واسمه عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر بن عمر بن بكر بن عامر بن عدد بن وايل بن ناجبة بن الجماهر بن أشعر ، وقد تزوّج أبو موسى بأمّ كلثوم بنت الفضل بن العبّاس بن عبد المطلب فولدت له موسى ، وبه كان يكّنى (١).
الذي ولّاه الخليفة عمر بن الخطاب إمارة الكوفة سنة ٢٢ للهجرة (٢) ، وذلك بعد عزل عمّار بن ياسر ، فبقي سنة واحدة على إمارة الكوفة ، ثمّ عزله عمر ، وولّاه إمارة البصرة (٣).
ثمّ أعيد تعيينه أميرا على الكوفة سنة 34 للهجرة (٤) من قبل الخليفة عثمان بن عفّان ، وذلك بعد عزل سعيد بن العاص ، وبقي أميرا على الكوفة إلى خلافة الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام حيث عزله عنها في أوائل سنة 36 للهجرة (٥).
وكان أبو موسى الأشعري ، واليا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ، وقيل إنّ أول من لقّب عمر بن الخطاب (بأمير المؤمنين) هو عدي بن حاتم الطائي ، وأول من دعى له بهذا الإسم على المنبر هو أبو موسى الأشعري (٦).
وأبو موسى الأشعري : هو أول من كتب إلى عمر : (إلى عبد الله ، أمير المؤمنين من أبي موسى). فقال عمر : (إنّي لعبد الله ، وإنّي لعمر ، وإنّي لأمير المؤمنين والحمد لله رب العالمين) (٧).
ويروى عن الإمام عليّ عليهالسلام أنّه قال في أبي موسى الأشعري : (صبغ بالعلم صبغا ، وسلخ منه سلخا) (8). وقيل إنّه قال : (صبغ بالعلم صبغة ، ثمّ خرج منه) (9).
وسئل عمّار بن ياسر عن أبي موسى الأشعري فقال : (لقد سمعت فيه من أبي حذيفة بن اليمان (10) ، قولا عظيما ، سمعته يقول : (صاحب البرنس الأسود) (11).
وأما المعتزلة ، فيعتبرونه من أهل الكبائر ، وحكمه حكم أمثاله ممّن واقع كبيرة ومات عليها. وروي عن سويد بن غفلة أنّه قال : (كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات في خلافة عثمان ، فروى لي خبرا ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : (إنّ بني إسرائيل اختلفوا ، فلم يزل الاختلاف بينهم ، حتّى بعثوا حكمين ضالّين ، ضلّا ، وأضلّا من اتبعهما ، ولا ينفكّ أمر أمّتي حتّى يبعثوا حكمين يضلّان ، ويضلّان من تبعهما) (12).
فقلت له : (احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما فخلع قميصه وقال : (أبرأ إلى الله من ذلك ، كما أبرأ من قميصي هذا) (13).
وبعد التحكيم لقيه سويد بن غفله ، فقال له : (إنّ الله إذا قضى أمرا لم يغالب عليه) (14). وقيل إنّه قال له : (يا أبا موسى ، أتذكر مقالتك؟). قال : (سل ربّك العافية).
وعند ما بويع الإمام عليّ عليهالسلام بالخلافة سنة 36 بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفّان ، جاء أهل الكوفة إلى أبي موسى الأشعري ، وقالوا له : (لم لم تبايع عليّا ، وتدعو الناس إلى مبايعته ، وقد بايعه المهاجرون والأنصار؟).
فقال أبو موسى : (حتّى أنظر ما يكون ، وما يصنع الناس بعد هذا). فقال رجل من أهل الكوفة أبياتا مطلعها (15) :
أبايع غير مكترث عليّا / ولا أخشى أميرا أشعريا
أبايعه وأعلم أنّ سأرضي / بذاك الله حقّا والنبيا
وعند ما أراد الإمام عليّ عليهالسلام الذهاب إلى البصرة ، كتب إلى أبي موسى الأشعري ، أن يحثّ الناس للّحاق به في البصرة ، إلّا أنّ أبا موسى ، منع أهل الكوفة من الذهاب إلى البصرة وخطب فيهم قائلا : (أما بعد يا أهل الكوفة ، إن تطيعوا الله باديا ، وتطيعوني ثانيا ، تكونوا جرثومة من جراثيم العرب ، يأوي إليكم المضطر ، ويأمن فيكم الخائف. إنّ عليا ، إنّما يستنفركم لجهاد أمّكم عائشة (16) وطلحة والزبير حواري رسول الله ، ومن معهم من المسلمين ، وأنا أعلم بهذه الفتن ، إنّها إذا أقبلت شبّهت ، وإذا أدبرت أسفرت ، فثلّموا سيوفكم ، وقصّفوا رماحكم ، وانصلوا سهامكم ، وقطّعوا أوتاركم ، وخلّوا قريشا ترتق فتقها ، وترأب صدعها ، فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت ، وإن أبت فعلى نفسها ما جنت ، استنصحوني ولا تستغشوني ، وأطيعوني ولا تعصوني ، يتبيّن لكم رشدكم ، ويصلى هذه الفتنة من جناها) (17).
أرسل إليه الإمام عليّ عليهالسلام كتابا جاء فيه :
(من عبد الله عليّ أمير المؤمنين ، إلى عبد الله بن قيس ، أما بعد ، يا ابن الحائك ، يا عاضّ .. أبيه ، فو الله ، إنّي كنت لأرى بعدك عن هذا الأمر ، الّذي لم يجعلك الله له أهلا ، ولا جعل لك فيه نصيبا ، سيمنعك من ردّ أمري ، والافتراء عليّ ، وقد بعثت إليك ابن عبّاس (18) وابن أبي بكر (19) ، فخلهما والمصر وأهله ، واعتزل عملنا ، مذموما مدحورا ، فإن فعلت ، وإلّا فإنّي قد أمرتهما أن ينابذاك على سواء ، إنّ الله لا يهدي كيد الخائنين ، فإذا ظهرا عليك قطّعاك إربا إربا ، والسلام على من شكر النعمة ، ووفي بالبيعة ، وعمل برجاء العاقبة) (20).
ثمّ أمر الإمام عليّ عليهالسلام مالك الأشتر ، أن يذهب إلى الكوفة ، ويقيل أبا موسى الأشعري ، فذهب الأشتر إلى الكوفة ، ودخل (قصر الإمارة) وطرد منه الأشعري ، فأخذ الناس ينهبون متاع الأشعري ، فنهاهم الأشتر ومنعهم ، وقال لهم : (إنّي قد أخرجته وعزلته عنكم) ، عندها تركه الناس.
وتمرّ الأيّام سراعا ، ويذهب الإمام عليّ عليهالسلام إلى" صفّين" لمحاربة معاوية بن أبي سفيان وتستمرّ الحرب سجالا بين الطرفين ، فقتل فيها الكثير من الصحابة الأجلّاء ، ومن حفظة القرآن الكريم ، حتّى قيل إنّ عدد القتلى بين الطرفين بلغ سبعون ألفا ، خمسة وأربعون ألفا من الشام ، وخمسة وعشرون ألفا من أهل العراق ، وقيل إنّ عدد القتلى بلغ مائة وعشرة آلالف (خلال مدة مائة وعشرة أيّام) قتل من أهل الشام تسعون ألفا ، ومن أهل العراق عشرون الفا (21).
وحينما رأى معاوية ، أن جيشه قد ضعف عن القتال ، وأنّ الهزيمة آتية لا ريب فيها ، طلب من عمرو بن العاص أن يتدبر الأمر ، فرفعت المصاحف بإيعاز من عمرو بن العاص ، فتوقف جيش الإمام عليّ عليهالسلام عن القتال ، وصاح الناس : (ما الحكم إلّا للقرآن ، فسمع عليّ عليهالسلام وطلب من القوم الاستمرار بالقتال وقال لهم : (إنّكم لمنتصرون بإذن الله ، وإنّها لخدعة) ، ولكنّ ضعاف النفوس ، وضعاف الإيمان" وضعاف الطاعة" أصرّوا إلّا الاحتكام ، وعندها خضع الإمام عليهالسلام لمطاليب القوم (22). ويقال إنّ عدد المصاحف الّتي رفعت في جيش معاوية بلغت خمسمائة مصحف وفي ذلك قال النجاشي بن الحارث (23) :
فأصبح أهل الشام قد رفعوا القنا / عليها كتاب الله خير قرآن
ونادوا عليا يا بن عمّ محمّد / أما تتقي أن يهلك الثقلان
ثمّ انتخب عمرو بن العاص ممثلا عن جيش معاوية ، وأبو موسى الأشعري عن جيش عليّ عليهالسلام ودار حديث طويل بين الممثلين ، قام بعده أبو موسى الأشعري وقال : (أيّها الناس ، إنّا نظرنا في أمرنا ، فرأيناه أقرب ما يحضرنا من الأمن والصلاح ، ولمّ الشعث ، وحقن الدماء ، وجمع الألفة ، فقد خلعنا عليا ومعاوية ، وقد خلعت عليا ، كما خلعت عما متي هذه). ثمّ هوى على عمامته فخلعها ثمّ قام عمرو بن العاص فقال : (أيّها الناس ، إنّ أبا موسى عبد الله بن قيس قد خلع عليا ، وأخرجه من هذا الأمر الّذي يطلب ، وهو أعلم به ، ألا وإنّي قد خلعت عليا معه ، وأثبت معاوية عليّ وعليكم ..) (24).
وهكذا انتهى التحكيم ، ولكن مساوئه لم تنته بعد ، فقد تباغض القوم جميعا وأخذ بعضهم يتبرأ من بعض ، فقد تبرأ الأخ من أخيه ، والإبن من أبيه ، عندها أمر الإمام عليّ عليهالسلام أصحابه بالرحيل والعودة إلى الكوفة (25).
ومما قيل شعرا في التحكيم ، فقد قال أيمن بن خزيم بن فاتك الأسدي (26) :
لو كان للقوم رأي يعصمون به / عند الخطوب رموكم بابن عبّاس
لكن رموكم بوغد من ذوي يمن / لم يدر ما ضرب أخماس بأسداس
وقال ابن أعين في أبي موسى الأشعري (27) :
أبا موسى ، بليت وأنت شيخ / قريب العفو مخزون اللسان
وما عمرو صفاتك يابن قيس / فيا لله من شيخ يماني
فأمسيت العيشة ذا اعتذار / ضعيف الركن منكوب الجنان
تعضّ الكف من ندم ، وماذا / يرد عليك عضّك للبنان؟
وفي اختلاف الحكمين ، قال بعض من حضر ذلك (28) :
رضينا بحكم الله لا حكم غيره / وبالله ربّا والنبيّ والذكر
وبالأصلع الهادي عليّ إمامنا / رضينا بذاك الشيخ في العسر
واليسررضينا به حيّا وميّتا فإنّه / إمام الهدى في موقف النهي والأمر
وقيل جاء رجل إلى عمر بن الخطاب وشكا إليه : بأنّ أبا موسى الأشعري ، قد عاقبه بعقوبة لا يستحقها ، إذ جلده ، وحلق رأسه ، فكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري : (أن يمكن الرجل من القصاص منه جلدا بجلد ، وحلقا بحلق) (29).
مات أبو موسى الأشعري سنة 42 للهجرة ، وقيل سنة 52 في خلافة معاوية بن أبي سفيان ودفن في مكّة ، وقيل مات بالكوفة ودفن فيها ، وقيل مات سنة 44 (30) وعمره بضع وستون سنة (31).
المصادر :
1- القرطبي ـ التعريف بالأنساب.
2- خليفة بن خياط. ج ١ / ١٤٩ وتاريخ الطبري. ج ٤ / ١٦٤ والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٣ / ٢٤٢.
3- تاريخ الطبري. ج ٤ / ٢٦١.
4- ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٣٤ وبدران ـ تهذيب تاريخ دمشق. ج ٦ / ١٣٧.
5- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ١٨٠.
6- ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٢ / ٦٤.
7- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٠٥.
8- ابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١٣ / ٣١٥.
9- ابن سعد ـ الطبقات. ج ٢ / ٣٤٦.
10- أبو حذيفة بن اليمان : صحابي ، عارفا بالمنافقين ، أخبره النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأسمائهم ، وقبره في المدائن مع سلمان الفارسي.
11- البرنس : قلنسوة طويلة ، كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام.
12- ابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١٣ / ٣١٥.
13- تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٦٧.
14- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٩٢.
15- ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٢ / ٢٥٠.
16- عائشة وطلحة والزبير : ذهبوا إلى البصرة لمحاربة الإمام عليّ عليهالسلام
17- ابن أبي الحديد ـ شرح النهج. ج ١٤ / ١٥.
18- ابن عبّاس : هو عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب ، وهو ابن عمّ الإمام علي عليهالسلام.
19- ابن أبي بكر : هو محمّد بن أبي بكر أخو عائشة" أم المؤمنين"
20- ابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١٤ / ١٠.
21- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٩٣.
22- نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين. ج ٨ / ٥٧٨ وتاريخ الطبري. ج ٥ / ٥١.
23- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٩٠.
24- المصدر السابق. ج ٢ / ٣٩٨.
25- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٩٤.
26- نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين. ج ٨ / ٥٧٥ والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٩٩.
27- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٤٠٠.
28- نفس المصدر السابق.
29- خالد محمّد خالد ـ بين يدي عمر. ص ١١٣.
30- ابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ٢٣٤ وابن حبان ـ مشاهير علماء الأمصار. ص ٦٥.
31- ابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١٣ / ٣١٦ وابن سعد ـ الطبقات. ج ٤ / ١١٦.