المختار و الموالي

لقد جاء الإسلام للقضاء على عبودية الإنسان لأخيه الإنسان ، فعمد إلى ترسيخ هذا المبدأ الأساس على ما هو حدّي ، ولا تساهل فيه على الإطلاق ، ويتمثّل ذلك في كون العبودية المتناهية هي للّه وحده ، وليس لأي أحد من خلقه أن يمتلك
Wednesday, October 4, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
المختار و الموالي
المختار والموالي

لقد جاء الإسلام للقضاء على عبودية الإنسان لأخيه الإنسان ، فعمد إلى ترسيخ هذا المبدأ الأساس على ما هو حدّي ، ولا تساهل فيه على الإطلاق ، ويتمثّل ذلك في كون العبودية المتناهية هي للّه وحده ، وليس لأي أحد من خلقه أن يمتلك البشر. ولأنّ الرقّ كان أمرا طبيعيا وسائدا في المجتمع الجاهلي ، شأنه شأن الخمرة. فقد اعتمد الإسلام من خلال القرآن الكريم وسنّة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لذلك الأسلوب التدريجي حتى ينتزع من عرب الجاهلية ما كان راسخا في عقولهم من تفشّي الرقّ بينهم.
فجعل على سبيل المثال ، عتق العبيد طريقا إلى الخلاص من عقابه سبحانه وتعالى ، حيث جاء في الذكر الحكيم قوله عزّوجلّ :
« فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ » (١).
كما جعل من العتق كفّارة للذنوب. وفرضها على الذين يخالفون أحكام الدين ، كما فرض الصدقات وإطعام المساكين.
عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام : «أنَّ رجلاً من بني فهد كان يضرب عبدا له ، والعبد يقول : أعوذ باللّه ، فلم يقلع عنه ، فقال : أعوذ بمحمد ، فأقلع الرجل عنه الضرب ، فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يتعوَّذ باللّه فلا تعيذه ، ويتعوَّذ بمحمد فتعيذه ، واللّه أحقّ أن يجار عائذه من محمد ، فقال الرجل : هو حرّ لوجه اللّه ، فقال : والذي بعثني بالحق نبيّا ، لو لم تفعل لواقع وجهك حرّ النار » (2).
نعم ، جاء الإسلام ، ليردّ لهؤلاء البشر إنسانيتهم. جاء ليقول للسادة عن الرقيق : (بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ) (3) ، جاء ليقرّر وحدة الأصل والمنشأ والمصير « أنتم بنو آدم وآدم من تراب ».
ويذكر ، أن أول من أعتقهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هم بلال ، وعمار ، وصهيب ، وخباب ، فقد آثر عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال عن بلال الحبشي ، أنه أول ثمار الحبشة ، وعن صهيب إنه أول ثمار الروم ، وكذلك قال عن سلمان الذي كان أول من تحوّل من الفرس والذي كان رقيقا أيضا.
وممّا يدلّ على دعوى هموم هذا الدين لكل العالم هذه الرواية التي نقلناها عن الطبري (4) ، والتي تنصّ على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد أرسل الدعاة لنشر السلام بين جميع الأمم.
وخصّص لفكّ رقاب المستعبدين وجها أو بابا من أبواب صرف أموال الصدقات. قال تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا. وَفِي الرِّقَابِ.) (5).
وبهذا حبّب الدين الإسلامي السمح ، الناس في الإسراع في عتق أرقّائهم ، وعبيدهم ، وأخلى سبيلهم رغبة وطمعا في المغفرة من الذنوب.
نحن نعلم ، أن للإنسان مكانة رفيعة في تعاليم الإسلام ، أساسها أن اللّه خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسبغ عليه نعمه ، وجعل فجاج الأرض ، وآفاق السماء مسخّرة له ، وفي ذلك يقول جلّ شأنه : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (6).
ولمّا كان مكانة الإنسان على هذا المستوى الرفيع ، فإنّ الشارع ضمن له حقوقا تصونه ، وتدعمه ، وتمنع عنه أسباب الزلل والهبوط ، لعلّ أولها أن يحيا موفور الكرامة عزيز النفس لا يشكو حيفا ولا هوانا.
لقد كان الرقّ قبل الإسلام منتشرا ، ومتمكّنا ، لكن انتصار الإسلام ، هدّم هذه الظاهرة اللا إنسانية ، فأصبح الناس إخوانا كما قال الرسول العظيم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يتقاسمون الحياة مطعما ، وملبسا ، وأعمالاً ، وآدابا ، في محبّة خالصة ومشاركة عادلة.
وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يعتق من الإرقاء من يُعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة ، أو يؤدّي خدمة مماثلة للمسلمين. ونصّ القرآن الكريم على أن كفّارة بعض الذنوب هي عتق الرقاب. كما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحثّ على العتق تكفيرا عن أي ذنب يأتيه الإنسان ، وذلك للعمل على تحرير أكبر عدد ممكن منهم.
فالموالي ، هم المسلمون من غير العرب ، وكانوا في الأصل أسرى حرب في منزلة الرقيق ، ثمّ أسلموا فاعتقوا ، وأصبحوا موالي.
فمنهم من أصبحت له منزلة عظيمة أمثال : زيد بن حارثة ، الذي كانت تمتلكه خديجة ، والذي أعتقه وتبنّاه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ زوّجه زينب بنت جحش ، بنت عمّته أميمة ، وكانت من أجمل وأشرف بنات هاشم ، وهذا أول مظهر من مظاهر المساواة بين الناس.
ومنهم ، عمار بن ياسر مولى بني مخزوم ، وبلال بن رباح مولى بني جمح ، وخباب بن الأرت مولى أم أنمار ، وسلمان الفارسي من موالي يهود بني قريظة ، وصهيب بن سنان الروحي ، مولى عبد اللّه بن جدعان. وسالم مولى امرأة من الأنصار ، وقد تبنّاه أبو حذيفة بن عقبة بن ربيعة وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عقبة ، وأمثالهم كثير.
فهؤلاء ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ كانوا أرقّاء ، ومن أوطان وجنسيات متعدّدة ، وذوي ألوان مختلفة ، فلمّا أظلّهم الإسلام ، تحرّروا من أسر الرقّ وصاروا أحرارا!
والموالي كفئة مسحوقة لم تحقّق الحدّ النسبي من حقوقها الاجتماعية ، خاصة حقّها الكامل في المساواة. ولقد عاشت هذا الاستغلال مزدوجا ، سواء تحت قبضة ، ملاكي الأرض ، أو حين التجأت إلى الإسلام تخلّصا من الضرائب ، فاصطدمت بسلطة قمعية على رأسها الحجّاج بن يوسف الثقفي. وكان الموالي قد تلمّسوا بداية الطريق إلى موقعهم الطبيعي من السلطة الأموية ، وذلك مع ثورة المختار الثقفي.
أجل ، لقد كان عصر سيادة المختار في العراق ، بداية مرحلة جديدة في تاريخ الموالي ، فقد بدأ فترة من التسامح ، والمساواة ، والعدل ، وبهذا أعاد المختار رضي‌الله‌عنه ، سيرة الرسول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وآل بيته في معاملة الموالي ، ونبذ سياسة التفرقة التي اتّبعها الولاة والأمويين.
بينما ترى أميرالمؤمنين وأحسن الإمام علي بن أبيطالب عليه‌السلام قد أحسن معاملة الموالي ، وكان جيشه يضمّ ١٦ ألف من الموالي والعبيد (7).
إنّ انخفاض منزلة الموالي الاجتماعية إبان حكم الأمويين أدّت بكثير منهم أن يكونوا مستعدّين للانضمام إلى أيِّ حركة معارضة ضدّ الوضع القائم ، محاولة منهم للحصول على العدالة والمساواة.
حتى إذا ظهر المختار وجد الموالي فيه الزعيم المنشود ، فأسرعوا إلى نبذ طاعة ابن الزبير. وقد رأوا في دعوة المختار فرصة يحقّقون بها آمالهم في التساوي بالعرب.
فانضمّوا إليه ، فساوى بينهم ، وبين العرب في الحقوق والواجبات. وجعل عطاءهم جميعا واحدا. كما أباح لهم مشاركة العرب بالفيء ، وركوب الخيل (8).
وكان يلقبهم بـ (شيعة الحقّ) وبـ (شيعة المهدي) (9).
كما أنّه عيّن كيسان أبو عمرة مولى عرينة على حرسه ، وربما كان هذا التعيّن لأنّه يثقّ به أكثر من غيره أو لأنّه كان أكثر نفوذا بين الموالي من مؤيّديه.
وأعلن المختار أن كلّ عبد ينضمّ إليه يكون حرّا (10) ، وهذا ساعد على ازدياد عدد الموالي والعبيد بين أتباعه إلى درجة كبيرة. فبعد أن كانوا في بداية الثورة خمسمائة فقط ، انضمّ إليه جميع الموالي في الكوفة تقريبا وهو في قمّة انتصاره ، وللمختار الفضل في أنه أول من أدرك أن الموالي كانوا عنصرا سياسيا مهمّا في المجتمع.
فيذكر المدائني : أن المغيرة بن شعبة كان أول من جلب انتباه المختار إلى ذلك حيث قال له : « أما واللّه أني لأعرف كلمة لو دعا بها أريب لاستمال بها أقواما فصاروا له أنصارا ». قال المختار : « وما هي؟ قال : يدعوهم إلى نصرة آل محمد والطلب بدمائهم » (11).
وعلى الرغم من أن مصلحة الأشراف كانت تتعارض تعارضا تاما مع مصالح الموالي ، فإنّ المختار ضمّهم إلى جيشه ، ولم يكتفِ المختار بذلك فقد جعلهم شركاء مع الأشراف في أمور حياتهم اليومية.
وقد غضب لذلك أشراف العرب ، فتوجّهوا إلى المختار يعاتبونه ، ففسّر لهم تقريبه الموالي بقوله : « لا يبعد اللّه غيركم ، أكرمتكم فشمختم بأنوفكم ، ولّيتكم فكسرتم الخراج ، وهؤلاء العجم أطوع لي منكم ، وأوفى ، وأسرع إلى ما أريد » (12).
ويرى الشهرستاني ، أن اعتماد المختار على الموالي لم يكن السبب فيما وصل إليه من نجاح ونفوذ ، وإنّما نسب نجاحه إلى عاملين :
أولهما : أنه أعلن أنه نائب ابن الحنفية رضي‌الله‌عنه.
وثانيهما : إقدامه على الأخذ بثأر الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وقتلى كربلاء ، واشتغاله ليلاً ، ونهارا بقتال الظلمة الذين اجتمعوا على قتل الحسين عليه‌السلام (13).
كانت الظروف والأحداث التي شهدتها فترة سيادة المختار في العراق إنّما هي نتيجة تطور لأحداث سابقة. وفي الحقيقة ورث المختار تركة مثقلة بالأعباء ، ولم يكن بإمكانه أن يحلّ جميع المشاكل التي تبلورت في عهده ونمت وتطورت في سنوات كثيرة ، كما أن المختار انشغل طوال فترة حكمه بقتال أعدائه ، فكان يحارب في عدّة ميادين ، حارب الزبيريين والأمويين ، وأشراف الكوفة وقتلة الحسين عليه‌السلام وغيرهم.
كان طبيعيا والمختار في بلاد العراق أن يستعين بالموالي وهم الغالبية العظمى من السكان ، وكانوا يحتكرون المواد الاقتصادية ، إلى جانب ما كان لهم من نشاط سياسي وثقافي باعتبارهم ورثة الحضارة الفارسية.
وقد وصفهم المختار بأنّهم : « أولاد الأساور من أهل فارس ، والمرازبة » (14).
ورغم عطف المختار على الموالي ، وتحسينه أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية ، فقد اختار جميع ولاته ، وقواده من العرب ، وكانوا كلّهم من طبقة النبلاء (15).
فقد أرسل القائد العربي شرحبيل بن ورس ، لإنقاذ ابن الحنفية من عبد اللّه بن الزبير ، ومعه جيش قوامه ثلاثة آلاف رجل ، سبعمائة فقط من العرب اليمنيين ، أما الباقي فكانوا من الموالي (16).
نستنتج مما تقدّم ، أن المختار ، كان رجلاً ، تحرّريا لا يعرف جنسا ، ولا يتعصّب لعنصر أو لون ، فكان يرى جميع البشر على مستوى واحد بغضّ النظر عن قوميتهم أو لونهم ، لهذا ضمّ الموالي إلى ثورته ، وشاركهم مع العرب بالفيء ، والزواج من العربيات ، كما وعيّن كيسان أبا عمرة مولى عرينة على حرسه.
كما كان المختار يرى أن الموالي هم أطوع من الأشراف وأوفى ، لذلك استعان بهم للقضاء على كل من النفوذ الأموي ، والنفوذ الزبيري ، بدليل أنهم لم يتخلّوا عنه عندما حاصره مصعب بن الزبير في قصره ، في حين تركه العرب ، ولجأوا إلى قبائلهم. ويدافع (فلهوزن) عن المختار فيقول : « وجد المختار الموالي وقد أصبحوا من جماعته ، ولم يكن يرمي إلى إثارتهم ضدّ العرب ، بل اتّبع سياسة المهادنة والتوفيق ، وكانت الناس من ورائه حتى استطاع أن يجتذب إليه كبار التجار العرب. وشاء القضاء على الفوارق بين المسلمين من الطبقة الأولى والمسلمين من الطبقة الثانية ممن يأخذ عليه ذلك ، لا يكن له الحق في أن يأخذ على الحجاج أنه عمل العكس فأكد الفوارق بكل قوة وأعادها إلى ما كانت عليه.
والحق أن المختار خليق بالمديح لكونه أسبق من غيره في إدراك أن الأحوال القائمة آنذاك لا يمكن أن تبقى كما هي ، إذ لم يكن الإسلام بل العنصر العربي هو الذي يتمتّع بالحقوق المدنية الكاملة في الحكومة الدينية» (17).
ولم يكن المختار أول من قرّب الموالي. فقد اعتمد الإمام علي عليه‌السلام ، على الموالي في حروبه ، وساوى بين العرب والموالي في جميع النواحي.
المصادر :
1- سورة البلد : ٩٠ / ١١ ـ ١٣.
2- الوسائل ٢٢ : ٤٠١ / ٢.
3- سورة آل عمران : ٣ / ١٩٥.
4- الطبري ٣ : ٨٥.
5- سورة التوبة : ٩ / ٦٠.
6- سورة الإسراء : ١٧ / ٧٠.
7- الفصول المهمة لابن الصباغ : ٨١.
8- الطبري ٢ : ٤٣ ـ ٤٤ ، كتاب الفتوح / ابن أعثم الكوفي ٦ : ٢٦٠.
9- الأعلام بالحروب الواقعة في صدر الإسلام / البياسي : ١٢٩.
10- أنساب الأشراف / البلاذري ٦ : ٤٤٨.
11- أنساب الأشراف ٦ : ٣٨٧ ، والأريب : العاقل.
12- الأخبار الطوال / الدينوري : ٣٠٦.
13- الملل والنحل ١ : ٢٣٧.
14- الأخبار الطوال / الدينوري : ٤٣٢.
15- الخوارج والشيعة / فلهوزن : ٢١١.
16- الطبري ٦ : ٧٣.
17- الخوارج والشيعة / فلهوزن : ١٥٢.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.