ذات مرّة هاجم الوهّابيّون كربلاء المقدّسة، وقتلوا أهاليها قتلاً عاماً، وكان مجموع ما أحصي من القتلي، سبعة آلاف إنسان.. بين كبير وصغير.. وصبي ورضيع.. ورجل وامرأة …
وفي مرّة ثانية هاجم الوهابيّون أيضاً كربلاء المقدّسة، وقتلوا فيها ثمانية ألف إنسان، بأبشع قتلة..
والقّصتان مذكورتان كما أظن في كتاب (شهداء الفضيلة) للشيخ عبد الحسين الأميني صاحب (الغدير).
ونقل الوالد (رحمه الله) عن مصدر موثوق به، أنّه في إحدي الحملتين، التجأ الناس بالحضرة المقدسة الحسينّية وأغلقوا أبواب الصحن، وازدحموا في الحرم الشريف وأخذوا في البكاء والتضرّع والدعاء والابتهال، ومرّ علي هذه الحالة أكثر من يوم، ولم تظهر أيّة علامة من علامات الإجابة.. وكان من جملة هؤلاء رجل من الأخيار فتعجب من عدم الإجابة، ولذا خاطب الإمام الحسين (عليه السلام) قائلاً: يا سيدي إن شرائط الإجابة متوفّرة، أليس الناس في حرمك، وعند رأسك الشريف وفي الخبر استجابة الدعاء تحت قبّتك..؟
وأليسوا هم منقطعين إلي الله وهم في أشد حالات التوجه والانكسار، وإذا لم يستجب الدعاء في هذا الحال ففي أيّ وقتٍ وفي أيّ مكان وزمان يستجاب؟.
فسمع الرجل هاتفاً يقول: (سبقتهم دعوة مستجابة).
أي: ان الإمام (عليه السلام) أو ملكاً من الملائكة دعا علي بعض هؤلاء الناس بالزوال والفناء والاضطهاد وذلك لظلمهم بعضهم البعض فاستجيب الدعاء فيهم، وهذا من أثر ذلك الدعاء، ولذا لا تؤثر هذه الأدعية في رفع البلاء.
نعم، كان قد كثر الظلم في ذلك الحين، فقد ضعفت الحكومة العثمانية، وكان الناس إذ ذاك (من عزّ بزّ) ولذا جاء السيل وجرف الأخضر واليابس.
قال سبحانه: (واتّقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصّة( ويكون العذاب في هذه الظروف، للظالم عقاب ولغير الظالم ترفيع درجة أو ما أشبه.
أما قوله تعالی: (ولاتزر وازرة وزر أخري( فهي خاصة بالأمور المربوطة بالآخرة وبالأحكام الشرعية في الجملة أمّا الأمور الطبيعيّة فتشمل الخيّر والشرير، ولذا كان الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) يصابون بأشدّ المصائب مع أنهم ما اقترفوا ظلماً وعصياناً..
وللكلام في هذا الباب مجال آخر وإنمّا أردنا أن نشير إلي أن اضطهاد سائر الأبرياء في الطبيعة كالزلازل، وفي أمثال الفجائع العامة كقصّتنا وما أشبه ليس بسبب ذنبهم، بل لأن البليّة إذا جاءت عمّت، وان كانت أصلها من جهة العصيان والكفران لجماعة كبيرة من الناس لا جميعهم.
التعويض عن شهادة الحسين عليه السلام
وهنا لا بأس بالاستطراد حول الحديث الشريف المشهور: (إنّ الله سبحانه عوّض الحسين (عليه السلام) عن شهادته ثلاثاً: استجابة الدعاء تحت قبّته، والأئمّة من ذرّيته، والشفاء في تربته) فانّه قد يكون حول هذا الحديث بعض الأسئلة وهي:
1: الإمام الحسن (عليه السلام) أيضاً أطاع الله كالإمام الحسين (عليه السلام) كلّ بحسب ما أمره به سبحانه وتعالی فلماذا لم يعوّض الله الحسن (عليه السلام) كما عوّض الحسين (عليه السلام)؟.
2: إنّ الأمور الثلاثة لا ترجع إلي الإمام الحسين (عليه السلام) فالدعاء والشفاء للناس، وكون الأئمة من ذرّيته فإنها للائمّة (عليهم السلام) لا له (عليه السلام)، فهل كون الأخيار من نسل نوح (عليه السلام)، عوض لأتعابه (عليه السلام)، أم هو شيء يعود خيره إلي الأخيار بأنفسهم.
3: والدعاء إذا توفّرت شرائطه يستجاب في كلّ مكان، وإذا لم تتوفّر شرائطه لم يستجب حتيّ في حرم الإمام الحسين (عليه السلام) ثم انه ورد في الحديث استجابة الدعاء حتّي عند قبر الأبوين.
4: وأي اختصاص في استجابة الدعاء عند الإمام الحسين (عليه السلام)؟ فقد وردت الأحاديث باستجابة الدعاء عند سائر المعصومين (عليهم السلام) أيضاً.
5: أما كون الأئمة (عليه السلام) من ذرّيته:
فأولاً: إن أريد به بعض الأئمّة (عليهم السلام) فالبعض أيضاً من ذريّة الإمام السجاد والباقر والرضا إلي الإمام العسكري (عليهم السلام).. وإن أريد به كلّ الأئمّة (عليهم السلام) فهم ليسوا من ذريّة الإمام الحسين (عليه السلام) خاصة.
وثانياً: ان الأئمّة من ذريّة الإمام الحسن (عليه السلام) أيضاً، منتهي الأمر إنهم من ذرّيّته من طرف الأم، حيث ان الأئمة (عليهم السلام) يتصلون من طرف الأم بالإمام الحسن (عليه السلام) والذريّة تشمل طرف الأم أيضاً، ولذا كان عيسي (عليه السلام) من ذريّة إبراهيم (عليه السلام) كما في القرآن الكريم.
6: قد ورد في بعض الروايات، إنّ الشفاء في تربة كلّ إمام.
7: وإذا كانت استجابة الدعاء تحت قبّته (عليه السلام) فلماذا نري الكثير من الناس يدعون فلا يستجاب لهم؟.
8: وإذا كان الشفاء في تربته (عليه السلام)، فلماذا نري الكثير من الناس يستعملون التربة فلا يشفون؟.
والجواب عن ذلك بالترتيب:
1: إنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، فتعويض الله للحسين (عليه السلام) شيئاً، لا يدل علي أن الله لم يعوّض الإمام الحسن (عليه السلام) عن أتعابه بشيء آخر، وهذا الحديث لا يدلّ علي أفضلية الإمام الحسين (عليه السلام) علي الإمام الحسن (عليه السلام) كما لا يدل علي أفضلية الإمام الحسين (عليه السلام) علي رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وعليّ (عليه السلام)، وإنّما يدلّ علي جزاء الإمام الحسين (عليه السلام) في الدنيا بهذا الجزاء، ولكلّ واحد من الأئمة اختصاصات وامتيازات، فليكن من مزايا الإمام الحسين (عليه السلام) هذه الأمور.
2: والأمور الثلاثة ترجع إلي الإمام الحسين (عليه السلام) أولاً، حيث أنّ فيها ذكراً وشرفاً له عرفاً كما أن كون الأخيار من ذريّة نوح (عليه السلام) أيضاً شرف لنوح (عليه السلام)، ولذا يباهي الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلّم) علي سائر الأمم بكثرة أمّته ومباهاة الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلّم) معناها: الفرح بالخدمة للإسلام، وتقديم هذه الأمّة الكبيرة بين يديه سبحانه، لا المباهاة بمعني الكبرياء.
3: والدعاء يستجاب تحت قبّة الإمام الحسين (عليه السلام) أكثر من غيرها، فمثلاً يستجاب الدعاء عند الإمام الحسين (عليه السلام) خمسون في المائة مثلاً، ويستجاب في أماكن أخر، عشرة في المائة، فهذه مزيّة في نفسها للإمام الحسين (عليه السلام).
4: واثبات الشيء لا ينفي ما عداه، والفرق بين الإمام الحسين (عليه السلام)، وسائر المعصومين (عليهم السلام)، أنّ استجابة الدعاء عند الإمام الحسين (عليه السلام) عوض عن شهادته، وعند الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلّم) عوض عن أداء رسالته، وهكذا..
أرأيت لو قلنا إنّ الدولة تعطي خرّيج الثانوية كل شهر مائة دينار عوض أتعابه، لا ينفي ذلك أن تعطي الحكومة كل ضابط مائة دينار لخدمته العسكرية..
ويمكن أن تكون نسبة الاستجابة عند الإمام الحسين (عليه السلام) أكثر، وهذا لا يستلزم أفضليته علي الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وعليّ (عليه السلام) كما هو مذكور في محله .
5: وكون الأئمة التسعة (عليهم السلام) من أولاد الحسين (عليه السلام) من طرف الأب مزيّة، ليست متوفّرة في الإمام الحسن (عليه السلام) ولا في الإمام السجّاد (عليه السلام) ولاغيره من الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
كما لا يصح أن يعترض بأنهم كذلك بالنسبة إلي الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فكيف تكون هذه من مزايا الإمام الحسين (عليه السلام)؟
وذلك لأن الحديث جاء بالنسبة إلي الإمام الحسن (عليه السلام)، وإن كانت للإمام الحسن (عليه السلام) مزيّة أخري من جهة ثانية، وهي كما إذا قال الأب أعطيت ابني محمداً داراً والحال انّه لم يعط ولده الآخر عليّا داراً وذلك لا ينافي أنه أعطاه بستاناً.
6: ومن الجواب الرابع ظهر الجواب عن السؤال السادس أيضاً.
7: والمراد من استجابة الدعاء تحت قبة الإمام الحسين (عليه السلام) كون المقتضي في الإجابة أقوي من المقتضي في سائر الأماكن لا إنه العلة التامة لاستجابة الدعاء، كما يقال إنّ (السائل المعين) دواء لمرض كذا، فانّ معناه المقتضي، لا العلّة التامّة.
8: ومن الجواب السابع يظهر الجواب عن السؤال الثامن.
وهذا موجز الكلام ذكرناه استطراداً، وإلاّ فالكتاب موضوع لشأن آخر.
إن ربك لبالمرصاد
كان رجل من أهل المدينة يذهب إلي بعض الأرياف، لشراء الشاة والدهن والصوف وما أشبه، وكان له عميل في الريف يرد عليه فيشتري له ما يريد.
وذات مرّة أخذ معه مالاً ضخماً وقصد الريف ونزل عند عميله وذكر له حاجياته، وانّه يريد اشتراء حاجيات بمبلغ كذا..
قال التاجر: وبمجرد أن ذكرت للعميل كميّة المال الذي معي، وإذا بي أري آثار التغيّر في وجه العميل، فعلمت أنه أراد بي سوءاً، فندمت، ولكن لا ينفع الندم.
نعم: استر ذهبك وذهابك ومذهبك، حتّی عن الأصدقاء يقول الشاعر:
احذر عدوّك مرّة واحذر صديقك ألف مرّة
فلربمّا انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة
قال التاجر: ولكن لم يكن لي ملجأ، ألجأ إليه في تلك الليلة.. وبعد صرف الطعام فرش لي صاحب البيت في غرفة من غرف البيت، وذهب هو وزوجته إلي غرفة أخری، لكنّ النوم لم يزر عيني من القلق، وأخيراً قرّرت أن أخرج من غرفتي واختفي في بعض زوايا البيت، وهكذا فعلت..
فخرجت.. وحيث لم أجد مكاناً للاختفاء إلاّ الإسطبل اختفيت فيه، وأخفيت نفسي إلی رقبتي في التبن الذي خزن في الإسطبل.. لكن عيني كانت تحدق باتجاه الغرفة.
وإذا بي أري نصف الليل أن شخصاً دخل الدار وذهب إلی غرفتي.. ولم أعرف من هو ذلك الشخص؟
وبعد مدّة رأيت في ضوء القمر أنّ صاحب البيت وزوجته قاما وهما يتهامسان حتّی دخلا الغرفة، وعلمت انّهما يريدان بي شرّاً، ولم تمض مدّة إلاّ ورأيت الزوجين أسرعا وأضاءا مصباحاً نفطّياً ودخلا الغرفة، ثمّ رأيتهما يخرجان ويسحبان جثّة إنسان ملفوف إلي السرداب.
قال الرجل: ولمّا دخلا السرداب قمت من مكاني وهربت من القرية قاصداً البلد، ومشيت حتّی وصلت البلد بكلّ خوف وصعوبة، وأخبرت الشرطة بما جري.
فجاءت مفرزة من الشرطة معي إلي القرية، وألقوا القبض علی الزوجين، ودخلنا السرداب وحفرناه، وإذا بنا بجثّة الرجل المذبوح، وبعد التحقيق تبينّ أنّ المذبوح ولد صاحب البيت، وانّه كان خارجاً لبعض شؤونه، ولمّا دخل الدار نام في تلك الغرفة، والزوجان ظنّاه أنه التاجر فقتلاه في الظلام وبعد ما تبينّ الأمر لهما دفناه خوف الفضيحة … ولكن كان ربّك بالمرصاد.
وهكذا يلاقي الظالم جزاءه إن عاجلاً أو آجلاً.
المصادر :
راسخون2017