
إنّ الذي يراجع الكتب والأقوال المختلفة يجد أنّ البنات التي نسبن إلى سيّد الشهداء عليه السلام ثمانية وهم : فاطمة الصغرى ، زبيدة ، زينب ، سكينة ـ وهي التي توفّيت في خرابة الشام ، وقد قال البعض أنّ اسمها زبيدة بينما ذهب البعض الآخر أنّ اسمها رقيّة ـ وأُمّ كلثوم وصفية.
كما نسب للإمام الحسين عليه السلام من الذكور ثمانية أولاد وهم : ١ ـ علي الأكبر ، ٢ ـ علي الأوسط ، ٣ ـ على الاصغر ، ٤ ـ محمّد ، ٥ ـ جعفر ، ٦ ـ القاسم ، ٧ ـ عبدالله ، ٨ ـ المحسن ، ٩ ـ إبراهيم ، ١٠ ـ الحمزة ، ١١ ـ عمر ، ١٢ ـ زيد ، ١٣ ـ عمران بن الحسين عليهم السلام ، وقد نقل أنّ عدد الأولاد الذكور لسيّد الشهداء عليه السلام أكثر من ذلك وهو قول ضعيف جدّاً.
فمن كلام لآية الله الحاج ميرزا حبيب الله الكاشاني بعد تعرّضه إلى أولاد سيّد الشهداء عليه السلام قال فيه : باعتقادي على تقدير صحّة ما ذكر ، أنّ التعدّد كان في الأسماء وليس في المسمّين ، إذ أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان معروفاً بقلّة الأولاد ، ولذا نستطيع القول إنّ هذه أسماء متعدّد لأشخاص معدودين بحيث يكون لكلّ ولد من أولاد سيّد الشهداء عليه السلام أكثر من اسم ، أو أنّ هذه أسماء لذرّية الإمام الحسين عليه السلام.
ويحتمل أن يكون بعض هؤلاء ينسبون إلى سيّد الشهداء عليه السلام عن طريق بني هاشم إذ أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان أبو الأيتام وكافلهم (١) ، وقال آية الله الميرزا حبيب الله أيضاً حول يتيمة الشام التي توفّيت في الخرابة : ربما كان اسمها رقية وقد كانت من بنات سيّد الشهداء عليه السلام إذ أنّ المزار العظيم الذي هو في خرابات الشام ينسب إليها وهو معروف بمزار السيّدة رقيّة (٢).
تحقيق مختصر حول السيّدة رقيّة
إنّ كلمة رقيّة في الأصل مأخوذة من الارتقاء بمعنى الصعود إلى الأعلى والترقّي. وقد كان هذا الاسم قبل الإسلام موجوداً أيضاً ، ففي التاريخ أنّ اسم إحدى بنات هاشم –جدّ الرسول ـ كان رقيّة ، وهي عمّة والد النبي صلى الله عليه واله (٣) والمرأة الثانية التي كان اسمها رقيّة هي ربيبة النبي صلى الله عليه واله من السيّدة خديجة بنت خويلد ، ناهيك عن بنات الأئمّة عليهم السلام اللواتي سمّين برقيّة ومنهنّ ابنة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام (٤) وابنتين للإمام الكاظم عليه السلام وهما رقيّة ورقيّة الصغرى.وينبغي الاشارة أنّ أكثر المحدّثين أشاروا أنّ السيّد الشهداء ابنتين هما فاطمة والسيّدة سكينة إلّا أنّ ابن شهر آشوب ومحمّد بن جرير الطبري الشيعي أشارا أنّ للإمام الحسين عليه السلام ثلاث بنات وهنّ : سكينة ، وفاطمة وزينب.
ومن المحدّثين القدماء فقط علي بن حسين الإربلي صاحب كتاب «كشف الغمّة في معرفة الأئمّة» والذي ألّفه عام ٦٨٧ ه نقل عن «كمال الدين» فقال : إنّ للإمام الحسين عليه السلام ستّة أولاد ذكور وأربعة أُناث إلّا أنّه أيضاً عند ذكره لأسمائهنّ ذكر ثلاثة وهنّ : زينب وسكينة ، وفاطمة ولم يتطرّق إلى اسم الرابعة أبداً.
ومن المحتمل أن يقال أنّ ابنة سيّد الشهداء عليه السلام الرابعة هي السيّدة رقيّة عليها السلام ، فمن كلام للعلّامة الحائري في كتابه «معالي السبطين» قال : كتب محمّد بن طلحة الشافعي وغيره من علماء الشيعة والسنّة أنّ للإمام الحسين عليه السلام ستّة أولاد وأربعة بنات.
ثمّ تطرّق إلى أسماء البنات فقال : أمّا البنات فهنّ : سكينة ، فاطمة الصغرى ، فاطمة الكبرى ، ورقيّة عليهم السلام.
وأضاف أيضاً فقال : أمّا السيّدة رقية عليها السلام فكان عمرها خمس أو سبع سنوات وقد توفّت في الشام وأُمّها «الشاه زنان» ابنة يزدجر ، وبهذا تكون السيّدة رقيّة عليها السلام أُخت الإمام السجّاد عليه السلام (5).
سؤال وجواب
الكثير من الناس يتساءلون قائلين : الكثير من المصنّفات القديمة مثل الإرشاد للشيخ المفيد ، وأعلام الورى للطبرسي ، وكشف الغمّة للإربلي ، ودلائل الإمامة للطبري لا يوجد فيها ذكر للسيّدة رقيّة أصلاً وهذا خير دليل على عدم وجودها؟وفي جواب مثل هذا السؤال نقول :
١ ـ في تلك العصور التي كانت الإمكانات قليلة جدّاً ، وكثرة أولاد الأئمّة عليهم السلام من جانب آخر وشدّة مضايقة حكّام بني أُميّة للكتّاب وتتبّعهم لما يكتبون فضلاً من عدم الاهتمام الزائد بضبط وتدوين كلّ صغيرة وكبيرة من حياة الأئمّة عليهم السلام ضيّع علينا الكثير من حياة الأئمّة وأخفى على البشرية الكثير من الحقائق ، ولهذا يمكن أن يقال : إنّ عدم ذكر أمثال العلماء الأعلام مع التوجّه إلى ما ذكرنا لا يكون دليلاً على عدم وجود السيّدة رقيّة عليها السلام.
٢ ـ لعلّ الكتّاب في تلك العصور مع قلّة الإمكانات ووجود أكثر من ظفلة آنذاك باسم رقيّة عاقهم عن التطرّق إلى هذه السيّدة الجليلة.
٣ ـ قد يكون لبعض بنات سيّد الشهداء عليه السلام اسمين ، فمثلاً هناك الكثير من القرائن القويّة الدالّة على أنّ السيّدة رقيّة عليها السلام هي نفسها فاطمة الصغيرة وربما كان هذا هو السبب الرئيسي للغفلة عن اسم السيّدة رقيّة عليها السلام.
٤ ـ ذكرنا قبلاً أنّ بعض العلماء الأعلام من القدماء ذكروا أنّ هناك طفلة لسيّد الشهداء باسم السيّدة رقية كانت قد استشهدت في خرابة الشام.
ومن تعرّض هؤلاء البعض للسيّدة رقيّة عليها السلام يتّضح أنّه كانت في أيديهم دلائل اعتمدوا عليها في ذكرهم للسيّدة رقية عليها السلام ولم تصل ـ هذه الدلائل ـ إلى أيادي الغير حتّى يومنا هذا.
وعلى أيّة حال فإنّ عدم ذكر بعض القدماء للسيّدة رقيّة عليها السلام في مصنّفاتهم لا يكون دليلاً على عدم وجودها.
فكما أنّ عدم ذكر الكثير من الأحداث ووقائع عاشوراء وما جرى على أهل البيت عليهم السلام في طريقهم عندما كانوا في الأسر لا يكون دليلاً على عدم وجودها ، كذلك الحال بالنسبة إلى قضية السيّدة رقيّة عليها السلام (6).
والد السيّدة رقيّة
إنّ والد السيّدة رقيّة عليها السلام هو سيّد الشهداء عليه السلام ولايحتاج أن نعرّفه لأحد فما عساني أنا القاصر أن أُعرّف عظيماً مثل الإمام الحسين عليه السلام.
والدة السيّدة رقيّة
إنّ اسم والدة السيّدة رقيّة عليها السلام حسب نقل البعض هو «أُمّ إسحاق» وكانت زوجة للإمام الحسن عليه السلام ثمّ أوصى سلام الله عليه أخيه سيّد الشهداء عليه السلام عند شهادته أن يتزوّجها. وقد ذكر لها الكثير من الفضائل والمناقب.
وقيل أنّ والدتها هي «أُمّ جعفر القضاعية» إلّا أنّه لا دليل على هذا القول (7).
علماً أنّ الشيخ المفيد رضوان الله عليه أشار في «الإرشاد» أنّ والدة فاطمة بنت الحسين عليه السلام هي أُمّ إسحاق بنت طلحة (8).
عمرها المبارك
كان عمر السيّدة رقيّة عليها السلام حين شهادتها حسب بعض الروايات ثلاث سنين ، وفي البعض الآخر أنّ عمرها كان أربع سنين ، ونقل في بعض الأخبار أنّ عمرها كان خمس سنين وفي بعضها سبع سنين.
وقد ذكر في كتاب «وقائع الأيّام والشهور» للعلّامة البيرجندي : أنّ طفلة صغيرة للإمام الحسين عليه السلام توفّيت في الخامس من شهر صفر سنة ٦١ ه ، كما نُقل نفس هذا المطلب في كتاب «رياض القدس».
السيّدة رقيّة في عاشوراء
نقل في بعض الأخبار : أنّ السيّدة سكينة عليها السلام قالت لإحدى خواتها ـ ويحتمل أن تكون هي السيّدة رقيّة ـ يوم عاشوراء : هلمّي نأخذ برداء والدي ونحول بينه وبين الذهاب إلى الميدان.وعندما سمع سيّد الشهداء عليه السلام صوتهنّ بكى كثيراً ، وإذا بالسيّدة رقيّة تناديه قائلة : أبتاه! لن أحول دون ذهابك إلى الميدان ولكن قف لي هنيئة لأراك وأتزوّد منك.
فأخذها سيّد الشهداء عليه السلام في حضنه وجعل يقبّلها ويصبّرها وإذا بها تقول له : أبتاه ، العطش العطش ، فإنّ الظمأ قد آلمني.
فأشار عليها الإمام الحسين عليه السلام أن تدخل الخيمة ليذهب إلى الميدان ويطلب لها ماءً وما أن أراد سيّد الشهداء عليه السلام الذهاب إلى ميدان إذا بالسيّدة رقية عليها السلام تأخذ بأذياله من جديد وهي تقول : أبتاه أين تمضي عنّا؟
فأخذها الإمام الحسين عليه السلام في حضنه ثانية وطيّب خاطرها وهدّأ من روعها ثمّ ودّعها بقلب حزين (9).
وا إماما إذ يودّع أهليه / ويرمي بطرفه للخيام
زينب أُخته تنوح بشجو / ثمّ تدعو لواحد العلّام
وتناديه يا أخي يابن أُمّي / أظلمت بعد فقدكم أيّامي
يا أخي هذه سكينة تبكي / قد أهلّت دموعها بالسجام
تستجير العدا بطرف كليل / وفؤاد مؤله مستهام
يا أخي فاطم تدور وترتاع / لما نالها من الآلام
خانها دهرها فأضحت بذلّ / بعد عزّ ونعمة واحتشام
يا أخي هذه بناتك بالذلّ / أُسارى وما لهنّ محامي
يا أخي هذه الأسارى حيارى / ساترات الوجوه بالأكمام
كم حسان وكم ربيبة خدر / صرن من غير برقع ولثام
يا أخي لو ترى علياً بقيد / ناكس الرأس ذلّة للرغام
يا أخي هدّ حزن فقدك ركني / وكساني النحول ثوب سقام
يا أخي خانني الزمان بصبري / وجفا عن جفون عيني منام
يا أخي أظلم الزمان علينا / بعدما كان ضاحكاً بابتسام
اللقاء الأخير
على الرغم أنّ كلّ وقائع وداع سيّد الشهداء عليه السلام مع أهل بيته عليهم السلام مؤلمة ومحزنة إلّا أنّ الوداع الأخير وهو وداعه مع عزيزة قلبه الصغيرة السيّدة رقيّة عليها السلام أكثر حزناً وأشدّ إيلاماً على قلوب المؤمنين.فمن كلام لهلال بن نافع الذي كان في جيش عمر بن سعد قال فيه : كنت واقفاً خلف صفوف العسكر فرأيت الإمام يتقدّم نحو الميدان بعد أن ودّع عياله وأهل بيته ، وفي ذلك الأثناء شاهدت طفلة خرجت من الخيمة ورجلاها ترجفان فأخذت تعدو خلف الإمام الحسين عليه السلام حتّى وصلت إليه وتشبّثت بأذياله وهي تقول : أبتاه انظر إليّ فإنّي عطشانة.
وما أن سمع سيّد الشهداء عليه السلام هذه الكلمات المشجية من عزيزة قلبه رقيّة عليها السلام إذا به ينقلب حاله ويجهش بالبكاء فخاطبها بدموع جارية وقال : الله يسقيك فإنّه وكيلي عليكم.
يقول هلال بن نافع : سألت من هذه الطفلة؟ وما هي علاقتها بالإمام الحسين عليه السلام؟ فقالوا لي : إنّها السيّدة رقيّة صغيرة الإمام الحسين عليه السلام (10).
*مواساة السيّدة رقيّة لعطش الإمام الحسين عليه السلام
عندما حمل أزلام يزيد وجلاوزته على حرم الرسول صلى الله عليه واله وأخذوا يحرقون الخيام وجدوا ما يقارب ٢٣ طفلاً كلّهم يصيحون واعطشاه ، فأخبروا عمر بن سعد بالأمر وقالوا له : إذا أردت حفظ هؤلاء الأطفال من الموت فابعث الماء لنسقيهم.
وبالفعل فقد أذن عمر بن سعد لهم أن يسقوهم الماء فجاءوا إليهم بالماء وجعلوا يسقونهم واحداً بعد الآخر.
ولمّا وصل الساقي إلى السيّدة رقيّة عليها السلام وناولها قدح الماء أخذته وهرولت نحو الميدان ، فتساءل منها الرجل وقال : إلى أين تذهبين؟ فقالت : أمضي إلى والدي لأسقيه الماء.
فأجابها اللعين : دعي عنك هذا واشربي الماء فقد قتل أباك ظمآناً.
وبمجرّد أن سمعت منه هذا الكلام التفت إليه بدموع جارية وقالت : إذن لن أشرب الماء أبداً (11).
وفاطمة الصغرى تعانق أُختها / سكينة خوف السبي وهو مكيد
وزينب ما بين النساء وقلبها / قريح وبالأحزان فهو كميد
تقول وللأحزان في القلب مبدع / ومبد لأسرار الهموم معيد
أخي بابن أُمّي يا شقيقي وسيّدي / ومن لي من دون الأنام عميد
عليك جفوني الذاريات ذوارف / وأمّا دموعي المرسلات تجود
أخي مهجة الإسلام مقضي كآبة / ومتن الهدى قد قدّ وهو عميد
أخي شلّ عرش الدين وانهدّ ركنه / وعطل منه إذا أصبت حدود
أخي من يلئم الشمل بعد شتاته / ومن لبناء المكرمات يشيد
أخي من ترى للجود والندى / إذا سار وفد أو أقام وفود
فأنت لمن يبغي الوفادة والجدي / بأنفس ما يسخو المفيد تفيد
وإن أجدبت أرض فأنت ربيعها / وإن ضنّ صوب المزن أنت مجيد
وكلّ مصاب جاء بعدك هيّن / وما هان في هذا المصاب شديد
فياشيعة المختار نوحوا لمصرع / الشهيد وبالدمع الغزير فجودوا
تطأه خيول المجريات تجبّراً / ويسفي عليه بعد ذاك صعيد
وآل رسول الله يشهرن في الملأ / وآل ابن هند في الخدور رقود
يسار بآل المصطفى فوق ضمر/ وترفعهم بيد وتخفض بيد
ورأس إمام السبط في رأس ذابل / طويل على رأس السنان يميد
وينكثه بالخيزران شماتة / به وسروراً كافر وعنيد
ويؤتى بزين العابدين مصفّداً / وفي قدميه للحديد حدود
فقوموا بأعباء العزاء فإنّه / جليل وأمّا غيره فزهيد
لأي مصاب يذرف الشأن ماءه / وتقضى نفوس أو تفت كبود
لأعظم من هذا المصاب وخطبه / عظيم على أهل السماء شديد
مصاب له في كلّ قلب مصيبة / سهام لحبّات القلوب تبيد
وللهم هم والرزايا رزية / وللحزن حزن زائد ويزيد
إليكم يابني الزهراء يامن سمت بهم / إلى المجد آباءهم لهم وجدود
ونقل ابن الجوزي في كتابه «مفاتيح الغيب» أنّ صالح بن عبدالله قال : عندما أحرقوا الخيام وفرّ أهل البيت عليهم السلام في كلّ مكان رأيت طفلة قد أخذت النيران بأطرافها وهي تبكي وتفرّ من الأعداء فرّق قلبي لها ودنوت منها لأخمد النيران ، ولمّا سمعت صهيل فرسي اشتدّ خوفها وارتاعت أكثر فقلت لها : لا بأس عليك بنيّة لا تخافي إنّما هي النيران قد علقت بأطرافك وأردت أن أخمدها.
وبينما كنت أطفأ النيران في أذيالها التفت إليّ وقالت : يا شيخ أنا عطشانة ، فهل إلى شربة من الماء سبيل؟ فرقّ قلبي لها وناولتها قدحاً من الماء.
فأخذت القدح وجعلت تتمعّن وتحقّق النظر فيه وهي تتحسّر ، ثمّ أنّها تركتني وجدّت في السير ، فتساءلت منها وقلت : إلى أين تريدين؟ فقالت : إنّ أُختي الصغيرة هي أشدّ منّي عطشاً.
فقلت لها : لا تخافي ، فلن يمنعوكم من الماء بعد اليوم ، وريثما أخبرتها بذلك التفت إليّ والحزن والألم بادي على وجهها وقالت : أسألك يا شيخ ، لقد كان والدي عطشاناً حينما ذهب إلى الميدان ، فهل سقوه ماءً؟
فقلت لها : بنيّة والله لقد سمعته إلى اللحظات الأخيرة وهو ينادي : اسقوني شربة من الماء ، فلم يسقه أحد حتّى قضى عطشاناً.
فانتحبت لعطش والدها وامتنعت عن شرب الماء.
وقد نقل بعض الفضلاء أنّ هذه الطفلة كانت السيّدة رقيّة عليها السلام. (12).
مأساة تمضّ القلوب
نقل البعض عن كتاب «سرور المؤمنين» فقال : إنّ السيّدة رقيّة عليها السلام كانت كلّ يوم في أوقات الصلاة تفرش سجّادة سيّد الشهداء عليه السلام ليصلّي عليها.وفي يوم عاشوراء لمّا حان وقت صلاة الظهر جاءت وفرشت السجّادة وجلست تنتظر والدها ليأتي ويصلّي ، وفيما هي على ذلك الحال إذا بشمر اللعين يدخل الخيمة فتساءلت منه السيّدة رقيّة وقالت : ألم تر والدي؟ فلم يجيبها اللعين إلّا أنّه أمر غلام له أن يأتي ويضربها فامتنع الغلام فجاء اللعين بنفسه ولطمها على وجهها لطمة علم الله ماذا صنعت هذه اللطمة بأهل السماء (13).
في ليلة الحادي عشر
وجدت في كتاب «مبكي العيون» أنّ السيّدة زينب عليها السلام في ليلة الحادي عشر من محرّم جمعت العيال في خيمة قد احترق نصفها ، وبقيت تحرس النساء والأطفال طيلة تلك الليلة وبينما هي كذلك أخذتها غفوة فرأت والدتها الصدّيقة الزهراء عليها السلام وقالت لها : أُمّاه أما تدرين بما جرى علينا؟فأجابتها الصدّيقة الزهراء عليها السلام : لا تحرقي قلبي بعتابك يابنية ، قالت العقيلة زينب : إذن لمن أشكو شجوني؟
فتأوّهت الصدّيقة الزهراء عليها السلام وقالت : لقد كنت حاضرة عندما حزّ اللعين رأس ولدي وفصل رأسه عن بدنه ، ثمّ أنّها عليها السلام قالت : والآن ابحثي عن عزيزة الحسين رقيّة.
فاستيقظت السيّدة زينب عليها السلام من النوم وأخذت تدعو السيّدة رقيّة عليها السلام فلم تجبها ، فخرجت مع السيّدة أُمّ كلثوم تبكيان يبحثن عنها ، وبينما هما كذلك صوت السيّدة رقيّة عليها السلام بين القتلى.
فتوجّهنا نحو القتلى وإذا بالسيّدة رقيّة عليها السلام قد ألقت بنفسها على جسد أبيها وهي تشكو إليه ما جرى عليهم.
فهدّأتها السيّدة زينب عليها السلام ورفعتها عن جسد والدها.
ولم تمض لحظات إذا بالسيّدة سكينة تأتي فرجعوا معاً ، وفي أثناء الطريق التفت السيّدة سكينة إلى السيّدة رقيّة عليها السلام وقالت : كيف وجدت جسد أبي؟ فأجابتها السيّدة رقية : بينما كنت أصيح في البيداء أبتاه .. أبتاه .. إذا بصوت والدي يتهادى إلى سمعي قائلاً : بنيّة إليّ إليّ .. (14).
رأت زينب صدر الحسين مرضضاً / فصاحت ونار الحزن في القلب تضرم
وصكّت من الضرب المبرح وجهها / ولم تر صبراً من جوى الثكل يعصم
تقول أخي قد كنت نوراً لشملنا / فياسورنا لِمَ أنت فينا مهدم
أخي يا أخي قد كنت كنزاً لفقرنا / فها أنت في أيدي العدى تتقسّم
أخي يا أخي قد كنت كهفاً لعزّنا / ألم ترنا بالذلّ نسبى ونشتم
أخي زوّد الأطفال وعداً وأوبة / فليس سوى الباري وإيّاك يرحم
أخي زوّد الولهى سكينة نظرة / فمهجتها حرّى وعبرتها دم
أخي تهتوي التقبيل منك سكينة / وشمر لها بالسوط ضرباً يؤلم
أخي فاطم الصغرى تحبّ التفاتة / وحقّك هذا قلبها فيك مغرم
أخي بنتك الأُخرى رقيّة ضمّها / إليك فأحشاها من الوجد تضرم
تقولا هلمّي يا سكينة نرتمي / على والدي دعنا من الموت نسلم
وإلّا فقومي ودعيه فإنّه / يروم ارتحالاً بعده ليس يقدم
ولم أنس وجداً أُمّ كلثوم تشتكي / إلى جدّها يا جدّ لو كنت تعلم
أيا جدّ هل تنظر حسيناً مرمّلاً / لأضلعه خيل العدة تحطّم
وهل تنظر السجّاد بالقيد مؤثّقاً / يضربه التكبيل سحباً ويشتم
أيا جدّنا هذي بناتك حسرا / أُسارى قرط ابن بنتك تقسم
أيا جدّنا ساقوا علياً مكبّلاً / لينظره الطاغي يزيد المزنم
فياعترة الهادي خذوها بمدحكم / مدبّجة كالدّر حين ينظم
على كلّ بيت للمديح يتيمة / بأسماع من يهواكم تتقسّم
تزفّ إليكم كلّ عشر محرّم / يتوق إليها الشاعر المترنّم
مديحاً لمحمود العزيزي عبدكم / له بأعاديكم من اللعن أسهم
موالي مواليكم معادي عدوّكم / مودّته في حبّكم لا تكتم
ويرجى بها يوم القيامة شربة / من الحوض يا أهل الشفاعة منكم
خذوا لي وآبائي وأُمّي ووالدي / أماناً من أذى النار وأرحم
ورهطي واخواني وقارئن مدحتي / ومستمعيها واعطفوا وترحّم
وفي الخلد نرجو تدخلونا بجاهكم / فليس لنا إلّا النبي وأنتم
صلاة وتسليم مساءً وبكرةً / من الله عدّ الذرّ تترى عليكم
المصادر :
1- تذكرة الشهداء آية الله الملّا حبيب الكاشاني ص ١٩٣.
2- منتخب التواريخ ص ٢٩٩.
3- بحار الأنوار ج ١٥ ص ٣٩.
4- ترجمة الإرشاد للمفيد ج ٢ ص ١٦.
5- سرگذشت جانسوز حضرة رقيه عليها السلام ص ٩ نقلاً عن معالي السبطين ج ٢ ص ٢١٤.
6- نفس المصدر ص ١٣.
7- السيّدة رقيّة عليها السلام تأليف عامر الحلو ص ٤٢.
8- ترجمة الإرشاد ج ٢ ص ١٣٧.
9- وقائع عاشوراء للسيّد محمّد تقي مقدّم ص ٤٥٥ ، حضرة رقية للشيخ علي الفلسفي ص ٥٥٠.
10- سرگذشت جانسوز حضرة رقيّه ص ٢٢ نقلاً عن الوقائع والحوادث لمحمّد باقر مليوبي ج ٣ ص ١٩٢.
11- سرگذشت جانسوز حضرة رقيه عليها السلام ص ٢٩ نقلاً عن ثمرات الحياة ج ٢ ص ٣٨.
12- حضرة رقيّة عليها السلام للشيخ علي الفلسفي ص ١٣.
13- سرگذشت جانسوز حضرة رقيّه عليها السلام ص ٢٦ نقلاً عن حضرت رقيّة تأليف الشيخ علي الفلسفي ص ٧.
14- سرگذشت جانسوز حضرة رقيّه عليها السلام ص ٢٧.