
ترق القرآن الکريم الی ولادة مریم وحال امها الاعتراضي عندما وضعت مولودها انثی حيث بين القرآن الكريم قضيّة ولادة مريم عليها السلام بهذا الشكل :
( فلما وضعتها قالت ربّ انّي وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وأنّي سميتها مريم وإنّي أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) (1) .
محل البحث هناك حيث قال : ( وليس الذكر كالأنثى ) . لو دققتم في الكتب الأدبية ترون ان الادباء في تفسير هذه الجملة قمسين : فهناك من يعتبر هذا التشبيه ، تشبيها معكوساً ويقولون : لأ المذكر أفضل من المؤنث والرجل أرقى من المرأة ، فلو قال شخص : ( ليس الذكر كالأنثى ) ، فهنا التشبيه تشبيه معكوس ، وفي الحقيقة يعني ليست الأنثى كالذكر .
وهناك بعض يعتقدون بان التشبيه في الآية جارٍ على الأصل لا معكوس ، بهذا البيان وهو أن الولد لا يستطيع أبداً أداء دور هذه البنت ، ولا يستطيع أي رجل ان يصبح والداً لعيسى ، ولا يستطيع الرجل أبداً أداء عمل هذه المرأة ، وبناء على هذا فالتشبيه تشبيه مستقيم لا معكوس .
دور النساء تثبيت الأديان الإلهية :
لقد عرض القرآن الكريم رجالاً بصفتهم في مسألة الغضب ومكافحة الظلم ، أما ما طرح في مسألة مكافحة الظلم الفرعوني فهو كفاح النساء .يذكر القرآن الكريم ثلاث نساء كأمثلة وهن اللواتي حفظن موسى من القتل ، وقمن بتربيته . وكانت كل مسألة تربية موسى الكليم بعهدة أولئك النساء الثلاث . أم موسى ، أخت موسى ، وامرأة فرعون ، فقد قامت تلك النساء الثلاث بمكافحة الوضع السياسي في ذلك الوقت ، حتى كبر هذا الرجل ، قال تعالى :
( وأوحينا إلى أم موسى ) (2) .
عندما ألقت أم موسى ابنها في البحر بأمر الله ، قالت لأخت موسى بأن تتابع هذا الصندوق ( وقالت لأخته قصّيه ) (3) .
من ناحية أخرى قالت امرأة فرعون :
( لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً ) (4) .
من ناحية أخرى هيأت هذه النساء الثلاث الأرضية لنضج وتربية موسى ، حتى طوى بساط فوعون .
واضح جيداً ان الذهاب وراء الصندوق حتى فصر فرعون لم يكن عملاً مهلاً ، كما أن أمّا إذا أمرت ابنتها بأن تتابع هذا الصندوق وتكون على اطلاع على نهاية مسيره ، وإذا كانت نهاية مسيره هي قصر فرعون تذهب وتعرض عليهم الرضاعة وتقول :
( هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ) (5) .
لا يعتبر هذا أيضاً أمراً سهلاً في ذلك اليوم الذي كانوا يلاحقون كل امرأة مرضعة حتى يفهموا ان طفلها الرضيع ولد أم بنت ، لأن المرأة التي مع طفلاً هي التي تكون مرضعاً . ان اقتراح التعريف بامرأة مرضعة غير ليس أمرأً عادياً في مثل ذلك الوضع ودخول في ساحة الخطر ومواجهة موت والإعدام ، علاوة على هذا فان أموته أم موسى كانت سرية أيضاً كانوا على أي حال يسألون عن الرضيع وجنسه ، لأنهم كانوا في حال متابعة مستمرة حتى يقضوا على كل رضيع ولد ، كما قال تعالى :
( يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ) (6) .
فلم يكن امراً عادياً ، هذا الذي تولته أخت موسى ولم يكن عملاً صغيراً ذلك الذي أمرت به أم موسى ، كما ان اقتراح امرأة فوعون لم يكن اقتراحاً سهلاً ، والشخص الذي كان يعيش مع أكبر سفاح في ذلك العصر ، يقول في ذلك المقطع الحساس : ( لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً ) ، هذا الاقتراح يبين شهامة وشجاعة هذا المرأة .
اتضح مما تقدم ان النساء كانت تتولى أفضل عمل من أجل حفظ الأديان ، وذلك في قسم الغضب والشهوة ( العفاف ) ، وفي قسم العلم أيضاً كانت النساء في حد الرجال جزء من الكلمات الإلهية التي انقذت آدم ( فتلقى آدم من ربه كلمات ) .
بناء على هذا تصبح النتيجة أنه لا يوجد قسم يكون فيه الرجال مقدمين ، ولا يكون للنساء فيه سهم ، ولكن يجب أن تدرك المرأة موقعها أولاً ، وثانياً أن يعطي الآخرون حرمة لهذا الموقع ، وثالثاً يهيئون إمكانات ، ثم يبدأ التقويم ، حيث يظهر في ميدان الامتحان إلى أي حد يمكن ان تنجح المرأة وإلى أي حد يمكن للرجل التقدم .
الأنبياء قدوة الإنسان :
هذا الذي عرفه الله تعالى رسوله بعنوان رحمة تشمل العالم ، وقال :( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (7) ، ( وما أرسلناك إلا كافة للناس ) (8) ، ( للعالمين نذيراً ) (9) .
وهناك آيات كثيرة أخرى تفهم شمولية دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعالم ( هذه المقدمة ) .
مقدمة أخرى في قوله تعالى في سورة الأحزاب :
( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) (10) .
عندما نجعل المقدمة الثانية إلى جانب المقدمة الأولى نرى ان كلمة ( لكم ) ليست خطاباً للرجال ، هي خطاب للناس ، وكما بين سابقاً فان طريقة القرآن هي طريقة الحوار ، وفي المحاورة حين يقال الناس فليس مقصود الرجال في مقابل النساء ، بل المقصود هو جماهير الناس ، وطبق مقدمة الأولى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نذيراً للعالمين ، رحمة للعالمين ، قدوة للناس ، عند ذلك ليس صحيحاً أن نقول في المقدمة الثانية : إن الرسول هو قدوة للرجال ، بل هو قدوة للناس ، كما أن الله تعالى قال عن إبراهيم الخليل عليه السلام :
( ملة أبيكم إبراهيم ) (11) .
كلمة ( أبيكم ) هذه هي خطاب للناس لا للرجال ، وقال تعالى :
( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ) (12) .
أي تأسوا أيها الناس بإبراهيم والذين مع إبراهيم عليهم السلام وليس أنتم أيها الرجال . لأن ضمير جمع المذكر السالم هذا على أساس ثقافة الحوار هو خطاب للمجتمع ، وليس للرجال .
وقد دعانا الله إلى التأسي بإبراهيم الخليل في آيتين من سورة الممتحنة ، أحداهما هذه الآية ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ) والأخرى قوله تعالى :
( لقد كان لكن فيهم اسوة حسنة ) (13) .
هذه الأمثلة تبين ان الانبياء هم أسوة للناس لا للرجال .
الأسوة في نظر القرآن :
إذا أصبح الإنسان صالحاً فهو أسوة لسائر الناس . إذا كان رجلاً فهو أسوة للناس لا للرجال فقط ، وإذا كانت امرأة فهي أيضاً أسوة للناس لا للنساء ، والقرآن الكريم يوضح هذه المسألة بصورة صريحة ، ويذكر أربع نساء بعنوان نساء نموذجيات ( اثنتان منهن نموذج حسن واثنتان نموذج سيىء ) .المرأة سواء أكانت سيئة أو صالحة ليست مثالاً للنساء ، فحسب ، هي امرأة نموذجية ، وهناك فرق بين كون المرأة الصالحة الجيدة نموذجاً للنساء ، وبين كونها امرأة نموذجية ؟ ان الرجل إذا أصبح جيداً لا يكون نموذجاً للرجال ، بل هو رجل نموذجي. القرآن الكريم يقول : إن الرجل الجيد هو نموذج للناس وليس نموذجاً للرجال والمرأة الجيدة ليست هي نموذجاً للنساء ، بل هي امرأة نموذجية ، والمرأة السيئة ليست نموذجاً للنساء السيئات ، بل نموذج للناس السيئين .
يذكر القرآن الكريم أربعة نماذج من النساء ـ نموذجان للسيئين ونموذجان للمؤمنين في سورة التحريم . وفي جميع هذه الحالات الأربع ليس هناك كلام عن المرأة والرجل ، لا يقول ان أولئك النساء السيئات هن مثال للنساء السيئات ، بل يقول : إنهن نموذج للناس السيئين . وفي الحالتين الأخريين حين يذكر النساء الفاضلات ، لا يقول : إن النساء الفاضلات هن نموذج للنساء الفاضلات بل يقول : إنهن نموذج للناس الفاضلين .
امرأة لوط وامرأة نوح :
يبين القرآن الكريم نموذجاً للناس السيئين بنقل قصة امرأتين سيئتين ويقول :( ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً لله وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) (14) .
هنا لا يقول الله تعالى « ضرب الله مثلاً للآتي كفرن » ولا يقول « ضرب الله مثلاً للنساء الكافرات » لا يقول ان الله ذكر نموذجاً للنساء السيئات ـ بل يقول ( ضرب الله مثلاً للذين كفروا ) لا ( للنساء ) ولا ( للآتي كفرن ) بناء على هذا يتضح إن ( للذين كفروا ) هذه لا تعني الرجال الكافرين بل تعني الناس الفاسقين والمجرمين ، والمرأة السيئة هي نموذج للناس السيئين لا نموذج للنساء السيئات ( ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوحٍ وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً ) المقصود هنا من الخيانة هي الخيانة الرسالية والعقائدية والثقافية ، ولذا قال لنا الله تعالى :
( لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ) (15) .
الخيانة للنبي ، تعني سوء التعامل مع دينه ، الخيانة لله ، أي سوء السلوك تجاه الايمان هذه هي الخيانة الله والبني ، وعندما قال هنا : إن امرأة لوط وامرأة نوح خانتا هذين النبيين وأحدهما من الأنبياء إولي العزم والآخر حافظ الشريعة إبراهيم عليه السلام أي لم تؤمنا برسالتهما ، وهاتان نموذج للناس الكافرين .
بناء على هذا يتضح انه إذا كان الكلام عن ( الذين ) و ( آمنوا ) وأمثال ذلك ، فان المقصود حسب لغة الحوار ، هم الناس ، وليس الرجال ، وإذا أصبحت امرأة سيئة فهي نموذج لناس سيئين ، وليس نموذجاً لنساء سيئات وفي هذه الآية ( وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) رغم ان ( ادخلا ) كم هي تثنية مذكر فهي تثنية مؤنث أيضاً . فالمقصود بذكر ( الداخلين ) بصورة جمع مذكر سالم ، هو الناس الجهنميين وليس الرجال الجهنميين . هذان نموذجان للنساء السيئات .
امرأة فرعون ، نمودج الناس المؤمنين :
يذكر القرآن الكريم نموذجين جيدين من النساء أيضاً بصفتهن أسوة ، وقد قال الله تعالى بشأن النساء الفاضلات اللواتي عدهن نموذجاً للناس المؤمنين :( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ) (16) .
إن تعبير القرآن في هذه الآية ليس من امرأة فرعون هي نموذج للنساء الصالحات بل أن المراة الصالحة هي نموذج للمجتمع الإسلامي ، والمجتمع الرفيع يتأسى بهذه المرأة ، لا ان النساء فقط يجب ان يأخذن منها درساً . بل المجتمع الإسلامي يجب أن يأخذ منها الدرس .
إن الله تعالى لم يقل في هذه الآية : « وضرب الله مثلاً لللآتي آمن امرأة فرعون » بل قال : ( وضرب الله للذين آمنوا امرأة فرعون ) هذه المرأة كانت تعيش في بيت كان صاحبة يقول : ( أنا ربكم الأعلى ) (17) ويقول : ( ما علمت لكم من إله غيري ) (18) . إن جملة ( لا إله إلاّ أنا ) تشير إلى الحصر مثل ( لا إله إلا الله ) وهذا الحصر ادعاه فرعون . الله تعالى يقول :
( سبح اسم ربك الأعلى ) (19) .
الأعلى هو مفهوم يرافقه الحصر ، لهذا لا يمكن وجود اثنين بعنوان الأعلى ، ولكن فرعون كان يدعي الانحصار والأعلى ، كان يدعي الربوبية والتوحيد ، الربوبي أيضاً ، وكان يقول : انني الإله الوحيد في مثل هذا البيت نشأت امرأة هي نموذج الناس المتدينين ( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون ) .
ثم يذكر القرآن فضائل لهذ المرأة ويرى أهمها في بعد الدعاء حيث أخذت في هذا الدعاء ست نكات عظيمة . أصبحت هذه المرأة نموذجاً للنساء الصالحات بسبب انها قالت في الدعاء : ( إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ) .
هل ان امرأة فرعون تريد الجنة أم الله ؟ لقد طلبت الجنة عند الله ؟
الآخرون يطلبون الجنة ، ويطلبون من الله في أدعيتهم ( جنات تجري من تحتها الأنهار ) (20) ، لكن المرأة أرادت الله أولاً ثم طلبت عند الله بيتاً ، لم تقل : ( رب ابن لن بيتاً في الجنة ) ، ولم تقل : ( ربّ ابن لي بيتاً عندك في الجنة ) بل قالت : ( ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ) ذكرت أولاً عند الله ثم تكلمت عن الجنة ، أي إذا كان الكلام عن ( الجار ثم الدار ) (21) ، فإن هذه المرأة طبقت هذا المعنى في مسألة المقامات الإنسانية وطلبت الله أولاً ثم جنة عند الله . طلبت أولاً لقاء الله واللذة المعنوية ، ثم اللذة الظاهرية ( ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ) .
قد يكون هناك من يقول : ( ربّ ابن لي بيتاً في الجنة ) ثم يقول أخيراً ( عندك ) ، أي يقول ( الدار اثم الجار ) ، لكنها كانت هكذا تفكر ( الجار ثم الدار ) الله ثم الجنة ) ، ولذا قالت ( ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ) . طبعاً هناك فرق كبير بين الجنة التي تكون عند الله عند الله والجنة التي تجري من تحتها الأنهار .
المصادر :
1- سورة آل عمران ، الآية : 36 .
2- سورة القصص ، الآية : 7 .
3- سورة القصص ، الآية : 11 .
4- سورة القصص ، الآية : 9 .
5- سورة القصص ، الآية : 12 .
6- سورة القصص ، الآية : 4 .
7- سورة الأنبياء ، الآية : 107 .
8- سورة سبأ ، الآية : 28 .
9- سورة الفرقان ، الآية : 1 .
10- سورة الأحزاب ، الآية : 21 .
11- سورة الحج ، الآية : 78 .
12- سورة الممتحنة ، الآية : 4 .
13- سورة الممتحنة ، الآية : 6 .
14- سورة التحريم ، الآية : 10 .
15- سورة الأنفال ، الآية : 27 .
16- سورة التحريم ، الآية : 11 .
17- سورة النازعات ، الآية : 24 .
18- سورة القصص ، الآية : 38 .
19- سورة الأعلى ، الآية : 1 .
20- سورة الفرقان ، الآية : 10 .
21- بحار الأنوار ، ج 10 ، ص 25 .