
المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وأمه ضريبة بنت سعيد بن القشب ، وكنيته : أبو يحيى (1).
استخلفه الإمام الحسن بن عليّ عليهالسلام سنة 40 للهجرة أميرا على الكوفة ، وذلك عند ذهابه لمعسكر النّخيلة استعدادا لملاقاة معاوية في حرب صفّين (2).
وكان المغيرة يعتقد بأنّه لن يتأخر أحد من أهل الكوفة عن تلبية دعوة الإمام الحسن عليهالسلام ، ولكنّ الّذي حصل هو عكس ما كان يعتقده ، إذ لم يلتحق بمعسكر النّخيلة إلّا عدد ضئيل ، وحتّى السرايا الّتي كان الإمام عليّ عليهالسلام قد أعدها للعودة إلى محاربة معاوية" قبل قتله"" قد تمرّد أكثرها ، وتثاقل بعضها (3).
وفي معركة بدر الكبرى أخذ المشركون معهم من بني هاشم المقيمين في مكّة" عنوة" وذلك لمحاربة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان من بينهم نوفل بن الحارث" أبو المغيرة" فأنشد يقول (4) :
حرام عليّ حرب أحمد إنّني / أرى أحمدا مني قريبا أواصره
وإن تك فهر ألّبت وتجمعت / عليه فإن الله لا شكّ ناصره
فوقع" نوفل" أسيرا في تلك المعركة ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (أفد نفسك يا نوفل) فقال نوفل : لا يوجد عندي شيء أفدي به نفسي يا رسول الله.
قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إفد نفسك برماحك الّتي في" جدة" ، (5) فتعجب نوفل من قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث لا يعلم بالرماح غيره. بعدها أسلم نوفل وقال : (أشهد أنّك رسول الله) ففدى نفسه بها ، وكان عددها ألف رمح. ثمّ قال (6) :
إليكم إليكم إنّني لست منكم / تبرأت من دين الشيوخ الأكابر
لعمركم ما ديني بشيء أبيعه / وما أنا إذا أسلمت يوما بكافر
شهدت على أنّ النبيّ محمّد / أتى بالهدى من ربّه والبصائر
وأنّ رسول الله يدعو إلى التقى / وأنّ رسول الله ليس بشاعر
على ذلك أحيا ثمّ أبعث موقفا / وأنوي عليه ميتا في المقابر
وعند ما ضرب عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، الإمام عليّ بن أبي طالب ، وهو يؤدّي الصلاة في مسجد الكوفة ، انهزم عبد الرحمن فتبعه الناس ، فأخذ المرادي يبعد الناس عنه بسيفه فتقدم إليه المغيرة بن نوفل ، ورماه بقطيفته ، ثمّ قبض عليه ، وطرحه أرضا ، وكان المغيرة" أعسر اليد" وجلس على صدره ، ثمّ جاء الناس ، وأخذوا السيف منه ، ثمّ أخذوا عبد الرحمن بن ملجم إلى الإمام عليّ عليهالسلام (7)
فنظر إليه الإمام عليهالسلام ثمّ قال لولديه" الحسن والحسين عليهماالسلام" : (رفقا بأسيركما) ، ثمّ قال عليهالسلام : (ألا لا تقتلن بي قاتلي ، انظروا إذا أنا متّ من ضربته فاضربوه ضربة بضربة ، ولا تمثلوا بالرجل ، فإنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور) (8).
وكان الربيع بن العاص بن عبد العزّى بن عبد شمس" وهو ابن أخت خديجة الكبرى" قد تزوج من زينب بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فولدت له ولدا سماه" عليّا" وبنتا سماها" إمامة" ، وقد تزوج الإمام عليّ عليهالسلام بأمامة بعد وفاة فاطمة الزهراء عليهالسلام فولدت له" محمّد الأوسط" ، وبعد استشهاد الإمام عليّ عليهالسلام أخذها عمّها عبد الرحمن بن محرز بن حارثة بن ربيعة إلى المدينة ، ولمّا سمع معاوية بن أبي سفيان بذلك ، كتب إلى مروان (9) بن الحكم ، أن يخطبها له ، فطلبها مروان لمعاوية ، فقالت" إمامة" : بأن أمرها موكول بيد المغيرة بن نوفل ، فذهب مروان إلى المغيرة خاطبا منه" أمامة" فقال له المغيرة : بأنه قد تزوجها ، وأن صداقها أربعمائة دينار. فكتب مروان إلى معاوية يعلمه ما حدث (10).
وقيل إنّ الإمام عليّ عليهالسلام قد أوصى المغيرة بن نوفل أن يتزوج إمامة بنت الربيع لكيلا يتزوجها معاوية (11).
ثمّ إنّ معاوية بن أبي سفيان ، أرسل المغيرة بن نوفل إلى" الصفراء" فمات هناك وماتت إمامة في الصفراء أيضا (12).
وكان المغيرة بن نوفل ، قد ولي القضاء في المدينة في خلافة عثمان بن عفّان (13) ، وشهد حرب صفّين (14) مع الإمام عليّ عليهالسلام ، وله أحاديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد أخبره أبي بن كعب الأنصاري : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : (لا تقوم الساعة حتّى يحسر الفرات على تلّ من ذهب ، فيقتتل الناس عليه ، فيقتل تسعة أعشارهم) (15).
وعن عليّ بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب أنّه قال : (إنّ كعبا أخذ بيد المغيرة بن نوفل فقال : (اشفع لي يوم القيامة) فانتزع المغيرة يده من يده وقال : (وما أنا ، إنمّا أنا رجل من المسلمين) قال فأخذ بيده فغمزها غمزا شديدا وقال : (ما من مؤمن من آل محمّد ، إلّا وله شفاعة يوم القيامة) ثمّ قال : أذكر هذا بهذا).
وقيل إنّ كعب الأحبار قال للمغيرة بن نوفل : (والّذي نفسي بيده ليبدأ محمّد بالشفاعة يوم القيامة بالأقرب فالأقرب) (16).
وكان المغيرة بن نوفل مع الإمام الحسين عليهالسلام عند مجيئه إلى كربلاء ، فمرض في الطريق ، فطلب من الحسين عليهالسلام أن يسمح له بالرجوع إلى المدينة.
ولمّا قتل الحسين عليهالسلام في كربلاء ، وسمع المغيرة به قال (17) :
أحزنني الدهر وأبكاني / والدهر ذو صرف وألوان
أخبروني عن تسعة قتلوا / بالطف أضحوا رهن أكفان
وستة ليس لهم شبه / بني عقيل خير فرسان
والمرء عون وأخيه مضى / كلاهما هيّج أحزاني
من كان مسرورا بما نالنا / وشامتا يوما آن
المصادر :
1- ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٢٢.
2- ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٤ / ١٥٣ والشيخ راضي آل ياسين ـ صلح الحسن. ص ١١٦.
3- الشيخ راضي آل ياسين ـ صلح الحسن. ص ١٠٢.
4- ابن سعد ـ الطبقات. ج ٤ / ٤٥.
5- جده : ميناء كبير في المملكة العربية السعودية.
6- ابن سعد ـ الطبقات. ج ٤ / ٤٥.
7- المبرد ـ الكامل. ج ٣ / ١٩٩.
8- ابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ٦ / ١٧.
9- مروان بن الحكم : كان أمير المدينة آنذاك.
10- البلاذري ـ أنساب الأشراف. ج ١ / ٤٠٠.
11- ابن قتيبة ـ المعارف. ص ١٢٧.
12- نفس المصدر السابق.
13- الذهبي ـ تاريخ الأعلام. ج ٤ / ١٢٤.
14- ابن قتيبة ـ المعارف. ص ١٢٧.
15- البسوي" الفسوي" ـ المعرفة والتاريخ. ج ١ / ٤١٦.
16- ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٢٣.
17- الآمدي ـ المؤتلف والمختلف. ص ٣٦٩.