عن الصادق عليه السلام: "شيعتنا أهل الورع والاجتهاد وأهل الوفاء والأمانة، وأهل الزهد والعبادة، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار، يزكّون أموالهم، ويحجّون البيت، ويجتنبون كل محرم"(1)
مما لا يختلف فيه إثنان أن الاتصال بالأشراف خير من الانتساب إليهم بالأقوال وبذلك نطقت مئات المضامين الشريفة مما أثر عنهم عليهم السلام، من جملتها هذه الرواية التي صدّرنا بها درسنا، ويرجع ذلك في جوهره إلى أن الإيمان والالتزام بمنهج من المناهج يوجب السير على وفقه، والعمل على طبقه، وإلا كانت السيرة الحياتية في سائر شؤونها وشجونها كاذبة من الناحية العملية في حكايتها عن ذلك المعتقد، ولذا كان من الصحيح قراءة البشر من ممارساتهم والتعويل عليها بما دلّت، مع وجود هوّة كبيرة بينها وبين خطاباتهم لأن إعراب الأفعال خير من إعراب الأقوال، وهكذا أرادنا أئمتنا عليهم السلام الصادقين من الناحيتين كي لا ندخل في زمرة: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾(2)
وبما يفرضه أتباعنا لهم عليهم السلام من صفات عالية وأخلاق فاضلة ونفوس زكية.
أ- من هم الشيعة؟
تعالى معي نسأل إمامنا الباقر عليه السلام كما سأله جابر الجعفي كيف كان يعرف الشيعة؟ فيجيبنا: "... وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشّع، وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة، والبّر بالوالدين، والتعهّد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة، والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن وكفّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء"(3)...
فهنا نلاحظ أن الجواب بأكمله لم يكن متجهاً إلى الكشف عن هويتهم من خلال تعابير لفظية صادرة منهم بل إلى عباداتهم ومعاملاتهم بالحسنى مع الناس، وامتلاكهم الشمائل وكفى بذلك معرِّفاً بهم لمن لا يعرفهم، ودالاً عليهم عند المذاهب والفِرَق.
ب- الحقوق الواجبة:
إن بعض الواجبات التي فرضتها الشريعة الغرّاء هي بإزاء الفرد كما هو معلوم وهناك بعض آخر وعلّه الأخطر والأهم ما كان منها بإزاء المجتمع والجيل حيث يكون الإنسان مسؤولاً عن وظائفه في ذلك الميدان الواسع، فالقسم الأول غالباً ما ينحصر في الجانب العبادي والثاني ما يتعداه إلى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهي بأجمعها مما ينبغي مراعاتها حين الركوب في سفينة الولاية التي بها النجاة ولولاهما الهلاك فوجب العلم بها احترازاً من الانحراف عنها وهذه أهمّها:
أولاً: الموالاة والمعاداة.
عن أبي الحسن عليه السلام: "من عادى شيعتنا فقد عادنا، ومن والاهم فقد والانا، لأنهم منا خلقوا من طينتنا، من أحبهم فهو منّا، ومن أبغضهم فليس منا"(4)
وهذه وظيفة عامة مطلوبة اتجاه الجمع الولائي لأهل البيت عليهم السلام إذ لا يكفي موالاتهم بل لا بد من مخالفة أعدائهم إذ لا يجمع بين الحق والباطل، بل لا يكون المرء على الحق ما لم ينكر الباطل ويكفر به ولذلك قدّم القرآن الكريم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله في صياغته الإعجازية حيث قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾(5)
وورد عن الرضا عليه السلام نفي الدخول في حصن الولاية لمن لم يخالف أعداءهم: "شيعتنا المسلّمون لأمرنا الآخذون بقولنا، المخالفون لأعدائنا، فمن لم يكن كذلك فليس منّا"(6)
ثانياً: التباذل والتزاور.
فإن من حقوق أهل الولاية فيما بينهم أن يتواصلوا بأتم ما يكون عليه التواصل وان يتباذلوا بأقصى ما يكون عليه هذا الأمر كما جاء في الحديث: "إنما شيعة علي عليه السلام المتباذلون في ولايتنا المتحابّون في مورثنا، المتزاورون لإحياء أمرنا، إن غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا، بركة لمن جاوروا، وسلم لمن خالطوا"(7)
وهنا يتعرض الإمام عليه السلام إلى ثلاثة جوانب:
الجانب الأول: العلاقات الداخلية: حيث يبيّن كيف يجب أن يكون التعامل فيما بينهم بوصفهم ينتمون إلى الطائفة المحقة، فيظهر لهم الحقوق من البذل والحب والزيارة وغير ذلك من مقوّمات الترابط والتعاضد الواجبة على كل منهم اتجاه الآخرين. وهو ما يسمّى بالترتيب الداخلي الشبيه بوضع الأسرة الواحدة.
الجانب الثاني: العلاقات الخارجية: أوضح عليه السلام كيفية مجاورتهم ومخالطتهم للآخرين الذين لا ينتمون إلى مذهبهم في معرض حديثه عنهم كجمعٍ يقابله غيره الخارج عن حقيقة، فأظهر راحة الآخرين منهم وسلامتهم في التعاطي معهم قائلاً عليه السلام: "بركة لم جاوروا وسلم لمن خالطوا"(8)
الجانب الثالث: المقوّمات الشخصية: وهي عدم الظلم مع الغضب ولا الإسراف مع الرضا كما مرّ في قوله عليه السلام: "إن غضبوا لم يظلموا وإن رضوا لم يسرفوا"(9)
ثالثاً: وحدة الكلمة.
يقول الصادق عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى خلق المؤمنين من أصل واحد لا يدخل فيهم داخل ولا يخرج منهم خارج ومثلهم والله مثل الرأي في الجسد ومثل الأصابع في الكفن فمن رأيتم يخالف ذلك فاشهدوا عليه بتاتاً أنه منافق"(10)
رابعاً: الائتمان والصبر.
عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أنبئكم لم سمي المؤمن مؤمناً لائتمان الناس إياه على أنفسهم وأموالهم"(11)
وعن الصادق عليه السلام: "لن تكونوا مؤمنين حتى تكونوا مؤتمنين وحتى تعدوا نعمة الرخاء مصيبة وذلك إن الصبر على البلاء أفضل من العافية عند الرخاء"(12)
خامساً: المواصلة والمقاطعة.
جاء عن الرضا عليه السلام: "من واصل لنا قاطعاً، أو قطع لنا واصلاً، أو مدح لنا عائباً، أو أكرم لنا مخالفاً فليس منّا ولسنا منه"(13)
ج- كيف يريدنا عليه السلام؟
لنترك الجواب إلى لسانهم الشافي وبيانهم الوافي صلوات الله وسلامه عليهم في مقاطع ثلاثة:
المقطع الأول:
عن الصادق المصدّق جعفر بن محمد عليه السلام: "شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، ولا شحناؤه بدنه، ولا يطرح كلّه على غيره، ولا يسال غير إخوانه، ولو مات جوعاً، شيعتنا من لا يهّر هرير الكلب ولا يطمع طمع الغراب"(14)
المقطع الثاني:
"إنما شيعة جعفر من عفّ بطنه وفرجه، واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك، فأولئك شيعة جعفر"(15)
المقطع الثالث:
"عليكم بتقوى الله وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الصحبة لمن صحبكم وإفشاء السلام وإطعام الطعام، صلّوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم، واتبعوا جنائزهم، فإن أبي حدثني أن شيعتنا أهل البيت كانوا خيار من كانوا منهم... حبّبونا إلى الناس ولا تبغضّونا غليهم"(16)
أي كونوا دعاة لنا بأعمالكم عبر هذا السلوك الإلهي الذي أردناه لكم فيحبنا الآخرون ترجمةً لما عرّفناكم وإجابة لما دعوناكم، وهي وصيتنا التي تركناها لكم لازمة على رؤوسكم وأمانة في أعناقكم.
د- من هو أفضلنا؟
ولعل هذا السؤال كثيراً ما يدور في أذهاننا، لا لأن الأفضلية هذه تكسب المرء مكاناً مرموقاً في العالم الفاني ولا تجعله امتيازات تعذره
في أنه يحق له ما لا يحق لغيره، إذ أن حب التفرّد هو من الحبائل الشيطانية، والسبل المهلكة، لكن لأجل أن يهتدي الإنسان إلى السبيل الذي يكون فيه أكثر قرباً من الله سبحانه وتعالى فيكون الجواب:
عنهم عليهم السلام: "بعضكم أكثر صلاة من بعض، وبعضكم أكثر حجاً من بعض وبعضكم أكثر صدقة من بعض، وبعضكم أكثر صياماً من بعض وأفضلكم أفضل معرفة"(17)
نسأله تعالى أن يجعلنا من العارفين بحقهم عليهم السلام.
المصادر :
1- صفات الشيعة، ح1، ص13.
2- الصف:3.
3- صفات الشيعة، ح22، ص20.
4- م.ن، ح5، ص14.
5- البقرة:256.
6- صفات الشيعة، ح2، ص13.
7- م.ن، ح23، ص21.
8- م.ن.
9- م.ن.
10- م.ن، ح48، ص35.
11- م.ن، ح43، ص34.
12- م.ن، ح53ن ص36.
13- م.ن، ح10ن ص17.
14- م.ن، ح34، ص25.
15- م.ن، ح21، ص20.
16- م.ن، ح39، ص32.
17- م.ن، ح28، ص23.