سعيد بن العاص

هو سعيد بن العاص بن أحيحة بن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، القرشيّ ، الأمويّ ، المدنيّ .ويلقب بعكة العسل. ولّاه الخليفة عثمان بن عفّان إمارة الكوفة سنة 30 للهجرة ، وذلك بعد عزل الوليد بن
Friday, February 2, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
سعيد بن العاص
  سعيد بن العاص


هو سعيد بن العاص بن أحيحة بن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، القرشيّ ، الأمويّ ، المدنيّ .ويلقب بعكة العسل. ولّاه الخليفة عثمان بن عفّان إمارة الكوفة سنة 30 للهجرة ، وذلك بعد عزل الوليد بن عقبة بن أبي معيط (1).
نشأ سعيد فقيرا في حجر عثمان بن عفّان ، وقيل في حجر عمر بن الخطاب ، ثمّ رحل إلى الشام عند معاوية بن أبي سفيان ، ثمّ دعاه الخليفة عمر بن الخطاب فزوّجه إحدى بنات سفيان بن عوف ، ثمّ تزوّج أيضا بإحدى بنات مسعود بن نعيم النهشلي .
وكتب عثمان بن عفّان إلى أهل الكوفة حين ولّاهم سعيد بن العاص فقال : (أما بعد ، فإنّي ولّيتكم الوليد بن عقبة ، غلاما حين ذهب شرخه ، وشاب حلمه وأوصيته بكم ، ولم أوصيكم به ، فلمّا أعيتكم علاميته ، طعنتم في سريرته ، وقد وليكم سعيد بن العاص ، وهو خير عشيرته ، وأوصيكم به خيرا ، فاستوصوا به خيرا) .
وعند ما خرج سعيد من المدينة إلى الكوفة ، أخذ يرتجز في طريقه فيقول :
ويل نسيات العراق منّي / كأنّي سمعمع من جنّ
ولمّا وصل سعيد إلى الكوفة ، ودخل المسجد ، أمر بغسل المنبر ، وقال : إنّ الوليد كان رجسا ، نجسا ، ولم يصعد المنبر حتّى غسلوه ، وذلك انتقاما من الوليد وانتقاصا من شخصيته ، لأنّ الوليد كان أسخى نفسا ، وألين جانبا ، وأرضى عند أهل الكوفة من سعيد ، وقال بعض شعراء الكوفة (2) :
فررت من الوليد إلى سعيد / كأهل الحجر إذ جزعوا فباروا
ولمّا صعد سعيد المنبر ، ذمّ أهل الكوفة ، متهما إيّاهم بالشقاق والخلاف ، وقال أيضا : (والله بعثت اليكم ، وإنّي لكاره ، ولكنّي لم أجد بدّ إذ أمرت .. ألا إنّ الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها ، ووالله لأخزينّ وجهها حتّى أقمصها أو تعييني وإنّي لرائد نفسي اليوم.
ومرّت الأيّام بسعيد في الكوفة ، فاستبدّ بالأموال ، وسبّب ضررا كبيرا لأهل الكوفة وظهرت منه أمور منكرة ، حتّى قال في بعض الأيّام : (إنّما هذا السواد بستان لأغيلمة من قريش).
مما جعل أهل الكوفة يشكوه إلى الخليفة عثمان بن عفّان ، فذهب سعيد إلى المدينة ، واستخلف على الكوفة (عمرو بن حريث) وقيل استخلف (ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري) ، وذهب في نفس الوقت جماعة من أهل الكوفة فيهم الأشتر النخعي ، يطلبون من الخليفة عزل سعيد عن الكوفة ، فرفض عثمان طلبهم ، وأمر سعيد بأن يرجع إلى إمارته.
فرجع مالك الأشتر إلى الكوفة (قبل رجوع سعيد إليها) فاستولى عليها ، وصعد المنبر وخطب الناس قائلا : (هذا سعيد بن العاص ، قد أتاكم ، يزعم أنّ هذا السواد ، بستان لأغيلمة من قريش ، والسواد : مساقط رؤوسكم ، ومراكز رماحكم ، وفيؤكم ، وفيء آبائكم ، فمن كان يرى الله عليه حقّا ، فلينهض إلى الجرعة ، وبايعوني على أن لا يدخل سعيد للكوفة ، فبايعه عشرة آلاف من أهل الكوفة) (3).
ولمّا رجع سعيد بن العاص من المدينة إلى الكوفة ، منعوه من دخولها ، ولم يمهلوه حتّى لشراء ما يحتاجه من طعام وعلف ، وهدّدوه بالقتل إن لم يرجع في الحال ، فرجع سعيد والتحق بعثمان ، وبقي معه إلى أن حوصر عثمان فدافع عنه. ثمّ كتب مالك الأشتر إلى عثمان : (إنّنا والله ما منعنا عاملك من الدخول إلى الكوفة لنفسد عليك عملك ، ولكن لسوء سيرته فينا ، وشدّة عذابه ، فابعث إلى عملك من شئت)
وقيل إنّهم عينوا أبا موسى الأشعري" أميرا عليهم" وبعثوا إلى عثمان ابن عفّان يخبرونه بذلك ، ويطلبون موافقته ، كان ذلك سنة 34للهجرة وقال عتبة بن الوعل ـ شاعر أهل الكوفة :
تصدّق علينا يابن عفّان واحتسب / وأمّر علينا الأشعري لياليا
فقال عثمان : نعم ، وشهور ، وسنين ، إن أنا بقيت
وعند ما آل الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان عيّن سعيد بن العاص أميرا على" المدينة" بعد عزل مروان بن الحكم ، وفي تلك الفترة ، حصل نزاع وخلاف بين عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت الأنصاري ، وبين عبد الرحمن ابن الحكم بن العاصي ، حتّى تشاتما وتفاحشا ، ولمّا علم معاوية بذلك ، كتب إلى سعيد بن العاص ، يأمره أن يجلد كلّ واحد منهما مائة سوط ، غير أنّ سعيدا لم ينفّذ الأمر ، لأنّ ابن حسّان كان صديقا له وابن الحكم هو ابن عمّه.
وعند ما عزل سعيد بن العاص عن المدينة ، وأعيد مروان بن الحكم اليها ، أمر بضرب ابن حسّان مائة سوط ، ولم يضرب أخاه ، فكتب ابن حسّان إلى النعمان بن بشير الأنصاري في الشام" وكان من المقرّبين من معاوية" بقصيدة طويلة نقتطف منها الأبيات الآتية :
ليت شعري أغائب ليس بالشا / م خليلي أمّ راقد نعمان!!
أية ما يكون فقد يرجع الغا / ئب يوما ويوقظ الوسنان
إنّ عمرا وعامرا أبوينا / وحراما قدما على العهد كانوا
إنهم مانعوك أمّ قلّة الك / تّاب أمّ أنت عاتب غضبان؟
أم جفاء أمّ أعوزتك القراطي / س أمّ أمري به عليك هوان؟
فنسيت الأرحام والودّ والصح / بة فيما أتت به الأزمان
إنّما الرمح فاعلمنّ قناة / أو كبعض العيدان لو لا السنان
فذهب النعمان بن بشير إلى معاوية وقال له : (يا أمير المؤمنين ، إنّك أمرت سعيد بن العاص بأن يضرب ابن حسّان وابن الحكم مائة سوط ، إلّا أنّه لم ينفذ أمرك ، ثمّ ولّيت أخاك ، فضرب ابن حسّان ، ولم يضرب أخاه ، فقال معاوية : وماذا تريد؟ قال النعمان : أن تكتب إلى مروان بن الحكم ، لينفذ أمرك في أخيه ، كما نفذه في ابن حسّان. فكتب معاوية إلى مروان أن يضرب أخاه مائة سوط ، فضربه مروان خمسين سوطا ، وأرسل إلى ابن حسّان" حلّة" وطلب منه أن يعفو عن خمسين ، فأشاع ابن حسّان في أهل المدينة بأنّ مروان ضربه" حد الحر" مائة سوط ، وضرب أخاه" حد العبد" خمسين سوطا. وسرعان ما انتشرت هذه الكلمة بين الناس ، حتّى وصلت إلى عبد الرحمن بن الحكم ، ذهب إلى أخيه مروان ، وقال له : لا حاجة لي فيما عفا عنه ابن حسّان ، فبعث إليه وضرب أخاه خمسين سوطا بحضوره (4).
وعند ما كان سعيد بن العاص أميرا على الكوفة كان الشعراء ينشدون في مجلسه ، فهذا ينشد من شعره ، وذاك يقرأ شعر غيره ، والحطيئة جالس مطرق برأسه لا يتكلّم ، وأخيرا تكلّم الحطيئة فقال : (والله ما أصبتم جيد الشعر ، ولا شاعر الشعراء). فقال له سعيد : ومن هو أشعر العرب يا هذا؟ فقال الّذي يقول :
لا أعدّ الإقتار عدوا ولكن / فقد من قد رزئته الإعدام
من رجال من الأقارب باتوا / من جذام هم الرؤوس الكرام
سلط الموت والمنون عليهم / فلهم في صدى المقابر هام
وكذاكم سبيل كلّ أناس / سوف حقا تبليهم الأيّام
فقال سعيد : ويحك ، من أنت؟!! قال : الحطيئة. فقال سعيد : لعمر الله ، لأنت عندي أشعر منهم فأنشدني ، فقال الحطيئة :
سعيد وما يفعل سعيد فإنّه / نجيب ، فلاه في الرباط نجيب
سعيد فلا يغررك قلّة لحمه / تخدّر عنه اللحم فهو صليب
إذا غاب عنّا غاب عنا ربيعنا / ونسقى الغمام الغرّ حين يؤوب
فنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره / إذا الريح هبّت والمكان جديب
فأعطاه سعيد عشرة آلاف درهم.
ودخل الفرزدق يوما على سعيد بن العاص ، وكان عنده الحطيئة فقال (5) :
إليك فررت منك ومن زياد / ولم أحسب دمي لكما حلالا
فإن يكن الهجاء حلّ قتلي / فقد قلنا لشاعركم وقالا
نرى الغرّ الجماجم من قريش / إذا ما الأمر في الحدثان عالا
قياما ينظرون إلى سعيد / كأنّهم يرون به هلالا
وعند ما كان الفرزدق مقيما في المدينة قال:
هما دلتاني من ثمانين قامة / كما انقض باز أقتم الريش كاسره
فلمّا استوت رجلاي في الأرض قالتا / أحيّ فيرجى؟ أمّ قتيل تحاذره؟
فقلت : ارفعا الأسباب لا يشعروا بنا / وأقبلت في اعجاز ليل أبادره
أحاذر بوّابين قد وكّلا بنا / وأسود من ساج نصرّ مسامره
فلمّا سمع أهل المدينة هذه الأبيات ، ذهبوا إلى مروان بن الحكم ، وقالوا له : إنّ هذا الشعر ، قد أساء إلى أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّ الفرزدق بشعره هذا ، قد أوجب عليه" الحدّ" فأمر مروان بإخراج الفرزدق من المدينة ، ولمّا سمع الفرزدق ، هرب وذهب إلى سعيد بن العاص ، وكان عنده الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر "عليهم‌السلام" فأخبرهم بقصته ، فأعطاه كلّ واحد منهم مائة دينار ، ثمّ ذهب إلى البصرة (6).
وعند ما كان سعيد بن العاص أميرا على الكوفة كتب إلى عثمان بن عفّان يخبره بأن جماعة من أهل الكوفة : (يعيبوني ، ويعيبوك ، ويطعنون في ديننا ، وقد خشيت أن يكثروا فيثبت أمرهم). فكتب إليه عثمان : (سيّرهم إلى معاوية) ، وكان معاوية آنذاك أميرا على الشام ، فسيّرهم سعيد إلى معاوية ، وكانوا تسعة أشخاص فيهم : مالك الأشتر ، وثابت بن قيس بن منقع ، وكميل بن زياد النخعي ، وصعصعة بن صوحان.
وعند ما ذهب طلحة والزبير وعائشة ومؤيدوهم إلى البصرة كان سعيد بن العاص معهم فخطب فيهم وقال : (أما بعد فإنّ عثمان عاش حميدا ، وذهب فقيرا ، شهيدا ، وقد زعمتم أنّكم خرجتم تطلبون بدمه ، فإن كنتم تريدون ذا ، فإنّ قتلته على هذه المطيّ فميلوا عليهم). فقال مروان بن الحكم : لا بل نضرب بعضهم ببعض.
وقال المغيرة بن شعبة : الرأي ما قاله سعيد.
ولمّا رأى سعيد بن العاص إصرارهم على الذهاب إلى البصرة ، تركهم وذهب إلى" الطائف" مع من تبعه من أهل مكّة ، إلى أن انتهت معارك الجمل وصفّين.
وعند ما صار الأمر إلى معاوية ، وصفا له الجوّ ، ذهب سعيد إليه ، فرحّب به معاوية ، وأعطاه مالا كثيرا ، ثمّ عيّنه أميرا إلى أن مات .
وعند ما كان سعيد بن العاص أميرا على المدينة أمره معاوية أن يهدم دار مروان بن الحكم ، فكان سعيد يحتفظ بالكتاب ، ولا ينفّذه ، حتّى كثرت كتب معاوية بهذا الشأن ، ثمّ إنّ معاوية عزل سعيد بن العاص عن المدينة ، وولى مكانه مروان بن الحكم ، فكتب إليه معاوية يأمره بهدم دار سعيد بن العاص ، ولمّا سمع سعيد بذلك ، جاء بجميع الكتب الّتي سبق وأرسلها إليه معاوية ، والّتي يأمره بهدم دار مروان فسلمها إلى مروان ، عندها كتب مروان إلى معاوية قائلا (7) :
كتبت اليّ تأمرني بعق / كما قبلي كتبت إلى سعيد
فلمّا عصاك أردت حملي / على ملسا وتزلف بالصعيد
لأقطع واصلا وأخا حفاظ / فرأيك ليس بالرأي السديد
وقيل قال عمر بن الخطاب لسعيد بن العاص ذات يوم : (مالي أراك معرضا عني ، كأنّك ترى أنّي قتلت أباك ؟ ما أنا قتلته ، ولكنه قتله عليّ ابن أبي طالب ، ولو قتلته ، ما اعتذرت من قتل مشرك ، ولكنني قتلت خالي" العاصي بن هشام بن المغيرة" بيدي".
فقال له سعيد : (يا أمير المؤمنين ، لو قتلته ، كنت على حقّ ، وكان على باطل) .
مات سعيد بن العاص في قصره" بالعرصة" على بعد ثلاثة أميال من المدينة سنة 58 للهجرة ، وقيل سنة 59 .
ولمّا مات سعيد بن العاص ، ذهب ابنه" عمرو الأشدق" إلى معاوية بن أبي سفيان ، فباعه قصر أبيه الّذي في" العرصة" بثلثمائة ألف درهم ، وقيل بألف ألف درهم (8).
المصادر :
1- تاريخ الطبري. ج ٤ / ٢٧١ وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٤٢ وباقر القرشي ـ حياة الإمام الحسن. ج ١ / ٢٤٠.
2- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٥ / ١٤٥ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ١٠٨.
3- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٣٨.
4- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٦ / ٣٨.المصدر السابق. ج ١٦ / ٣٩.
5- الشريف المرتضى : غرر الفوائد ودرر القلائد. ج ١ / ٢٩٧.
6- ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٤ / ٩٠.
7- عبد القادر بدران ـ تهذيب تاريخ ابن عساكر. ج ٦ / ١٤٢.
8- الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٤٤٨.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.