یتزاید اهتمام الاقتصادیین بالمنظومة القانونیة المقارنة وطرق تطبیق التحلیل الاقتصادی على مشکلة الفساد المستشری، والرشاوى، ودور المؤسسات الدولیة.
کان المحللون الاقتصادیون ینظرون بشکلٍ تقلیدیٍّ إلى الفساد باعتباره قضیةً سیاسیةً وثقافیةً خارجةً عن نطاق البنک الدولی والمؤسسات الاقتصادیة. ولکن ثَمَّةَ دراسات حدیثة تُبیِّن أن العوامل الاقتصادیة تلعب دورًا أساسیًّا فی مستوى الفساد، خاصةً فی الدول النامیة.
ویمکن أن یکون الفساد على عدة مستویات: رشوة المسئولین الکبار؛ المحسوبیة والمحاباة؛ الإتاوات والعمولات الخفیة من أجل المشروعات الحکومیة المجزیة؛ القروض والمعونات الخارجیة التی توجَّه بشکلٍ خاطئٍ وتنتهی بها الحال فی حسابات بنوک سویسرا؛ مبیعات السلع القیِّمة بأقل من أسعار السوق، والرشاوى لتجنب اللوائح، والرسوم الجمرکیة والضرائب؛ المحاباة فی مکافآت عقود الامتیاز؛ استغلال النفوذ.
تقول سوزان روز أکرمان، وهی أستاذة اقتصادٍ بجامعة ییل ومرجع قانونی فی قضایا الفساد: «تمثل الرشاوى رسومًا لصاحب حق الانتفاع، أو ضرائب، أو رسوم اشتراکٍ فی خدمة الهاتف، تُدفع لوکلاء حکومیین.
وتؤثر هذه المدفوعات على قراراتٍ تتراوح بین حجم المشروعات الاستثماریة العامة ونوعیتها، ومستوى الالتزام بلوائح الأعمال والتجارة وقوانینها.»(1)
وقد أجرى جیکوب سفینسون، وهو أستاذ اقتصادٍ بجامعة ستوکهولم، أبحاثًا موسعةً على الفساد السیاسی وسیادة القانون. وکما یُبیِّن الشکل ٢٨-٣، فقد وجد سفینسون أن الاقتصادات الاشتراکیة والاقتصادات الحدیثة العهد بالاشتراکیة تُظهر مستویات أعلى من الفساد عن غیرها.
وفقًا لسفینسون واقتصادیین آخرین، یمیل الفساد إلى الانخفاض مع اتجاه الدول لمزیدٍ من الرخاء. ومن بین العوامل التی اختبرها، وجد سفینسون أن المستوى التعلیمی، والانفتاح على الواردات، وحریة الصحافة، وعدد الأیام اللازمة لإنشاء مشروعٍ تجاریٍّ؛ کلها أظهرت تلازمًا واضحًا بین هذه المتغیرات والمستوى الإجمالی للفساد.(2)
ولکن المحللین السیاسیین لا یعلمون أیُّهما یأتی أولًا؛ سیادة القانون أم الرخاء. هل یأتی الرخاء بقیام الدولة بتطبیقٍ صارمٍ للقانون على الفساد، أم أن ارتفاع الدخل یؤدی بشکلٍ طبیعیٍّ إلى انخفاض مستویات الفساد؟ بالتأکید عندما یحقق المواطنون مستوًى أعلى من الملکیة فی الأصول والممتلکات، یکون لدیهم حافز أکبر للحفاظ على هذه الأصول بالمطالبة بمنظومةٍ قضائیةٍ وتشریعیةٍ أفضل.
وقد حقَّق العدید من الدول الآسیویة نموًّا سریعًا فی وقتٍ کان فیه الفساد السیاسی والمحاباة منتشرَین. وکما تورد صحیفة «ذی إیکونومیست»: «على الرغم من أن معظم الاقتصادیین یتفقون على أن الفساد یبطِّئ النمو، فإن الدولة الفاسدة تستطیع مع ذلک تحقیق نموٍّ سریع؛ فقد تکون الدول فاسدة لأنها فقیرة، ولیس العکس.»(3)
نقد لمؤشرات الحریة الاقتصادیة
تعرَّض العدید من الاقتصادیین بالنقد لمحاولات مؤسستَی فریزر وهیریتاج الرامیة إلى قیاس الحریة الاقتصادیة وربطها بالنمو وغیره من الإحصائیات الأخرى. وتشمل اعتراضاتهم صعوبة التوصُّل إلى قیاسٍ دقیقٍ للحریة الاقتصادیة والمقارنة بین دولٍ مختلفة. ما العناصر التی ینبغی إدراجها، وما الوزن الذی ینبغی منحه لکلٍّ منها؟ هل المملکة العربیة السعودیة أکثر حریةً من الصین؟لماذا تمنح مؤسسة هیریتاج درجاتٍ عالیةً من الحریة الاقتصادیة لدول الرفاهیة السیئة السمعة مثل السوید والدنمارک؟ لماذا یجب أن تحصل على مثل هذا التقییم المرتفع بالنظر إلى مستوى سیاستها الصناعیة وخطط الادخار الإجباریة؟ هل ارتفاع مستوى «الأسواق غیر الرسمیة» (الأسواق السوداء) دلالة على الحریة الاقتصادیة أم على افتقادها؟
کذلک یثیر الکینزیون والمارکسیون القضیة الخاصة بمدى موضوعیة المؤشرات والدراسات، بالنظر إلى أن مؤشرات الحریة الاقتصادیة قد أُنشئت على ید مجموعةٍ من اقتصادیی السوق الحرة.
وعلى الرغم من تصریحات میلتون فریدمان وجیمس جوارتنی بأنهما تجریبیان موضوعیان، فدائمًا ما یتساءل المرء إلى أی مدًى تؤثر الآراء الشخصیة على منهجیتهما.
لا شک أن تأیید «وول ستریت جورنال» ومشارکتها فی نشر مؤشر هیریتاج للحریة الاقتصادیة یمنحه مصداقیة. بالإضافة إلى أن معهد فریزر یقدم منتدًى مفتوحًا لتشجیع النقاش حول المؤشر. ویعرض موقعه الإلکترونی عبر الإنترنت أبحاثًا تم تقییمها من قِبل الأقران عن قضایا الحریة الاقتصادیة .
وسواءٌ أتفقنا أم لم نتفق مع مؤشرَی الحریة الاقتصادیة اللذین نُشرا من قِبل معهد فریزر أو مؤسسة هیریتاج، تکتسب المؤشرات سمعةً سیئةً مع الوقت؛ فوفقًا لإد فولنر، رئیس مؤسسة هیریتاج، یتلهَّف القادة السیاسیون لرؤیة تصنیف المؤشرات لهم کل عام، وهناک أدلة على أنهم یتخذون قراراتٍ مثل خفض الضرائب وخفض التعریفات الجمرکیة فی محاولةٍ منهم لزیادة مَرتبتهم على مؤشر الحریة الاقتصادیة.
المصادر :
1- Susan Rose-Ackerman, “The Role of The World Bank in Controlling Corruption,” Law and Policy in International Business (Fall, 1997).
2- Jakob Svensson, as cited in The Economist (December 23, 2006), 126.
3- The etiquette of bribery,” The Economist (December 23, 2006), 126