
هو مالك بن الحارث بن الأشتر النخعي (١). ثار بالكوفة سنة 34 للهجرة على سعيد بن العاص" أمير الكوفة" المعيّن من قبل الخليفة عثمان بن عفّان ، ذلك لأن سعيد بن العاص ، قد خطب في أهل الكوفة فذّمهم ووصفهم بالشقاق والنفاق والخلاف ، وقال : (إنّما هذا السواد لأغيلمة من قريش) (٢). ثمّ سبب لأهل الكوفة ضررا كبيرا ، مما جعل أهل الكوفة يشكوه لدى الخليفة عثمان بن عفّان ، فرفض الخليفة شكواهم ، فثاروا على سعيد بن العاص وطردوه من الكوفة. ثمّ بعد ذلك اتّفق أهل الكوفة على أبي موسى الأشعري فعينوه أميرا عليهم (٣).
ومالك الأشتر ، من كبار الشجعان ، أدرك الجاهلية ، وأدرك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان رئيس قومه ، وشهد معركة اليرموك ، وذهبت عينه فيها ، وكان مع الإمام عليّ عليهالسلام في حربي (الجمل وصفّين) وسكن الكوفة ، وله فيها ذرّية ، وله شعر جيد (٤).
أرسله الإمام عليّ عليهالسلام أميرا على مصر ، ولمّا سمع معاوية بن أبي سفيان بتوليته على مصر ، كتب إلى (الخانسيار) بأنّه إذا قتل مالك الأشتر ، فسوف لا يأخذ منه الخراج مادام حيّا ، فالتقى الخانسيار بالأشتر في طريقه إلى مصر ، وجيء له بالطعام والشراب ، وقدموا له أيضا" عسلا" ووضعوا فيه سما ، فلمّا شربه ، مات الأشتر.
ولمّا سمع معاوية وعمرو بن العاص ، فرحا كثيرا فقال عمرو بن العاص : (إنّ لله جنودا من عسل) (5) ، وقيل غير ذلك في قتله.
وعند ما سمع الإمام عليّ عليهالسلام بموت مالك قال : (رحم الله مالكا وما ملك ، لو كان من جبل لكان فندا (6) ، أو من حجر لكان صلدا ، على مثل مالك فلتبكي البواكي وهل يوجد مثل مالك؟ فلقد كان لي ، كما كنت لرسول الله) (7).
وقصّة مالك الأشتر مع عبد الله بن الزبير مشهورة ، وهي : في معركة الجمل الّتي دارت رحاها في البصرة بين طلحة والزبير وعائشة" أمّ المؤمنين" من جهة ، وبين الإمام عليّ عليهالسلام من جهة أخرى ، كان عبد الله بن الزبير مع خالته" عائشة" وكان مالك بن الأشتر مع الإمام عليّ عليهالسلام ، وعند ما بدأت الحرب بين الطرفين ، برز عبد الله بن الزبير ، فخرج له مالك الأشتر ، فكانا يتجاولان ويتصارعان ، فتارة يصرع مالك وتارة أخرى يصرع عبد الله بن الزبير ، وعند ما صرع عبد الله بن الزبير ، جلس مالك على صدره فقال عبد الله (8) :
أقتلاني ومالكا
واقتلا مالكا معي
فافترقا ولم يقتل أحدهما الآخر.
وقيل إنّ" عائشة" أعطت عشرة آلاف درهم للّذي بشرها بنجاة ابن أختها عبد الله. وقيل : إنّ الأشتر دخل على أمّ المؤمنين" عائشة" بعد المعركة فقالت له : يا أشتر ، أنت الّذي أردت أن تقتل ابن أختي يوم الوقعة؟ فقال الأشتر (8) :
أعائش لو لا إنّني كنت طاويا / ثلاثا لألفيت ابن أختك هالكا
غداة ينادي والرماح تنوشه / بآخر صوت : اقتلاني ومالكا
فنجّاه منّي أكله وسنانه / وخلوة جوف لم يكن متمالكا
وقيل إنّ الأشتر قال لعبد الله بن الزبير أثناء المبارزة : (والله لو لا قرابتك من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما اجتمع منك عضو إلى عضو أبدا) (9).
وفي حرب صفّين الّتي وقعت بين الإمام عليّ عليهالسلام وبين معاوية بن أبي سفيان كان عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جيش معاوية ، ومعه أربعة آلاف مقاتل ، فقال له الإمام عليهالسلام : (ويحك يا ابن عمر!! علام تقاتلني؟!! والله لو كان أبوك حيّا ، لمّا قاتلني) (10) ثمّ طلب عبيد الله بن عمر بن مالك الأشتر أن يبارزه ، فخرج الأشتر وهو يقول (11) :
إنّي أنا الأشتر معروف السير / إنّي أنا الأفعى العراقي الذكر
لست من الحي ربيع أو مضر / لكنّني في مذحج البيض الغرر
فانصرف عبيد الله ، ولم يبارز الأشتر.
وقيل : إنّ عبيد الله بن عمر ، حينما برز أمام الناس في حرب صفّين قال (12) :
أنا عبيد الله ينميني عمر / خير قريش من مضى ومن غبر
قد أبطأت في نصر عثمان مضر / غير نبي الله والشيخ الأغر
والربيعيون ، فلا أسقوا المطر
ومن شعر مالك الأشتر أنّه قال (13) :
بقيت وفري وانحرفت عن العلى / ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشنّ على ابن هند غارة / لم تخل يوما من شهاب نفوس
خيلا كأمثال السعالى شزبا / تعدو ببيض في الكريهة شوس
حمى الحديد عليهم فكأنّهم / لمعان برق أو شعاع نفوس
مات مالك الأشتر في الطريق" مسموما" في شهر رجب من سنة 37 (14) للهجرة وقيل سنة 38 (15).
المصادر:
1- ابن بكار ـ الأخبار الموفقيات ص ٥٢٩ والزركلي ـ الأعلام. ج ٦ / ١٣١.
2- عبد القادر بدران ـ تهذيب تاريخ ابن عساكر. ج ٦ / ١٣٨.
3- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ١٩٠ والسيوطي ـ تاريخ الخلفاء ص ١٧٨ وابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ٤٠ وبدران ـ تهذيب تاريخ دمشق. ج ٦ / ١٣٧.
4- الزركلي ـ الأعلام. ج ٦ / ١٣١.
5- العسقلاني ـ تهذيب التهذيب. ج ١٠ / ١١ وابن تغري بردى ـ النجوم الزاهرة. ج ١ / ١٠٤.
6- الفند : الجبل العظيم.
7- نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين ص ٥٤٧ ، والزركلي ـ الأعلام. ج ٦ / ١٣١ وابن أبي الحديد ـ شرح النهج. ج ٢ / ٢١٤.
8- ابن تغري بردى ـ النجوم الزاهرة. ج ١ / ١٠٥.
9- ابن تغري بردى ـ النجوم الزاهرة. ج ١ / ١٠٦.
10- المصدر السابق. ج ١ / ١٠٥.
11- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٨٠.
12- المصدر السابق ، ج ٢ / ٣٨١.
13- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٣٨٠.
14- المرزباني ـ معجم الشعراء ـ ٣٩٦ وجمال الدين أبو المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ١ / ١٠٣.
15- العسقلاني ـ تهذيب التهذيب. ج ١ / ١١.