بناء الکوفة

لمّا علم عمربن الخطاب بسوء حالة الجيوش الإسلاميّة في المدائن ، وتغيّر ألوانهم (وذلك لوخومة المناخ فيها) كتب إلى سعد قائلا : (إنّ العرب لا يوافقها إلّا ما وافق أبلها من البلدان ، فانزل منزلا بريّا ، بحريّا ، ليس بيني وبينكم
Tuesday, January 2, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
بناء الکوفة
 بناء الکوفة



 

لمّا علم عمربن الخطاب بسوء حالة الجيوش الإسلاميّة في المدائن ، وتغيّر ألوانهم (وذلك لوخومة المناخ فيها) كتب إلى سعد قائلا : (إنّ العرب لا يوافقها إلّا ما وافق أبلها من البلدان ، فانزل منزلا بريّا ، بحريّا ، ليس بيني وبينكم بحر ولا جسر) (١).
فاختار سعد (الكوفة) بعد أن دلّه عليها ابن نفيلة العسّاني أو (الغسّاني) حيث قال له : (أدّلك على أرض ارتفعت عن البرّ ، وانحدرت عن الفلاة) (٢). فارتحل سعد من المدائن ، وعسكر في الكوفة في شهر محرم من سنة ١٧ للهجرة وقيل سنة ١٥ للهجرة (3) ، وتمّ تخطيطها وتخطيط مسجدها ، وتخطيط قصر الإمارة ، وقد خطّط سعد منازل الكوفة للقبائل المختلفة إلى الأقسام التالية ، واعتبر الجامع (مسجد الكوفة) مركزا لها وهي (4) :
أولا : شمال الجامع : للقبائل : سليم وثقيف وهمدان وبجيلة وتيم اللات وتغلب.
ثانيا : جنوب الجامع : للقبائل : بني أسد ، النخع ، كندة ، الأزد.
ثالثا : شرق الجامع : لقبائل الأنصار ومزينة وتميم ومحارب وأسد وعامر.
رابعا : غرب الجامع : لقبائل بجالة ، جديلة ، اللفيف ، جهينة.
ثمّ كتب سعد إلى عمر : (إنّي قد نزلت بكوفة ، منزلا بين الحيرة والفرات ، بريّا ، بحريّا ، ينبت الحلي والنصي ... (5) الخ).
وبقي سعد بن أبي وقّاص أميرا على الكوفة إلى سنة ٢١ للهجرة ، حيث شكاه أهل الكوفة وقالوا : (بأنّ سعد لا يحسن الصلاة) (6). فبعث الخليفة عمر إلى الكوفة محمّد بن مسلمة الأنصاري ، فأخذ هذا يسأل الناس عن سعد ، فمنهم من مدحه ، ومنهم من ذمّه ، فعزله عمر ، وعيّن مكانه (عمّار بن ياسر) وعيّن عبد الله بن مسعود على بيت المال ، وقيل عزل سعد سنة ٢٠ للهجرة (7).
ثمّ أعيد تعيين سعد بن أبي وقّاص أميرا على الكوفة مرّة ثانية سنة ٢٤ للهجرة من قبل الخليفة عثمان بن عفّان بعد عزل أميرها المغيرة بن شعبة وكان ذلك بناء على وصيّة الخليفة عمر فإنّه قال (أوصي الخليفة بعدي أن يستعمل سعدا ، فإنّي لم أعزله عن سوء ، ولا عن خيانة) (8).
كما أنّ عمر حينما اختار ستّة رجال من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليكون إليهم اختيار الخليفة الجديد من بعده كان سعد أحدهم ، وقال عمر لأصحابه ، وهو يوصيهم ، ويودّعهم : (إن وليها سعد فذاك ، وإن وليها غيره فليستعن بسعد) (9).
وفي سنة ٢٦ للهجرة (10) ، حصل خلاف بين سعد وبين عبد الله بن مسعود في قرض كان سعد قد اقترضه من بيت المال ، ولم يتمكّن من تسديده ، فغضب عليه الخليفة عثمان بن عفّان فعزله عن الكوفة وعيّن مكانه الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وقيل عزله سنة ٢٥ للهجرة (11) ، وولّى جبير ابن مطعم.
وعند ما دخل الوليد بن عقبة على سعد ، سأله سعد قائلا : (يا أبا وهب .. أمير ، أمّ زائر؟!) ، فقال الوليد : أرسلوني أميرا.
فقال سعد بدهشة واستغراب (ما أدري ، أحمقت بعدك ، أمّ كيّست بعدي؟!). (12) ويحكى أنّ حرقة (13) بنت النعمان بن المنذر ، كانت إذا ذهبت إلى بيعتها (14) يفرش لها الطريق بالحرير والديباج ، حتّى تعود إلى قصرها ، ولمّا هلك النعمان نكبها الزمان ، وأصبحت راهبة ، وعند ما كان سعد في القادسيّة (15) ، ذهبت إليه تطلب مساعدته مع جماعتها ، فلمّا دخلن عليه لم يعرفهن سعد ، فقال : أفيكن حرقة؟ فأجابته حرقة : نعم يا أمير. فقال لها سعد باستغراب : أنت حرقة؟!
قالت : نعم. ثمّ أردفت تقول" (إنّ الدنيا دار زوال ، ولا تدوم على حال ، تنتقل بأهلها انتقالا ، وتعقبهم بعد حال حالا ، كنا ملوك هذا المصر ، يجبى إلينا خراجه ، ويطيعنا أهله ، مدى المدّة وزمان الدولة ، فلمّا أدبر الأمر وانقضى ، صاح بنا صائح الدهر ، فصدع عصانا ، وشتّت شملنا ، وكذلك الدهر يا سعد ، إنّه ليس يأتي قوما بمسرّة ، إلّا ويعقبهم بحسرة ، ثمّ أنشأت تقول (16) :
فينا نسوس الناس والأمر أمرنا / إذا نحن فيهم سوقة ليس نعرف
فأوف لدنيا لا يدوم نعيمها / تقلب ثارات بنا وتصرف
فقال سعد : قاتل الله عدي بن زيد كان ينظر إليها حيث يقول :
إنّ للدهر صولة فاحذرنها / لا تبيتن قد أمنت الدهورا
قد يبيت الفتى معافى نعيمها /ولقد كان آمنا مسرورا
وبينما هي واقفة أمام سعد ، إذ دخل عمرو بن معد بن يكرب الزبيدي وكان كثير الزيارة لأبيها في الجاهلية ، فلمّا رآها ، قال لها بدهشة : أنت حرقة؟ قالت : نعم.
فقال لها عمرو : (فما دهمك فأذهبت محمودات شيمك؟ وأين تتابع نعمتك وسطوات نقمتك؟).
فقالت حرقة : (يا عمرو ، إنّ للدهر لسطوات وعثرات ، وعبرات تعثر بالملوك وأبنائهم ، فتنزلهم بعد رفعة ، وتفردهم بعد منعه ، وتذلّهم بعد عزّة ، إنّ هذا لأمر كنّا ننتظره ، فلمّا حلّ بنا لم ننكره) (17). فأكرمها سعد ، وأحسن عطائها ، ولمّا خرجت سألتها النسوة : ماذا أعطاك الأمير؟ فقالت (18) :
حاط لي ذمتي ، وأكرم وجهي / إنّما يكرم الكريم الكريم
وسمع الخليفة عمر بأنّ سعدا قد بنى دارا له بالكوفة ، يسمّيها الناس (قصر سعد) فطلب عمر من محمّد بن مسلمة أن يذهب إلى الكوفة ويحرق باب قصر سعد ، فذهب ابن مسلمة إلى الكوفة ، وحرق باب القصر ، ولمّا علم سعد بذلك طلب إحضار الشخص الّذي حرق الباب ، فجاء ابن مسلمة وأعطاه كتابا من عمر جاء فيه : (بلغني أنّك بنيت قصرا ، اتخذته حصنا ، ويسمّى قصر سعد ، وجعلت بينك وبين الناس بابا ، فليس بقصرك ، ولكنّه قصر الخبال ، أنزل منه منزلا مما يلي بيوت الأموال وأغلقه ، ولا تجعل على القصر بابا تمنع الناس من دخوله ، وتنفيهم عن حقوقهم ، ليوافقوا مجلسك ومخرجك من دارك إذا خرجت) (19).
وقيل إنّ سعد بن أبي وقّاص لم يشارك في معركة القادسيّة ، لأنّه كان مريضا ، ولكنه جلس يراقب المعركة عن كثب.
وكان خليفة بن عبد قيس بن بوّ قد شارك في حرب القادسيّة فقال (20) :
أنا ابن بوّ أذكره الموت أبو إسحاق (21)
ومعي مخراقي أضرب كلّ قدم وساق
وقيل إنّ سعد بن أبي وقّاص ، قد دعا على أهل الكوفة ، فقال : (اللهم لا ترضهم بأمير ، ولا ترضى أميرا بهم) (22).
وعند ما بويع الإمام عليّ عليه‌السلام بالخلافة ، بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفّان ، أرسل إلى سعد بن أبي وقّاص وإلى عبد الله بن عمر بن الخطاب وإلى محمّد بن سلمة ، وقال لهم : (لقد بلغني عنكم هنات) فقال له سعد : (صدقوا ، لا أبايعك ، ولا أخرج معك حيث تخرج ، حتّى تعطيني سيفا يعرف المؤمن من الكافر) .
المصادر :
1- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ١٢٩.
2- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٢٠.
3- ابن الأثير ـ الكامل. ج ٢ / ٤٩٠ وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ٤ / ٥٣ والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٣ / ١٥٤.
4- تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٢٩ ولويس ماسينيون ـ خطط الكوفة. ص ٦٣.
5- النصي : نبات لونه أبيض جيد للمرعى.
6- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ١٤٩ وابن حبان. ج ٢ / ٢٢٠ وتاريخ بغداد ـ الخطيب. ج ١ / ١٤٥ وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٣٣ والبلاذري ـ فتوح البلدان ص ٢٧٣.
7- ابن حبان ـ الثقات. ج ٢ / ٢٢٠ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٢ / ٥٦٩.
8- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ١٥٤ وتاريخ الطبري. ج ٤ / ٢٤٤ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ٧٩ وخالد محمّد خالد ـ وداعا عثمان ـ ١٣٢.
9- خالد محمّد خالد ـ رجال حول الرسول. ج ١ / ١٥٣.
10- تاريخ الطبري. ج ٤ / ٢٥١ وابن حبان ـ الثقات. ج ٢ / ٢٤٥ وخالد محمّد خالد ـ وداعا عثمان ص ١٣٢.
11- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٥٤١ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ٨٢.
12- ابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ٨٢.
13- حرقة : بنت النعمان بن المنذر (ملك الحيرة) واسمها هند ، ولقبت بحرقه ، وأخوها حريق بن النعمان.
14- الأصبهاني أبو الفرج ـ الأغاني. ج ٢٤ / ٦٣. وقيل كانت شاعرة.
15- البيعة : الكنيسة.
16- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٧٩ وعبد القادر البغدادي ـ خزانة الأدب. ج ٧ / ٦٨.
17- المصدر الاوّل السابق. ج ٢ / ٨٠.
18- عبد القادر البغدادي ـ خزانة الأدب. ج ٧ / ٦٨ والترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلامي. ج ١ / ٥٤٩.
19- البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ١١٤.
20- البلاذري ـ أنساب الأشراف. ج ١ / ١٤٨.
21- أبو إسحاق : كنية سعد بن أبي وقّاص.
22- الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٢ / ٢٧٠.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.