرضى لله تعالى.
ولو كان ( ابي الضيم ) يعلم بضعف عزمها وتفكك صبرها لما رافقها الى محل تضحيته لئلا يتسبب من تلكم الأهوال الوقوع في خطر عظيم.
ان ذلك المشهد الدامي الذي لم يمر على نبي أو وصي وقابله شهيد الدين بصبر تعجبت منه ملائكة السموات كما في نص زيارته ترك الجفون قرحى والعيون عبرى والقلوب حرى الى يوم الانقضاء على حد تعبير الامام ابي الحسن الرضي (عليه السلام)(2)
ويقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً (3)
والسيدة سكينة ابصرت كل ما جرى في ذلك اليوم وسمعت صرخة ابيها المظلوم واستغاثته وشاهدت حرائر النبوة ومخدرات الامامة
يتراكضن في تلك البيداء المقفرة حين شبت النار في مضاربهم ولا محامي يلذن به الا زين العابدين وقد انهكته العلة.
فلو أن ايوباً رأى بعض ما رأى / لقال بلى هذا العظيمة بلواه
فلم يتضعضع صبرها ولا وهي تسليمها للقضاء الجاري ولم يتحدث المؤرخون عما ينافي ثباتها على الخطوب في الكوفة والشام مع ما لاقته من شماتة ابن مرجانة وابن ميسون ونكته بالعود رأس الحسين وأهل المجلس يشاهدون الأنوار تتصاعد من اسارير جبهته والروائح العطرة تفوح منه وهو يرمق حرمه بعينيه ولما أمر يزيد بقتل رسول ملك الروم لأنه أنكر عليه فعلته نطق الرأس المقدس بصوت جهوري ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) (4).
فأخذت الناس الحيرة وراح الرجل يحدث جليسه بالضلال الذي عمهم وتحدثت اندية الشام بهذا الحادث الذي لم يسمع بمثله قبل يوم الحسين ولما رجعت السيدة الطاهرة سكينة الى المدينة اقامت في بيت أبيها أبي عبدالله مع نساء قومها لابسات السواد يبكين الحسين والبهاليل من آل عبد المطلب وزين العابدين يعمل لهن الطعام (5).
ويحدثنا أبو عبدالله الصادق (عليه السلام)عن حزن الفاطميات بقوله : ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ولا رؤى الدخان في بيت هاشمي خمس حجج الى ان قتل عبيد الله بن زياد (6).
عاشت السيدة سكينة في بيت أخيها السجاد (عليه السلام)الذي لم يزل ليله ونهاره باكي العين على سيد شباب أهل الجنة وكان جوابه لمن يطلب منه التخفيف لئلا تذهب عيناه : اني ما نظرت الى عماتي واخواتي الا تذكرت فرارهن من خيمة الى خيمة وكان هذا دأبه في البكاء على ( قتيل العبرة ) الى ان استشهد صلوات الله عليه سنة ٩٥ واذا كان عميد البيت لا يفتر عن النياحة مدة حياته فما ظنك بمن حواه البيت من النساء ومن شأنهن الرقة والجزع والسيدة سكينة تأوي هذا البيت المفعهم بالحزن والشجاء وفي مسامعها نشيج اخيها الحجة وتبصر تساقط دموعه على خديه فتشاركه في الزفرة وتجاوبه بالعبرة ولا تبارح فاكرتها الهياكل المضرجة بالدماء وقد شاهدتهم صرعى مقطعين الأوصال.
قد غير الطعن منهم كل جارحة / الا المكارم في أمن من الغير
فهل تبقى لها لفتة الى لوازم الحياة فضلاً عن عقد مجالس الأنس والفرح بلى كانت السيدة العفيفة مدة حياة اخيها الامام وبعده باكية نادبة على ابيها المظلوم الممنوع من الورود وابوعبدالله حياة الكون وري الوجود ( والماء يصدر عنه الوحش ريانا ).
ولكن آل الزبير تحدثوا وافتعلوا واكثروا ( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ) (7).
المصادر:
1- من قصيدة في الصديقة الزهراء للعلامة السيد محمد حسين الكيشوان النجفي.
2- امالي الصدوق ص ٧٦ مجلس ٢٧.
3- مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٢١٧.
4- مقتل الحسين او حديث كربلاء ص ١٥ الطبعة الثانية وفيه ص ٤٠١ ذكرنا اسرار كلام الرأس المقدس.
5- المحاسن للبرقي المتوفي سنة ٢٧٤ ج ٢ ، ص ٤٢٠.
6- البحار للمجلسي المتوفي سنة ١١١٠ ج ١٠ ص ٢٩٣ طبع الكبيني ايران.
7- الزخرف / ٣.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.