
يعتقد الشيعة الإمامية : أن اللّه تعالى واحد أحد ، ليس كمثله شيء .. قديم ، لم يزل ، ولا يزال .. سميع ، بصير ، عليم ، حكيم ، حي ، قيوم ، عزيز ، قدوس ، قادر ، غني ، إلى غير ذلك ممّا وصف تعالى به نفسه المقدّسة في كتابه.
وأنّه تعالى لا يوصف بجوهر ، ولا جسم ، ولا صورة ، ولا عرض ، ولا خط ، ولا سطح ، ولا ثقل ، ولا خفة ، ولا سكون ، ولا حركة ، ولا مكان ، ولا زمان.
وأنّه تعالى متعالٍ عن جميع صفات خلقه ، خارج من الحدّين؛ حد الإبطال ، وحد التشبيه.
وأنّه تعالى شيء لا كالأشياء ، أحد ، صمد ، لم يلد فيورَث ، ولم يولد فيشارَك ، ولم يكن له كفئا أحد ، ولا ند ، ولا ضد ، ولا شبه ، ولا صاحبة ، ولا مثل ، ولا نظير ، ولا شريك.
لا تدركه الأبصار والأوهام ، وهو يدركها .. لا تأخذه سنة ولا نوم .. خالق كل شيء ، لا إله إلاّ هو. له الخلق والأمر (١).
وإنّه يجب على العاقل ـ بحكم عقله عند الإمامية ـ تحصيل العلم والمعرفة بصانعه ، والاعتقاد بوحدانيته في الاُلوهية ، وعدم الشريك له في الربوبية ، واليقين بأنّه هو المستقل بالخلق والرزق والموت والحياة والإيجاد والإعدام ، بل لا مؤثر في الوجود عندهم إلاّ اللّه ، فمن اعتقد أنّ شيئا من الرزق أو الخلق أو الموت أو الحياة لغير اللّه فهو كافر مشرك خارج عن ربقة الإسلام.
وكذا يجب عندهم إخلاص الطاعة والعبادة للّه ، فمن عبد شيئا معه ، أو شيئا دونه ، أو ليقرِّبه زلفى إلى اللّه فهو كافر عندهم أيضا (٢).
ضرورة وجود اللّه تعالى ووحدانيته :
إنّ أوّل خطوة يخطوها الإدراك والشعور لدى الإنسان تكشف له عن حقيقة وجود الخالق والمخلوق ، فإننا نعلم أن الإنسان منذ وجوده يلازمه الإدراك والشعور ، ويرى نفسه والعالم أجمع ، أي أنه لا يشك بوجوده هو ، ولا يشك بأشياء اُخر غيره. ومازال الإنسان إنسانا ، فإن هذا الإدراك والشعور يكمن فيه.فهو يدرك حقيقة واقعية قائمة في نفسه ، وفي الأشياء والظواهر المحيطة به ، والتي يعيشها ، ويرتبط معها على الدوام بعلاقة تأثير وتأثر متبادلة.
ولكن كل من هذه الأشياء والظواهر التي تنطوي على واقعية ، والتي نشاهدها عيانا ، تفقد واقعيتها وتصير إلى الفناء ، سواء في القريب أو البعيد من أدوار حياتها.
ومن هنا يتضح أن العالم المشهود وأجزاءه ، ليست هي عين الواقعية بذاتها ، بل تعتمد وتستند إلى واقعية ثابتة ، وبتلك الواقعية الثابتة ، اتصفت بالوجود وبالواقعية. ونحن نسمي هذه الواقعية الثابتة التي لايعتريها البطلان بـ (واجب الوجود) أو اللّه سبحانه وتعالى.
إنّ كل واقعية من واقعيات العالم ، هي واقعية محدودة ، فهي :
أولاً ـ إنما اتصفت بالوجود بعد وجود السبب والشرط اللازمين لايجادها. وعلى تقدير عدم السبب والشرط ، فإنها تكون عدما منذ الأساس.
وثانيا ـ فإنّ لحقيقة وجودها حد محدود ، إذ لا توجد خارج ذلك الحد.
هذا يعني أن الموجِد الأول ، والذي اتصف بالواقعية الثابتة ، هو المنزه عن الحد والمحدودية ، ولم يكن محتاجا لأي سبب وشرط ولا مرتبطا بأي علة.
وهذا بحد ذاته يعني أنه جلّ شأنه لايكون إلاّ واحدا ، أحدا ، ليس له ند ولاشريك. فإذا ما افترض ثانٍ ، فانه غير الأول قطعا ، وفي النتيجة يكون ، الاثنان محدودان ، متناهيان ، وسيضع كل منهما حدا فاصلاً للآخر. فلو افترضنا على سبيل المثال حجما غير محدود وغير متناه ، لايسعنا افتراض حجم آخر إزاءه ، ولو قُدّر أن افترضنا هذا فان الثاني هو الأول بعينه. فعلى هذا ، فإن اللّه تعالى أحد لا شريك له.
قال تعالى : «وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللّه عَمَّا يَصِفُونَ» (3).
«لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللّه لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللّه رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ» (4).
معاني صفات اللّه تعالى
قال الشيخ المفيد رحمهالله : صفات اللّه تعالى على ضربين :
أحدهما : منسوب إلى الذّات ، فيقال : صفات الذّات.
وثانيهما : منسوب إلى الأفعال ، فيقال : صفات الأفعال ، والمعنى في قولنا صفات الذّات : أنّ الذّات مستحقّة لمعناها استحقاقا لازما لا لمعنى سواها ، ومعنى صفات الأفعال : هو أنّها تجب بوجود الفعل ولا تجب قبل وجوده ، فصفات الذّات للّه تعالى هي الوصف له بأنّه حيّ ، قادر ، عالم ألا ترى أنّه لم يزل مستحقّا لهذه الصفات ولا يزال ، ووصفنا له تعالى بصفات الأفعال كقولنا خالق ، رازق ، محيي ، مميت ، مبدئ ، معيد ، ألا ترى أنّه قبل خلقه الخلق لايصحّ وصفه بأنّه خالق وقبل إحيائه الأموات لا يقال إنّه محيي. وكذلك القول فيما عدّدناه ، والفرق بين صفات الأفعال وصفات الذّات :
أنّ صفات الذّات لا يصحّ لصاحبها الوصف بأضدادها ولا خلوّه منها ، وأوصاف الأفعال يصحّ الوصف لمستحقّها بأضدادها وخروجه عنها ، ألا ترى أنّه لا يصحّ وصف اللّه تعالى بأنّه يموت ، ولا بأنّه يعجز ، ولا بأنّه يجهل ولا يصحّ الوصف له بالخروج عن كونه حيّا عالما قادرا ، ويصحّ الوصف بأنّه غير خالق اليوم ، ولا رازق لزيد ، ولا محيي لميّت بعينه ، ولا مبدئ لشيء في هذه الحال ، ولا معيد له. ويصحّ الوصف له جلّ وعز بأنّه يرزق ويمنع ويحيي ويميت ويبدئ ويعيد ويوجد ويعدم ، فثبتت العبرة في أوصاف الذّات وأوصاف الأفعال ، والفرق بينهما ما ذكرناه (5).
من هنا يتّضح أن الصفات الحقيقية للّه تعالى التي هي عين الذات إنّما هي من النوع الأوّل ، وأما النوع الثاني ، والذي يستلزم تحققه لشيء آخر ، فلا يمكن أن تعتبر صفة لذاته أو عين ذاته تعالى ، فهي من صفات الأفعال.
فالصفات التي يتصف بها تعالى عن تحقق الخلقة ، مثل : الخالقية ، الربانية ، المحيي ، والمميت ، والرازق ، وأمثالها ، لم تكن عين ذاته ، بل زائدة على الذات وصفات للفعل.
والمقصود من صفات الفعل هو أن تتخذ معنى الصفة من الفعل لا من الذات ، مثل الخالقية ، أي يتصف بهذه الصفة بعد تحقق الخلقة للمخلوقات ، فهو قائم منذ قيامها ، أي موجود منذ وجودها ، ولا علاقة لها بذاته تعالى ، كي تتغير من حال إلى حال عند تحقق الصفة.
وتعتبر الشيعة صفتي الإرادة والكلام ، والذي يفهم من معنى اللفظ
(الإرادة بمعنى الطلب ، والكلام بمعنى الكشف اللفظي عن المعنى) من صفات الفعل (5).
القضاء والقدر
إن قانون العلية في الكون سارٍ ومهيمن ، بحيث لا يقبل الاستثناء ، ووفقا لهذا القانون فان كل مظهر من مظاهر هذا العالم يرتبط بعلل ، أي بالأسباب والشروط اللازمة للتحقق ، ومع توفر كل تلك الشروط ، والتي تدعى العلة التامّة ، يتحتم وجود تلك الظاهرة (المعلول المفروض). ولو فرضنا عدم تحقق تلك الأسباب كلها أو بعضها ، فإنّه يستحيل تحقق وجود تلك الظاهرة.مع الإمعان في هذه النظرية ، يتضح لنا موضوعان :
الأوّل : لو قدر أن نقارن بين ظاهرة «المعلول» مع العلة التامة بأجمعها ، وكذلك مع الأجزاء لتلك العلة التامة ، تكون النسبة بينها وبين العلة التامة نسبة الضرورة (الجبر). وتكون النسبة بينها وبين كل من أجزاء العلة التامة (والتي تعتبر علة ناقصة) نسبة الإمكان ، لأن جزء العلة بالنسبة إلى المعلول يعطي إمكان التحقق والوجود ، ولا يعطي ضرورة الوجود.
على هذا فالكون وكل جزء من أجزائه يستلزم علة تامة في تحقق وجوده ، والضرورة مهيمنة عليها بأسرها ، وقد نظم هيكلها من مجموعة حوادث ضرورية وقطعية ، فمع الوصف هذا ، فان صفة الإمكان في أجزائها محفوظة.
فالقرآن الكريم في بيانه يسمي هذا الحكم الضروري بالقضاء الإلهي ، لأن الضرورة هذه تنبع من وجود الخالق ، ولهذا يكون حكما وقضاء عادلاً حتميا غير قابل للتخلف ، إذ لا يقبل الاستثناء أو التبعيض.
ويقول جل شأنه : «أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالاْءَمْرُ» (6).
ويقول : «وَاللّه يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ» (7).
الثاني : أن تَحقُّق المعلول وظهوره يطابق مجموع المقادير التي تعينها العلة التامة ، فمثلاً العلل التي تحقق التنفس للانسان ، لا تحقق التنفس المطلق ، بل يتنفس الانسان مقدارا معينا من الهواء المجاور لفمه وأنفه ، وفي زمان ومكان معينين ، ووفق طريقة معينة ، ويتم ذلك عن طريق مجرى التنفس ، حيث يصل الهواء إلى الرئتين. وهكذا الرؤية والأبصار ، فإن العلل الموجدة لها في الانسان لا تحقق إبصارا من دون قيد أو شرط ، بل تحقق إبصارا معينا من كل جهة ، بواسطة الوسائل اللازمة له. وهذه الحقيقة سارية في كل ظواهر الطبيعة.
والقرآن الكريم يسمي هذه الحقيقة بـ «القدر» وينسبها إلى خالق الكون ومصدر الوجود ، بقوله تعالى : «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» (8).
ويقول : «وَإِن مِن شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ» (9).
وكما أن كل ظاهرة وحادثة في نظم الخلقة تعتبر ضرورية الوجود وفقا للقضاء الإلهي ، ويتحتم وجودها ، فكذلك وفقا للقدر فان كل ظاهرة أو حادثة عند تحققها لاتتخلف عن المقدار المعين لها من قبل اللّه تعالى.
المصادر :
1- الشيخ الصدوق / الاعتقادات : ٢١ ـ ٢٢ (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ، ج٥).
2- أصل الشيعة وأصولها : ٢١٩.
3- سورة المؤمنون : ٢٣ / ٩١.
4- سورة الأنبياء : ٢١ / ٢٢.
5- تصحيح الاعتقادات الامامية / الشيخ المفيد : ٤١.
6- الشيخ الطوسي / الاقتصاد في ما يتعلق بالاعتقاد : ٦٤ ـ ٦٥.
7- سورة الأعراف : ٧ / ٥٤.
8- سورة الرعد : ١٣ / ٤١.
9- سورة القمر : ٥٤ / ٤٩.
10- سورة الحجر : ١٥ / ٢١.