لم یکن آرثر لافر والفلسفة الاقتصادیة الریجانیة القائمة على خفض الضرائب، والحد من القیود والتجارة الحرة، أقلَّ رواجًا بالخارج؛ لدرجة أنها أصبحت نظام التشغیل الاقتصادی العالمی. ستیفن مور، «وول ستریت جورنال»(1)
ارتبطت اقتصادیات جانب العرض،(2) إلى حدٍّ کبیر، بحرکة خفض الضرائب، وتحدیدًا بالجهود المبذولة لخفض معدلات الضریبة الحدیة المرتفعة؛ فقد أدى فرض الضرائب التصاعدیة،(3)
بالإضافة إلى التضخم المتنامی فی عقدَیِ الستینیات والسبعینیات من القرن الماضی، إلى انتقال الدخول من شریحةٍ ضریبیةٍ إلى أخرى؛ مما أدَّى إلى نقل أصحاب الدخول من الطبقة المتوسطة إلى شرائحَ ضریبیةٍ أعلى. وینبه بروس بارتلیت(4)
إلى أنه «مع ارتفاع معدلات الضرائب، سوف یقل ما یدخره الفرد، ویزداد استهلاکه، ویقل العمل، وتزداد البطالة.» یؤید أنصار اقتصادیات جانب العرض إجراء خفضٍ حادٍّ فی معدلات الضریبة الحدیة على الدخل، وأرباح رأس المال، وأشکال الثروة الأخرى کوسیلةٍ لإطلاق العنان لریادة الأعمال، والابتکار، والمجازفة، ومنع المستثمرین وأصحاب الأعمال من التورُّط فی ثغراتٍ مخربةٍ لإیجاد ملجأٍ ضریبی.
ما الذی أدَّى إلى الانخفاض فی فرض الضرائب التصاعدیة فی الولایات المتحدة والاقتصادات الغربیة؟ یُعزى ذلک، من عدة نواحٍ، إلى انتصار اقتصادیات جانب العرض، ولا سیما سیاسة خفض معدلات الضریبة الحدیة المرتفعة، مثلما طورت على ید الاقتصادیِّین آرثر بی لافر، وجود وانیسکی، وبول کریج روبرتس، وبروس بارتلیت، والحائزِ جائزةَ نوبل روبرت ماندل.
تأمل هذه الحجج الخاصة باقتصادیات جانب العرض المؤیدة لخفض معدلات الضریبة الحدیة:
• «أنصار جانب العرض یؤمنون بانتصار ریادة الأعمال وفاعلیة الرأسمالیة.» إن خفض الضرائب، على حدِّ قولهم، یُحفِّز النموَّ الاقتصادیَّ من خلال نقل مزیدٍ من الأموال من القطاع العام، الذی یعتبرونه غیر فعالٍ ومضیعةً للمال، إلى قطاع المشروعات الخاصة، الذی یعتبرونه أکثر إنتاجیة؛ فالنمو الحقیقی فی الاقتصاد یُعَدُّ أکثر فائدةً ومنعةً للعامل العادی من خطط إعادة توزیع الثروة، حتى إن جون کینیث جالبریث اعترف ذات مرةٍ قائلًا: «الزیادة فی الإنتاج خلال العقود الأخیرة، ولیس إعادة توزیع الدخل، هی التی جلبت الزیادة المادیة الکبیرة، ورفاهیة الإنسان العادی.»(5)
• «خفض الضرائب یزید العائدات.» حین تکون معدلات الضریبة شدیدة الارتفاع (حیث تتجاوز فی مرحلةٍ ما ٩٠ بالمائة)، یکون من الأسهل خفض معدل الضریبة الحدیة عن خفض معدلات الضریبة العادیة. والواقع أنه بغلق الثغرات المصممة من أجل التحایل على المعدلات الحدیة الباهظة، یعوض الخفض فی المعدلات الحدیة بعائداتٍ إجمالیةٍ أعلى. ویُعَدُّ خفض معدلات الضریبة الحدیة موقفًا مربحًا لجمیع الأطراف بالنسبة إلى الساسة. فتاریخیًّا، عندما تُخفض المعدلات الحدیة، ترتفع العائدات الضریبیة.
• «خفض معدلات الضریبة الحدیة یقضی على الحاجة إلى ملاجئ ضریبیة مخربة وغیر فعالة، ویحد من أنشطة السوق السوداء.» إن المعدلات الشدیدة الارتفاع تدفع جیوشًا من المحاسبین والمحامین إلى اکتشاف طرقٍ جدیدةٍ للتحایل على مأمور الضرائب؛ ونتیجةً لذلک، یتم إنشاء صناعاتٍ جدیةٍ ضخمةٍ فی مجال العقارات، والمؤسسات، وصنادیق أمناء الاستثمار فقط من أجل تجنُّب المصادرة عن طریق الضرائب التصاعدیة. وخفض المعدل الحدی یقلل الحاجة إلى هذه الملاجئ الضریبیة؛ إذ یقرر مزید من الأشخاص أنه من الأوفر دفع الضریبة، وأنه یمکن تخصیص الأموال لمشروعاتٍ أکثر ربحیة.
وتُعَدُّ الزیادة الهائلة فی الاقتصاد التحتی (السوق السوداء) غیر الخاضع للضرائب أحد المؤشرات على وجود مبالغةٍ فی فرض الضرائب وحکومةٍ متضخمةٍ ومفرطةٍ فی الرقابة وفرض اللوائح. ویقدِّر بعض الاقتصادیین أن نصف اقتصاد إیطالیا غیر مسجل. وینبغی أن یکون النمو فی الاقتصاد التحتی علامة خطرٍ على وجود إسرافٍ فی فرض الضرائب. ولسوء الحظ، کثیرًا جدًّا ما یؤخذ هذا کعلامةٍ على حاجة الحکومة إلى التحلِّی بالصرامة وتشدید الإجراءات على هؤلاء الذین لا یدفعون نصیبهم العادل من خلال زیادة العقوبات والاستعانة بمزیدٍ من وکلاء مصلحة الضرائب لضبط المتهربین من الضرائب. غیر أن العدید من الاقتصادیین یشیرون إلى أن فرض معدلِ ضریبةٍ معقولٍ من شأنه أن یجعل التهرُّب أقل جاذبیةً ویؤدی إلى زیادة الامتثال الطوعی. وبعد دراسة الاقتصاد التحتی، خلص الاقتصادی دان باولی إلى أنه «لو کانت مصلحة الضرائب تبذل کل جهدٍ لِجمع کل سنت مستحَقٍّ لها، لصارت أمریکا أقرب کثیرًا إلى دولةٍ بولیسیة.»(6)
• «الضرائب تُشوِّه الحوافز.» یتساءل الاقتصادیان ویلیام بومول وآلان بلیندر «ما الذی سیحدث لو حاولنا تحقیق مساواةٍ مثالیةٍ بفرض ضریبة دخلٍ نسبتها ١٠٠ بالمائة على جمیع العاملین؛ ومن ثَمَّ تقسیم العائدات بالتساوی بین السکان؟ لن یکون لدى أحدٍ أی حافزٍ للعمل، أو الاستثمار، أو المخاطرة، أو القیام بأی شیءٍ آخر لکسب المال؛ لأن المکافآت الخاصة لهذه الأنشطة جمیعها سوف تختفی.»(7)
ویذهب بول کریج روبرتس الاقتصادی المتخصص فی اقتصادیات جانب العرض إلى أن الضرائب التصاعدیة المرتفعة تُعَدُّ عقبةً أمام العمل والاستثمار والادخار، «لقد جلبت اقتصادیات جانب العرض منظورًا جدیدًا للسیاسة الضریبیة؛ فبدلًا من الترکیز على تأثیره على الإنفاق، أظهر أنصار اقتصادیات جانب العرض أن المعدلات الضریبیة أثرت بشکلٍ مباشرٍ على إمداد السلع والخدمات؛ فوجود معدلاتٍ ضریبیةٍ أقل یعنی حوافز أفضل للعمل، والادخار، والمخاطرة، والاستثمار. ومع استجابة الناس لمکافآتٍ أعلى بعد دفع الضریبة، أو ربحیةٍ أعلى، ترتفع الدخول وتنمو القاعدة الضریبیة؛ مما یعید بعضًا من العائدات الضائعة إلى الخزانة. کذلک ینمو معدل الادخار؛ مما یوفر مزیدًا من التمویل للاقتراض الحکومی والخاص.»(8)
تقدیم منحنى لافر
یشیر أنصار اقتصادیات جانب العرض إلى منحنى لافر لدعم زعمهم بأن خفض معدلات الضریبة الحدیة یمکن أن یحفز النمو الاقتصادی، وتحت الظروف المناسبة، یمکن أن یزید من العائدات الضریبیة. یبیِّن منحنى لافر (شکل ٢٦-١) علاقةً نظریةً بین مستوى الضریبة والعائدات.وقد ابتُکر على ید آرثر بی لافر، وهو أستاذ فی العلوم الاقتصادیة بجامعة شیکاجو وجامعة جنوب کالیفورنیا سابقًا، الذی رسم المنحنى الشهیر على فوطة مائدةٍ بأحد مطاعم واشنطن العاصمة فی أواخر سبعینیات القرن العشرین لإثبات فکرته التی مفادها أن خفض الضرائب یمکن أن یزید العائدات الضریبیة.
ویختلف الکینزیون والمنتقدون الآخرون لمنحنى لافر على الموضع الذی نقف عنده على منحنى لافر؛ فیشیرون، على سبیل المثال، إلى أنه حین تم خفض الضرائب فی عهد الرئیس ریجان فی عام ١٩٨٤، اتجه العجز إلى الأسوأ، ولیس إلى الأفضل. وعلى العکس، فی عام ١٩٩٤، حین ضغط الرئیس کلینتون، عبر الکونجرس، لتمریر زیادةٍ فی معدل ضریبة الدخل الفیدرالیة إلى ٣٩٫٦ بالمائة، حذَّر أنصار اقتصادیات جانب العرض من أن الزیادة الضریبیة سوف تُقلل العائدات، ولکن العائدات ارتفعت بالفعل خلال فترة انتعاشٍ توسُّعی.
فهناک العدید من المتغیرات الفاعلة فی السوق.
ارتبطت اقتصادیات جانب العرض بشکلٍ وثیقٍ بالإدارات الجمهوریة لکلٍّ من رونالد ریجان وجورج دبلیو بوش، اللذَین أیَّدا إجراء خفضٍ حادٍّ فی معدلات الضریبة الحدیة على الدخل الشخصی ودخل الشرکات، وأرباح رأس المال، وحصص الأرباح. وتبنَّى العدید من الدول الأخرى حول العالم التخفیضات الضریبیة التی تنادی بها اقتصادیات جانب العرض لتحفیز النشاط الاقتصادی. ونشأت منافسة فی خفض الضرائب فی أوروبا، بعد قیام أیرلندا بخفض معدل ضریبة الشرکات لدیها إلى ١٢٫٥ بالمائة. وتبعتها فی ذلک دول أخرى، من ضمنها الولایات المتحدة، وألمانیا، والنمسا. وتُعَدُّ فرنسا هی أحدث الدول المنضمة إلى الرَّکْبِ، تحت قیادة الرئیس نیکولا سارکوزی، التی تخطط لخفض ضریبة الدخل على المشروعات التجاریة بمقدار خمس نقاطٍ مئویة.
حرکة الضریبة الثابتة
فی التصدیر لدراسته عن الاقتصاد التحتی، یوصی دان باولی بأن «المجتمع الحر یقلِّل ویبسِّط بشکلٍ کبیرٍ من المعدلات الضریبیة.» ویبدو أن هذا هو الاتجاه الذی تسلکه دول عدیدة. ویؤید أنصار اقتصادیات جانب العرض فرض ضریبةٍ واحدةٍ منخفضةٍ بعددٍ محدودٍ من الإعفاءات الشخصیة باعتباره النظام الضریبی المثالی. وترتبط حرکة القضاء على النظام الضریبی الحالی بما یشوبه من تعقیداتٍ وثغراتٍ وإهدارٍ ارتباطًا وثیقًا بثورة جانب العرض؛ فعقب نشر کتاب «الضریبة المنخفضة، الضریبة البسیطة، الضریبة الثابتة» لروبرت إی هول وألفین رابوشکا (١٩٨٣)، اکتسبت الحرکة الداعیة إلى وضع معدل ضریبةٍ بسیطةٍ منخفضةٍ على الدخل دعمًا وتأییدًا، لا سیما فی الدول الشیوعیة السابقة.على سبیل المثال، فی مطلع التسعینیات من القرن الماضی، کانت إستونیا بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفییتی تواجه معدلاتِ تضخمٍ سنویةً بنسبة ١٠٠٠ بالمائة وتراجعًا فی الاقتصاد بنسبة ٣٠ بالمائة على مدى عامین. تبنَّت الدولة الصغیرة فی عهد رئیس الوزراء الإستونی مارت لار معدل ضریبةٍ فردیةٍ للأفراد ومعدل ضریبةٍ على الشرکات قیمتُه صفر على الأرباح المعاد استثمارها، إلى جانب اقتصادٍ متحرِّرٍ من الضوابط واللوائح التنظیمیة. والنتائج مبهرة حتى الآن؛ إذ تبلغ معدلات نموِّ إجمالی الناتج المحلی ٨ بالمائة سنویًّا.
حذت دول أخرى من دول شرق أوروبا الحذو نفسه؛ فتبنَّت روسیا ضریبةً ثابتةً على الدخل قیمتها ١٣ بالمائة فی ٢٠٠١، واختارت أوکرانیا نفس معدل الضریبة الثابتة فی ٢٠٠٤؛ وأدخلت سلوفاکیا معدلًا قیمته ١٩ بالمائة فی عام ٢٠٠٤؛ ورومانیا ١٦ بالمائة فی ٢٠٠٥؛ وتخطِّط ألبانیا لوضع معدلٍ بنسبة ١٠ بالمائة فی ٢٠٠٨. وتخطط کلٌّ من الیونان وکرواتیا لوضع نفس المعدلات الثابتة. من الواضح أن حرکة الضریبة الثابتة فی انتشارٍ وتوسع. ما الذی یمکن أن یکون أکثر عدالةً وسهولةً فی الحساب من أن یدفع الجمیع نفس المعدل؟
تمتعت هونج کونج أیضًا بضریبةٍ ثابتةٍ نسبتُها ١٦ بالمائة على الدخل الفردی لعقودٍ عدیدة، فیما تُفرض ضریبة صفریة على أرباح رأس المال. کما قامت سنغافورة مؤخرًا بخفض معدلها الضریبی للتنافس مع هونج کونج. وتبنَّت ملاذاتٌ ضریبیةٌ أخرى نظامًا ضریبیًّا صفریًّا على الدخل، على الرغم من أن العدید من الدول قد قلَّص عدد الشرائح الضریبیة. وفی إحصاءٍ أخیر، تبنَّت ١٤ دولة ضریبة ثابتة على الدخل، ١٠ منها من دول الستار الحدیدی السابقة.
فی الولایات المتحدة، ترشَّح ستیف فوربس، رئیس تحریر مجلة «فوربس» ومؤلف کتاب «ثورة الضریبة الثابتة» (٢٠٠٥) للرئاسة فی عامَی ١٩٩٦ و٢٠٠٠ على برنامجٍ انتخابیٍّ یؤید فرض ضریبةٍ ثابتةٍ بنسبة ١٧ بالمائة، ولم تنجح خطته کثیرًا. من الواضح أن هناک مزیدًا من التأیید للضریبة الثابتة خارج الولایات المتحدة.
المصادر :
1- Stephen Moore, “Reaganomincs 2.0,” Wall Street Journal (August 31, 2007), A8 .
2- Supply-side economics is the study of how economic growth can be influenced by incentives to produce (supply) goods and services, as opposed to Keynesian economics, which focuses on ways to control the demand for goods and services.
3- Progressive taxation means those who earn more income pay a higher income tax rate.
4- Bruce Bartlett, “Supply-Side Economics and Austrian Economics,” The Freeman (April, 1987).
5- John Kenneth Galbraith, The Affluent Society (Boston: Houghton Mifflin, 1958), 96.
6- Dan Bawley, The Subterranean Economy (New York: McGraw-Hill, 1982), 135.
7- William Baumol and Alan Blinder, Economics: Principles and Policy, 4th ed. (New York: Harcourt Brace Jovanovich, 1988), 835.
8- Paul Craig Roberts, The Supply Side Revolution (Cambridge: Harvard University Press, 1984), 25.