
قال السيد مهدي السويج الخطيب: سُئلت عدّة مرات في أماكن متعددة عن تاريخ وفاة أم البنين عليهاالسلام ، كما سألت أيضاً عدداً من أهل الخبرة في ذلك ، فكان جوابي لمن سألني وجواب من سألته جواباً واحداً ، وهو : لم يعثر على ذكر يوم وفاة أم البنين أو سنة وفاتها. (١)
وفي ـ ذات يوم ـ تناولت كتاباً كان قد وقع بيدي منذ عهد بعيد ، وقد شغلت عنه ، وكان قد علق في ذهني أن في الكتاب المذكور قصيدة في حديث الكساء ، فتناولته على حساب القصيدة ، وكان اسم الكتاب «كنز المطالب» تأليف العلامة السيد محمد باقر القرباغي الهمداني رحمهالله ، فاليك نصّ ما جاء فيه بهذا الخصوص :
«قال المصنف ـ رفع الله شأنه ـ : وكان مدار حديث الكساء المبارك بيت فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وكانت وفاتها في الثالث من جمادى الثاني ، وقد خلفتها في تربية الحسنين عليهماالسلام أمامة بنت أختها ، ثم فاطمة أم البنين الكلابية ، وقد توفيت بعد مقتل الحسين عليهالسلام ودفنت بالبقيع بالقرب من فاطمة الزهراء.
ففي الاختيارات عن الأعمش قال : دخلت على الامام زين العابدين عليهالسلام في الثالث عشر من جمادي الثاني ، وكان يوم جمعة ، فدخل الفضل بن العباس عليهالسلام ، وهو باك حزين ، وهو يقول :
لقد ماتت جدتي أم البنين ، فانظر بالله عليك إلى هذا الدهر الخؤون كيف فجع أهل الكساء مرتين في شهر واحد فلا حول ولا قوة إلّا بالله ...».
ثم عثرت بعد ذلك بمدة على خبر آخر في هامش « وقائع الشهور والأيام » للبيرجندي ونصه ما يلي :
«وفيه ـ يقصد الثالث عشر من جمادي الثاني ـ توفيت أم البنين الكلابية سنة (٦٤ هـ) عن الأعمش».
وعليه فهذان المصدران في تاريخ وفاة أم البنين أحدهما يذكر اليوم والآخر يذكر السنة التي توفيت فيها ملتحقة بالرفيق الأعلى بعد أن قامت بأدوارها الهامة في حياتها ، من رعاية شؤون الحسنين عليهماالسلام ـ كما تقدم ـ وتربية بنيها وتوجيههم ، مضافاً إلى توجيه أبيهم الامام علي عليهالسلام ، وتضحيتها بهم في سبيل الله بين يدي الحسين عليهالسلام ، واقامتها المآتم على الحسين عليهالسلام ، وتقديمه على كلّ عزيز ومفقود ، ومشاطرتها العقيلة زينب والامام زين العابدين عليهالسلام في الحزن والأسى ، والقيام بتربية أبناء ولدها العباس ، ووفاءها لزوجها أمير المؤمنين ، ولسيدتها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، حتى لقيت ربّها وهو عنها راض.
فمنها من الكرامات ما أظهر ـ وما زال يظهر ـ شخصيتها أكثر ، فلحقت ببعلها أمير المؤمنين عليهالسلام وبينها الغر الميامين في جوار المصطفى الأمين وآله الأطهار في جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً.
فهي خالدة في النعيم هناك ، وخالدة في أعماق قلوب المؤمنين ، ولا زالت أنّتها ودموعها تسيل من كلّ عين ، ولا زالت ندبتها للحسين ولولدها تسيل أسى وجمرات في زفرات الشيعة والموالين.
لله من أم لنصر الدين لم / تحزن وقد ضحت له أولادها
تجري بصفحة ندبهم ندباً له / جعلت سواد العين ثم مدادها
فلولدها من ذاك أربعة ولي / ما زاد ندب السبط نص ودادها
المزارات في المدينة وضواحيها
البقيع والمزارات والمساجد المعروفة في المدينة وضواحيهاقبل أن نتعرّف على البقيع والمزارات الأخرى وقبر أم البنين عليهاالسلام ينبغي التعرّف ـ ولو بشكل إشارات ـ على مدينة النبي صلىاللهعليهوآله ، ومن ثم نعود للحديث عن البقيع :
مدينة الرسول صلىاللهعليهوآله
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : مكة حرم الله ، والمدينة حرم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والكوفة حرمي ، لا يريدها جبار بحادثة إلّا قصمه الله (2).
أسماء المدينة الطيبة :
ذكر السمهودي في كتابه «وفاء الوفاء» أربعة وتسعين اسماً لهذه البلدة المقدسة ، ورد بعضها في القرآن الكريم منها :
١ ـ المدينة :
قال تعالى : (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ) (3).
٢ ـ أرض الله :
قال الله تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) (4).
وفي هذه الاضافة من مزيد التعظيم ما لا يخفى.
٣ ـ الدار والايمان :
قال تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) (5).
عن عبد الله بن جعفر : سمّى الله المدينة الدار والايمان.
وقال البيضاوي في تفسيره : قيل : سمى الله المدينة بالايمان لأنّها مظهره ومصيره.
٤ ـ مدخل صدق :
قال الله تعالى : (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ...) (6).
قال بعض المفسرين : مدخل صدق : المدينة ومخرج صدق : مكة (7).
الموقع الجغرافي :
تقع المدينة المنورة شرق مدينة جدّة ، وشمال مكة المكرمة ، وتبعد عن الأولى حدود «٤٢٥» كيلومتر ، وعن الثانية حدود «٤٩٨» كيلومتر.
خصائص المدينة المنورة :
ذكر السمهودي في «وفاء الوفاء» تسعة وتسعين خصيصة للمدينة المنورة.
وقال : وهي كثيرة لا تكاد تنحصر ومنها :
الخاصة الأولى : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله خلق من طينتها.
الثانية : إنّها مدفن النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله.
الثالثة : إنّها محفوفة بالشهداء الذين بذلوا نفوسهم في ذات الله بين يدي نبيه كشهداء «بدر» و «أحد» ، وهي مدفن لكثير من الصحابة.
الرابعة : إنّ الله اختارها داراً وقراراً لأفضل خلقه وأكرمهم عليه صلىاللهعليهوآله.
الخامسة : إنّ الله اختار أهلها للنصرة والايواء.
السادسة : إنّ سائر البلاد افتتحت بالسيف وافتتحت هي بالقرآن.
السابعة : إنّ الله ـ تعالى ـ افتتح منها سائر بلاد الاسلام ، حتى مكة المشرفة ، وجعلها مظهر دينه القويم.
الثامنة : تأسيس مسجدها الشريف على يده صلىاللهعليهوآله وعمل فيه بنفسه.
التاسعة : اختصاصها المسجد الذي أنزل الله فيه (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ) (8).
العاشرة : اختصاصها بالروضة «بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة».
الحادية عشرة : إنّ إتيان مسجد «قبا» يعدل عمرة.
الثانية عشرة : اختصاصه بمزيد الأدب وخفض الصوت ، لكونه بحضرة سيد المرسلين.
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) (9).
الثالثة عشرة : وجوب شفاعته صلىاللهعليهوآله لمن زاره بها (10).
الحثّ على الاقامة بها :
لقد ورد الحثّ على السكن في المدينة والاقامة فيها ، فان في كلّ خطوة من أرضها ما يذكر بالرسول الأمين صلىاللهعليهوآله وآله الميامين وصحبه المنتجبين ، وتلك الأيام الغرّ التي صارت فيها هذه الأرض الطيبة مهبطاً للوحي ، ومختلفاً للملائكة والروح المكين.
وقد ورد عن الحسين بن الجهم قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام : أيّهما أفضل المقام بمكة أو بالمدينة؟
فقال : أي شيء تقول أنت؟
فقلت : وما قولي مع قولك؟!
قال : إنّ قولك يردّ إلى قولي.
قال : فقلت له : أمّا أنا فأزعم أنّ المقام بالمدينة أفضل من الاقامة بمكة.
فقال : أمّا لئن قلت ذلك لقد قال أبو عبد الله عليهالسلام ذلك يوم فطر ، وجاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فسلّم عليه ثم قال : لقد فضلنا الناس اليوم بسلامنا على رسول الله صلىاللهعليهوآله (11).
وعن مرازم قال : دخلت أنا وعمار وجماعة على أبي عبد الله عليهالسلام بالمدينة فقال : ما مقامكم؟
فقال عمار : قد سرحنا ظهرنا وأمرنا أن نؤتى به إلى خمسة عشر يوماً.
فقال : أصبتم المقام في بلد رسول الله صلىاللهعليهوآله والصلاة في مسجده ، واعملوا لآخرتكم وأكثروا لأنفسكم ، إنّ الرجل قد يكون كيّساً في الدنيا فيقال : ما أكيس فلاناً ، وإنّما الكيّس كيّس الآخرة (12).
وعن علي بن الحسين قال : لما دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله المدينة قال : اللهم حبّب الينا المدينة كما حبّبت الينا مكة وأشدّ ، وبارك في صاعها ومدّها ، وانقل حماها ووباءها إلى الجحفة (13).
المصادر :
1- أم البنين سيدة نساء العرب : ٨٤.
2- الكافي ٤ / ٥٦٤ ، التهذيب ٦ / ١٢ ح ٢١ ، وسائل الشيعة ١٤ / ٣٦٠ ح ١٩٣٨٦ باب ١٦.
3- سورة التوبة : ١٢٠.
4- سورة النساء : ٩٧.
5- سورة الحشر : ٩.
6- سورة الاسراء : ٨٠.
7- انظر للتفصيل وفاء الوفاء ١ / ٨ وما بعدها.
8- سورة التوبة : ١٠٨.
9- سورة الحجرات : ٢.
10- انظر للمزيد وفاء الوفاء ١ / ٧٣ وما بعدها.
11- الكافي ٤ / ٥٥٧ ح ١.
12- الكافي ٤ / ٢٥٥٧ ح ٢.
13- الفقيه ٢ / ٣٣٧ ح ١٥٦٩. والأحاديث جميعاً في الوسائل ١٤ / ٣٤٧ وما بعدها باب ١٠.