
لنذكر هنا طرفا مما صح ونقل عن معاوية واتباعه ، ان رسل معاوية إلى حجر بن عدي واصحابه قالوا لهم قبل القتل أنا قد أمرنا ان نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فان فعلتم تركناكم وان أبيتم قتلناكم فقالوا لسنا فاعلي ذلك فقتلوهم (اخرج) مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي في الخصائص عن عامر بن سعد بن ابي وقاص قال أمر معاوية ابن ابي سفيان سعدا فقال ما يمنعك ان تسب أبا تراب فقال لا ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وآله فلن اسبه لان تكون لي واحدة منهن احب الي من حمر النعم وذكر قول النبي صلى الله عليه وآله انت مني بمنزلة هارون من موسى الحديث المشهور وزاد أبو يعلى عن سعد من وجه آخر قال لو وضع المنشار على مفرقي على ان اسب عليا ما سببته أبدا
(ونقل ابن الاثير) ان معاوية كان إذا قنن سب عليا وابن عباس والحسن والحسين والاشتر (قال) ابن عبد ربه في العقد لما مات الحسن ابن علي عليهما السلام حج معاوية فدخل المدينة واراد يلعن عليا على منبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقيل له ان هاهنا سعد بن ابي وقاص ولا نراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه فارسل إليه وذكر له ذلك فقال ان فعلت ذلك لاخرجن من المسجد ثم لااعود إليه فامسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد فلما مات لعنه على المنبر وكتب إلى عماله ان يلعنوه على المنابر ففعلوا فكتبت ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله إلى معاوية انكم تلعنون الله ورسوله على منابركم وذلك انكم تلعنون علي بن ابي طالب ومن احبه وانا اشهد ان الله احبه ورسوله فلم يلتفت احد إلى كلامها مع علمهم بصحة روايتها وشرف مقامها. صم بكم عمي مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا.
(ونقل أبو عثمان الجاحظ) في كتاب الرد على الامامية ان معاوية كان يقول في آخر خطبته اللهم ان ابا تراب الحد في دينك وصد عن سبيلك فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا اليما قال وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر إلى ايام عمر بن عبد العزيز
(وروى) فيه ايضا ان قوما من بني امية قالوا لمعاوية يا امير المؤمنين انك قد بلغت ما املت فلو كففت عن هذا الرجل فقال لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلا
(وروى) ابو الحسن المدائني في كتاب الاحداث قال كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة ان برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل ابي تراب واهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرءون منه ويقعون فيه وفي اهل بيته وكان اشد الناس بلاء حينئذ اهل الكوفة لكثرة من بهامن شيعة علي عليه السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لانه كان منهم ايام علي عليه السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدرو اخافهم وقطع الايدي والارجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم
(وكتب) معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي شهادة وكتب إليهم ان انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه واهل ولايته الذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم واكرموهم واكتبوا الي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم ابيه وعشيرته ففعلوا ذلك حتى اكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلاة والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجد امرؤ من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضباة أو منقبة الا كتب اسمه وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حينا.
(ثم كتب) إلى عماله ان الحديث في عثمان قد جهز وفشا في كل مصر وكل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الاولين ولا تتركوا خبرا يرويه احد من المسلمين في ابي تراب الا وائتوني بمناقض له في الصحابة فان هذا احب الي واقر لعيني وادحض لحجة ابي تراب و شيعته واشد عليهم من مناقب عثمان وفضله فقرئت كتبه على الناس فرويت احاديث كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لاحقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى اشادوا بذكر ذلك على المنابر والقي إلى معلمي الكتاب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله.
(ثم كتب) إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة انه يحب عليا واهل بيته فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه وشفع ذلك بنسخة اخرى من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره فلم يكن البلاء اشد واكثر منه بالعراق ولاسيما بالكوفة حتى ان الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمن عليه فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة وكان اعظم الناس في ذلك بلية القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقزبو في مجالسهم ويصيبوا به الاموال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الاخبار والاحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون انها حق ولو علموا انها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليهما السلام فأزداد البلاء والفتنة فلم يبق احد من هذا القبيل الا وهو خائف على دمه أو طريد على الارض ثم تفاقم الامر بعد قتل الحسين عليه السلام وولي عبدالملك بن مروان فاشتد الامر على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف فتقرب إليه اهل النسك والصلاح ببغض علي وموالاة اعدائه وموالاة من يدعي قوم من الناس انهم ايضا رؤه فاكثروا من الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم واكثروا من الغض من علي عليه السلام وعيبه والطعن فيه والشنآن له حتى ان انسانا وقف للحجاج ويقال انه جد الاصمعي عبدالملك بن قريب فصاح به أيها الامير ان اهلي عقوني فسموني عليا واني فقير بائس وانا إلى صلة الامير محتاج فتضاحك الحجاج وقال للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا
(وقد روى) ابن عرفة المعروف بنفطويه وهومن اكابر المحدثين واعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال ان اكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في ايام بني امية تقريبا إليهم بما يظنون انهم يرغمون به انوف بني هاشم
(قلت) لا يلزم من هذا ان يكون علي عليه السلام يسوءه ان يذكر الصحابة والمتقدمون عليه بالخيرو الفضل الا ان معاوية وبني امية كانوا يبنون الامر من هذا على ما يظنونه في علي عليه السلام من انه عدو من تقدم عليه ولم يكن الامر في الحقيقة كما يظنونه ولكن ربما كان يرى انه افضل منهم وانهم استأثروا عليه بالخلافة من غير تفسيق منه لهم ولا براءة منهم (انتهى) كلام المدائني.
(قلت) لم يسكت المحدثون الراسخون في علم الحديث والعارفون باسماء رجاله وحالاتهم عن تمحيص هذه الاحاديث وفحصها بل امتحنوها وبينوا وضعها واسبابه وان بعض رواتها كذابون غير موثوق بهم كما بينوا ايضا كثيرا من الاحاديث الموضوعة في فضائل علي عليه السلام فجزاهم الله عن نبيهم وامته خير الجزاء.
(نعم) ان المحدثين انما يطعنون فيمن دون طبقة الصحابة ولا يتجاسرون على الطعن فيمن هو صحابي على اصطلاحهم وان كان غير مستقيم وسيأتي في بيان الشبه ما تعلم به سبب امتناعهم عن ذلك والله اعلم.
(ولما) استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة دعاه وقال له اما بعد فان لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ولا يجزئ عنك الحليم بغير التعليم وقد اردت ايصاءك بأشياء كثيرة انا تاركها اعتمادا على بصرك ولست تاركا ايصاءك بخصلة واحدة لا تترك شتم علي وذمه والترحم على عثمان والاستغفار له والعيب لاصحاب علي والاقصاء لهم والاطراء لشيعة عثمان والادناء لهم فقال له المغيرة قد جربت وجربت وعملت قبلك لغيرك فلم يذمني وستبلو فتحمد أو تذم فقال بل نحمد ان شاء الله فأقام المغيرة عاملا على الكوفة وهو احسن شئ سيرة غير انه لا يدع شتم علي والوقوع فيه والدعاء لعثمان والاستفغار له فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال : بل اياكم ذم الله ولعن انتهى من الكامل.
(قلت) لم يزل المغيرة باقي ايامه عاملا بوصية طاغيته موصيها بها غير فقد قال : لصعصعة بن صوحان وهو من أصحاب علي عليه السلام لما بلغه انه يذكر عليا ويفضله : اياك ان يبلغني عنك انك تعيب عثمان واياك ان يبلغني انك تظهر شيئا من فضل على فأننا اعلم بذلك منك ولكن هذا السلطان قد ظهر وقد أخذنا بأظهار عيبه للناس فنحن ندع شيئا كثيرا مما أمرنا به ونذكر الشئ الذي لانجد منه بدأ ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا فان كنت ذاكرا فضله فأذكره بينك وبين اصحابك في منازلكم سرا واما علانية في المسجد فان هذا لا يحتمله الخليفة لنا (انتهى) من الكامل أيضا.
(وأمر) يوما حجر بن عدي ان يقوم في الناس فيلعن عليا فأبى ذلك فتوعده فقام فقال أيها الناس ان اميركم امرني ان العن علي بن ابي طالب فالعنوه لعنه الله فقال اهل الكوفة لعنه الله يعنون الامير قالوا وكان المغيرة صاحب دنيا يبيع دينه بالنزر القليل منها يرضي به معاوية حتى انه قال يوما في مجلس معاوية ان عليا لم ينكحه رسول الله صلى الله عليه وآله حبا له ولكن أراد ان يكافئ بذلك احسان ابي طالب.
(واستعمل) معاوية على المدينة مروان بن الحكم وكان عاملا بأوامر معاوية فكان لا يدع سب علي عليه السلام على المنبر كل جمعة تنفيذا لاوامر اميره.
(قال) ابن حجر المكي جاء بسند رواته ثقات ان مروان لما ولي المدينة كان يسب عليا على المنبر كل جمعة ثم ولي بعده سعيد بن العاص فكان لا يسب ثم اعيد مروان فعاد للسب وكان الحسن يعلم ذلك فسكت ولا يدخل المسجد الا عند الاقامة فلم يرض بذلك مروان حتى أرسل للحسن في بيته بالسب البليغ لابيه وله ومنه : ما وجدت مثلك الا مثل البغلة يقال لها من ابوك فتقول امي الفرس الخ (وفي صحيح) البخاري من اثناء حديث لابي سعيد رضى الله عنه قال : أبو سعيد خرجت مع مروان وهو امير المدينة في اضحى أو فطر فلما اتينا المصلي إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد ان يرتقيه قبل ان يصلي فجذبته بثوبه فجذبني فأرتفع فخطب قبل الصلاة فقلت له غير تم والله فقال يا أبا سعيد ذهب ما تعلم فقلت ما اعلم والله خير مما لا اعلم فقال ان الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة.
(قال) الحافظ ابن حجر في الفتح عن ابن المنذر اما مروان فراعي مصلحتهم في اسماعهم الخطبة لكن قيل انهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب (يعني عليا) والافراط في مدح بعض الناس (يعني عثمان) فعلي هذا انما راعي مصلحة نفسه (انتهى) وقد ذكر العلامة الحفظي في أرجوزته هذا الحديث فقال :
وفي البخاري عن أبي سعيد / خطبة مروان بيوم العيد
قبل الصلاة حين كان الناس / بعد الصلاة ينفر الجلاس
لانه كما حكاه المنذري / يذكر فيها لمرتضى ويجتري
سحقا له من وزغ ملعون / وكل من في صلبه يكون
(قلت) الا الصالحين منهم وقليل ماهم.
(ومر) ابن عباس رضي الله عنهما بقوم ينالون من علي ويسبونه فقال لقائده ادنني منهم فأدناه فقال ايكم الساب لله قالوا نعوذ بالله ان نسب الله فقال ايكم الساب رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا نعوذ بالله ان نسب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ايكم الساب علي بن أبي طالب قالوا اما هذه فنعم قال : اشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من سبني فقد سب الله ومن سب علي بن أبي طالب فقد سبني فأطرقوا فلما ولى قال : لقائده كيف رأيتهم فقال :
نظروا اليك باعين محمرة / نظر التيوس إلى شفار الجازر
قال زدني فداك ابي وامي فقال :
خزر العيون منكسي اذقانهم / نظر الذليل إلى العزيز القاهر
فقال زدني فداك ابي وامي قال ما عندي مزيد. قال ولكن عندي.
احياؤهم عار على امواتهم / والميتون فضيحة للغابر
(انتهي من مروج الذهب).
(وولي) معاوية بسر بن ارطاة البصرة فكان يشتم عليا عليه السلام على المنبر قال أبو جعفر الطبري في تاريخه حدثنا عمر قال : حدثنا علي بن محمد قال خطب بسر على منبر البصرة فشتم عليا عليه السلام ثم قال : ناشدت الله رجلا علم أني صادق الا صدقني أو كاذب الا كذبني قال : فقال ابو بكرة اللهم انا لانعلمك الا كاذبا قال : فأمر به فخنق قال : فقام أبو لؤلؤة الضبي فرمى بنفسه عليه فمنعه (انتهى).
(واستعمل) معاوية زيادا فكان من أشد العمال حرصا ودعوة إلى لعن علي عليه السلام وسبه (قال) ابن الاثير بعث زياد ابن أبيه في طلب صيفي بن فسيل الشيباني فأتي به فقال له يا عدو الله ما تقول في ابي تراب فقال لا أعرفه فقال ما أعرفك به اتعرف علي بن أبي طالب قال : نعم قال : فذاك ابو تراب قال : كلا ذاك ابو الحسن والحسين فقال له صاحب الشرطة يقول الامير هو ابو تراب وتقول لاقال فان كذب الامير اكذب انا وأشهد على باطل كما شهد؟ فقال له زياد وهذا أيضا علي بالعصا فأتي بها فقال ما تقول في علي قال : احسن قول قال اضربوه فضربوه حتى لصق بالارض ثم قال : اقلعوا عنه ما قولك في علي قال والله لو شرحتني بالمواسي ما قلت فيه الا ما سمعت مني قال : لتلعننه أو لاضربن عنقك قال لا أفعل فأوثقوه حديدا وحبسوه (قال) الحافظ الذهبي في التذكرة قتل زياد رشيدا الهجري لتشيعه فقطع لسانه وصلبه (انتهى).
(قلت) وكان من قصته ما رواه اهل الاخبار قالوا روي عن الشعبي عن زياد ابن نصر الحارثي قال : كنت عند زياد وقد اتي برشيد الهجري وكان من خواص اصحاب علي عليه السلام فقال له زياد ما قال : خليلك لك أنا فأعلون بك قال تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني فقال زياد اما والله لاكذبن حديثه خلوا سبيله فلما أراد ان يخرج قال : ردوه لانجد شيئا اصلح مما قال لك صاحبك انك لن تزال تبغى لنا سوءا ان بقيت اقطعوا يديه ورجليه فقطعوها وهو يتكلم فقال اصلبوه خنقا في عنقه فقال رشيد قد بقي لي عندكم شئ ما أراكم فعلتموه فقال زياد اقطعوا لسانه فلما أخرجوا لسانه ليقطع قال : نفسوا عني اتكلم كلمة واحدة فنفسوا عنه فقال هذه والله تصديق خبر امير المؤمنين اخبرني بقطع لساني فقطعوا لسانه وصلبوه.
(وقال) المسعودي في المروج والبيهقي في المحاسن والمساوي قد كان زياد جمع الناس بالكوفة بباب قصره يحرضهم على لعن علي عليه السلام فمن ابى ذلك عرضه على السيف فذكر عبدالرحمن بن السائب قال : احضرت فصرت إلى الرحبة ومعى جماعة من الانصار فرأيت شيئا في منامي وأنا جالس في الجماعة وقد خفقت وهواني رأيت شيئا طويلا قد أقبل فقلت ما هذا فقال انا النقاد ذو الرقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر فأنتبهت فزعا فما كان الا مقدار ساعة حتى خرج خارج من القصر فقال انصرفوا فان الامير عنكم مشغول وإذا به قد اصابه ما ذكرنا من البلاء يعني انها خرجت في كفه بثرة ثم حكها ثم سرت واسودت فصار اكلة سوداء فهلك بذلك وفي ذلك يقول عبدالله بن السائب من أبيات.
ما كان منتهيا عما أراد بنا / حتى تأتي له النقاد ذو الرقبه
فأسقط الشق منه ضربة ثبتت / لما تناول ظلما صاحب الرحبة
يعني بصاحب الرحبة علي بن أبي طالب عليه السلام .
(قلت) انما ذكرنا هنا طرفا من بعض افعال عمال معاوية واكثر عماله من هذا القبيل والتواريخ والسير مشحونة بذكر ما يرتكبه اولئك الطغاة من سب علي عليه السلام ولعنه على المنابر وفي المحافل (تمادي) معاوية في نشر تلك البدعة الشنيعة القبيحة التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله انها علامة النفاق وسب لله ولرسوله وحمل الناس عليها بالسيف والزم شرار العمال النداء بها على المنبر في سائر اقطار الاسلام حتى في المدينة النبوية تجاه القبر الشريف على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله غير مراع في ذلك خوف الله تعالى ولا حرمة رسوله عليه وآله الصلاة والسلام ثم جعلها سنة باقية لاتباعه وخلفائه ملوك الضلالة وأئمة الجور والظلم فهنج اولئك الجبابرة منهجه واقتفوا سبيله واعلنوا سب علي عليه السلام ولعنه نحوا من ستين سنة (ذكر) الحافظ السيوطي رحمه الله انه كان في أيام بني امية اكثر من سبعين الف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب عليه السلام بما سنه لهم معاوية من ذلك وفي ذلك يقول العلامة احمد الحفظي الشافعي في أرجوزته.
وقد حكى الشيخ السيوطي انه / قد كان فيما جعلوه سنه
سبعون الف منبر وعشره / من فوقهن يلعنون حيدره
وهذه في جنبها العظائم / تصغر بل توجه اللوائم
فهل ترى من سنها يعادي / ام لاوهل يستر ام يهادي
أو عالم يقول عنه نسكت / اجب فأني للجواب منصت
وليت شعري هل يقال اجتهدا / كقولهم في بغيه ام الحدا
اليس ذا يؤذيه ام لا فأسمعن / ان الذي يؤذيه يؤذي من ومن
بل جاء في حديث ام سلمة / هل فيكم الله يسب مه لمه
عاون اخا العرفان بالجواب / وعاد من عادى ابا تراب
(ومن) عجيب ما يحكى من ذلك ان الوليد بن عبدالملك كان لحانا وانه خطب في خلفته وذكر عليا فقال انه كان لص ابن لص (بالجر) فعجب الناس من لحنه فيما لا يلحن فيه احد ومن نسبته عليا إلى اللصوصية وقالوا ما ندري ايهما اعجب.
(واعجب) من هذا ما ذكره المبرد في الكامل قال : ان خالد بن عبدالله القسري لما كان امير العراق كان يلعن عليا عليه السلام على المنبر فيقول اللهم العن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم صهر رسول الله صلى الله عليه وآله على ابنته وأبا الحسن والحسين ثم يقبل على الناس ويقول هل كنيت.
(واغرب) من الكل ما ذكره ابن الكلبي في غرائبه عن عبدالرحمن بن السائب قال : قال الحجاج يوما لعبد الله بن هانئ وهو رجل من بني اود (حي من قحطان) وكان شريفا في قومه قد شهد مع الحجاج مشاهده كلها وكان من أنصاره وشيعته والله ما كافأتك بعد ثم ارسل إلى الاسماء بن خارجه سيد بني فزتوة ان زوج عبدالله بن هاني بأبنتك فقال لا والله ولا كرامة فدعا له بالسياط فلما رأى الشر قال : نعم زوجه ثم بعث إلى سعيد بن قيس الهمداني رئيس اليمانية ان زوج ابنتك من عبدالله بن هاني الاودي قال : ومن اود لا والله لا ازوجه ولا كرامة فقال علي بالسيف فقال دعني حتى اشاور اهلي فشاورهم فقالوا زوجه ولا تعرض نفسك لهذا الفاسق فزوجه فقال الحجاج لعبدالله قدزوجتك بنت سيد فزارة وبنت سيد همدان وعظيم كهلان وما اود هناك فقال لا تقل ذاك اصلح الله الامير فان لنا مناقب ليست لاحد من العرب قال : وما هي قال : ماسب امير المؤمنين عبدالملك في ناد لنا قط قال : منقبة والله قال : وشهد منا صفين مع امير المؤمنين معاوية سبعون رجلا وما شهد منا مع ابي تراب الا رجل واحد وكان والله ما علمته امرأ سوء قال : منقبة والله قال ومنا نسوة نذرن ان قتل الحسين بن علي ان تنحركل واحدة عشر قلائص ففعلن قال : منقبة والله قال : وما منا رجل عرض عليه شتم ابي تراب ولعنه الافعل وزاد ابنيه حسنا وحسينا وامهما فاطمة قال : منقبة والله قال : وما احد من العرب له من الصباحة والملاحة مالنا فضحك الحجاج وقال اما هذه يا ابا هاني فدعها وكان عبدالله دميما شديد الادمة مجدورا في رأسه عجر مائل الشدق احول قبيح الوجه شديد الحول (انتهى)
وقال : ابو عثمان الجاحظ خطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة فقال تبا لهم انما يطوفون بأعواد ورمة بالية هلا طافوا بقصر امير المؤمنين عبدالملك الا يعلمون ان خليفة المرء خير من رسوله؟! (انتهى)
تأمل ايها المؤمن الصادق افعال هذه الفئة الضالة المضلة كيف ينافح عنهم كثير من اصحابنا اهل السنة ويتورعون عن الانتقاد عليهم ويحتالون لبراءتهم مما ارتكبوه بأي تأويل وجدوه وهم في الحقيقة اشر فعالا واسوء حالا من الخوارج الذين هم شر الامة.