اذا ساد الشر في المجتمع وتبناه حكام السوء اختفت الفضيلة وقل ناصرها، والعكس صحيح كذلك. وبما أن التاريخ البشري بصورة عامة ، والتاريخ العربي الاسلامي بصورة خاصة قد غلبت على حكامه ـ باستثناء علي بن أبي طالب ـ شهوة الحكم والمحافظة على المصالح الذاتية ـ بنسب متفاوتة ـ فلا عجب أن رأينا نفوس الرعايا قد طبعت على الشر والهبوط عن مستويات الاخلاق الرفيعة.
وللحكام الامويين القدح المعلى في هذا الشأن.
ولواتيح لعلي بن أبي طالب أن يحكم العالم العربي ـ الإسلامي بعد وفاة الرسول مباشرة لكانت الأخلاق العربية ـ الإسلامية المنتشرة في الوقت الحاضر ـ غير ما هي عليه الآن.
وفي هذه النقطة بالذات يظهر أثر الامويين في الخلق العربي ـ الإسلامي الشائع واضحا كالشمس في رائعة النهار. « سأل رجل عليا ما بال المسلمين اختلفوا عليك ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟ فقال لأن أبا بكر وعمر كانا واليين على مثلي. وأنا اليوم وال علي مثلك (1). »
العصبية القبلية الجاهلية التي حاربها الإسلام : تمسك الامويين بأمويتهم اولا وقبل كل شيء. واستغلوا جميع الروابط الممكنة لتثبيتها ودعمها. فكانت سياستهم مستندة على أمويتهم بالدرجة الاولى ، وعلى قريشيتهم بالدرجة الثانية ، وعلى عروبتهم بالدرجة الثالثة. وبهذا الاسلوب أسقطوا الموالي « وهم المسلمون غير العرب » من حسابهم ، وعاملوهم معاملة جاهلية يأباها الاسلام. على أنهم التزموا في الجانب العربي ـ سياسة من والاهم من الاعراب وشاركهم في المساهمة في استئصال الاخلاق الاسلامية من نفوس الناس. وبما أن الامويين لا يرتبطون بالموالي بروابط العشيرة والنسب أو وحدة المصالح المشتركة ، وبما أن الموالي وبخاصة الفرس قد ألفوا منذ عهد الامام علي بن أبي طالب ـ المساواة مع العرب بحكم كونهم إسلاما ـ فقد راعهم بعد الحكم الاموي عن روح الاسلام فقاوموه (ولعل ذلك يفسر لنا شدة تعلقهم بالامام علي وعلى حبهم الشديد له. ولعل ذلك الامر نفسه يفسر لنا بغض الامويين وأتباعهم للفرس. فقد تجسم بعضهم للإمام فشمل أنصاره ومحبيه.) ولم يجد الامويون بداً من إثارة النزعة العربية الجاهلية ضد الموالي لاصباط محاولتهم الرامية إلى تطبيق مبادئ الاسلام على شئون الحياة. وفي هذا الجو الجديد زرعت بذور الشعوبية وانقسم المسلمون حولها ، وانشغل فريق من الكتاب والادباء في معركة كلامية حامية الوطيس حول مساوئ الشعوبية ومحاسنها. وكسب الامويون ثمار ذلك. فقد ألهوا المسلمين من العرب والموالي بمشاكل جانبية ـ مازلنا نعاني بعض آثار الدين الحنيف. وإلى القارئ طرفا من ذلك الصراع الفكري بين الموالي والعرب.
ذكر ابن عبد ربه (2) في أن معاوية بن أبي سفيان استدعى الأحنف بن قيس ، وسمرة بن جندب وقال لهما : « إني رأيت هذه الحمراء قد كثرت. واراها قد قطعت على السلف. وكأني أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان. فقد رأيت أن أقتل شطراً وأدع شطراً لإقامة السوق وعمارة الطريق.
وروى : أن حمران ـ مولى عثمان بن عفان ـ عاتب عامر بن عبد القيس « المعروف بزهده ونسكه » في موقفه من عثمان ، وكان عبد الله بن عامر « صاحب العراق » حاضرا. فأنكر عامر بن القيس ذلك. فقال له حمران : « لا كثر الله فينا مثلك. فقال له عامر بل كثر الله فينا مثلك. فقيل له أيدعو عليك وتدعو له؟ قال نعم يكسفون طرقنا ويخرزون خفافنا ، ويحوكون ثيابنا. فاستوى ابن عامر جالسا ـ وكان متكئا ـ فقال لما كنت أضنك تعرف هذا الباب لفضلك وزهادتك.
ومما يذكر عن نافع بن جبير أنه كان يسأل إذا مرت به جنازة فإذا قالوا قرشي قال : واقوماه ! وإذا قالوا عربي قال : وا بلدتاه !! واذا قالوا مولى قال : هو مال الله يأخذ ما يشاء ، ويدع ما يشاء ».
وروى الجاحظ : أن الحجاج بن يوسف الثقفي « أقبل على الموالي وقال : أنتم علوج عجم ، وقراؤكم أولى بكم ففرقهم وفض جمعهم كيف أحب ، وصيرهم كيف شاء ، ونقش على يد كل رجل منهم اسم البلدة التي وجهه إليها » (3).
وكتب التاريخ الإسلامي ، والأدب العربي تعج بالاخبار المتضمنة سوء معاملة الامويين للموالي ، فقد امتهنوهم ، واستهانوا باحسابهم ، وأرهقوهم بالضرائب ، وفرضوا عليهم الجزية والخراج ، وضرائب كثيرة أخرى ، وأسقطوهم من العطاء فكان الجنود الموالي يقاتلون من دون عطاء ، أي أنهم عاملوهم ـ في هذه الناحية ـ كما يعاملون المشركين والكفار ، وهو أمر يأباه الإسلام.
وكانوا يقولون : لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة : حمار أو كلب أو مولى.
وكانوا : لا يكنونهم بالكنى ولا يدعونهم الا بأسماء والالقاب ، ويمشون في الصف معهم ، ولا يقدمونهم في الموكب. وإن حضروا طعاماً قاموا على رؤوسهم ، وان اطعموا المولي ـ لسنه وفضله وعلمه ـ واجلسوه في طريق الجناز لئلا يخفى على الناظر أنه ليس من العرب ، ولا يدعونهم يصلون على الجنائز إذا حضر إحد من العرب ، وإن كان الذي يحضر غريراً.
وكان الخاطب لا يخطب المرأة منهم إلى أبيها ولا إلى أخيها ، وإنما يخطبها إلى مواليها فإن رضي زوج ، وإلا فإن زوج الأب والأخ ـ بغير رأي مواليه ـ فسخ النكاح ، وإن كان قد دخل بها كان سفاحاً غير نكاح » (4).
وإذا أمعنا النظر فيما ذكرناه وجدناه خروجاً سافراً على مبادئ الإسلام ، واختراقاً واضحاً للقرآن والسيرة النبوية. جاء في القرآن الكريم :
« يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ». ولكن الامويين قد ساروا في سياستهم العامة ـ في هذه النقطة بالذات « كما ساروا في غيرها » على أسس تتناقض هي وما نص عليه القرآن الكريم. فلم تقتصر سياستهم على مطاردة الأتقياء من المسلمين ـ وحرمانهم من حقوقهم المشروعة ـ بل تعدت ذلك إلى العناية بالمتمردين على أوامر الله. فقد أغدق الامويين ـ على هؤلاء ـ المناصب والهبات.
وبما أن الامويين كانوا عارفين بكيفية مجيئهم للحكم ، وعدم مشروعية حكمهم من الناحية الدينية ـ فقد ساروا في ذلك بطريقة تنسجم هي وأسلوب مجيئهم للحكم من جهة وتعصم « من جهة أخرى » ملكهم من التصدع والانهيار. فلا غرو أن جعلوا المستهترين بالدين وبمصالح الناس مادة بناء ذلك الحكم.
ولو اعتمد الامويون على الأتقياء والمتدينين لكانوا كمن سعى إلى حتفه بظلفه.
ذكر أبو عمرو سفيان بن عبيد الله « قال : قلت يا رسول الله قل لي قولا في الاسلام لا أسال عنه أحدا غيرك. فقال : قل آمنت بالله ثم استقم (5). »
لقد أوجز الرسول ـ في هذا القول المختصر ـ روح الاسلام مجانية العقائدي والاخلاقي. فالإيمان بالله ـ كما ذكرنا ـ يستلزم القيام بشعائره الدينية المعروفة. والاستقامة تتضمن السير وفق مستلزمات الاخلاق الإسلامية الى شرحناها.
فهل آمن الامويون بالله؟ ومن ثم استقاموا.
إن تاريخهم يشير إلى الاجابة بالنفي عن هذين السؤالين. وبقدر ما يتعلق الامر بجانب الاستقامة يمكننا أن نلاحظ بعدهم عن الاسلام إذا وازنا موقفهم من الموالي ـ الذي سنشرحه مفصلا ـ بموقف رسول الله.
ذكر البخاري بإسناده عن عائد بن عمرو : « أن أبي سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر. فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها !! (6)
قال : فقال أبو بكر أتقولون هذا الشيخ قريشي وسيدهم؟ فأتى النبي فأخبره. فقال يا أبا بكر لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله. فأتاهم أبو بكر فقال يا إخوتنا أغضبتكم؟ قالوا : لا. يغفر الله لك. »
وقال عمر بن الخطاب ـ قبيل وفاته ـ « لو كان سالم ـ مولى حذيفة ـ حياً لاستخلفته وقلت لربي إن سألني أني سمعت نبيك يقول إن سالماً كان شديد الحب لله. »(7)
وأما منزلة سلمان الفارسي ـ عند النبي ـ ومنزلة الاسلام عند سلمان فأشهر من ان تذكر.
قال ابن حجر : « سلمان أبو عبد الله الفارسي ـ ويقال له سلمان الخير وسلمان بن الاسلام ...
روى عنه أنس بن مالك وكعب بن عجرة ، وابن عباس ، وأبو سعيد وغيرهم من الصحابة ، ومن التابعين أبو عثمان والنهدي ، وطارق بن شهاب وسعيد بن وهب وآخرون بعدهم ».(8)
وذكر يوسف المالكي أن سلمان كان إذا قيل له : ابن من أنت؟ قال أنا سلمان بن الاسلام من ولد آدم ... (9)
وذكر معمر عن رجل من أصحابه قال دخل قوم على سلمان ـ وهو أمير على المدائن ـ وهو يعمل الخوص. فقيل له تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق؟ فقال أني أحب أن أكل من عمل يدي (وذكر انه تعلم عمل الخوص بالمدينة ـ من الانصار ـ عند بعض مواليه. وكان أول مشاهده الخندق ، وهو الذي اشار بحفره. فقال أبو سفيان وأصحابه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها ، وتوفي في أواخر خلافة عثمان وقيل في خلافة عمر.) ...
وكان خيراً فاضلا حبرا عالما زاهدا متقشفا ...
وروى عن النبي ـ من وجوه ـ أنه قال لو كان الدين عند السماء لناله سلمان ... وعن عائشة قالت كان لسلمان مجلس مع رسول الله ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله.
وروى من حديث أبي بريدة عن أبيه عن النبي أنه قال :
أمرني ربي بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم ، علي وأبي ذر والمقداد وسلمان. »
فسلمان الفارسي بنظر الاسلام أفضل من معاوية وأبيه العربيين. القريشيين. ذكر لمقريزي (10) « إن أبا بكر كلم أبا سفيان فرفع صوته. فقال أبو قحافة : أخفض صوتك يا أبا بكر عن ابن حرب. فقال أبو بكر يا أبا قحافة : إن الله بنى في الاسلام بيوتا كانت غير مبنية. وهدم بيوتا كانت في الجاهلية مبنية. وبيت أبي سفيان مما هدم »
فموقف الامويين من الموالي إذن موقف لا يجيزه الاسلام من الناحية المبدئية العامة. وتتجسم بشاعة ذلك الموقف إذا تذكرنا أن قسما كبير امن الموالي ـ وبخاصة الفرس منهم ـ كانوا من أفاضل المسلمين الامر الذي حمل ابن خلدون على القول بان حمله العلم في الاسلام أكثرهم العجم.
قال ابن خلدون : « من الغريب الواقع أن حملة العلم في الاسلام اكثرهم العجم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية إلا في القليل النادر وإن كان منهم العربي في نسبته ومرباه ومشيخته مع أن اللغة عربية وصاحب شريعتها عربي ... فكان صاحب صناعة النحو سيبويه والفارسي من بعده والزجاج من بعدهما : وكلهم عجم في أنسابهم. وكذا حملة الحديث الذي حفظوا عن أهل الاسلام اكثرهم عجم ...
وكان علماء اصول الفقه كلهم عجما ... وكذا حملة الكلام. وكذا اكثر المفسرين. ولم يقم بحفظه وتدوينه إلا الاعاجم ... وظهر مصداق قول النبي : « لو تعلق العلم بأكناف السماء لناله قوم من اهل فارس (11) » فأنت ترى ان الفرس ـ وهم الذين تطلق عليهم كلمة الموالي في الاعم والاغلب ـ قد برعوا في شتى صنوف المعرفة العربية الاسلامية.
ومن الغريب أن ينتزع الفرس من العرب ـ بالاضافة إلى علم الكلام وأصول الفقه والحديث وتفسير القرآن ـ قواعد اللغة العربية ، وهو أمر بعيد عن متناول المسلم غير العربي كما هو معروف.
أما براعة الفرس في الفقه فقد بلغت حد الاعجاز فقد روى عن أبي ليلى أنه قال : « قال لي عيسى بن موسى ـ وكان دياناً شديد العصبية.
من كان فقيه البصرة؟ قلت الحسن بن أبي الحسن.
قال ثم من؟ قلت محمد بن سيرين.
قال فما هما؟ قلت موليان. قال فمن كان فقيه مكة؟ قلت : عطاء بن ابي رباح ومجاهد وسعيد بن جبير وسليمان بن يسار.
قال فما هؤلاء؟ قلت : موالي ، قال فمن فقهاء المدينة؟ قلت يزيد بن اسلم ومحمد بن المنكدر ، ونافع بن أبي نجيح.
قال فما هؤلاء؟ قلت موالي فتغير لونه ـ ثم قال : فمن أفقه أهل قباء؟ قلت ربيعة الرأي ، وابن أبي الزناد قال : فما كانا؟ قلت من الموالي. فاربد وجهه. ثم قال : فمن كان فقيه اليمن؟ قلت طاووس وابنه وابن منبه.
قال فما هؤلاء؟ قلت من الموالي. فانتفخت أوداجه فانتصب قاعدا. ثم قال : فمن كان فقيه الشام؟ قلت مكحول. قال فما كان مكحول هذا؟ قلت موالي.
قال فتنفس الصعداء. ثم قال : فمن كان فقيه الكوفة؟ قال : فوالله لولا خوفه لقلت الحكم بن عينية ، وعمار بن أبي سليمان. ولكني رأيت فيه الشر فقلت : إبراهيم والشعبي. قال فما كانا؟ قلت عربيان. قال الله اكبر. وسكن جأشه (12). »
هؤلاء هم العجم الذين كان دعاة الامويين ـ ومازلوا ـ ينتقصونهم في دينهم وفي أحسابهم وفي خلقهم.
ومن المحزن حقا أن تلصق بهؤلاء المسلمين صنوف التهم ومختلف المثالب والموبقات حتى أصبح القول :
« بأن الفرس دخلوا الاسلام لهدمه » من الاقوال التي يرددها كثير من الناس دون تثبت أو انصاف.
وقد أسرفت كتب التاريخ المدرسي عندنا ـ في هذه القضية ـ غاية الاسراف.
فمصرع الخليفة الثاني مثلا : كان سببه ـ بنظر مؤلفيها ـ مؤامرة فارسية لهدم الاسلام ، وسقوط الدولتين الاموية ، والعباسية ، والنزاع بين المنصور وأبي مسلم الخراساني ، وبين الرشيد والبرامكة ، وبين الامين والمأمون الخ ...
كلها امثلة من هذا القبيل. وقد بلغ بعض الكتاب المعاصرين في هذا الاتهام ذروته حين نسب للفرس مصرع الامام علي بن أبي طالب مع علمه بحبهم له ـ لعدالته وتقواه ـ. (13)
ومن يدري فلعل حب الفرس لعلي هو الذي جعل هؤلاء الكتاب يبغضونهم ويكيلون لهم التهم دون حساب.
ولا يخفى ما في هذه المزاعم والاباطيل من تجن على التاريخ وتبسيط لحوادثه.
ومما يلفت النظر إن أولئك الكتاب يميزون احيانا بين الفرس على اسس اخرى غير فارسيتهم. فيحترمون بعضهم إلى حد العبادة ويمقتون بعضا آخر الى حد الكفر.
ويجري هذا المجرى : ان أولئك الكتاب « العرب » كثيراً ما يعتبرون غير العرب « عربا » وبالعكس من الناحية « القومية ».
لقد مر بنا القول بأن الموالي قد برعوا في العلوم الاسلامية وتفوقوا فيها على العرب. ترى لماذا برع الموالي في إتقان العلوم الاسلامية؟ وتخلف عنهم العرب؟
هل يعود السبب في ذلك إلى اختلاف في وراثاتهم الجسمية والعقلية؟
ام انه يرجع إلى عوامل بيئية صرفة؟
هل أشتل الامويون العرب في الحروب والمؤامرات السياسية فصرفوهم عن العلم؟ فخلا الجو العلمي للموالي؟
وهل شعر الموالي بضرورة تجنب الاشتراك في السياسة الاموية فانصرفوا بكليتهم إلى العلم؟
إن الاجابة بالاثبات عن السؤال الرابع وبالنفي عن السؤال الثالث تعتبر من أوليات العلم الحديث ـ وبخاصة علم النفس والاجتماع ـ.
فلم يبرع الموالي في الجوانب العلمية لأنهم موال بل برعوا فيها لانصرافهم لها دون العرب.
وقد أدى انصراف الموالي إلى البحث والتتبع في العلوم الاسلامية إلى اختلاف في تفسير النصوص الموجودة في القرآن والحديث وبالتالي إلى ظهور مسائل اجتهادية كثيرة أبعدت المسلمين عن بعضهم بعضا.
وهذه ظاهرة لا ينبغي أن تثير الدهشة أو الاستغراب. فإن من مستلزمات البحث الحرأنه يؤدي إلى تشعب الدراسة واختلاف في وجهات النظر. ويظهر ذلك في شتى صنوف المعرفة الإنسانية ، الطبيعية منها والاجتماعية مع اختلاف في سعة ذلك الاختلاف ».
ومن الطريف أن ننبه القارئ إلى أن آينشتين العالم الفيزيائي المعروف قد أطلق على نظرياته العلمية اسم « النسبة » للتعبير عن الاختلاف الذي أشرنا إله فاختلاف وجهات النظر بين الباحثين إذن أمر لابد من حدوثه ، وأنه يؤدي ـ في العادة ـ إلى ازدهار المعرفة الانسانية ويصدق ما ذكرناه على الفقه كما يصدق على ضروب المعرفة الاخرى ، مع هذا الفارق الكبير : هو أن الاجتهاد ـ في مجال الفقه ـ يجب أن يسير في نطاق الدين الاسلامي وفي إطار القرآن وسنة الرسول.
فهل يجوز إذن أن يعتبر انصراف الموالي ـ للجوانب العلمية الفقهية ـ وما رافق ذلك من تعدد في الرأي واختلاف في وجهات النظر ـ هدما للإسلام؟
وإذا لم يكن الامر كذلك فهل بالامكان اعتبار سياسة الامويين ـ تجاه الموالي وتجاه العرب الذين طالبوا الامويين بضرورة السير وفق مستلزمات الدين ـ هدما للإسلام؟
إننا لا نشك في أن القارئ المنصف يشاركنا الاجابة بالايجاب عن هذا السؤال.
أما قضية المفاضلة بالاحساب فيتلخص رأي الموالي في ردهم على ابن قتيبة. ذكر ابن عبد ربه إن الموالي يقولون : « إننا نحن لا ننكر تباين الناس ولا تفاضلهم ولا السيد منهم والمسود والشريف والمشروف. ولكننا نزعم أن تفاضل الناس ـ فيما بينهم ـ هو ليس بآبائهم ولا بأحسابهم ولكنه بأفعالهم وأخلاقهم وشرف أنفسهم وبعد هممهم. (14)
ألا ترى إنه من كان دنيء الهمة ساقط المروءة لم يشرف وإن كان من هاشم في ذؤابتها !! إنما الكريم من كرمت أفعاله والشريف من شرفت همته. »
وقد جعل الموالي الدين مقياسا لاخلاق الناس وميزانا لرفع بعضهم على بعض وأساسا لخضد شوكة الجاهلية عند الامويين وامشاجهم من الاعراب. فذكروا ـ على ما يقول الجاحظ (15) : « إن العجم حين كان فيهم الملك والنبوة كانوا : أشرف من العرب ، ولما حول ذلك إلى العرب صارت العرب أشرف منهم.
فنحن معاشر الموالي ـ بقديمنا من العجم ـ أشرف من العرب. والحديث ـ الذي صار لنا في العرب ـ أشرف من العجم. وللعرب الجديد دون القديم. ولنا خصلتان وافرتان جميعا.
وصاحب الخصلتين أفضل من صاحب الخصلة الواحدة. »
ومهما يكن من شيء فقد أوقد الامويون نار البغضاء بين المسلمين ـ العرب والموالي ـ على رغم أنف الاسلام. فطعن كل منهما في نسب صاحبه وفي دينه وأخلاقه.
فظهرت الشعوبية من جهة وبرز الره عليها من جهة أخرى.
واحتدمت المعارك الكلامية بين الطرفين وتفنن كل جانب بلصق التهم بخصمه دون حساب.
وانتشرت كتب المثالب في كثير من الارجاء.
وإلى القارئ طرفا من هذا الوجه من وجوه الحياة الثقافية للمسلمين بعد مصرع الامام علي بن أبي طالب. ذكر الجاحظ ما نصه (16) :
ونبدأ على اسم الله بذكر مذهب الشعوبية وبمطاعنهم على خطباء العرب بأخذ المخضرة عند مناقلة الكلام ومساجلة الخصوم بالموزون المقفى والمنثور الذي لم يقف ، وبالارجاز عن الممتدح وعند مجافاة الخصم وساعة المشاولة.
وفي نفس المجادلة والمجاولة. وكذلك الاسجاع عند المنافرة والمفاخرة واستعمال المنثور في خطب الحمالة وفي مقامات الصلح وسل السخيمة.
والقول عند المعاقدة ، والاتكاء على اطراف القسى وخد وجه الارض بها ، واعتمادها عليها إذا اسحنفرت في كلامها وافنت يوم الحفل في مذاهبها. ولزومها العمائم في ايام الجموع ، واخذها المحاضر في كل حال ، وجلوسها في خطب النكاح وقيامها في خطب الصلح ...
وخطبهم على رواحلهم في المواسم العظام والمجامع الكبار.
والتماسح بالاكف والتحالف على النار. والتعاقد على الملح ، وأخذ المؤكد واليمين الغموس (المخضرة : العصا. المتح : السقي من البئر بالدلاء. المجاثاة : هي أن يجثو الخصمان على الركب أمام بعضهما ثم يأخذان في صنوف الجدل. المشاولة : تفرق الكلمة وأن يتعرض كل خصم لخصمه بالسب. الحمالة : الدية يحملها القاتل إلى أهل المقتول سهل السخيمة : نزع الضغينة الخد : الشق. اسحنفر مضى مسرعا في قوله. افتنت أخذت في فنون القول.)
وقالت الشعوبية : القضيب للإيقاع والقناة للغار والعصا للقتال والقوس للرمي. وليس بين الكلام وبين العصا سبب ، ولا بينه وبين القوس نسب. وهما إلى أن يشغلا العقل ويصرفا الخواطر ويعترضا الذهن اشبه.
وليس في حملها ما يشحذ الذهن ولا في الاشارة بها ما يجلب اللفظ.
والخطابة شيء في جميع الامم وبكل الاجيال إليه اعظم الحاجة. ولكنكم كنتم رعاة بين الابل والغنم فحملتم القنا في الحضر بفضل عادتكم لحملها في السفر. وحملتموها في المدر بفضل عادتكم لحملها في الوبر.
وحملتموها في السلم بفضل عادتكم لحملها في الحرب. وبطول اعتيادكم لمخاطبة الابل جف كلامكم وغلظت مخارج أصواتكم حتى كأنكم إنما تخاطبون الصمان إذا كلمتم الجلساء. وإنما جل قتالكم بالعصى ، ورماحكم من مران وأسنتكم من قرون البقر.
وتفخرون بطول القناة ولا تعرفون الطعن والمطارد. وإنما لقنا الطوال للرحالة والقصار للفرسان والمطارد لصيد الوحش. وتفخرون بطول الرمح وقصر السيف.
فلو كان المفتخر بقصر السيف الراجل ـ دون الفارس ـ لكان الفارس يفخر بطول السيف ، وإن كان الطول في الرمح إنما صار صوابا لانه ينال به البعيد ولا يفوته العدو ، ولأن ذلك يدل على شدة أسر الفارس وقوة ايده. فكذلك السيف العريض الطويل.
وكنتم تتخذون للقنا زجا وسنانا حين لم يقبض الفارس منكم على أصل قناته.
وكنتم لا تقاتلون بالليل ولا تعرفون البيات ولا الكمين » ـ (المطارد جمع مطرد وهو الرمح القصير. الزج حديدة مدببة تركب في اسفل الرمح. البيات الايقاع بالعدو ليلاً. الصمان جمع أصم. المران نوع من الشجر.)
ثم ينتقل الجاحظ ـ بعد أن ذكر مطاعن الشعوبية على العرب ـ إلى الرد عليهم. فيقول في الكتاب الآنف الذكر (17) :
قلنا ليس لكم فيما ذكرتم دليل على أن العرب لا تقاتل باليل.
قال سعد بن مالك في قتل كعب ...
وليلـة تبع وخميس سعد / أتونا ـ بعد ما نمنا ـ دبيبا
فلــم نهدأ لبأسهم ولكن / ركبنا حد كوكبهم ركوبــا
بضرب تفلق الهامات منه / وطعن يفصل الحلق الصليبا
وأما قولهم أن العرب لا يعرفون الكمين فقد قال أبو قيس بن الاسلت :
وأحرزنـا المغانم واستبحنا / حمى الاعداء ، والله المعين
بغير خلابة وبغير مكــر/ مجاهــرة ولم يخبأ كمين
وأما ما ذكروا في شأن رماح العرب فليس الامر في ذلك على ما يتوهمون وللرماح طبقات : فمنها : النيزك ، ومنها المربوع ومنها المخموس ومنها التأم ومنها الخطل ...
وجملة القول إنا لا نعرف الخطب إلا للعرب والفرس. وفي الفرس خطباء إلا أن كل كلام للفرس وكل معنى للعجم فإنما هو عن طول فكرة وعن اجتهاد وخلوة وعن مشاورة ومعاونة وعن طول التفكير ودراسة الكتب. وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال.
والدليل على أن أخذ العصا مأخوذ من أصل كريم ومن معدن شريف اتخاذ سليمان بن داود العصا لخطبته.
وقد جمع الله لموسى في عصاه من البرهانات العظام. الم تر أن السحرة لم يتكلفوا تغليظ الناس والتموية عليهم إلا بالعصا ! ولا عاوضهم موسى إلا بالعصا !! ...
قال يزيد بن مفرع :
العبد يقرع بالعصا / والحر تكفيه الاشارة
ومما يدخل في باب الانتفاع بالعصا أن عامر بن الظرب العدواني حكم العرب في الجاهلية. ولما أسن واعتراه النسيان أمر بنته ان تقرع بالعصا إذا هو فه عن الحكم وجار عن القيد.
وذكر العصا يجري عندهم في معان كثيرة. تقول العرب : العصا من العصية. ويقال أن فلان شق عصا المسلمين.
وقال العتابي في مدح بعض الخلفاء :
إمـام لـه كـف تضـم بنانهــا / عصا الدين ممنوع من البري عودها
وعين محيـط بالبـرية جفنـهـا / سـواء عليـه قربهـا وبعيـدهـا
وقال المضرس الاسدي :
وألقت عصاها واستقرت بها النوى / كما قر عينا بالاياب المسافــر »
وذكر ابن خلدون (18) وهو غير شعوبي ـ آراء في العرب لا تختلف من حيث الاساس عن آراء الشعوبيين. فاتهم العرب بأنهم لا يتغلبون إلا على البسائط. « وذلك أنهم بطبيعة التوحش ـ الذي فيهم ـ أهل إنتهاب وعبث. ينتهبون ما قدروا عليه من غير مغالبة ولا ركوب خطر.
ويفرون إلى منتجعهم بالقفر. ولا يذهبون إلى المزاحفة والمحاربة إلا إذا دفعوا بذلك عن أنفسهم. والقبائل الممتنعة عليهم باوعار الجبال بمنجاة من عبثهم وفسادهم.
وان العرب إذا تغلبوا على اوطان اسرع اليها الفساد.
والسبب في ذلك : أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقا وجبله وكان عندهم ملذوذا لما فيه من خروج على ربقة الحكم وعدم الانقياد للسياسة.
وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له. فغاية الاحوال العادية كلها عندهم الرحلة والتغلب وذلك مناقض للسكون الذي به العمران ومناف له.
فالحجر مثلا إنما حاجتهم إليه لنصبه أثافي للقدر. فينقلونه من المباني ويخريونها عليه ويعدونه لذلك.
والخشب أيضا انما حاجتهم إليه ليعمروا به خيامهم ويتخذوا الاوتاد منه لبيوتهم. فيخربون السقف عليه. لذلك فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران. هذا في حالهم على العموم.
وايضا في طبيعتهم انتهاب ما في ايدي الناس ، وان رزقهم في ضلال رماحهم. وليس عندهم في اخذ اموال الناس حد ينتهون إليه. بل كلما امتدت اعينهم إلى مال او متاع أو ماعون انتهبوه.
وايضا فانهم ليست لهم عناية بالاحكام وزجر الناس عن المفاسد ودفاع بعض عن بعض إنما هم يأخذونه من اموال الناس نهبا أو غرامة. فإذا توصلوا إلى ذات وحصلوا عليه أعرضوا مما بعده من تسديد أحوالهم والنظر في مصالحهم وقهر بعضهم عن أغراض المفاسد.
هذا إلى أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بعصبية دينية من بنوة أو ولاية أو اثر عظيم من الدين على الجملة. والسبب في ذلك أنهم ـ لخلق التوحش فيهم ـ أصعب الامم انقيادا بعضهم لبعض للغلظة والانفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة. فقلما تجتمع أهواؤهم.
فإذا كان الدين بالنبوءة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم ، وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم ...
فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يبعثهم على القيام بامر الله يذهب عنهم مذمومات الاخلاق ويأخذهم بمحمودها ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق ثم اجتماعهم وحصل لهم التغلب والملك. وهم مع ذلك اسرع الناس قبولا للحق والهدى لسلامة طباعهم من عوج الملكات وبراءتها من ذميم الاخلاق إلا ما كان من خلق التوحش القريب المعاناة المتهيء لقبول الخير. ـ يضاف إلى ذلك ـ أن العرب ـ أبعد الامم عن سياسة الملك والسبب في ذلك أنهم أكثر بدواة من سائر الامم وابعد مجالا في القفر وأغنى عن حاجات التاول لاعتيادهم الشظف وخشونة العيش. فاستغنوا عن غيرهم. فصعب انقياد بعضهم لبعض لإيلافهم ذلك وللتوحش.
ورئيسهم محتاج إليهم غالبا للعصبية التي بها المدافعة.
فكان مضطرا إلى إحسان ملكتهم وترك مراغمتهم لئلا يختل عليه شأن عصبيته فيكون فيها هلاكه وهلاكهم ...
فإن من طبيعتهم كما قدمنا أخذ ما في أيدي الناس خاصة والتجافى عما سوى ذلك من الاحكام بينهم ودفاع بعضهم عن بعض.
فإذا ملكوا أمة من الأمم جعلوا غاية ملكهم الانتفاع بأخذ ما في أيديهم وتركوا ما سوى ذلك من الاحكام بينهم ...
فبعدت طباع العرب لذلك كله عن سياسة الملك ، وإنما يصيرون إليها بعد انقلاب طباعهم وتبدلها بصبغة دينية تمحو ذلك منهم وتجعل الوازع لهم من أنفسهم. »
وإذا أمعنا النظر في الفقرات التي أقتطفناها من الشعوبيين وابن خلدون أمكننا أن تقول ـ أن ما ذكره الشعوبيون وابن خلدون من مطاعن على العرب أمر ناتج عن طبيعة بيئة العرب لا عن عروبتهم.
وذلك لأن الاوضاع الطبيعية والاجتماعية التي نشأ فيها العرب قد أكسبتهم الصفات التي اتخذها الشعوبيون وابن خلدون مطاعن عليهم.
ودليلنا على ذلك : إن جميع الامم « التي تتعرض لظروف طبيعية واجتماعية مماثلة » تكتسب عادات وتقاليد مماثلة لعادات العرب وتقاليدهم. هذا من جهة.
ومن جهة ثانية فإن العرب أنفسهم إذا اختلفت بيئتهم المعاشية يكتسبون عادات وتقاليد جديدة منبثقة عن محيطهم الجديد وملائمة له.
ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الشعوبيين ـ في الفقرات التي ذكرناها ـ قد ذهبوا إلى ما ذهبنا إليه من حيث الاساس وإن لم يذكروه وبصراحة ووضوح.
فقد اعتبروا مآخذهم على العرب ناتجة عن بيئتهم المعاشية.
ولكن فاتهم ، مع هذا ، أن يتذكروا أنهم بحكم كونهم عاشوا في بيئة مختلفة عن بيئة العرب قد اكتسبوا عادات وتقاليد تختلف عن تلك التي اتصف بها العرب. فنتج عن ذلك أنهم أخطؤا وباتخاذهم عاداتهم وتقاليدهم مقياسا للحكم على تقاليد العرب وعاداتهم.
فاعتبروا اختلاف عادات العرب وتقاليدهم عن عاداتهم وتقاليدهم شذوذا وبالتالي نقصا عند العرب. ويصدق الشيء نفسه على العرب في ردهم على خصومهم
أما حجج الجاحظ ـ في تنفيد آراء الشعوبيين ـ « وبخاصة دفاعه عن العصا » فهزيلة ومضحكة.
1- مقدمة ابن خلدون ، المطبعة التجارية ص ٢١١.
2- ابن عبد ربه ، العقد الفريد ٢ / ٢٦٠ ـ ٢٦١.
3- المصدر نفسه ٢٦٢.
4- ابن عبد ربه « العقد الفريد » ٢ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ إن كل ما ذكر خروج صارخ على مبادئ الاسلام
5- كتاب الفتوحات الوهبية للشيخ ابراهيم المالكي ص ١٩٦.
6- صحيح البخاري ٢ / ٣٦٢.
7- ابن الاثير « الكامل في التاريخ » ٣ / ٣٤.
8- الإصابة في تمييز الصحابة ٢ / ٦٠.
9- الاستيعاب في أسماء. الاصحاب ٢ / ٤٥ ـ ٥٨.
10- النزاع والتخاصم ١٩٠.
11- مقدمة ابن خلدون : ٥٤٣ ـ ٥٤٤.
12- ابن عبد ربه : « العقد الفريد » ٢ ص ٢٦٢.
13- الدكتور بديع شريف « الصراع بين الموالي والعرب » دار الكتاب العربي بمصر ، ١٩٥٤ ص ٣٢ ـ ٣٣.
14- العقد الفريد : ٢ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩.
15- رسائل الجاحظ ص ٢٩٠.
16- البيان والتبيين ٣ / ٤ ـ ١٣.
17- البيان والتبيين ٣ / ١٤ ـ ٢٨.
18- مقدمة ابن خلدون ص ١٤٩ ـ ١٥٢.