اسماء الکوفة

إحتلت الکوفة مرکزا مهمّا فی العالم الإسلامی ، وذلک لما لها من أهمّیة بالغة فی صنع بعض المفردات السیاسیة والتی کان من أشدها محنة وأعظمها بلاءا رفع المصاحف فی صفین ، فقد فتن به الجیش بعد ما أشرف على الفتح. ففی
Saturday, January 13, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
اسماء الکوفة
اسماء الکوفة



 

إحتلت الکوفة مرکزا مهمّا فی العالم الإسلامی ، وذلک لما لها من أهمّیة بالغة فی صنع بعض المفردات السیاسیة والتی کان من أشدها محنة وأعظمها بلاءا رفع المصاحف فی صفین ، فقد فتن به الجیش بعد ما أشرف على الفتح. ففی تلک اللحظات الحاسمة انهارت حکومة الإمام أمیر المؤمنین علیه‌السلام رائد العدالة الاجتماعیة فی دنیا الإسلام ، وسیطر الحکم الأموی بقیادة معاویة بن أبی سفیان ، العدو الأول للفکر الإسلامی ، وقد نجم عن ذلک أن منی المسلمون بالأزمات والخطوب السود ، فقد خرجوا من الدعة والعدل إلى الجور والظلم والاستبداد. وعلى أی حال ، فقد کانت الکوفة أهم حامیة للجیوش الإسلامیة وکان عمر بن الخطاب یستمد منها المعونة فی کثیر من الغزوات والفتوحات کما روى ذلک الطبری ، ونظرا لأهمیتها فقد اتخذها أمیر المؤمنین علیه‌السلام عاصمة له بعد واقعة الجمل ، وکما کانت الکوفة مرکزا عسکریا مهما فقد کانت معهدا لکثیر من العلوم خصوصا الفقه الإسلامی ، فقد روى المؤرخون أن تسعمائة شیخ کانوا یلقون الأحادیث التی سمعوها من الإمام الصادق علیه‌السلام عملاق الفکر الإسلامی علی تلامیذهم ، وکانت محاضراتهم فی بهو الجامع الأعظم فی الکوفة ، وبالإضافة لذلک فقد کانت معهدا لکثیر من العلوم الإسلامیّة ، وفی طلیعتها علم النحو فقد حظی باهتمام العلماء ، ولهم أرائهم الخاصّة به.
الکوفة : معناها الرملة الحمراء ، وقیل سمیت بالکوفة لاستدارة بناءها ، لأنّه یقال : تکوّف القوم إذا اجتمعوا واستداروا ، وقیل لمّا أراد سعد بن أبی وقّاص أن یبنی الکوفة قال : (تکوّفوا فی هذا الموضع) أی اجتمعوا فیه.
وقیل : کان اسمها قدیما کوفان. (1)
وقال جحدر اللص وهو فی سجن الحجّاج بن یوسف الثقفی (2) :
یا ربّ أبغض بیت أنت خالقه / بیت بکوفان منه استعجلت سعر
وقال أبو نؤاس لمّا ذهب الى الکوفة واستطاب بها (3) :
ذهبت بها کوفان مذهبها / وعرجت عن أربابها صبری
ما ذاک إلّا أنّنی رجل / لا أستحق صداقة البصری
والکوفة : بضم الکاف وسکون الواو ، فاء وهاء ، وهی مدینة اسلامیة ، بنیت فی زمن الخلیفة عمر بن الخطاب ، واقعة فی الاقلیم الثالث من الأقالیم السبعة ، (4) وتقع على خط طول (٦٨) درجة و (٣٠) دقیقة ، وعلى خط العرض (٣١) درجة و (٥٠) دقیقة.
وقیل سمّیت کوفة لاستدراتها ، آخذا من قول العرب : رأیت کوفانا إذا رأوا رملة مستدیرة ، وقیل لاجتماع الناس من قولهم : (تکوّف الرمل إذا رکب بعضه بعضا). (5)

کوفة الجند :

سماها عبدة بن الطیّب بکوفة الجند حیث قال (6) :
إنّ الّتی وضعت بیتا مهاجرة / بکوفة الجند ودّها غول
هذا هو مبدأ تکوین مدینة الکوفة ، فبعد انتصار المسلمین على الفرس فی (معرکة القادسیّة) أخذ سعد بن أبی وقّاص یتعقّب الجیوش الفارسیّة المنهزمة حتّى وصل الى (المدائن) وبعد أن تمّ تحریر العراق نهائیا من السیطرة الفارسیّة ، استقرّ سعد فی المدائن.
ولمّا علم الخلیفة عمر بسوء حالة الجیش فی المدائن ، وتغیّر ألوانهم ، کتب الى سعد بن أبی وقّاص قائلا : (إنّ العرب لا یوافقها إلّا ما وافق إبلها من البلدان ، فانزل منزلا بریّا ، بحریّا ، لیس بینى وبینکم بحر ولا جسر) (7).
فأوعز سعد الى بعض من أصحابه للبحث عن مکان آخر یکون مقرّا لجیشه على أن تراعى فیه المواصفات الّتی ذکرها عمر ، فتمّ اختیار الکوفة (8) ، عندها أمر سعد جیشه أن یعسکروا فیها ، وینصبوا الخیام والمضارب ، وکان أبو الهیجاء الأسدی قد سبقهم الى الکوفة فخطّطها وخطّط المسجد الأعظم (9). وبنى قصرا لسعد بجانبه ، وجعل فیه (بیت المال) وکان هذا القصر منزلا خاصا للخلفاء والملوک والأمراء الّذین جاءوا بعد سعد بن أبی وقّاص ، حیث تعقد فیه مؤامراتهم ، کما أنّهم اتخذوه حصنا لهم اذا ما ألجأتهم الظروف ، أو اعترتهم الکوارث ، کان ذلک سنة ١٧ للهجرة.
وبقی ذلک القصر الى زمن عبد الملک بن مروان ، حیث أمر بهدمه تشاؤما منه( عن أبی مسلم النخعی أنّه قال : رأیت رأس الحسین علیه‌السلام جیء به فوضع فی دار الإمارة بالکوفة بین یدی عبید الله بن زیاد ، ثمّ رأیت رأس عبید الله بن زیاد قد جیء به فوضع فی ذلک الموضع بین یدی المختار ، ثمّ رأیت رأس المختار قد جیء به ووضع بین یدی مصعب بن الزبیر ، ثمّ رأیت رأس مصعب بن الزبیر قد جیء به فوضع فی ذلک الموضع بین یدی عبد الملک بن مروان. وعند ما سمع عبد الملک بذلک أمر بهدم الطاق)(10)
وذلک عند دخوله الى الکوفة سنة ٧١ للهجرة ، بعد مقتل مصعب ابن الزبیر.

کوفة القبائل :

وبعد أن تمّ تخطیط الجامع (حیث اعتبر مرکز للمدینة الجدیدة) التفّ حوله الجند الفاتحین من القبائل العربیة وهی : (جدیلة وقضاعة وهمدان (11) وبجیلة وغسان وخشعم وکندة وحضرموت والأزد وحمیر ومذحج وتمیم ورباب وبنو أسد ومحارب وتغلب وأیاد وبنو عبد قیس). وأخذت کل قبیلة من هذه القبائل تنزل فی جانب منه ، فأصبحت الکوفة کوفة القبائل ، وحیث قسمت أرباعها المعروفة ، کلّ ربع الى جانب من الجامع تختصّ به عدّة قبائل ، وکانت أحسنها مکانا هی تلک الّتی نزلت فی الجانب الشرقی منه ، وهی (قبائل الیمن) وذلک لقربه من نهر الفرات. (12)
وبمرور الزمن ، تقدّمت الکوفة ، وتطوّرت من مضارب وخیم وصرائف بنیت من (القصب والبردى) الى دور بنیت (باللبن) (13) وأبوابها بالطابوق فقط ، ثمّ الى دور وقصور شیّدت بالآجر والطابوق. (14)

کوفة العلم والأدب :

أصبحت الکوفة (مرکزا للعلم والأدب) نتیجة لمرکزها السیاسی ، حیث أن الامام علیّ بن أبی طالب علیه‌السلام نقل مرکز الخلافة الاسلامیة من المدینة المنورة الى الکوفة ، وذلک بعد عودته من حرب (الجمل) فی البصرة سنة ٣٦ للهجرة. (15)
وهاجر الى الکوفة (إذ هی عاصمة البلاد) کبار المسلمین من مختلف الآفاق ، وسکنتها القبائل العربیة من الیمن والحجاز ، والجالیات الأجنبیة الفارسیّة (من المدائن وایران) فعمرت فیها الأسواق التجاریة ، وزهت فیها الدراسات العلمیة ، والأبحاث الأدبیة والفقهیة (16) ولم تنازعها فی ذلک کافّة البلاد الاسلامیة الأخرى ، ما عدا (البصرة) حیث نازعتها الى حدّ ما لتلک المنزلة ، فبدأ التحزّب بین المدینتین العملاقتین ، وأدّى ذلک التحزّب الى الخلافات فی الآراء العلمیة والفقهیة والأدبیة ، وکثرت الأدلّة والحجج بین الطرفین ، واختلفت فی التعلیم ، وفی قراءة وإعراب کثیر من آیات القرآن الکریم ، وأصبح الناس یسمعون : قال الکوفیون وقال البصریون (لم یکن القرآن الکریم منقطّا عند نزوله ، ولم تکن علیه علامات الإعراب (الرفع ، والنصب ، والجر والجزم) مکتوبة إلّا بعد أن أوعز الإمام علیّ علیه‌السلام إلى أبی الأسود الدؤلی للقیام بهذه المهمة (وذلک بعد أن أخذ الناس یلحنون فی کلامهم) وعلى سبیل المثال نوضح للقارئ الکریم أوجه الاختلاف بین القراء الکوفیین والبصریین وغیرهم فی قراءاتهم. قال الله سبحانه وتعالى فی سورة الأنعام : آیة (٥٥) (وَکَذلِکَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ وَلِتَسْتَبِینَ سَبِیلُ الْمُجْرِمِینَ). فقرأ أهل الکوفة : (ولیستبین) بالیاء ، و (سبیل) بالرفع. وقرأ أهل المدینة (ولیستبین) بالیاء و (سبیل) بالنصب. وقرأ زید عن یعقوب : (ولیستبین) بالیاء و (سبیل) بالنصب. وقرأ الباقون : (ولتستبین) بالتاء و (سبیل) بالرفع. وقوله تعالى (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَکُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ وَالْکُفَّارَ أَوْلِیاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ) سورة المائدة ـ آیة (٥٧). فقرأ أهل البصرة والکسائی (والکفار) بالجر وقرأ الباقون (الکفار) بالفتح.)(17).
فکانت الکوفة کما قلنا (کوفة العلم والأدب) أو جامعة الثقافة الاسلامیة ، وهذا ما زاد فی قیمتها التأریخیة بآثارها العلمیة والأدبیة ، وبما أنجبت من علماء وأدباء وشعراءهم مفاخر التاریخ الاسلامی فی أهمّ أدوار نهضتها الثقافیة.
ومن الصحابة الّذین هاجروا الى الکوفة ونزلوا فیها (18) :
عمّار بن یاسر ، عبد الله بن مسعود ، سعید بن زید بن عمرو بن نفیل ، خباب ابن الأرث ، سهل بن حنیف ، حذیفة بن الیمان ، أبو مسعود الأنصارى ، سلمان الفارسی وقرضة بن کعب وغیرهم کثیر.
ومن التابعین : طارق بن شهاب ، سوید بن غفلة ، مسروق بن الأجدع ، زید بن صوحان ، کمیل بن زیاد ، عبد الرحمن بن معقل ، حصین ابن قبیصة وغیرهم کثیر.

النحاة الکوفیون :

فقد اشتهر منهم : أبو الأسود الدؤلی وأبو جعفر الرواسی وعلیّ بن حمزة وأبو زکریا (الفرّاء) وقتیبة بن مهران ومسلمة بن عاصم ونفطویه والحسن ابن داود وعیسى بن مروان ویعقوب بن اسحاق وغیرهم کثیر (19).
وقال القاضی الخلیل بن أحمد بن محمّد ذاکرا مدرسة الکوفة النحویة وفضلها علیه (20) :
واجعل درسی من قراءة عاصم / وحمزة بالتحقیق درسا مؤکّدا
واجعل فی النحو الکسائی قدوة / ومن بعده الفراء ما عشت سرمدا
وإن عدت للحجّ المبارک مرّة / جعلت لنفسی کوفة الخیر مشهدا
فهذا اعتقادی وهو دینی ومذهبی / فمن شاء فلیبرز ویلقى موحّدا
ویلقى لسانا مثل سیف مهند / یسلّ إذا لاقى الحسام المهندا

اللغویون الکوفیون :

هم الّذین اهتموا بجمع اللغة وآدابها ، وأکثرهم حفظا وروایة هم : أبو عمر ابن العلاء التمیمی ، وحماد بن هرمز (أبو لیلى) والمفضل بن محمّد الضبی ، وأبو یوسف یعقوب بن اسحاق السکّیت ، وخالد بن کلثوم الکلبی ، وعبّاس ابن حازم اللخیانی ، وأبو عبید القاسم بن سلام الخزاعی ، وخشّاب الکوفی ، وأحمد بن یوسف الثعلبی ، والحسن بن داود ، وداود بن الهیثم ، وعلیّ بن حمزة الکسائی وغیرهم (21).
المصادر:
1- ابن منظور ... لسان العرب ج ٣ / ٣١٤.
2- البکری ـ معجم ما استعجم. ج ٣ / ١١٤١.
3- یاقوت الحموی ـ معجم البلدان. ج ٤ / ٤٩٠.
4- الأقالیم السبعة : وهی أقسام الأرض حسب تقسیم العلماء الجغرافیین القدماء. مقدمة ابن خلدون. ج ١ / ٤٥.
5- القلقشندی ـ صبح الأعشى. ج ٤ / ٣٣٤.
6- البکری ـ معجم ما استعجم. ج ٤ / ١١٤٢ ویاقوت الحموی ـ معجم البلدان. ج ٤ / ٤٩١.
7- تاریخ الطبری. ج ٤ / ٤١ وتاریخ ابن خیاط. ج ١ / ١٢٩.
8- وقیل إنّ الّذی أرشدهم إلى هذا المکان هو ابن نفیلة الغسانی (أو العسانی) ـ ابن الأثیر ـ الکامل. ج ٤ / ٤٩٠ والبلاذری ـ فتوح البلدان ، ص ٢٧٠.
9- البلاذری ـ فتوح البلدان ص ٢٧١ وتاریخ الیعقوبی. ج ٢ / ١٢٩.
10- المسعودی ـ المروج. ج ٣ /
11- المسعودی ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٨٥ وابن عبد ربه الأندلسی ـ العقد الفرید. ج ٤ / ٣٣٩.
12- البلاذرى ـ فتوح البلدان ص ٣٧١.
13- اللبن : الطابوق الغیر المفخور ، أی هو من الطین على شکل طابوقة.
14- ماسینیون ـ خطط الکوفة ، ص ٣٨.
15- المسعودی ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٧٢ وماسینیون ـ خطط الکوفة. ص ٣٨ والشیخ راضی آل یاسین ـ صلح الحسن ص ٦٤.
16- الشیخ راضى آل یاسین ـ صلح الحسن ص ٦٥.
17- الطبرسی ـ مجمع البیان فی تفسیر القرآن. ج ٣ / ٢٢١.
18- ومن أراد الاطلاع على کافّة الصحابة والتابعین الّذین نزلوا الکوفة مراجعه الطبقات الکبرى ج ٦ لابن سعد من صفحة ١٢ وما بعدها.
19- البراقی ـ تاریخ الکوفة ص ٤٢٨ ـ ٤٣٢.
20- معن صالح مهدی ـ الکوفة فی العصر العبّاسی. ص ١٠٣.
21- البراقی ـ تاریخ الکوفة ص ٤٣٤ ـ ٤٤٠.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.