
إنّ أول من دفن رسول الله صلىاللهعليهوآله في البقيع «عثمان بن مضعون» وكان رجلاً زاهداً عابداً صالحاً ، حضر النبي صلىاللهعليهوآله في بيته ، وأحنى عليه وقبّله ، ولما رفع رأسه الشريف تلألأت الدموع في عينيه ، فلمّا رفعت جنازته قال صلىاللهعليهوآله : طوبى لك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها.
وقال صلىاللهعليهوآله للموضع الذي دفن فيه عثمان : هذه الروحاء.
ولمّا توفي إبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال صلىاللهعليهوآله : إلحق بسلفك الصالح «عثمان بن مضعون».
فلمّا توفيت ابنته رقية قال صلىاللهعليهوآله : إلحقي بسلفنا الصالح «عثمان بن مضعون».
قال صاحب مرآة الحرمين : دفن في البقيع أكثر من عشرة آلاف من الصحابة والتابعين.
وفيما يلي الاشارة إلى بعضها :
١ ـ إبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله :
مات طفلاً صغيراً.
قال السمهودي : قال المجد : وموضع تربته يعرف ببيت الأحزان .. وهو البيت الذي آوت اليه فاطمة عليهاالسلام ، والتزمت الحزن فيه بعد وفاة أبيها سيد المرسلين صلىاللهعليهوآله (١).
٢ ـ قبر عقيل بن أبي طالب عليهالسلام :
وقيل : أنّه قبره في الشام ، وله هناك قبة وضريح.
٣ ـ قبر فاطمة بنت أسد عليهاالسلام :
أم الامام أمير المؤمنين عليهالسلام في روحاء البقيع بالقرب من قبر إبراهيم عليهالسلام وعثمان بن مضعون.
وقيل : دفنت في قبة العباس وهو المعروف بحسب التاريخ.
٤ ـ قبر العباس بن عبد المطلب في مقبرة بني هاشم.
٥ ـ قبر صفية بنت عبد المطلب :
أم الزبير ، وأخت حمزة عليهالسلام ، وعمة النبي صلىاللهعليهوآله ، وقبرها يقع على شمال الخارج من البقيع.
ومعها في نفس البقعة قبر عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلىاللهعليهوآله.
وقبر «أم البنين عليهاالسلام» أم قمر العشيرة أبي الفضل العباس عليهالسلام.
٦ ـ قبر عبد الله بن جعفر الطيار :
في نفس البقعة التي دفن فيها عقيل ابن أبي طالب ، وقيل : أنّه قبره في الأبواء.
ودفن في نفس تلك البقعة سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
٧ ـ قبور ثلاثة متقاربة :
يقال : أنها قبور بنات النبي صلىاللهعليهوآله زينب ورقية وام كلثوم.
٨ ـ تسعة قبور متقاربة :
أيضاً يقال : أنّها قبور نساء النبي صلىاللهعليهوآله ، سوى خديجة عليهاالسلام ؛ لأن قبرها في مكة ، وميمونة لأنها دفنت في سرف.
٩ ـ قبر حليمة السعدية :
قبر في منتهى البقيع جنب السور ، معروف أنّه قبر حليمة السعدية مرضعة النبي صلىاللهعليهوآله ، وقد دخل في البقيع وصار مشخصاً بعد التوسعة الأخيرة.
١٠ ـ قبور عدة من شهداء أحد في الجانب الغربي من البقيع.
١١ ـ قبر إسماعيل بن جعفر الصادق عليهالسلام :
وهو مقابل قبر العباس بن عبد المطلب ، ملتصق بالجدار من طرف الطريق العام.
١٢ ـ قبر عبد الله بن مسعود :
وكان قد أوصى أن يدفن بالقرب من عثمان بن مضعون.
١٣ ـ قبر سعد بن معاذ :
وهو الذي صلّى عليه النبي في تسعين ألف من الملائكة ، وبشرّه لحبّه لعلي عليهالسلام فقال : ابشر يا سعد فان الله يختم لك بالشهادة.
١٤ ـ قبر أبي سعيد الخدري :
كان من الفقهاء وكان موالياً محبّاً لأهل البيت عليهمالسلام.
وإنّما سميت المقبرة «بقيع الغرقد» لمكان الغرقد ـ وهي شجرة ـ الذي كان فيها ، فلما دفن النبي صلىاللهعليهوآله إبراهيم ابنه قطعه الناس ودفنوا فيها.
ثواب زيارة قبور أهل البيت عليهمالسلام وإعمارها :
لقد وردت النصوص المتظافرة في ثواب زيارة المراقد المطهرة لأئمة أهل البيت وأبنائهم وإعمارها.
منها : ما عن الرضا عليهالسلام قال : «فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة» (2).
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : «من زارني أو زار أحداً من ذريتي زرته يوم القيامة فانقذته من أهوالها» (3).
وعن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال لعلي عليهالسلام ـ في حديث ـ : إنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحنّ اليكم ، وتحتمل المذلّة والأذى ، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله ، ومودّة منهم لرسوله ، أولئك ـ يا علي ـ المخصوصون بشفاعتي ، الواردون حوضي ، وهم زوّاري غداً في الجنة.
ثم قال : يا علي! من عمّر قبوركم وتعاهدها فكانّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس (4).
قبور الأئمة المعصومين في البقيع
كان لقبور الأئمة عليهمالسلام صندوق وضريح ، وروضة ومقام ، وايوان للقراء ، ورواق بناه مجد الملك أبو الفضل أسعد بن محمد بن موسى الأردستاني ، وزير السلطان بركياق بن ملك الشاه ابن ألب أرسلان سنة (٩٥ هـ) ، وقتل الوزير المذكور بتهمة التشيع سنة (٤٩٢ هـ).وبنى القبة أيضاً الناصر بالله العباسي سنة (٥٦٠ هـ).
وكانت الروضة الشريفة مزينة بالنقوش والقناديل المكللة بالذهب والفضة والفولاد ، ومفروشة بالسجاد الايراني الفاخر ، الذي كان يحكي الفن والجمال للأيادي الايرانية والهندية الشيعية.
إلّا أنّ الوهابين هدموا القبور ولم يبقوا ثمة سوى تراب القبر ، حتى صار البقيع في وضع يرقّ له كلّ قلب ، ويطلق كلّ لسان باللعن الدائم على أولئك الأوغاد الأرجاس المتعصبين الجهلة الذين عطلوا عقولهم وتمسكوا بخرافاتهم ، فلعنة الله على الظالمين.
وقد دفن في البقيع أربعة من الأئمة الأبرار الأطهار وهم :
١ ـ الامام الحسن المجتبى عليهالسلام :
وهو أكبر أولاد أمير المؤمنين عليهالسلام وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يسميه وأخاه الحسين عليهالسلام «ابناي» ، ولذا كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول لأولاده «أنتم أولادي ، والحسن والحسين أولاد رسول الله صلىاللهعليهوآله» (5).
ولد الامام الحسن عليهالسلام في المدينة المنورة سنة 6 للهجرة ، وأدرك جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله سبع سنين ، وعاش في حجره الشريف وتحت ظله المنيف ، يرفل بالحب والحنان الخاص الذي أحاطه به جدّه.
وبعد وفاة جدّه ـ ومن بعده وفاة أمه الصديقة الطاهرة التي كانت أسرع أهل بيته لحوقاً به ـ عاش الامام الحسن عليهالسلام في كنف أبيه أمير المؤمنين عليهالسلام حتى استشهد سيد الأوصياء ، فكانت الامامة لولده الحسن نصاً من جدّه وأبيه حيث بقي ستة أشهر إماماً ظاهراً على الخلق ، ومعاوية يحاربه أشدّ المحاربة طمعاً في الخلافة التي كان يحلم بها هو وأسلافه ، فرفع قميص عثمان ، وأخذ يطالب بدمه ، ثم أعلن عن طمعه وكشر عن أنيابه ، مطالباً بالخلافة ، ودارت رحى الأيام فاضطر الامام الحسن عليهالسلام في ظروف خاصة للصلح ، ولكن ضمن شروط اتفق عليها الطرفان.
منها : أن ترجع الخلافة إلى الحسن عليهالسلام أو أخيه الحسين بعد وفاة معاوية.
ومنها : أن لا يتعرض معاوية للامام ولأصحابه وشيعته وأهل بيته بأي سوء أو أذى.
فلمّا تربع معاوية على عرش الحكم تنكر للامام عليهالسلام ، ودخل الكوفة وأعلن فيها بكلّ صلافة وجرأة عن عدم التزامه بشرط الصلح ، وأنّ كلّ شرط شرطه فهو تحت قدمه ؛ فطارد شيعته الامام وقتلهم.
وعاش الامام المظلوم ، أبو محمد الحسن ، سنين إمامته العشرة في غاية الشدّة ، وكان مهدداً حتى في بيته ، حيث أوعز معاوية إلى زوجة الامام «جعدة بنت الأشعث» ومنّاها وأغراها ، فدسّت السم للامام ، فقضى مسموماً مظلوماً ، وهو في السنة السابعة والأربعين من عمره المبارك الشريف ، ودفن في البقيع ، وكان على قبره ضريح وقبة عظيمة هدمها الأوغاد الوهابيون.
لقد عاش الامام حميداً ، ومات شهيداً سعيداً ، وكان عظيماً في خلقه ، يذكر برسول الله صلىاللهعليهوآله وأمير المؤمنين عليهالسلام خَلقاً وخُلقاً ، وقد تظاهر الخاصة والعامة على رواية مناقبه وفضائله ، ومحامد أخلاقه ، وما قاله فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد قال فيه : «هذان ـ الحسن والحسين عليهماالسلام ـ ابناي إمامان قاما أو قعدا».
٢ ـ الامام علي بن الحسين عليهالسلام :
ولد الامام عليهالسلام سنة ٣٦ للهجرة من الخيرتين ؛ فأبوه الامام السبط الشهيد الحسين بن علي عليهالسلام وأمه «شاه زنان» بنت آخر ملوك الساسانيين.
ولقب : بزين العابدين ، وسيد الساجدين ، وقرة عين الناظرين ، وذو الثفنات ، وغيرها من ألقابه الحاكية عن سمو خلقه وعبادته وزهده وصبره وجهاده ، حيث كان خليفة أبيه ، والوحيد من اخوته عاش بعد أبيه ، فقد شاءت حكمة الحكيم الباري أن يصحب الامام الشهيد في ثورته ، ويذوق المأساة ويشاهدها بعينه ، ثم يرعى سبايا أهله إلى الكوفة ثم إلى الشام ، فقام باعباء إمامته ودافع عن الدين ، وقال كلمة الحق أمام السطان الجائر اللعين ، وعاد إلى المدينة مع ركب السبايا.
ثم استحضره عبد الملك الخليفة الأموي السفاك ، فحمل عليهالسلام مكبّلاً مقيّداً بالأصفاد من المدينة إلى الشام ، قم عاد بعدها إلى المدينة.
ولم ترفع عنه السلطة الغاشمة ضغوطها ومضايقاتها إلّا أنّ الامام عليهالسلام كان مقبلاً على عبادته ودعائه ، لا يلتقي أحداً إلّا خواص شيعته ، كأبي حمزة الثمالي ، وأبي خالد الكابلي ، ويبثّ ما يريد في شيعته عن طريق أمثال هؤلاء.
وخلّف لنا :
«الصحيفة السجادية» زبور آل محمد.
و «رسالة الحقوق».
و «الذرية الطيبة» حيث كانت ذرية رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة سيدة نساء العالمين والامام السبط الشهيد من صلب هذا الامام العظيم.
٣ ـ الامام محمد بن الباقر عليهالسلام :
الامام محمد بن علي بن الحسين بن أمير المؤمنين عليهالسلام ، لقبه جدّه بـ «الباقر».
ولد سنة (٥٧ هـ) ، وشهد واقعة الطف وهو ابن أربع سنين ، نص على إمامته أجداده الكرام وأبوه السجاد ، فكانت له الامامة بعد أبيه إلى سنة (١١٤) أو (١١٧).
سمّه ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك ، فمضى شهيداً سعيداً.
أمه فاطمة بنت الامام الحسن المجتبى ، فهو ابن الخيرتين ، وأول علوي من علويين.
كثرت في عهده الثورات على الأمويين الظلمة ، واشتدت الخلافات داخل أجهزة النظام الحاكم ، واستشعر الناس بفداحة فاجعة الطف ، فأقبل الناس عليه من كلّ أقطار العالم الاسلامي ، فأخذ الامام يبثّ علمه ، ويهدي الناس إلى ربّه وإلى الصراط المستقيم ، ويدلنا على ذلك مراجعة التاريخ وكتب الرجال والحديث حيث نقلت لنا لئالىء أقواله ، ودرر كلماته ، وسجلت لنا حشود الروات عنه والمستطعمين على موائده.(6)
٤ ـ الامام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام :
ولد الامام الخامس عليهالسلام سنة (٨٣ هـ) ، وتوفي مسموماً بأمر المنصور العباسي سنة (١٤٨ هـ).
وكانت ولادته عليهالسلام يوم الاثنين (١٧ ربيع الأول) يوم ولادة الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله ، وهو يوم عظيم البركة ، جليل القدر ، له فضل كبير.
وكانت إمامته في زمن إنحلال الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية ، فكانت الأولى ضعيفة تعيش سكرات الموت ، والثانية ضعيفة ؛ لأنّها جديدة عهد ، لم يشتد عودها.
فكانت فرصة بثّ الامام عليهالسلام علومه ومعارفه ، وربّى الكثير من رجال الشيعة من أمثال زرارة ، ومحمد بن مسلم ، ومؤمن الطاق ، وهشام بن الحكم ، وابن بن تغلب ، وجابر بن حيان الكوفي ، وغيرهم ، بل وانتهل من معينه أئمة المذاهب الأخرى وعلماؤهم من قبيل : سفيان الثوري ، وأبي حنيفة إمام المذهب الحنفي.
وقد خلّف لنا تراثاً ضخماً تربو عدد أحاديثه وأحاديث أبيه الباقر على مجموع ما روي لنا من آبائه وأبنائه عليهمالسلام.
وابتلي في أواخر عصره بالمنصور العباسي المعروف بقساوته وضراوته ، فطارد العلويين ، وأودع ذرية رسول الله قعر السجون وظلم المطامير ، وحاول قتل الامام عليهالسلام عدة مرات ، وعزم على ذلك حتى دسّ اليه السم ، فقتله شهيداً مظلوماً مسموماً ، وبعث إلى واليه على المدينة يأمره أن يحضر في بيت الامام ، ويطّلع على وصيته ليعرف من هو الامام من بعده ، فيضرب عنقه في المجلس ، وينهي بذلك قصة الامامة ، فلما فتحوا وصية الامام عليهالسلام شاهت وجوههم ، وخابت آمالهم الشيطانية حيث وجدوا الامام عليهالسلام قد أوصى إلى الخليفة ووالي المدينة وعبد الله الأفطح وموسى ابني الامام عليهالسلام وحميدة (7).
المصادر :
1- وفاء الوفاء ٣ / ٩١٨.
2- وسائل الشيعة ٥ / ٢٥٣ ، عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٦٠.
3- كامل الزيارات : ٧.
4- عن فرحة الغري لابن طاوس : ٣١ ، البحار ١٠٠ / ١٢١.
5- مناقب لابن شهر آشوب ٤ / ٢١ و ٢٥ ، ذخائر العقبى : ٦٧ و ١٢١.
6- ارشاد المفيد : ١٧٣.
7- أصول الكافي ١ / ٣١٠ ، الفصول المهمة : ٢١٢ ، دلائل الامامة : ١١١ ، إثبات الوصية : ١٤٢.