من اهم الانظمة الشفائية للمؤمنين بالرسالة الاسلامية هو النظام الشفائي بالعسل ، لان فيه ضماناً الهياً بالشفاء ، كما ورد في النص المجيد : ( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١).
و « هنا فوائد منها ان في الآية دلالة على اباحة العسل واباحة التداوي به اما بنفسه واما مع التركيب مع غيره كالحمضيات ونحوها » (٢). وورد في الأثر انه : « ما استشفى مريض بمثل العسل فان لعقة منه كل داء. وكان يعجب رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)وأكله حكمة. قال الله تعالى : ( فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) (3)
وبسبب احتوائه على نسبة كبيرة من الكلوكوز والفركتوز ، وهما نتاج آخر مراحل هضم المواد النشوية والسكرية التي تمتص في الدم ، فان العسل يعتبر طبياً من افضل المواد الغذائية التي تساهم في شفاء الامراض الخاصة بالامعاء والمفاصل والعضلات ونحوها.
ولما كان ( الفركتوز ) احد اهم نسب المواد السكرية في العسل ، اصبح تناول الفرد السليم او المريض معا للعسل امراً شفائياً ، لانه لا يزيد من نسبة السكر في الدورة الدموية للانسان. هذا على الصعيد التجريبي ؛ اما على الصعيد التعبدي ، فان الضمان الالهي بالشفاء يضع العسل على قمة المواد الغذائية التي تساهم في شفاء المؤمنين من مختلف الامراض.
ملحق بعض الروايات الواردة في
النظام الصحي ( الغذائي ) الاسلامي
١ ـ ورد عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام) قوله : ( لو ان الناس قصدوا في الطعم لاعتدلت ابدانهم ) (4).
٢ ـ وعن الامام الصادق (عليه السلام) : ( ان الله يبغض كثرة الاكل ) (5).
٣ ـ وعن الامام الرضا (عليه السلام) في حديث عن امير المؤمنين علي (عليه السلام) : ( وكان خفيف الاكل ، خفيف الطعم ) (6).
٤ ـ وعن الامام الصادق (عليه السلام) : ( ما أكل رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)خبز بر ( شعير ) قط ولا من خبز شعير قط ) (7).
٥ ـ وورد عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): ( طعام الواحد يكفي الاثنين ، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة ، وطعام الثلاثة يكفي الاربعة ) (8).
٦ ـ وورد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال : ( أتي النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)بطعام حار فقال :
ان الله لم يطعمنا النار ، نحّوه حتى يبرد ) (9).
٧ ـ وورد عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)انه نهى عن ان ينفخ في طعام او شراب (10).
٨ ـ وفي وصية النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)لعلي (عليه السلام) : انه قال : ( يا علي افتتح بالملح واختتم بالملح فان فيه شفاء ) (11).
٩ ـ وفي رواية ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال نقلاً عن امير المؤمنين (عليه السلام) : ( احدى وعشرون زبيبة حمراء في كل يوم على الريق تدفع جميع الامراض الا مرض الموت ) (12).
١٠ ـ وورد عن ابي جعفر (عليه السلام) قال : ( من اراد ان لا يضره طعام فلا يأكل طعاماً حتى يجوع وتنقي معدته ، فاذا أكل فليسمّ الله وليجد المضغ وليكف عن الطعام وهو يشتهيه ويحتاج اليه ) (13).
وخلاصة القول في النظام الغذائي الاسلامي ، ان الاسلام ـ في معرض عرضه للنظرية الصحية ـ لم يتطرق للنظام الوقائي بالتفصيل فحسب ، بل شجع الافراد في المجتمع الاسلامي على ممارسة منهج غذائي واضح المعالم يؤدي بهم في النهاية الى شاطئ السعادة الصحية والامن النفسي. ومن اجل توضيح هذا المنهج الاسلامي في التغذية ، لابد من ترتيب النقاط التالية :
اولاً : التأكيد على آداب الشيء المأكول ؛ بمعنى ان الشريعة حببت للمكلفين تقليل كمية الطعام الذي يتناوله الفرد ، واعتدال درجة حرارته وقت التناول ، وتقديم الملح على الطعام ، ومص الماء مصّاً ، والاعتدال في أكل اللحوم المطبوخة جيداً ، والاهتمام بتناول الفاكهة والخضروات والخبز ، ومنتوجات الالبان بكافة انواعها.
ثانياً : التأكيد على آداب المائدة ، وهو تأكيد الشريعة على استحباب غسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده ، والأكل بثلاث اصابع واطالة الجلوس على المائدة ، والتأكيد على المضغ الشديد ، وتصغير اللقمة المأكولة ، والأكل مجتمعاً مع الآخرين.
ثالثاً : التأكيد على آداب الآكل ، وهو تأكيد الشريعة على استحباب تناول الطعام وقت الاحساس بالجوع ، واكماله قبل الشبع ، وتفريغ البدن من الفضلات قبل النوم.
رابعاً : وجوب التذكية الشرعية ، وهو دليل قوي على ارتباط حلية المأكولات اللحمية بالقضايا التعبدية من جهة ، والصحية من جهة اخرى ، لثبوت المصلحة الشرعية للفرد والنظام الاجتماعي. فلا يؤكل من الحيوانات الاّ ما كان قابلاً للتذكية الشرعية بالذبح للحيوانات الاهلية ، والصيد للحيوانات المتوحشة ، والنحر للابل ، والاخراج حياً من الماء لللاسماك ، كما ذكرنا ذلك سابقاً.
وهذا التأكيد الشديد على ضرورة التدقيق في نوعية المادة الغذائية التي يتناولها الفرد وآداب تناولها ، يؤدي دون شك الى تقليل عدد الامراض التي تصيب افراد المجتمع ، والى تبديل شكل وتوجهات المؤسسة الصحية. ومن اجل تفصيل ذلك ، نورد هذه الاشارات في فوائد النظام الغذائي الاسلامي :
١ ـ ان تطبيق النظام الغذائي الاسلامي يساهم في تقليل عدد وشدة الامراض التي تصيب الافراد ، وهي الامراض الناتجة من سوء العادات الغذائية ، خصوصاً فيما يتعلق بالمضغ وحجم اللقمة والسرعة في تناول الوجبة الغذائية او كمية الطعام المتناول ونحوها.
٢ ـ ان اهتمام المؤسسة الطبية بنوعية الغذاء الذي يتناوله الافراد انفع للنظام الاجتماعي على الصعيد الانتاجي ، واكثر اقتصاداً من علاج الافراد عن طريق الادوية المصنّعة.
٣ ـ ان الاهتمام بالمواد الغذائية يشجع الاقتصاد الزراعي على النمو والتطور مما يفتح فرصاً اخرى لا شباع حاجات الافراد الغذائية ؛ فبدلاً من تطبيب النظام الاجتماعي كما هو الحاصل اليوم في النظام الغربي ، يحاول النظام الاسلامي تقوية صحة الافراد من خلال اتباع اسلوب غذائي سليم يتمثل في وجبات غذائية معتدلة كاملة يتناولها الافراد من سن الطفولة وحتى الشيخوخة والهرم.
٤ ـ ان تقليل كمية الطعام المستهلك من قبل الفرد سيوفر للافراد الآخرين طعاماً يشبع حاجاتهم الاساسية. فبدلاً من تخمة البعض وجوع الآخر ، يحاول النظام الغذائي الاسلامي اشباع جميع الافراد بكمية معقولة من الطعام تساعدهم على العمل والانتاج ، وفي الوقت نفسه تحافظ على حيوية اجسامهم ونشاطها الاساسي.
٥ ـ ان ارتباط العادات الغذائية بالجانب العبادي ، يهذب الفرد ويجعله اكثر استعداداً لاحترام النظام الصحي ، والتعاون مع المؤسسة الطبية لايجاد نظام غذائي متكامل لجميع الافراد. والدفع الاساسي في هذا التوجه هو الدافع التعبدي المتجسد بالامتثال للاوامر الشرعية ، هادفا مرضاة الله سبحانه وتعالى ، ومساندة النظام الاجتماعي العادل الذي جاء به الاسلام.
المصادر :
1- النحل : ٦٨ ـ ٦٩.
2- قلائد الدرر : ص ٣١٤.
3- النحل : ٦٩. / الجواهر : ج ٣٦ ص ٥٠٣.
4- المحاسن : ص ٤٣٩.
5- المحاسن : ص ٤٣٩.
6- عيون الاخبار : ج ٢ ص ١٣٧.
7- امالي الامام الصادق : ص ١٩٢.
8- الكافي : ج ٦ ص ٢٧٣.
9- المحاسن : ص ٤٠٦.
10- من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٥.
11- من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٢٦٦.
12- الكافي : ج ٦ ص ٣٥١.
13- الوسائل : ج ١٦ ص ٦٤٩.