
عمارة بن شهاب من المهاجرين الّذين هاجروا من مكّة إلى المدينة ، وله صحبة (١).
ولّاه الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام إمارة الكوفة سنة 35 للهجرة (٢) ، وقيل سنة 36 (٣) ، وذلك بعد عزل أبي موسى الأشعري المعين من قبل الخليفة عثمان بن عفّان.
وعند ما وصل عمّارة بن شهاب إلى" زباله" (٤) عند ذهابه إلى الكوفة لقيه طليحة بن خويلد الأسدي (٥) ، وقد خرج مطالبا بدم عثمان ، وهو يقول :
" لهفي على أمر سبقني ، ولم أدركه".
" يا ليتني كنت جدع أكر فيها وأضع".
فقال له طليحة : من أنت؟ قال : عمّارة بن حسّان بن شهاب.
قال طليحة : وما الّذي جاء بك؟ قال عمارة : بعثت إلى الكوفة أميرا.
قال : ومن بعثك؟
قال عمارة : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.
قال طليحة : (إلحق بطيّك ، فإنّ القوم لا يريدون بأميرهم أبي موسى الأشعري بدلا وإن أبيت ، ضربت عنقك) (٦).
فرجع عمارة ، وهو يقول : (احذر الخطر ما يماسك ، الشرّ خير من شرّ منه) (7). ثمّ أخبر الإمام عليّ بما جرى له مع طليحة. فعزله.
قرضة بن كعب الأنصاريّ
هو : قرضة بن كعب بن ثعلبة بن عمرو بن كعب بن مالك بن ثعلبة ابن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج ، الأنصاريّ الخزرجيّ ، حليف بني عبد الأشهل ، وكنيته : أبو عمر (8).
ولّاه الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام إمارة الكوفة سنة 36 للهجرة (9) ، بعد إقالة أبي موسى الأشعري عنها" وبعد أن رجع عمارة بن شهاب إلى المدينة عند توليته الكوفة من قبل الإمام عليهالسلام.
ثمّ استخلفه الإمام عليّ عليهالسلام على الكوفة أيضا ، وذلك عند ذهابه إلى" صفّين" (10). وكان قرضة بن كعب قد شهد مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حرب أحد وما بعدها ، وفتح الله على يديه" الريّ" في خلافة عمر سنة 24 للهجرة (11) ، كما وكان على خيل الجيش عند ما ذهب أبو موسى إلى" تستر".
وقرضة بن كعب من الصحابة الأجلاء ، الّذين حفظوا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا أنّه منع من التحدث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيّام أبي بكر وعمر ، فقد جمع أبو بكر الناس بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال لهم : (إنّكم تحدّثون عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشدّ اختلافا ، فلا تحدّثوا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه) (12).
وقرضة بن كعب هو : أحد العشرة من الأنصار ، الّذين بعثهم الخليفة عمر بن الخطاب إلى الكوفة ، وحينما خرجوا من الكوفة ، سار معهم حتّى أوصلهم خارج المدينة. ثمّ سألهم عمر : (أتدرون لم شيّعتكم؟) قالوا : نعم ، مكرمة لنا. قال : (ومع ذلك ، فإنّكم تأتون أهل القرية ، لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم ، جوّدوا القرآن ، وأقلّوا الرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا شريككم) (13).
وكان قرضة بن كعب رئيس جماعته ، وهو المتحدّث فيهم. ولمّا وصل قرضة بن كعب إلى الكوفة ، قالوا له : حدّثنا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : (نهانا عمر) (14).
وعند ما كان قرضة بن كعب أميرا على الكوفة ، كتب إلى الإمام عليّ عليهالسلام يقول : (بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ، فإنّي أخبر أمير المؤمنين ، أنّ خيلا مرّت بنا من قبل ناحية الكوفة ، متوجهة نحو" نفر" (15) ، وأنّ رجلا من دهاقين أسفل الفرات قد صلّى ، يقال له" زاذان بن فروخ" أقبل من قبل أخواله في ناحية" نفر" فعرضوا له وقالوا له : (أمسلم أمّ كافر؟) فقال : بل أنا مسلم.
قالوا : فما هو قولك في عليّ؟
قال : أقول فيه خيرا ، أقول : أنّه أمير المؤمنين ، وسيد البشر بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فقالوا له : كفرت يا عدوّ الله. ثمّ حملت عليه عصابة منهم فقتلوه ، ثمّ مثلوا به وقطّعوه ووجدوا معه رجلا من أهل الذمّة ، فقالوا له : من أنت؟
قال : رجل من أهل الذمّة ، فتركوه. ثمّ جاء إلينا ذلك الذّميّ ، فأخبرنا بذلك. وقد سألت عنهم ، فلم يخبرني أحد عنهم بشيء ، فليكتب اليّ أمير المؤمنين برأيه فيهم والسلام) (16).
فكتب إليه الإمام عليّ عليهالسلام : (أما بعد ، فقد فهمت ما ذكرت من العصابة الّتي مرّت بك فقتلت البرّ المسلم ، وآمن عندهم المخالف الكافر ، وأن أولئك قوم استهواهم الشيطان فضلّوا ، وكانوا كالذين حسبوا ألا تكون فتنة ، فعموا وصمّوا ، فاسمع بهم وأبصر يوم تخبر أعمالهم ، والزم عملك ، وأقبل على خراجك ، فإنّك كما ذكرت في طاعتك ونصيحتك ، والسلام) (17).
وكان الإمام عليّ عليهالسلام يوصي (عمّاله) الرفق بالرعيّة ، والاهتمام بشؤون الناس جميعا ، فقد كتب كتابا إلى قرضة بن كعب جاء فيه : (أما بعد ، فإنّ رجالا من أهل الذمّة من عملك ، ذكروا أنّ نهرا في أرضهم قد عفا ودفن ، وفيه لهم عمارة على المسلمين ، فانظر ، أنت وهم ، وأصلح النهر ، فلعمري لئن يعمروا ، أحبّ اليّ من أن يخرجوا ، أو يقصّروا في واجب من صلاح البلاد ، والسلام) (18).
ومن المتناقضات والمفارقات في هذه الدنيا" وما أكثرها" فقد كان لقرضة بن كعب ولدان هما" عمرو" و" عليّ". فكان عمرو من أصحاب الحسين عليهالسلام في واقعة كربلاء وقاتل مع الحسين وهو يرتجز ويقول (19) :
قد علمت كتيبة الأنصار
نّي سأحمي حوزة الذّمار
ضرب غلام غير نكس شاري
دون حسين مهجتي وداري
ثمّ استشهد ودفن مع الشهداء ، قرب قبر الحسين عليهالسلام.
أما" عليّ" فقد كان مع جيش الأعداء ، مع" عمر بن سعد بن أبي وقّاص" ، وحينما رأى أخاه قد قتل ، نادى : يا حسين ، يا كذّاب ابن الكذّاب ، أضللت أخي وغررته حتّى قتلته. فقال له الحسين عليهالسلام (إنّ الله لم يضلّ أخاك ، ولكنه هدى أخاك وأضلّك) فقال له" عليّ" : (قتلني الله إنّ لم أقتلك) ، فهجم على الحسين عليهالسلام ، فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه ثمّ صرعه ، ثمّ جاء أصحابه فحملوه واستنقذوه .
مات قرضة بن كعب الأنصاري بالكوفة ، في خلافة الإمام عليّ عليهالسلام وهو الّذي صلّى عليه ، وله عقب في الكوفة.
المصادر :
1- أبو الفداء ـ المختصر من أخبار البشر. ج ١ / ١٧٢ وابن الوردي ـ تتمة المختصر. ج ١ / ٢٣٦.
2- ابن حبان ـ الثقات. ج ٢ / ٢٧٣ وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ٧ / ٣٢٨.
3- ابن الوردي ـ تتمة المختصر. ج ١ / ٢٣٦ وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ١ / ٣٢٧ وتاريخ الكوفة ـ البراقي ٢٤١ ومحمّد أحمد كنعان ـ تاريخ الخلافة الراشدة ص ٣٤٤.
4- زباله : اسم منطقة للإستراحة ما بين المدينة والكوفة" رحلة بن جبير ص ١٦٤".
5- طليحة : وقد ادّعى النبوّة في خلافة أبي بكر الصدّيق
6- ابن حبان ـ الثقات. ج ٢ / ٢٧٤ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ٢٠٢ ومحمّد أبو الفضل إبراهيم ـ أيّام العرب ص
7- تاريخ الطبري. ج ٥ / ١٦٢ وابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ٢٠٢.
8- ابن حبان ـ الثقات. ج ٣ / ٣٤٨ والخطيب البغدادي. ج ١ / ١٨٥ والمزني ـ تهذيب الكمال. ج ٢٣ / ٥٦٣.
9- تاريخ خليفة بن خياط. ج ١ / ١٨٠ وتاريخ الطبري. ج ٤ / ٤٩٩ والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٥٩.
10- المصدر السابق الأول. ج ١ / ٢٠٢.
11- المزني ـ تهذيب الكمال. ج ٢٣ / ٥٦٣.
12- محمّد حسنين هيكل ـ الفاروق عمر. ج ٢ / ٢٨٨.
13- المصدر السابق. ج ٢ / ٢٨٩.
14- المصدر اعلاه. ج ٢ / ٢٨٨.
15- نفر : بلدة قديمة واقعة على شاطئ الفرات الأيسر ، كان فيها هيكل" أنليل ونبلنلبل" من أوثان سومر وبابل نحو ٢٩٠٠ قبل الميلاد.
16- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٥١٧.
17- نفس المصدر السابق.
18- تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٧٩.
19- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٤٣٤.