![مفردات العدل الإلهي مفردات العدل الإلهي](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/%D9%85%D9%81%D8%B1%D8%AF%D8%A7%D8%AA%20,%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%84%20,%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%84%D9%87%D9%8A.jpg)
يتضمن هذا المفهوم عدة مفردات أساسية منها :
المفردة الأولى / الأفعال الإلهية مطابقة للحكمة والصواب :
قال العلامة الحلي : «وقالت الإمامية ومتابعوهم من المعتزلة : إنّ جميع أفعال اللّه تعالى حكمة وصواب ، ليس فيها ظلم ولا جور ولا كذب ولا عبث ولا فاحشة ، والفواحش ، والقبائح والكذب والجهل من أفعال العباد واللّه تعالى منزة عنها وبريء منها».
المفردة الثانية / التكاليف الإلهية ليست خارجة عن حدود الطاقة البشرية :
إنّ كلّ ما صدر عن اللّه تعالى من أحكام وتكاليف يقع ضمن دائرة القدرة البشرية ، لأنّ التكليف بما لا يطاق قبيح عقلاً فلا يصدر عن المشرع الحكيم العادل.
قال العلامة الحلي : «وقالت الإمامية : إنّ اللّه سبحانه لم يكلف أحدا فوق طاقته».
وفي الحالات التي تنتفي القدرة التكوينية على الامتثال يتجمد التكليف الشرعي ، كما في الأمثلة الفقهية التالية :
١ ـ في حال فقد القدرة على القيام في الصلاة ، يسقط التكليف المتمثل في وجوب القيام فتؤدى الصلاة من جلوس.
٢ ـ في حال فقد القدرة على الصيام يسقط التكليف الفعلي بأداء الصيام.
٣ ـ في حالة فقد القدرة على اجتناب «المنهي عنه شرعا» يسقط هذا التكليف.
وقد نصّ الفقهاء على اعتبار «القدرة» من شروط التكليف العامة ...
ذكر الشهيد السيد محمد باقر الصدر : أنّ للتكليف شروطا عامة هي :
أولاً : البلوغ فلا يتجه التكليف إلى الإنسان ـ رجلاً كان أو امرأة ـ إلاّ إذا بلغ ... فغير البالغ ليس بمكلف ، ونعني بذلك أنّ جانب الإلزام والمسؤولية الأخروية ـ العقاب في الآخرة ـ من أحكام اللّه تعالى لا يثبت بشأن غير البالغ ...
ثانيا : العقل ونقصد به أن يكون لديه من الرشد ما يمكن أن يعي به كونه مكلفا ويحس بمسؤولية تجاه ذلك فلا تكليف للمجنون أو الأبله الذي لايدرك الواضحات لبلاهته وقصور عقله.
ثالثا : القدرة ، قال سبحانه وتعالى : «لاَ يُكَلِّفُ اللّه نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا» (١).
فمن عجز عن الطاعة كان معذورا وسقط عنه التكليف سواء كان التكليف أمرا وإلزاما بشيء وقد عجز عنه كالمريض يعجز عن القيام في الصلاة ، أو نهيا وتحريما وقد عجز عن اجتنابه وتركه كالغريق يعجز عن اجتناب الخطر.
المفردة الثالثة / الإنسان ليس مسلوب الإرادة فيما يصدر عنه من أفعال الطاعة والمعصية :
وعلى ضوء هذه المفردة يتجه الفكر الشيعي إلى رفض «نظرية الجبر» التي تسلب الإرادة عن الإنسان في جميع ما يصدر عنه من طاعات أو معاصٍ ، وتنسب ذلك إلى اللّه تعالى باعتباره الفاعل الحقيقي لتلك الأعمال ، في الوقت الذي يتحمل فيه الإنسان مسؤوليتها بما يترتب على ذلك من ثواب وعقاب.
وقد تواتر عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام قولهم : «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين» (2).
المفردة الرابعة / في الجزاء والعوض والعقاب :
قال الشيخ المفيد أبو عبداللّه رحمهالله : العدل؛ هو الجزاء على العمل بقدر المستحقّ عليه ، والظّلم؛ هو منع الحقوق ، واللّه تعالى عدل كريم جواد متفضّل رحيم ، قد ضمن الجزاء على الأعمال ، والعوض على المبتدئ من الآلام ، ووعد التفضّل بعد ذلك بزيادة من عنده.
فقال تعالى : «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ» (3) الآية ، فخبّر أنّ للمحسنين الثواب المستحق وزيادة من عنده وقال : «مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» يعني له عشر أمثال ما يستحق عليها. «وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ» (4) يريد أنّه لا يُجازيه بأكثر ممّا يستحقّه ، ثمّ ضمن بعد ذلك العفو ووعد بالغفران.
فقال سبحانه : «وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ» (5)
وقال سبحانه : «إِنَّ اللّه لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَاءُ» (6).
وقال سبحانه : «قُلْ بِفَضْلِ اللّه وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا» (7)
والحقّ الّذي للعبد هو ما جعله اللّه تعالى حقّا له واقتضاه جود اللّه وكرمه ، وإن كان لو حاسبه بالعدل لم يكن له عليه بعد النّعم التي أسلفها حقّ ، لأنّه تعالى ابتدأ خلقه بالنّعم وأوجب عليهم بها الشّكر ، وليس أحد من الخلق يكافئ نعم اللّه تعالى عليه بعمل ، ولا يشكره أحد إلاّ وهو مقصّر بالشّكر عن حقّ النّعمة.
وقد أجمع أهل القبلة على أنّ من قال : إنّي وفيت جميع ما للّه تعالى عليّ وكافأت نعمه بالشّكر ، فهو ضالّ ، وأجمعوا على أنّهم مقصّرون عن حقّ الشّكر ، وأنّ للّه عليهم حقوقا لو مدّ في أعمارهم إلى آخر مدى الزّمان لما وفوا للّه سبحانه بما لَهُ عليهم ، فدلّ ذلك على أنّ ما جعله حقّا لهم فإنّما جعله بفضله وجوده وكرمه (8).
الانسان والاختيار :
كل ما يقوم به الإنسان من فعل ، يعتبر ظاهرة من ظواهر عالم الخلقة ، ويرتبط تحققه كسائر الظواهر بالعلة ارتباطا كاملاً.ومن ناحية أخرى فإنّ الانسان هو جزء من عالم الخلقة ، ويرتبط مع سائر الأجزاء الأخرى من العالم ، وهذا يعني أن لهذه الأجزاء تأثير ما في أفعاله.
وعلى سبيل المثال ، فإن قيام الإنسان بتناول قطعة من الخبز ، يستلزم العديد من الوسائل ، كاليد والفم والعلم والقدرة والإرادة ، ويستلزم أيضا وجود الخبز في الخارج ، وفي متناول يده ، وعدم المانع والحاجز ، وشروط اُخرى ، من زمان أو مكان ، ومع فقدان أحداها يتعذر تحقق الفعل ، ومع تحقق كل تلك العوامل فإنّ تحقق الفعل سيكون ضروريا (حتميا).
وكما أشرنا آنفا ، فإنّ ضرورة الفعل بالنسبة إلى مجموع أجزاء العلة التامة تعتبرنسبة إمكان ، ولا يتنافى مع نسبة الفعل إلى الإنسان الذي هو أحد أجزاء العلة التامّة ، أي مع كون الإنسان مختارا.
ومما يروى عن أهل البيت عليهمالسلام : وهو مطابق لظاهر تعاليم القرآن ، أن الانسان مختار في أفعاله ، ليس بمستقل ، إذ أن اللّه تعالى قد أراد الفعل عن طريق الاختيار ، وهذاما عبرنا عنه سابقا ، أن اللّه سبحانه أراد الفعل عن طريق مجموع أجزاء العلة التامة ، والتي أحدها إرادة الإنسان. وفي النتيجة ، أن مثل هذا الفعل الذي يرتبط بإرادة اللّه تعالى ضروري ، والإنسان أيضا مختار فيه ، أي أن الفعل يعتبر ضروريا بالنسبة إلى مجموع أجزاء علته ولكنه اختيار وممكن بالنسبة إلى أحد أجزائه وهو الإنسان.
والإمام الصادق عليهالسلام ، يقول : «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين» (9).
وتفسير هذا الحديث يتم بمعرفة المراد بالجبر ، والمراد بالتفويض ، ثم معرفة ما هو متوسط بينها.
قال الشيخ المفيد رحمهالله : الجبر هو الحمل على الفعل والاضطرار إليه بالقهر والغلبة ، وحقيقة ذلك إيجاد الفعل في الخلق من غير أن يكون لهم قدرة على دفعه والامتناع من وجوده فيه ، وقد يعبّر عمّا يفعله الإنسان بالقدرة التي معه على وجه الإكراه له على التّخويف والإلجاء أنّه جبر ، والأصل فيه ما فعل من غير قدرة على امتناعه منه.
والتّفويض هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال والإباحة لهم مع ما شاءوا من الأعمال.
والواسطة بين هذين القولين أنّ اللّه تعالى أقدر الخلق على أفعالهم ومكّنهم من أعمالهم ، وحدّ لهم الحدود في ذلك ، ورسم لهم الرّسوم ونهاهم عن القبائح بالزّجر والتّخويف ، والوعد والوعيد ، فلم يكن بتمكينهم من الأعمال مجبرا لهم عليها ، ولم يفوّض إليهم الأعمال لمنعهم من أكثرها ، ووضع الحدود لهم فيها وأمرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها. فهذا هو الفصل بين الجبر والتّفويض على ما بيّنّاه (10).
المصادر :
1- سورة البقرة : ٢ / ٢٨٦.
2- التشيع / الغريفي : ٥٣٤ ـ ٥٣٦.
3- سورة يونس : ١٠ / ٢٦.
4- سورة الأنعام : ٦ / ١٦٠.
5- سورة الرعد : ١٣ / ٦.
6- سورة النساء : ٤ / ٤٨.
7- سورة يونس : ١٠ / ٥٨.
8- تصحيح اعتقادات الإمامية / الشيخ المفيد : ١٠٣ ـ ١٠٥.
9- الشيخ الصدوق / كتاب التوحيد : ٣٦٢ / ٨ باب ٥٩ نفي الجبر والتفويض.
10- تصحيح الاعتقاد : ٤٦ ـ ٤٧.