
يفهم من المصطلحات ان اللعن والطرد والابعاد مترادفة أو متقاربة جدا وهو ظاهر ثم هذا الطرد والابعاد لا يختص بوقوعه على الكفار فقط كما زعم ذلك طائفة من العلماء لان الله سبحانه وتعالى لعن كثيرا من أهل الذنوب التي ليست من المكفرات وقد لعن الله تعالى القاذفين للمحصنات الغافلات المؤمنات في قوله تعالى ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوافي الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم وافضل وأعف من قذف منهن عائشة ومن قاذفيها حسان بن ثابت وهو من قد علمت ومسطح بن اثاثة وهو بدري وقد حدهما النبي صلى الله عليه وآله ولو كان اللعن من الله أو من رسوله مدخلا للمسلم في زمرة الكفار لكان الواجب على القاذف القتل لا الحد وقد لعن النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله كثيرا من مرتكبي الصغائر التي لا توجب حدا ولا تعزيرا كلعنه الواشمة والمستوشمة وزوارات القبور ويظهر من ذلك جليا ان من اللعن ما هو مغلظ وشديد كاللعن بسبب الكفر والنفاق والكبائر من الذنوب كقتل المؤمن تعمدا بغير حق ومنه ما هو اخف من ذلك بمراتب كلعن الواشمة ونحوها ومنه ما بين ذلك ومنه ما ترفعه التوبة ومنه ما يرفعه الحد كما دلت على جميع ذلك الآيات والحاديث فهو لعن دون لعن وطرد دون طرد وابعاد دون ابعاد.
ورب مبعد من درجة عالية إلى دونها هي قرب بالنسبة إلى مبعد آخر إذا أرتقى إليها وكل ذلك بحسب عظم الموجب وصغره فلا يذهب عن بالك ما ذكرناه وانما قدمنا ذلك لئلا يندفع بعض المتسرعين إلى الاعتراض قبل ان يستحضر الحقيقة في ذهنه اغترارا بالقول السابق عن بعض العلماء ان اللعن ملازم للكفر مع ان الحق خلافه والله الهادي إلى الصواب.
في ذكر نبذة من أدلة الفرقة القائلة بجواز لعن معاوية ووجوب بغضه في الله وما يناسب ذلك من ذكر بوائقه المثبتة فسوقه وبغية وجرأته على الله واتنهاكه حرماته مما يدخله تحت عمومات الآيات القرآنية والاحاديث النبوية المتضمنة للعن فاعليها والمشتملة على الوعيد الشديد لمرتكبيها قال الله تعالى وهو أصدق القائلين «فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم واعمى ابصارهم» وقال تبارك وتعالى : «ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله
في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذابا مهينا» وقال تعالى : «يوم لا تنفع الظالمين معذرنهم ولهم اللعنة ولهم سواء الدار» وقال جل جلاله «فأذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين» وقال تعالى «لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون» وقال تعالى شأنه ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما وقال تعالى فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه وفسوا حظا مما ذكروا به وقال جل جلاله والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار وقال عزو جل وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة هم من المقبوحين وقال سبحانه وتعالى ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا اولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الا لعنة الله على الظالمين.
(فقد لعن الله) جلت عظمته في هذه الآيات المفسدين في الارض والقاطعين ارحامهم ولعن المؤذين لله ورسوله ولعن الظالمين مكررا ولعن المعتدين والذين لا يتناهون عن المنكر ولعن من قتل مؤمنا متعمدا ولعن من نقض الميثاق ولعن الائمة الداعين إلى النار ولعن الكاذبين على ربهم.
(وقد لعن) رسول الله صلى الله عليه وآله من أحدث حدثا أو آوى محدثا ولعن من ضار بمسلم أو مكر به ولعن من سب أصحابه ولعن الراشي والمرتشي والرائش ولعن من غير منار الارض ولعن السارق ولعن شارب الخمر ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه.
وقال من يلعن عمارا لعنه الله ولعن من ولي من أمر المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة ولعن من أخاف اهل المدينة ظلما.
(واي صفة) من هذه الصفات لم يتلبس بها ذلك الطاغية حتى يفلت من دخوله تحت عمومها والعمل بما جاء في كتاب الله تعالى والتأسى برسول الله صلى الله عليه وآله مطلوب ومشروع (قال الله تعالى) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الآية وكذا التأسي بالملائكة لانهم معصومون (ويدل على انه طاعة فعله له صلى الله عليه وآله في الصلاة مرارا حتى لقد روى من طرق اوضح واصح من الطرق التي روى بها القنوت في الصبح وقد عمل بذلك سيد الاوصياء علي عليه السلام وواظب عليه واقتدى بهما كرام الشيعة المرضية رضى الله عنهم.).
(وقد لعن) معاوية مسمى وضمنا كثيرون تقريرا وتفسيرا لما جاء عن الله ورسوله واكبرهم وامامهم واحقهم بالاهتداء بهديه والاقتداء بفعله من جعل الله الحق دائرا معه حيث دار باب مدينة علم الرسول سيدنا امير المؤمنين ويعسوب الدين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقد كان إذا صلى الغداة يقنت فيقول اللهم العن معاوية وعمروا وأبا الاعور وحبيبا وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن يزيد والوليد نقله ابن الاثير وغيره واخرج ابن أبي شيبة والبيهقي ان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قنت في الوتر فدعا على ناس وعلى اشياعهم وأخرج ابن أبي شيبة عن عبدالرحمن بن معقل قال صليت مع علي صلاة الغداة فقنت فقال في قنوته اللهم عليك بمعاوية واشياعه وعمرو بن العاص واشياعه وأبي الاعور السلمي واشياعه وعبد الله بن قيس واشياعه (عن حكيم بن يحيى قال كنت جالسا مع عمار فجاء أبو موسى فقال له عمار أني سمعت رسول الله يلعنك ليلة الجمل قال انه استغفر لي قال عمار قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار. موضوع قال البلاء من العطار لامن حسين (قلت) العطار وثقه الخطيب في تاريخه والله اعلم)(1)
وابو الاعور السلمي هذا هو من انصار معاوية وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله (فقد اخرج أبو نعيم بسنده قال قنت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فقال اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله والعن أبا الاعور السلمي وأخرج ابن جرير عن بن عباس رضي الله عنهما انه قال لعن الله فلانا أنه كان ينهي عن التلبية في هذا اليوم يعني يوم عرفة لان عليا كان يلبي فيه وأخرج عنه أيضا انه قال ان الشيطان يأتي ابن آدم فيقول دع التلبية وهلل وكبر ليحيي البدعة ويميت السنة واخرج أيضا عن سعيد بن جبير قال أتيت ابن عباس بعرفة فقال لعن الله فلانا اعمدوا إلى أعظم ايام الحج فمحوا زينة الحج وانما زينة الحج التلبية (وجاء) بسند رجاله رجال الصحيح الا واحدا فمختلف فيه لكن قواه الذهبي بقوله انه احد الاثبات وما علمت فيه جرحا اصلا ان عمرو بن العاص صعد المنبر فوقع في علي ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة فقيل للحسن أصعد المنبر لترد عليهما فامتنع الا ان يعطوه عهدا انهم يصدقونه ان قال حقا ويكذبونه ان قال باطلا فأعطوه ذلك فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال انشدك الله يا عمرو ويا مغيرة اتعلمان ان رسول الله صلى الله عليه وآله لعن السائق والقائد (هما أبو سفيان ومعاوية) احدهما فلان قالا بلى ثم قال انشدك الله يا معاوية ويا مغيرة ألم تعلما ان النبي صلى الله عليه وآله لعن عمروا بكل قافية قالها لعنة فقالا اللهم بلى ثم قال انشدك الله يا عمرو ويا معاوية الم تعلما ان النبي صلى الله عليه وآله لعن قوم هذا قالا بلى قال الحسن فاني احمد الله الذي جعلكم فيمن تبرأ من هذا يعني عليا مع انه صلى الله عليه وآله وسلم لم يسببه قط وانما كان يذكره بغاية الجلالة والعظمة ذكر هذا ابن حجر في تطهير الجنان. ونقل ابن الاثير قال لما عزل معاوية سمرة عن ولاية البصرة قال سمرة لعن الله معاوية والله لو اطعت الله كما اطعته ما عذبني أبدا.
يقول العزيز الجبار ان ذلك لحق تخاصم اهل النار. وأخرج بن عساكر عن قيس بن حازم قال سمعت علي بن أبي طالب على منبر الكوفة يقول الا لعن الله الا فجرين من قريش بني امية وبني المغيرة. واخرج بن أبي حاتم عن الاسود بن يزيد قال قلت : لعائشة رضي الله عنها الا تعجبين من رجل من الطلقاء ينازع اصحاب محمد في الخلافة قالت : وما تعجبك من سلطان الاله يؤتيه البر والفاجر وقد ملك فرعون مصر (انتهي من الدر المنثور). قلت : يشير كلام عائشة إلى ثلاثة امور الاول دلالة مفهوم الصفة مخالفة ان معاوية ليس من اصحاب محمد. الثاني الاشارة بالمثال إلى فجور معاوية. الثالث تشبيهها معاوية بفرعون الذي بين الله حاله بقوله تعالى وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيمة فأوردهم النار وبئس الورد المورود وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة بئس الرفد المرفود.
(تنبيه) صوب ابن المنير والغزالي رحمهما الله منع لعن الشخص المعين وان اتصف بما استحق به اللعن بما جاء في كتاب الله تعالى وحديث نبيه عليه وعلى آله السلام كلعن الله زيدا الشارب وجوزا لعن غير المعين كلعن الله السارق ونحوه مستدلين بما في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عن ان رجلا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله كان اسمه عبدالله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان النبي قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وآله لا تلعنوه فوالله ما علمت انه يحب الله ورسوله وزاد الغزالي انه لا يجوز لعن المعين ولو كان كافرا حتى يتيقن موته على الكفر وتبعهما كثير من متأخري الفقهاء. وقال كثير بجواز اللعن مطلقا محتجين بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن من يستحق اللعن كافرا كان أو مسلما فيستوي المعين وغيره.
واجابوا عن الحديث بأجوبة متعددة قال بعضهم ان المنع في الحديث خاص بما يقع في حضرة النبي صلى عليه وآله وسلم لئلا يتوهم الشارب عند عدم الانكار انه مستحق لذلك فربما اوقع الشيطان في قلبه ما يتمكن به من فتنته والى ذلك الاشارة بقوله في رواية ابي هريرة لا تكونوا عون الشيطان على أحيكم. وقال بعضهم ان المنع مطلقا في حق من اقيم عليه الحد لان الحد قد كفر هذا الذنب المذكور والجواز مطلقا في حق من لم يقم عليه كما جاء في حديث عبادة بن الصامت فمن اصاب من ذلك (اي الزنا والسرقة) شيئا فعوقب فهو كفارته. وقال بعضهم ان المنع مطلقا في حق ذوي الزلة والجواز مطلقا في حق المجاهرين. واحتج البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح والحديث في الصحيح (انتهى من فتح الباري). قال النووي في الاذكار واما الدعاء على انسان بعينه ممن اتصف بشئ من المعاصي فظاهر الحديث انه لا يحرم واشار الغزالي إلى تحريمه انتهى. قال ابن حجرفي الفتح والاحاديث تدل على الجواز كما ذكره النووي في قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم للذي قال له كل بيمينك فقال لا استطيع فقال لا استطعت. فيه دليل عا جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي ومال هنا إلى الجواز قبل اقامة الحد والمنع بعده (اتنهى).
قلت كيف حمل ابن المنير والغزالي ومن تبعهما نهي النبي صلى عليه وآله وسلم اصحابه عن لعن حمار المحب لله ولرسوله على منع التعيين والنهي في الحديث معلل بمحبة الله ورسوله واقع بعد اقامة الحد ولا يفهم للتعيين وعدمه معنى من متن الحديث مع ان عمل النبي عليه الصلاة والسلام وعلى آله وعمل كثير من اصحابه وكثير من اكابر السلف بعدهم في مواطن كثيرة يخالف ما حملا عليه الحديث.
وأقوى حجة في مشروعية لعن المسلم المعين كتاب الله تعالى حيث قال في يمين الملاعن والخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين وقد حلف النبي صلى الله عليه وآله الملاعن مكررا وجعل ذلك شرعة باقية في امة محمد صلى الله عليه وآله يوم القيامة والتعيين هنا بضمير المتكلم أقوى من التعيين بالاسم العلم كما هو مذكور في محله من كتب العربية ولم يقل أحد من الامة اصلا بكفر الكاذب من المتلاعنين حتى يوجه قول الغزالي ومن تبعه ان اللعن بالتعيين لا يجوز الا على الكافر.
وقد لعن النبي صلى الله عليه وآله اشخاصا سماهم وماتوا على الاسلام كأبي سفيان ابن حرب وسهيل بن عمروو عمرو بن العاص وأبي الاعور السلمي والحكم بن أبي العاص وابنه مروان وغيرهم. ولعن كثير من أجلة الصحابة اناسا سموهم بأسمائهم كمعاوية وعمرو بن العاص وحبيب وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن يزيد وبسر بن اطاة والوليد وزياد والحجاج بن يوسف وغيرهم ممن يعسر عدهم وسردهم وقد لعن حسان بن ثابت هندا بنت عتبة وزوجها أبا سفيان وهو إذ ذاك يكافح عن النبي صلى الله عليه وآله بأمره ولم ينكر عليه بل أقره عليه. قال من أبيات له :
لعن الآله وزوجها معها /هند الهنود عظيمة البظر
وقد لعن عمر بن الخطاب خالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويره ولعن علي عليه السلام عبدالله بن الزبير يوم قتل عثمان إذ لم يدافع عنه (وقد لعن) عبدالله بن عمر رضى الله عنهما ابنه بلا لا ثلاثا كما ذكره ابن عبد البرفي كتاب العلم قال عن عبدالله بن هبيرة السبائي قال حدثنا بلال بن عبدالله بن عمران أباه عبدالله ابن عمر قال يوما قال رسول الله صلى الله وآله وسلم لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد فقلت : أما انا فسأمنع اهلي فمن شاء فليسرح اهله فالتفت إلى وقال لعنك الله لعنك الله لعنك الله تسمعني أقول ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر ان لا يمنعن وقام مغضبا (اتنهى).
وصح عن الامام مالك رحمه الله انه قال لعن عمرو بن عبيد (يعني الزاهد المشهور) وقال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهما الله سمعت أبا حنفية يقول لعن الله عمرو بن عبيد.
ونقل ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلي بأسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال قلت : لابي ان قوما ينسبونا إلى تولى يزيد فقال يا بني وهل يتولى يزيد احد يؤمن بالله ولم لا نلعن من لعنه الله في كتابه فقلت واين لعن الله يزيد في كتابه فقال في قوله تعالى فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم واعمى ابصارهم فهل يكون فساد اعظم من هذا القتل وفي رواية يا بني ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه.
ونقل البخاري رحمه الله في خلق افعال العباد قال قال وكيع على بشر المريسي لعنه الله يهودي أو نصراني فقال : له رجل كان ابوه اوجده نصرانيا قال وكيع عليه وعلى أصحابه لعنة الله وقد لعن بكر بن حماد والقاضي أبو الطيب وابو المظفر الاسفرائيني وكثير غيرهم عمران بن حطان في ردهم المشهور على أبياته التي امتدح بها اشقى الآخرين ابن ملجم لعنه الله ولعن يحيى بن معين الحسين بن علي الكرابيسي الشافعي البغدادي كما ذكره في تهذيب التهذيب وما زال اللعن فاشيا بين المسلمين إذا عرفوا من الانسان معصية تقتضي لعنه وإذا تنبعت كتب الحديث والسير والتاريخ وجدتها مشحونة بذلك (ولهذا اقول) لطالب التحقيق لا يهولنك ما تظافر هؤلاء عليه من منع التعيين مع انه قد ورد عن نبيهم وكثير من اصحابه ومن أكابر السلف ما يخالفه فليفرخ روعك فان الهدي هدى محمد واصحابه.
العلم قال الله قال رسوله / ان صح والاجماع فأجهد فيه
وحذار من نصب الخلاف جهالة / بين الرسول وبين قول فقيه
نعم عورض مطلق اللعن بأحاديث في منعه لامنع التعيين بخصوصه كقولة عليه وعلى آله الصلاة والسلام ليس المؤمن بالسباب ولا بالطعان ولا باللعان وكقوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام المؤمن لا يكون لعانا وهذه وما شاكلها بلا ريب هي في لعن من لا يستحق اللعن والا لم يندفع التعارض فيحصل الخلاف في كلام الله وكلام رسوله وهما منزهان عن ذلك. وسأزيدك ايضاحا لتزداد اطمئنانا فقد اخرج مسلم في صحيحه والبخاري في الادب عن حفصة رضي الله عنها قول رسول الله صلى الله عليه وآله اني لم ابعث لعانا وانما بعثت .
نفي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نفسه ان يكون لعانا من يوم بعث وهو الصادق المعصوم وقد ثبت انه لعن كثيرا بالوصف ولعن كثيرا بالعين ولا ريب في ان لعنه اياهم كان حقا ولولا اختلاف موضوع القضيتين لكان تناقضا وهو ممتنع في كلامه صلى الله عليه وآله قطعا فتعين ان اللعن المنفي صدوره عنه صلى الله عليه وآله هو ما كان عن غير استحقاق وان اللعن الذي ثبت وقوعه عنه عليه السلام هو لعن من استحق اللعن ولزم ان يكون اللعن الذي نهى عنه صلى الله عليه وآله امته كما تقدم هوما نفي صدوره عن نفسه لا ما فعله هو وهو الاسوة الحسنة للمؤمنين. رزقنا الله الاتباع لسنته والانقياد لما جاء به آمين.
المصادر:
1- اللالئ المصنوعة للسيوطي ج ١. ص ٢٢٢