
في زمن الغيبة الصغرى كان هناك نص بالاسم على سفراء الإمام الحجة من قبل الإمام، لترجع إليهم الناس سفيراً بعد سفير، وأما في زمن الغيبة الكبرى فلم يعد هناك سفراء يسميهم الإمام بأسمائهم وإنما أرشد الناس إلى الفقهاء من خلال الصفات التي ينبغي توفرها فيهم
شكل أئمة أهل البيت عليهم السلام المرجعية للناس، فكانت علاقة الناس ترتبط بهم في بعديها:
1 - معرفة الأحكام الشرعية الثابتة المنزلة من اللَّه عزَّ وجلَّ.
2 - تنفيذ المشروع الإسلامي السياسي والاجتماعي لتدبير أمور الناس وتنظيم علاقاتهم مع بعضهم البعض.
الأئمة و يتصدون لكلا الأمرين معاً من خلال النص الإلهي الذي ينصّ عليهم بالاسم، إماماً بعد إمام، إلى زمن غيبة الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف..
وفي زمن الغيبة الصغرى كان هناك نص بالاسم على سفراء الإمام الحجة من قبل الإمام، لترجع إليهم الناس سفيراً بعد سفير، وأما في زمن الغيبة الكبرى فلم يعد هناك سفراء يسميهم الإمام بأسمائهم وإنما أرشد الناس إلى الفقهاء من خلال الصفات التي ينبغي توفرها فيهم.
من يتصدى في غيبة الإمام؟
من خلال البحث عن الصفات يمكن للمكلف سد الفراغ في هذين الدورين الموكلين للمعصوم عليهم السلام:أما معرفة الأحكام الشرعية، فقد أرشدتنا الروايات إلى شرطين أساسيين ينبغي ملاحظتهما في المرجع: الاجتهاد والعدالة، كما في الرواية عن الإمام الحسن العسكري د: "من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه"(1). وهذا من شأن دور المرجعية، فمن توفرت فيه الصفات يكون مرجعاً يقلده الناس.
وأما تنفيذ المشروع السياسي والاجتماعي وتدبير أمور الناس، فلا يكفي فيها الاجتهاد والعدالة بل لا بد من الكفاءة أيضاً، فالإنسان الذي لا يمتلك الكفاءة لن يكون قادراً على قيادة الأمة وتحقيق مصالحها حتى لو فرضنا أنه الأعلم على المستوى الفقهي.
إختلاف المرجع عن الولي
إذا كان المجتهد الأكفأ هو الأعلم الذي يقلده المكلف، فإن هذه الصيغة هي الصيغة الأفضل والأقرب إلى ما كان عليه الأمر في حضور المعصوم و من اجتماع الدورين في شخص واحد. وأما إذا كان الأكفأ شخص اخر غير الأعلم الذي يقلده المكلف فهنا سيطرح المكلف هذا السؤال: من عليّ أن أطيع إذا فرضنا اختلاف المرجع والولي؟وهذا السؤال لن يبقى له محل إذا عرفنا دور المرجع ودور الولي، وأين تقف حدود هذا الدور وذاك.
دور المرجع
إننا وعبر تحديد الدائرة التي يتم الرجوع فيها إلى مرجع التقليد نحل ما يحتمل من التعارض بين المرجعية والقيادة فالأساس في رجوع الناس إلى المرجع وكما هو مذكور في كتب الفقهاء هو رجوع الجاهل إلى العالم أو الرجوع إلى أهل الخبرة فيما يختصون به. قال تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(2).وقال تعالى: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون)(3).
ومن ملاحظة هذا نعرف أن الفقيه وظيفته أن يخبر من يرجع إليه عن الحكم الإلهي فهو يقوم بدور الإخبار عن الحكم الشرعي العام، ودون أن يهتم بتشخيص الموضوعات، ومثاله الصلاة بالثوب النجس، فإن المرجع يخبرني بعدم صحة الصلاة بالثوب النجس ولكنه لا يحدد لي هل أن الثوب الذي ألبسه نجس أم طاهر، أي أنه لا يصدر حكماً بملاحظة الظروف الخاصة والحالات المحددة بل يخبرنا عما توصل إليه من الحكم العام بعد رجوعه إلى مصادر الحكم الشرعي.
وخصوصية هذه الأحكام التي يصدرها المرجع هي أنه يصدرها كقاعدة عامة وعلى المكلف أن يحدد حالته الخاصة التي تطرأ عليه وأنه ما هو الحكم العام الذي ينطبق عليه، ولا يتدخل الفقيه في تحديد حالات أفراد المكلفين وهذا ما يقال له بأن «تشخيص الموضوع» بيد المكلف.
دور الولي الفقيه
بعد أن عرفنا أن الفقيه الولي هو الذي بيده إدارة المجتمع الإسلامي يتضح لنا أن دائرة الأحكام التي يصدرها الولي الفقيه تشمل دائرة الأحكام التي ترتبط بالنظام وشؤون المجتمع والدولة وهذا ما يسمّى (بالأحكام الولائية). فما هي الأحكام الولائية؟إن الحكم الولائي هو حكمٌ يصدره الفقيه بعد تشخيصه للمصالح والمفاسد، وهو الذي ينشئه، أي أن وظيفة الولي هي الأمر والنهي بناءً على التشخيص وليست وظيفته الإخبار عن الحكم العام بعيداً عن التشخيص كما هو شأن المرجع.
وبناءً على ذلك فإن الأحكام التي يرجع فيها إلى ولاة الأمر هي:
1 - الأحكام القضائية: وهي الأحكام التي يصدرها الولي أو القضاة المنصبون من قبله، في موارد النزاع والخصومة والإختلاف، وهذه الأحكام نافذة حتى بحق المجتهد.
2 - الأحكام الأولية العامة: وهي التي ترتبط بالشؤون العامة وما يرتبط بإدارة الدولة كالأمر بالجهاد أو عقد الصلح أو غير ذلك. فالولي الفقيه هو الذي يحدد أن شروط الجهاد متوفرة أو لا، وأن في الصلح مصلحة المسلمين أو لا؟
3 - الأحكام التي ترتبط بحفظ النظام: إن حفظ النظام وما هي الأحكام التي يمكن بها حفظ النظام كل ذلك يرتبط بالولي الفقيه.
وبناءً على ما تقدم، لا تنافي بين المرجعية والولاية حيث كانت الأحكام التي يُرجع فيها إلى المقلَّد غيرها التي يُرجع فيها إلى الولي.
لقد كان دور المعصومين عليهم السلام يرتبط بأمور الولاية ومعرفة الأحكام، وكانت الشيعة ترجع إليهم في كل أمورها.
يشترط في الولي أن يكون ممن يمتلك كفاءة سياسية وإدارية وخبرة إجتماعية لأداء وظيفة الولاية.
ترتبط دائرة مرجع التقليد بالإخبار عن الأحكام الإلهية العامة التي يتوصل
إليها بعد مراجعة المصادر الشرعية.
ترتبط دائرة الولي بالأحكام الولائية ويقوم الفقيه بإصدار الأحكام وإنشائها بعد التشخيص في المصالح العامة والقضاء وإدارة الدولة.
لا تنافي بين المرجعية والولاية حيث كانت الأحكام التي يُرجع فيها إلى المقلَّد غيرها التي يُرجع فيها إلى الولي.
الإلتزام بقوانين الجمهورية الإسلامية
إن الإيمان الخالص والعبادة الصادقة اللذان تميز بهما الإمام الخميني (قدس سره) انعكسا بشكل قوي في جميع مجالات العمل. كان أكثر الناس وأشدهم رعاية والتزاماً لمقررات وقوانين الجمهورية الإسلامية العامة مع العلم أن مقام ولايته العامة هو الذي يعطيها الشرعية ويضفي عليها صفة القانون إلا أنه لم يميز أو يستثني نفسه عن عامة الناس أبداً لأنه الأشد التزاماً وتطبيقاً للأحكام والأداب الإلهية.حتى أن ذكر بعض هذه الموارد يعتبر نموذجاً فريداً يحتذى به لسلوك المسؤولين في المجتمع الإسلامي فعلى سبيل المثال عندما كانت تصل الحقوق والوجوه الشرعية من مقلدي الإمام في الخارج بالعملة الصعبة ولا بد من تحويلها إلى التومان أحياناً كان الأمر يدور بين صرفها من البنك المركزي وبالسعر الرسمي المقرر من الدولة، وإما المبادرة إلى بيعها في السوق الحرة ومن ثم صرفها في الموارد الشرعية (مع ملاحظة التفاوت الكبير بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق الذي يلحق ضرراً بالمستحقين للحقوق الشرعية).
من الطبيعي مثلاً أنه إذا كانت هناك ثمة مئة دولار مرسلة كصدقة أو زكاة فطرة يجب صرفها للفقراء فلا بد أن يعطى لهم إما عين المبلغ أو قيمته الفعلية وكان رأي سماحته في هذا المجال التالي:
"راجعوا السيد موسوي في هذا الأمر (رئيس الوزراء السابق) السيد مير حسين موسوي فإن أفادكم بأن لا مانع لدى الدولة من ذلك يصرف المبلغ في السوق الحرة".
واية اللَّه مصطفى الخميني كان ينقل هذه القصة:
أراد الإمام (قدس سره) عبور أحد الشوارع المزروعة أطرافه بالحشيش ويبدو أنه في مدينة همدان. وحتى لا يضطر أن يدوس قدماً واحدة على الحشيش تحمل عناء قطع مسافة طويلة حتى وصل إلى تقاطع يسمح له بالعبور فعبر من هناك وكاتب هذه السطور الذي يعتبر نفسه أحد الذين تشرفوا بخدمة الإمام (قدس سره) طيلة هذه السنوات التي قضيتها في مكتبه، أستطيع أن أقول وبكل جرأة أن الإمام (قدس سره) حتى في محيط حياته الخاصة لم يتخطى أبداً قوانين وقرارات الجمهورية الإسلامية ومن باب المثال، كان يبادر إلى دفع فواتير الكهرباء والمياه والتلفون والضرائب بمجرد وصولها وفي أول فرصة تتاح له كما أنه لم يسمح أبداً لكل المحسوبين على بيته ومكتبه بمخالفة مقررات وقوانين الجمهورية الإسلامية حتى في صغائر الأمور.
الموضوع: يتناول الكتاب موضوع الدولة الإسلامية وقوانينها، والولي الفقيه من خلال الأدلة العقلية والشرعية، كما يناول أيضا نظام الشورى ومدى إلزاميتها للإمام وموضوعاتها، وعن موضوع السطة العليا في الأمة هل هو الإمام أو الأمة نفسها، وغيرها من المواضيع المهمة، وقد قسم المؤلف كتابه إلى انني عشر فصلا.
المصادر :
1- وسائل الشيعة، ج27، ص131.
2- النحل:43.
3- التوبة:122.