قال تعالى : (وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاْءَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الاْءَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (١).
وقال تعالى : (وَمَن قُتِلَ مُظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِف فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً) (٢).
وقال تعالى : (الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الاْرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ) (٣).
في أجواء ما تقدّم من آيات الذكر الحكيم ، ومن خلالها نفهم حقيقتين بأنّ اللّه سبحانه لابدّ أن ينتصر بشكل مادّي مباشر لعباده المؤمنين (كَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (٤) ، فالآيات الأولى. تتحدّث عمّا كان عليه طغيان فرعون وقائده (هامان) ، وما فعله حين ذاك بالمستضعفين من قومه ، ومن اليهود إذ أهلكهما غرقا ونجّى رسوله موسى عليهالسلام ، ومن تبعه من الصالحين. وهكذا أصبح مستضعفو الأمس سادة اليوم فكان النصر حينها فعلاً ، إلـهيا ، إعجازيا يتمثّل بانفلاق البحر ، وعبور موسى ، وأصحابه ومن ثمّ انغلاق البحر على فرعون وجنوده (وأجلى مصاديق الآية الشريفة ـ كما في كثير من رواياتنا عن أهل البيت عليهمالسلام ، هو الإمام المهدي عليهالسلام في آخر الزمان الذي سيمن عليه آخر المطاف ويحقق له ما وعد سبحانه ، ولا يمنع هذا من جريانها في مصاديقها الأخرى ، لوضوح أن سبب النزول لا يخصص المورد.).
أما الآية ( وَمَن قُتِلَ مُظْلُوماً ... ) ، فإنّها تعني أن اللّه سبحانه تعالى ، لابدّ أن يؤتي للقتيل المظلوم حقّه فيجعل من خلال القوة التي يمنحها لوليه فيما بعد ، وكان قد تجسّد هذا ، وتجلّى فيما سبب سبحانه وتعالى لأولياء الحسين عليهالسلام ، والذين استُشهدوا معه من قوة عكست انتصارهم بحقّ ، لأنّ النصر من وجهة النظر الإلهية لا يقتصر على الجانب المادي ، ولا الدنيوي فقط. إنّما يتركّز أساسا في الجانب الروحي ، وهو انتصار الإنسان على ذاته أولاً. وذلك الانتصار ما بعده انتصار آخر. إنّه الخلود في الجنّة ، والخلود في ضمير الإنسانية ما دامت موجودة على وجه الأرض.
ولا نشك أبدا ، في أن المختار ، ومن قاتل معه هم من أولياء أولئك الأبطال الذين زهدوا بالحياة الدنيا ابتغاء مرضاة اللّه تعالى ، فقد ابتدأوا ثورتهم طلبا بثارات الحسين عليهالسلام ، ولما كتب اللّه لهم النصر المبين في القضاء على ابن زياد ، أرادوا أن يقيموا احتفالاً كبيرا ينفّذون خلاله شعارهم المركزي بشكل حرفي ، وما كان ذلك ليتمّ إلاّ بإقامة محكمة ميدانية عظيمة المساحة والأبعاد. أجل فقد جرت المحاكمة على مسرح كبير.
لذا بدأ المختار ، ينفّذ ما وعد به الإمام علي بن الحسين ومحمد بن الحنفية ، بثأر الحسين عليهالسلام ، وسائر الشهداء في كربلاء عليهمالسلام :
فقد ذكر الطبري في تاريخه (5) ، أن المختار قال : «اطلبوهم فإنّه لا يسوغ لي الطعام والشراب ، حتى أُطهِّر الأرض منهم».
أو قوله : «ما من ديننا أن نترك قتلة الحسين». أو يُخاطب عبد اللّه بن كامل ، وكان هذا من أخصّ بطانته وقد استجار عنده (محمد بن الأشعث) : «أتستحلّ أن تجير قتلة ابن نبيك؟» تحقيق طه محمد الزيني. قال صاحب المعارف : ٢٤٦؛ إنّه قتل ابن عمر بن سعد بن أبي الوقاص حفص وكان ابن أخت المختار. وهذا يدل على حب وولاء المختار لآل البيت ، وإنّه أكبر دليل على إيمانه وعقيدته الثابتة. وكان عمر بن سعد قد أخذ الأمان له ولعائلته. (من قبل جعدة بن هبيرة بن أخت الإمام علي عليهالسلام) وهذا نص وثيقة الأمان بسم اللّه الرحمن الرحيم : هذا أمان المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقاص إنّك آمن بأمان اللّه على نفسك وأهلك ومالك وولدك لاتؤاخذ بحدث كان منك قديما ما سمعت وأطعت وألزمت إلاّ أن تحدث حدثا فمن لقى عمرا من شرطة اللّه وشيعة آل محمد فلا يتعرض إلاّ بسبيل خير.). ويفسر لنا الطبري وأكثر المؤرخين عند التعرض لهذه الحادثة معنى هذا الحديث الذي أخذه المختار شرطا وثيقا وأقرّ به عمر راضيا عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهالسلام قال : «إنّما أراد المختار بقوله أن لا يحدث حدثا هو أن يدخل بيت الخلاء» ولا مراء ـ عندنا ـ بصحه هذا القول لصحة (التورية) التي تطلق على معنيين قريب وبعيد ، وأراد به البعيد في نفسه ليظفر بعدوه فيقتله). (6).
على أيّة حال : لم يهدأ للمختار بال ، فراح يسجع في ابن سعد ويقول : «لأقتلن رجلاً عظيم الفخذين غائر العينين مشرق الحاجبين يهز الأرض برجليه يسر قتله المؤمنين والملائكة المقربين».
قال موسى بن عامر ، فأوّل من بدأ به من الذين وطئوا الحسين بخيلهم ، وأنامهم على ظهورهم ، وضرب سكك الحديد في أيديهم وأرجلهم ، وأجرى عليهم الخيل حتى قطعتهم وحرقهم بالنار ، ثم أخذ رجلين اشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل وفي سلبه ، كانا في الجبانة فضرب أعناقهما ثم أحرقهما بالنار. ثم أحضر مالك بن بشير فقتله في السوق ، وبعث أبا عمرة فأحاط بدار خولي بن يزيد الأصبحي ، وهو حامل رأس الحسين عليهالسلام ، إلى عبيد اللّه بن زياد ، فخرجت امرأته إليهم وهي النوار ابنة مالك ، كما ذكر الطبري في تاريخه ، وقيل اسمها العيوف ، وكانت محبّة لأهل البيت ، قالت : لا أدري أين هو؟ وأشارت بيدها إلى بيت الخلاء فوجدوه وعلى رأسه قوصره ، فأخذوه ، وقتلوه ثم أمر بحرقه. وكانت امرأته ممن حضر موته ، وكانت تناصبه العداوة حين جاء برأس الحسين عليهالسلام (7).
كما نجح المختار في قتل اللعين شمر بن ذي الجوشن (الشمر لعنه اللّه ، هو أول من حمل على السبط الشهيد الإمام الحسين عليهالسلام في كربلاء. وقد قبض عليه في قرية (سادماه) ، وقيل أنها (المذار) ، قرب البصرة وقتله المختار وبعث برأسه إلى محمد بن الحنفية بالمدينة. ويروي صاحب كتاب (سفينة البحار) ، عن كتاب (المثالب) لهشام بن السائب أن أم (شمر) ، مرت براعي فواقعها ، فحملت بشمر. ثم قال : ولذا قال الإمام الحسين عليهالسلام يوم كربلاء «يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها صليا». ) ، ورأس الكفر والضلال عمر بن سعد بن أبي وقّاص لعنه اللّه قائد جيش الأمويين في كربلاء ، ولما قتله أحضر المختار ابنه حفص بن عمر ، وأطلعه على رأس أبيه ، سأله عمّا إذا كان يعرف من هو صاحب الرأس ، قال : نعم ولا خير في العيش بعده. فقال له : صدقت ، فإنّك لا تعيش بعده. وأمر المختار بقتل حفص ، ووضع رأسه إلى جانب رأس أبيه عمر بن سعد ، وأشار المختار إلى الرأسين ، وقال : هذا بحسين ، وهذا بعلي بن الحسين ، واللّه لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله ثم أن المختار بعث برأس عمر بن سعد ، وابنه حفص إلى علي بن الحسين عليهماالسلام ، ومحمد بن الحنفية ، وأخبرهما أن اللّه بعثه نقمة على أعدائهم. وأقسم باللّه ، أن لا يبقى من شرك في دم الحسين أحدا (8).
وبعث عبد اللّه بن كامل إلى حكيم بن الطفيل السنبسي وكان قد أخذ سلب العباس عليهالسلام ، ورماه بسهم ، فالتجأت نسوته بعدي بن حاتم الطائي ، ليشفع عند المختار ، فأخذوه قبل وصول المختار ، ونصبوه هدفا ، ورموه بالسهام حتى مات ، وبعث إلى قاتل علي الأكبر ، وهو مرّة بن منقذ العبدي لعنه اللّه ، فأحاطوا بداره ، فخرج وبيده الرمح ، وهو على فرس جواد فطعنه عبيد اللّه ابن ناجية الشامي ولم تضرّه الطعنة ، وضربه ابن كامل بالسيف فاتّقاها بيده اليسرى ، فأشرع فيها السيف وتمطرت به الفرس ، فأفلت ولحق بمصعب ، وشلّت يده بعد ذلك ، وأحضر زيد بن رقاد فرماه بالنبل والحجارة وأحرقه ، وهرب سنان بن أنس إلى البصرة فهدم داره ، ثم خرج من البصرة نحو القادسية وكان عليه عيون فأخبروا المختار فأخذه بين العذيب والقادسية ، فقطع أنامله ثم يديه ورجليه ، وجزر حرملة بن كاهل ، ثم قال : النار النار ، فأتى بنار وقصب فأحرق.
وقطع يدي ورجلي بجدل بن سليم الكلبي ، الذي أخذ خاتم الإمام الحسين عليهالسلام فلم يزل ينزف حتى مات (9).
وتواصل العدالة الإلهية مؤاخذاتها للظالمين. فقد أرسل المختار رجاله ليأتوا برأس محمد بن الأشعث (هو أخو جعدة بنت الأشعث التي سمت الإمام الحسن عليهالسلام بأمر من معاوية بن أبي سفيان. أنظر : أسد الغابة في معرفة الصحابة ١ : ١١٨.) ، الذي استعان به زياد بن أبيه ، في تمكينه من أسر حجر بن عدي رضياللهعنه ـ غدرا ـ فأحاطوا بقصره ، ولكنّه فرّ هاربا ، ولحق بمصعب بن الزبير ، فلما عرف المختار بذلك ، أمر بهدم داره ، وبني بلبنها وطينها دار حجر بن عدي التي كان زياد أمر بهدمها (10) ، كما وتمكّن إبراهيم بن مالك الأشتر من قتل الحصين بن نمير في وقعة الزاب وهو يقاتل تحت راية ابن زياد فأرسل المختار رأسه إلى الإمام زين العابدين ومحمد بن الحنفية (11).
وقتل مالك بن النسر ورجلين معه ، وهما : عبد اللّه بن أسد الجهني ، وحمل ابن مالك المجازي.
وحين جيء بهما مخفورين قال المختار لهما : يا أعداء اللّه وأعداء رسوله لماذا قتلتم الحسين بن علي؟
قالا : بعثنا الأمير عبيد اللّه بن زياد ، ونحن كارهون ، فامنن علينا بعفوك.
فقال المختار : فهلاّ مننتم على الحسين ابن بنت نبيكم واستبقيتموه حيّا وسقيتموه ماءا؟!
ثمّ توجّه إلى مالك بن النسر ، وقال له : أنت صاحب برنس الحسين! فسبقه أحد الشيعة وقال : نعم هو هو. فأمر الختار عند ذلك بقطع يديه ورجليه فقطعت والدم ينزف منه حتى هلك وألحق الرجلين به فهلكا لعنهم اللّه.
وبعد ذلك أرسل جنوده إلى شمر بن ذي الجوشن ، وكان أبرصا كريه المنظر يدعي المذهب الخارجي ليحمله حجّة يحارب بها عليا وأبنائه.
وقد اختلف المؤرّخون في قتل هذا الوغد الأثيم ، فبعضهم يرى كما في البحار : إنّه هرب إلى البادية فصادفه (أبو عمرة) أثناء الطريق ودارت بينهما معركة أسفرت عن جرح شمر بجروح بليغة وقيد بعدها إلى الأمير المختار .. ثم قُتل. وقيل : إنّه هرب إلى البصرة ونزل قرية تدعى (الكيسانية) على شاطئ الفرات فقتله (أبو عمر) ، مع طائفة من شيعته وبعث برؤوسهم إلى المختار.
ولم يزل المختار يتبع قتلة الإمام الحسين عليهالسلام ، حتى قتل خلقا كثيرا ، وهزّم الباقين ، فهدم دورهم ، وأنزلهم من المعاقل والحصون إلى المفاوز والصحون. وبذلك حقّق المختار هدفه الذي قطعه على نفسه : «الأخذ بثأر الإمام الحسين عليهالسلام من قتلته».
وأهم أصحاب الدور التي هدمها المختار :
١ ـ دار عبد اللّه بن عروة الخثعمي ؛ وكان هذا قد رمى الحسين عليهالسلام بإثني عشر سهما.
٢ ـ دار عبد اللّه بن عقبة الغنوي ؛ وكان هذا قاتل أبي بكر بن أمير المؤمنين عليهالسلام.
٣ ـ دار أسماء بن خارجة ؛ وقد سعى هذا في قتل مسلم بن عقيل عليهالسلام.
المختار وولاية علي بن الحسين عليهما السلام
لقد استتب الأمر للمختار في الكوفة ، وامتدتّ سلطته إلى أطراف أخرى من العراق ، ومن ثمّ تجاوزت حتى شملت أجزاء من بلاد فارس ، ويكون بهذا قد أرسى قواعد الدولة التي أراد. وإزاء وضع كهذا يبدو من حق المرء أن يتساءل عن سبب عدم قيامه بتسليم مقاليد السلطة للعلويين ليباشروا الحكم بشكل مباشر ، وهل يعتبر موقفه هذا مُدخلاً للتشكك بصدق نيّته؟ ولماذا لم يبادر الإمام علي السجّاد عليهالسلام إلى المطالبة بحقّه باعتباره المؤهّل الوحيد لهذه المهمّة بحكم (إمامته) ، كما فهمناها عنهم أهل البيت عليهمالسلام ، أنّها مجرّد تساؤلات لكن نرى فيها شيئا من الموضوعية. (12)وللإجابة عليها نقول : أن المرحلة التي سبقت مأساة كربلاء كانت قد أظهرت ملامح الارتداد والنكوص والتردّي في إيمان الأُمّة ، ثم جاءت واقعة الطفّ لتؤكّد ذلك الانحدار ، والهبوط في المستوى الإيماني. الشأن الذي يتطلّب فعلاً روحانيا مزلزلاً للواقع ، لكل ما سيطر عليه من شهوات ومطامع دنيوية على آمال الخلود الأخروي.
فمن يتولّى أداء ذلك الفعل المزلزل وكيف؟
أننا الآن إزاء حاضر فاسد يتطلّب ولا شك إصلاحا انقلابيا بعمل يناقضه. وما كان لغير الإمام السجّاد عليهالسلام أن يتولّى هذا ، لذلك نراه عليهالسلام قد انصرف بكليته في اللجوء إلى اللّه تعالى ليس بدافع الخيبة والحزن الذي ملأ روحه وقلبه ، لأنّ حزن الإمام عليهالسلام ، لم يكن شخصيا مجرّدا عن الأُمّة ، وإنّما هو حزن إلهي يمتدّ بعنفوانه لينتهي على الأُمّة ذاتها. وعليه فإنّه أراد عليهالسلام أن يكتب لها سبيل الخلاص من العقد التي التفت حول عنقها حتى ضاقت به الصدور.
فجاءت أدعية الإمام عليهالسلام في الصحيفة السجادية ، لتمثّل بحقّ مادة الدرس السماوي ، والطريق لإعادة تربية الإنسان ، إذ نراها مشتملة على كل الحالات ذات العلاقة بشؤون الدين والحياة.
والدعاء لون من ألوان العبادة العالية يقرّب الإنسان من اللّه ويرسّخ فيه جذور الإيمان بكونه سبحانه وتعالى ، هو وحده القادر على تغيير الأحوال ، إن شاء لما هو أفضل.
كما أن الدعاء يتضمّن اعتراف المرء بذنوبه ، ومن ثم الاستغفار والتحوّل عما هو حرام وسيء من السلوك إلى ما هو خير.
وهناك معادلة طردية بين الفعل الإلهي التغييري وبين حال الإنسان وسلوكه ، كما هو واضح في قوله تعالى : (إِنَّ اللّه لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (13).
ثمّ نعود إلى القول بأنّه ما دام الإنسان هو الفاعل وإن لم يكن بمعزل عن أمر اللّه بهذا الشكل أو ذاك فينبغي أن يكون بمستوى الطموح الإلهي بغضّ النظرعما يستغرقه ذلك من زمن. لأنّ ردّ الفعل العاطفي الآني قد يأتي بنتائج إيجابية أوّل الأمر ، لكنّه سرعان ما يتبدّد إن لم يكن قويّا وراسخا ، ومتأصّلاً. وهذا ما حصل فعلاً للأُمّة في مجمل الأحداث. فبعد أن انتصر المختار ، وأدّى ما عليه رحمهالله ، دفع حياته ثمنا من أجل ما أراد. وببساطة انقلبت موازين القوى من حوله. وتحوّل قسم ممن كانوا معه عليه. لماذا؟ وهل هناك غير الضعف ، والجور الذي أصاب السواد الأعظم من الأُمّة. بكلّ ما تخلّل الظروف من جهل ، واضطهاد ، وتجويع؟
وكان الإمام السجّاد عليهالسلام ، على بيّنة ممّا ستؤول إليه النتائج والأُمور بالتأكيد ، لأنّه يعرف النتيجة فقد حرص عليهالسلام على ترسيخ قواعد الإيمان من خلال نشر ما انتهى إليه من علوم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، باعتباره وديعة لديه يتوجّب عليه أداؤها. وأن هذا الوجوب يلجؤهُ إلى المحافظة على حياته أطول مدّة ممكنة بعيدا عمّا يمكن أن يُنهيها ، أو أن يحجبه عن أداء مهمّته العظيمة تلك.
إذن ، ما كان للإمام أن يزجّ نفسه في آتون الحركات الثورية المسلّحة بشكل مباشر حتى لا يكون ضحية وهو إن ذهب مبكرا ستذهب معه ثروة الدين التي ورثها عن بيت النبوة.
فالأمانة ثقيلة جدا ، ولعلّ بقاء الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام بالشكل الذي عرفناه ، ونجاته من مجزرة الجاهلية الأموية يؤكّد لنا صحّة موقفه ، وسلوكه في تلك الفترة.
وهذا ما يفسّر لنا عدم التأييد العلني المباشر لثورة المختار ، ولو فعل لما تيسّر له إنشاء تلك المدرسة العظيمة التي بدأت بالازدهار في عهد ابنه الإمام الباقر عليهالسلام ، ثمّ لتتوسّع مجالاتها في عهد الإمام الصادق عليهالسلام ، أن المختار قد تفهّم ذلك الأمر فهو حتى لم يقم بالدعوة للإمام السجّاد عليهالسلام ، أو التحدّث باسمه ، أنّما فضّل أن يردّ ذلك إلى عمّه محمد بن الحنفية رضياللهعنه ، حرصا منه على أبعاد الأنظار عن بقية علم النبوة.
عمل ذلك كلّه رغم ولائه العميق لأهل البيت عليهمالسلام ذلك الولاء الذي عبّر عنه في كثير من المواقف ذات الدلالات الكبيرة.
وأننا لنجد استشهاده أكبر دليل على ولائه المطلق ، إذ بقي منقادا إلى زعامة الإمام عقائديا من بداية ثورته وانتهاءً برحيله مرورا على جسر انتصاره المؤزر الذي لم يدم طويلاً.
المصادر :
1- سورة القصص : ٢٨ / ٥ ـ ٦.
2- سورة الإسراء : ١٧ / ٣٣.
3- سورة الحج : ٢٢ / ٤١.
4- سورة الروم : ٣٠ / ٤٧.
5- تاريخ الطبري ٤ : ٥٥٣.
6- الطبري ٤ : ٥٣٣ ، والإمامة والسياسة ٢ : ١٩ ،
7- تاريخ الطبري ٤ : ٥٣٣ ، الإمامة والسياسة ٢ : ١٩ ، تحقيق طه محمد الزيني.
8- تاريخ الطبري ٤ : ٥٣٣ ، الإمامة والسياسة ٢ : ١٩ تحقيق طه محمد الزيني.
9- البحار ٤٥ : ٣٧٦.
10- الطبري ٥ : ٢٥٤.
11- النظرية السياسية للإمام زين العابدين / محمود البغدادي : ٢٨٦.
12- بحار الأنوار ٤٥ : ٣٤٠.
13- سورة الرعد : ١٣ / ١١.