![الطائفية والكيان والنظام الطائفية والكيان والنظام](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D9%81%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A7%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85.jpg)
تؤدي الطائفية وثقافة الطوائف المبنية على الانطلاق من مصلحة الطائفة ودورها وموقعها حيال الطوائف الأخرى وحقوقها في ظل البنية الطائفية للنظام، إلى الالتباس والضياع بين مفهوم الوطن والانتماء إليه، وبين مفهوم الطائفة والانتماء إليها.
وينجم عن تعميم ثقافة الطائفة بديلاً من ثقافة الوطن المبنية على وحدة المواطنية، إضعاف الرابط والشعور الوطني كجامع أساس مشترك لكل الشعب، لصالح أولوية الطائفة والمذهب الذي يصبح العصب المشترك الأول بين المنتمين إليه. ويؤدي النظر إلى الوطن ومصلحته من منطلق مصلحة الطائفة وزعاماتها التي تتلطّى بها لخدمة مصالحها هي، إلى جعل الولاء للطائفة ورموزها قبل الولاء للوطن. كما يؤدي تعدد مصالح الطوائف وتباينها وتناقضها بعضها مع بعض إلى إضعاف وحدة الشعب والوطن. وإن حالة التناقضات الداخلية هذه تدفع قيادات هذه الطائفة أو تلك إلى المراهنة والاستقواء بالخارج في مواجهة خصومها الداخليين، وتستدرج التدخلات الخارجية، ما يحوّل الوطن إلى ساحة لفعل وتصادم العوامل الخارجية الإقليمية والدولية، ويجعل كل تغير أو خلل يطرأ في التوازن الخارجي، ينعكس على الاستقرار الداخلي.
الطائفية والكيان والنظام: اعتبار كيان لبنان مجموع كيانات طائفية يخلق حالة ارتباط عضوي وملتبس بين النظام والكيان. ويرمي هذا الأمر إلى تأبيد النظام الطائفي، تحت حجة أن تغييره يهدد الكيان بالتفكك وسقوط العيش المشترك، في حين أن الشعوب تغيّر أنظمتها في ظل بقاء كيانات بلدانها الوطنية. وإذا كان النظام الطائفي منع تحويل الكيان إلى وطن، فإنه من جهة أخرى عجز عن إقامة دولة حديثة لتبقى الدولة الطائفية القائمة مجموعة مزارع للطوائف والمذاهب وزعاماتها.
الطائفية والدولة:
الدولة في لبنان يتداخل فيها استخدام العامل الديني بصيغته الطائفية وعبر الزعامات والمرجعيات السياسية والروحية، مع العامل المدني المرتبط بالحياة المدنية للمجتمع، وهي أشبه بفيدرالية طوائف منها إلى دولة بالمعنى العصري الحديث.الدولة السيدة المرجوة في لبنان هي الدولة التي تبسط سلطتها وقوانينها على الجميع داخل حدودها، كي تستطيع فعلياً ممارسة سيادتها الوطنية في وجه التحديات الخارجية.
البنية الطائفية للسلطة والنظام، تتيح التداخل والتقاسم، كما يجري، بين سلطة الدولة وسلطات الطوائف. بدلاً من أن يكون دور الدولة وسلطتها هو السائد والوحيد في مختلف مجالات حياة الدولة والمجتمع، والضامن لوحدة اللبنانيين، يسمح النظام الطائفي بتزايد دور الطوائف ومرجعياتها على حساب الدولة، من السياسة إلى التربية، والإعلام، والأحوال الشخصية، وإلى تطييف الحياة السياسية والتعامل مع اللبنانيين كرعايا طوائف وليس كمواطنين، ما يبقيهم كمجموعة أقليات طائفية أكثر مما يجعلهم شعباً ومجتمعاً واحداً.
لبنان مكوّن من مجموعة أقليات (طوائف ومذاهب). ويؤدي النظام الطائفي فيه إلى جعل كل أقلية منهم تشدد على التمايز والتباين عن الأخرى ويدفعها لتغذية عصبية معينة لجمع المنتمين إليها لتعزيز موقعها.
وينجم عن ذلك بقاء الحساسية والحذر وأحياناً التنافر بين هذه الأقليات، والخوف من هيمنة واحدة على غيرها أو على الآخرين. ولا يستقيم الخروج من هذه الحالة إلا بإقامة دولة ديمقراطية حديثة على أسس علمانية تفصل الدين عن الدولة وتضمن حرية الفكر والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية للجميع، وتوفر الشروط والضمانات الفعلية لاحترام حقوق الإنسان وتعزيز تماسك الدولة وفاعليتها وبناء وحدة وطنية صلبة تكون ركيزتها قانوناً موحداً للأحوال الشخصية وقانوناً جديداً للأحزاب يمنع العمل للأحزاب الطائفية والمذهبية ويحصر العمل على مساحة الوطن بأربعة أحزاب يمين، يسار، تشكل من مختلف مكونات الشعب اللبناني وقانون انتخاب على أساس اللائحة الحزبية والنظام النسبي. وبعد إقرار مثل هذه المبادئ تصبح عملية إلغاء الطائفية السياسية سهلة المنال.
الطائفية والديمقراطية:
الطبيعة الطائفية للنظام اللبناني تتعارض كلياً مع الديمقراطية التي تعني المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات إلى أي طائفة أو منطقة انتموا، بينما يعتمد النظام الطائفي معايير تميز بين طائفة وأخرى سواء في توزع المواقع الأساس للسلطة (الرئاسات الثلاث) أم في السلّم المتعدد الدرجات في الحقوق بين المواطنين تبعاً لحجم وحصة الطوائف التي ينتمون إليها. وهذا التفريق والتمييز بين المواطنين يتنافى مع المبادئ الديمقراطية، ومع احترام حقوق الإنسان.بقاء الطائفية والتوزع الطائفي في قانون الانتخاب لا يحرم الشعب والبرلمان صحة التمثيل فقط وإنما يؤدي في العديد من المحافظات والدوائر الانتخابية إلى جعل الثقل العددي الأكبر لطائفة ما، هو العامل المحدد لإنجاح أو إسقاط ممثلي طوائف ومذاهب أقلوية، ما يتنافى أيضاً مع المنطق الديمقراطي حتى في النظام الطائفي ويكرس صفة التبعية المطلقة في تأليف اللوائح الانتخابية.
الطائفية والإدارة:
يفرض النظام الطائفي كممر إجباري للحصول على وظيفة وحتى خدمة، نمطاً من السلوك للمواطن يجعله محكوماً بالحصول على تزكية مرجعية أو زعامة طائفة. وهذا ما يجعل المواطن مرتهناً وتابعاً لهذا الزعيم أو المرجع، ويشيع ذهنية الارتهان والمحسوبية والوصولية بغرض إعادة إنتاج بنية السلطة والطبقة السياسية نفسها.ينجم عن المظلة الطائفية واحتماء المحاسيب وحتى الزعامات بها، فساد وإفساد يستشري، وإضعاف دور هيئات الرقابة في الإدارة، إلى جانب تناقض هذا النمط المتبع بالأساس مع معايير الكفاءة والنزاهة في الوظيفة. وهذا ما يضعف الإنتاجية ويعرقل خدمة المواطنين، ويدفع المواطن للجوء إلى وساطة الزعيم والنافذ لإنجاز معاملته ليصبح مرتبطاً به. والارتباط عضوي بين النظام الطائفي والفساد.
الطائفية والشأن الاقتصادي:
إن المصالح العامة للفئات المهيمنة على النظام والمكونة من قوى طائفية ومذهبية تمنع بناء دولة حديثة كما جرى في تجربة البلدان المتطورة، تلبي حاجاتها وتخدم مصالحها العامة بوتائر سريعة وبتعقيدات أقل. وهذه تستلزم بنية حديثة للدولة قادرة على مواكبة التطور الجاري في العالم، وعلى تأمين الاستقرار في السلطة والمجتمع، وهذا يتعارض مع وجود سلطة ونظام طائفي عشائري متخلف ومصدر للتجاذبات والتناقضات والهزات في السلطة والمجتمع، ينجم عنها أزمات وتفجيرات دورية وأضرار وخسائر كبيرة اقتصادياً.رغم ذلك فإن الجانب الآخر للطائفية يلائم مصالح البرجوازية. ويتجلّى ذلك في استخدام النظام الطائفي كوسيلة لتشويه الوعي الطبقي والاجتماعي، لتفريق وتقسيم صفوف الطبقة العاملة والفئات الشعبية الأخرى على أساس عمودي طائفي ومذهبي، تجنباً لتوحيدها في النضال النقابي والشعبي والسياسي، دفاعاً عن قضاياها وحقوقها ومصالحها المشتركة.
المواطنية من منظور النخب
إن المواطنية هي شكل من أشكال الانتماء إلى الوطن والمجتمع، وهذا الانتماء يفرض وجود ارتباط بين الوطن والمواطن، كما أنه يفرض حقوقاً على كل واحد منهم تجاه الآخر.
هناك عدة خطوات يجب اتباعها لكي يرتقي مجتمع متعدد الطوائف إلى تحقيق المواطنية التي تبدأ من الأسرة ومن ثم المدرسة، اللتين تعتبران من المؤسسات الأساس في بلورة مفهوم المواطنية وصولاً إلى الجمعيات والمجتمع الأهلي فالأحزاب السياسية العقائدية.
ومن خلال بعض المقابلات حاولنا معرفة آراء النخب حول السبيل الذي يقودنا إلى بلورة هذا المفهوم، انطلاقاً من الواقع السياسي اللبناني السيئ وغير المطمئن والذي يتخبّط بالكثير من المشاكل، وما من جهود بشرية تحاول التخفيف منها أو إعطاء حلول، وذلك لعدّة أسباب:
1- النظام الطائفي والمذهبي.
2- عدم الوعي الشعبي وجهله لمفهوم المواطنية.
3- الولاء لرئيس الطائفة.
4- انعدام الهوية.
5- الوراثة في الحكم.
6- نظام الوصاية.
7- سوء ممارسة النظام الديمقراطي في مجتمع غير متجانس.
8- عدم التوافق بين السياسيين.
9- الفروقات الاجتماعية بين العاصمة والمحافظات.
10- غلاء المعيشة.
والتقى الجميع على أن التركيبة السياسية هي وراء التقوقع الطائفي، ويظهر ذلك من خلال تقسيم المناصب السياسية بحسب المصالح والمحسوبيات والإرث السياسي من الوالد إلى الابن فالحفيد، محافظة على مصالحهم واستمرارهم ما يحرم الطرف الآخر في المجتمع من تحقيق غاياته ومصالحه. متسائلين: هل غياب النظام العلماني والأحزاب العلمانية يدفع كل فرد إلى اتباع زعيم طائفته الديني والسياسي؟
أما الحلول المقترحة لإخراج البلاد من أزمتها فهي:
1- إلغاء الطائفية السياسية.
2- تعديل المناهج التربوية لبلورة مفهوم المواطنية.
3- تفعيل دور الأحزاب السياسية الديمقراطية والعلمانية.
4- تعديل قانون الانتخاب بحيث يأتي الرجل المناسب في المكان المناسب.
5- إفساح المجال أمام الشعب لمحاسبة ممثليه في السلطة.
6- تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
7- عدم الارتهان للخارج.
8- فصل الدين عن الدولة والخروج من النظام الطائفي المسيطر.
9- إعطاء الأفراد جميع حقوق المواطنية دون النظر إلى المذهب أو العدد.
10- التوافق بين السياسيين حول مفهوم لبنان كوطن للجميع دون تقديم طائفة على أخرى.
هذه المقترحات قد توصل إلى المواطنية إذا ما استتبعت بنصوص قانونية تعزز مبادئ المواطنية التي أساسها إلغاء التوظيف على أساس طائفي ومذهبي. وبالمقابل فإن الحرب الأهلية التي فرضت على الشعب أجبرته على التروّي للحد من الفرز الطائفي في زمن القتل على الهوية.
فالمجتمع اللبناني يتحدّر من مجموعة طوائف أتت من بلدان مختلفة واستوطنت في أماكن محدّدة محدثة تجمعات طائفية. والمهم إعادة دمج الفئات الاجتماعية في بوتقة وطنية واحدة.
فالتعددية الطائفية في لبنان تفرض قانون انتخاب يراعي كل الطوائف. ومن المقترحات التي نالت التوافق، اعتماد قانون انتخاب نسبي على امتداد الوطن أو القضاء وقانون آخر يحوّل الأقضية إلى محافظات بحيث ينتخب الشعب مجلس المحافظات حسب الواقع الديمغرافي، وبالتالي هذه المجالس تنتخب المحافظ بعيداً عن انتمائه الديني والمذهبي بل حسب كفاءته وقدراته على تحقيق مصلحة الجماعة، ويتمثل الشعب من خلال مجلس المحافظة المنتخب بعضوين على الأكثر في كل قرية.
أما فيما يخص البرامج التعليمية، الأحزاب، الجمعيات، المجتمع الأهلي والإعلام فهي تتأثر بالقوى الطائفية في بلورة مفهوم المواطنية الحقة ولا تؤدي وظيفتها بشكلها الصحيح.
فإذا نظرنا إلى البرامج التعليمية لوجدنا أنها تعزّز مفهوم الطائفية من خلال إهمال مادة التربية المدنية التي تعتبر أساس بلورة مفهوم المواطنية، وعدم وجود كتاب تاريخ موحّد بسبب تفرّد أشخاص معيّنين بتأريخ الماضي بحسب تطلعاتهم ووجهة نظرهم.
وبالنسبة للمدارس فهي مقسّمة حسب الانتماءات الدينية (المسيحية، الإسلامية) والتي تنقل لطلابها أفكارها الدينية والعصبية الطائفية عبر حصصها الدينية.
أما فيما يتعلق بالأحزاب والجمعيات والمجتمع الأهلي فقد اقتصر دورها على النشاطات الثقافية بالرغم من دورها الكبير في بلورة مفهوم المواطنية. ولكن بعضهم يرى أن هناك جمعيات تسعى بإخلاص لإيصال صوتها ولكن القدرة المالية عند أصحاب المصالح تقف عائقاً أمام هذه الجمعيات. وبالمقابل كان هناك اتفاق شبه تام حول الأحزاب اللبنانية على أنها أحزاب سياسية، طائفية ومذهبية بحتة، وتستغل إهمال الحكومة لشعبها لتلعب دور الحاضن لمحازبيها فتقدّم لهم الخدمات التي تعجز هذه الدولة عن تقديمها.
ففي كل الأنظمة الديمقراطية يلعب الإعلام دور السلطة الرابعة التي تعكس الرأي العام وتنقل مدى صلاحية النواب لمحاسبتهم من قبل الشعب. ولكن في الديمقراطية اللبنانية المسماة توافقية يلعب الإعلام دور السلطة التابعة لممثلي الشعب وأصحاب النفوذ التي تساعد السياسيين على تعبئة الشعب طائفياً ومذهبياً. ولكن بالرغم من هذه النظرة التشاؤمية هناك بعض وسائل إعلام تلعب دوراً إيجابياً لمصلحة المواطنين فهي تنقل الأحداث فور وقوعها، وتبقي المواطنين على بيّنة من كل التطورات التي تجري في المجتمع اللبناني.
وقد اتفقت أغلبية النخب على أن البرامج الحكومية لا تساعد في قيام إنماء متوازن مناطقياً وطائفياً، بحيث إن أغلبية المشاريع التي يمكن أن تحل المشاكل الاقتصادية لأي منطقة، كلها تنشأ وتنفذ في العاصمة بيروت في حين أن البقاع والجنوب والشمال تفتقدها، وهذا ما يجعل لبنان منقسماً إلى مناطق محرومة ومناطق غير محرومة.
وهناك نخب عارضوا الإنماء المتوازن وشجعوا الإنماء المتوازي مع بقية المناطق، لأن المتوازي يبدأ قبل الإنماء المتوازن.
فالمشاكل والاختلالات التي عاناها المجتمع اللبناني كلها أتت من خلال الحكومات المتعاقبة بعد الطائف، التي لم تطبق مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب. فالفئة الحاكمة في المجتمع اللبناني تقوم بتقسيم الوظائف بحسب المحسوبيات، بغض النظر عن كفاءة المرشحين واختصاصهم، وأدخلت أيضاً الحكومات المتعاقبة ظاهرة جديدة وخطيرة إلى المجتمع اللبناني وهي البطالة المقنّعة إذ إن هناك الكثير من الموظفين الذين يحتلّون مراكز ويتقاضون رواتب دون أي مقابل ودون أي جهد بشري.
وبسبب هذه السياسة للحكومات المتعاقبة نرى تعارضاً بين الممارسات الحكومية والممارسات الشعبية من خلال النظرة إلى المواطنية. وهناك اتفاق أيضاً حول فصل الدين عن الدولة، فالدين لرجال الدين والسياسة لرجال السياسة، فلا يمكن أن نسأل أستاذاً مدرسياً عن أعمال النجارة وبالعكس، ولا يمكن أن نسأل طبيباً عن أعمال النجارة. وهذا هو الحال بالنسبة للدين والسياسة.
فالدين لله والوطن للجميع. وبالمقابل هناك فئة دعت إلى محاربة العلمانية ومحاربة كل شخص يدعو إليها. وإن تطبيق المواطنية الحقة من شأنها أن تخرج لبنان من مشاكله السياسية بحيث إن الفرد يغلب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية. وإذا اجتمع كل أفراد المجتمع حول هذه الفكرة فمن المؤكد أن لبنان سيخرج من أزمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والطائفية.
وكان لاتفاق الطائف دور كبير في إدخال لبنان في العصبية بحيث وسّع الفجوة السياسية الدينية عبر تقليص مسؤوليات رئيس الجمهورية أي مسؤوليات الطائفة المارونية وتفعيل مسؤوليات مراكز سياسية أخرى. بالإضافة إلى ذلك فقد لعب الطائف دوراً أساساً في الخلاف الطائفي الداخلي، فالموارنة يتقاتلون للوصول إلى المركز السياسي الخاص بهم والسنّة كذلك والشيعة. وكل فريق يطلب تمثيلاً لطائفته حتى يصل إلى مبتغاه الخاص.
وهكذا كل فئة تقف وراء متراس طائفتها للرد على الطائفة الأخرى. وكل هذا الاقتتال الطائفي أدى إلى إلغاء التفكير الوطني.
إن البقاع يمثل شريحة جغرافية كبيرة من أرض الوطن، وهو جزء لا يتجزأ منه متأثراً بمشاكله، ولكنه يختلف عن باقي المناطق في نظرته إلى الخلافات السياسية وهي أقل شدّة ووطأة، فالبقاع يضم فئات من مختلف المذاهب والطوائف ويتواصلون فيما بينهم وتحكمهم الجيرة والتعاون أكثر من باقي المناطق، وذلك يعود إلى التعاون والتضامن بين أهاليه.
وأغلبية النخب يأسفون على حال لبنان الحاضر وخاصة عندما يسمعون أحاديث أجدادهم عن مواطنيتهم القديمة وتفضيل العيش المشترك على المراكز السياسية، وتفضيل النخوة الوطنية والأخوة على المصالح الشخصية.
فهم يريدون لبنان الأخضر الذي يمتاز بطيبة شعبه الجبّار. يريدون لبنان الحاضن لشعبه، لبنان الذي يمتاز بشفافيته. وبالمقابل يريدون المواطن العلماني الجريء القادر على فرض رأيه على من هو أعلى منه وأقوى منه.
وأخيراً، ترى النخب أن مستقبل لبنان يرتبط بالمواطنية، فكل وطن يمر بالمشاكل، ولكن السؤال كيف تخطيها؟
المصدر: راسخون 2017