
ابرز انجازات ابو موسی الاشعري هي التواطؤ على خلع الخليفة الشرعي دون وجه حق، وهو الذي يفترض فيه أنه قد ذهب حكماً عنه لا عليه، والرائد لا يكذب أهله، ولكنه خان الذين ائتمنوه. وصمّ سمعه عن نصائح المخلصين من الصحابة.
ولعل من المستغرب أن يحظى هذا الرجل بكل هذا التكريم والتبجيل من المؤلفين ذوي الاتجاه المعروف، حتى وصفه ابن العربي بتلك الصفات ، ولكن البحث عن ماضي هذا الرجل يكشف عن خفايا رهيبة تصطك لها المسامع، فقد قال ابن عبد البر في ترجمته:
كان أبو موسى الأشعري منحرفاً عن علي (عليه السلام)، لأنه عزله ولم يستعمله، وكان لحذيفة قبل ذلك فيه كلام!!(1).
ترى ما هو الكلام الذي ذكره حذيفة - صاحب سرّ رسول الله- في أبي موسى، وأضمره ابن عبدالبر ولم يذكره؟!
قال حذيفة -وقد ذُكر عنده أبو موسى بالدّين-: أما أنتم فتقولون ذلك، وأمّا أنا فأشهد أنه عدوّ لله ولرسوله، وحرب لهما في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار!
وكان حذيفة عارفاً بالمنافقين، أسرّ إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرهم وأعلمه أسماءهم. وروي أن عمّاراً سُئل عن أبي موسى، فقال: لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيماً، سمعته يقول:
صاحب البرنس الأسود، ثم كلح كلوحاً علمت منه أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط!(2).
فأبو موسى ـ حسب هذه الروايه ـ هو أحد المتآمرين لاغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة!! وخلاصة قصتها، أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعد أن عاد من غزوة تبوك، فلما كان ببعض الطريق "مكر به اُناس من المنافقين وائتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق. فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) تلك العقبة.
أرادوا أن يسلكوها معه، فاُخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) خبرهم، فقال للناس: اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع. فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) العقبة،
وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان يسوق من خلفه. فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسير في العقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشوه، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم وقد رأوا غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، وظن القوم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد اطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فساق به.
فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من العقبة نزل الناس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله):
يا حذيفة، هل عرفت أحداً من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول الله، عرفتُ راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل...
كان أهل العقبة الذين أرادوا بالنبي (صلى الله عليه وآله) ثلاثة عشر رجلا، قد سمّاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحذيفة وعمار رحمهما الله...(3)
وقد أخرج المحدثون قصة العقبة، فروى الإمام مسلم عن أبي الطفيل قال:
كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله، كم كان أصحاب العقبة؟ قال: فقال له القوم: أخبره إذ سألك. قال: كنا نُخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنتَ منهم فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة. قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا علمنا بما أراد القوم. وقد كان في حرة، فمشى فقال: "إن الماء قليل، فلا يسبقني إليه أحد".
فوجد قوماً قد سبقوه، فلعنهم يومئذ.
وأخرج عن قيس قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر علي، أرأياً رأيتموه أو شيئاً عهده إليكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
فقال: ما عهد إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً لم يعهده الى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله):
"في أصحابي إثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدُّبيلة، وأربعة..." لم أحفظ ما قال شعبة فيهم(4).
ولقد أكّد معاوية بن أبي سفيان على دور أبي موسى الأشعري في نصرته وخيانة علي بن أبي طالب، فقد روى الطبري عن أحمد (ابن زهير) بسنده قال: قدم أبو موسى على معاوية، فدخل عليه في برنس أسود، فقال: السلام عليك يا أمين الله! قال: وعليك السلام.
فلما خرج قال معاوية: قدم الشيخ لاُولّيه! ولا والله لا اُولّيه.
وروى أيضاً عن عبدالله بن أحمد بسنده إلى أبي بردة(5).
قال: دخلت على معاوية حيث أصابته قرحته، فقال: هلم يا ابن أخي نحوي فانظر، فنظرت فإذا هي قد سبُرت، فقلت: ليس عليك بأس يا أمير المؤمنين. فدخل يزيد فقال معاوية: إن وليت من أمر الناس شيئاً فاستوصِ بهذا، فإن أباه كان لي خليلا -أو نحو ذلك من القول- غير أني رأيت في القتال ما لم يره(6).
فمعاوية قد اعتبر أبا موسى خليله، ومثل هذا اللفظ لا يقال إلاّ في حق الأعوان المقربين المخلصين، وكان أبو موسى يطمع في الولاية -كما يتبين من كلام معاوية- ولكن معاوية كافأه على خدماته بحرمانه من الولاية، ربما لعدم ثقته باخلاص هذا الرجل!
المصادر :
1- الاستيعاب 4: 326.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13: 314.
3- مغازي الواقدي 3: 1042.
4- صحيح مسلم 4: 2143، 2144، باب صفات المنافقين، وانظر مسند أحمد 5: 390، 453، مجمع الزوائد 1: 110، الدر المنثور للسيوطي 3: 258 آية 72 من سورة التوبة.
5- هو ابن أبي موسى الأشعري.
6- تاريخ الطبري 5: 332 حوادث سنة 60، أنساب الأشراف 5: 24، 50.
ولعل من المستغرب أن يحظى هذا الرجل بكل هذا التكريم والتبجيل من المؤلفين ذوي الاتجاه المعروف، حتى وصفه ابن العربي بتلك الصفات ، ولكن البحث عن ماضي هذا الرجل يكشف عن خفايا رهيبة تصطك لها المسامع، فقد قال ابن عبد البر في ترجمته:
كان أبو موسى الأشعري منحرفاً عن علي (عليه السلام)، لأنه عزله ولم يستعمله، وكان لحذيفة قبل ذلك فيه كلام!!(1).
ترى ما هو الكلام الذي ذكره حذيفة - صاحب سرّ رسول الله- في أبي موسى، وأضمره ابن عبدالبر ولم يذكره؟!
قال حذيفة -وقد ذُكر عنده أبو موسى بالدّين-: أما أنتم فتقولون ذلك، وأمّا أنا فأشهد أنه عدوّ لله ولرسوله، وحرب لهما في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار!
وكان حذيفة عارفاً بالمنافقين، أسرّ إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرهم وأعلمه أسماءهم. وروي أن عمّاراً سُئل عن أبي موسى، فقال: لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيماً، سمعته يقول:
صاحب البرنس الأسود، ثم كلح كلوحاً علمت منه أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط!(2).
فأبو موسى ـ حسب هذه الروايه ـ هو أحد المتآمرين لاغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة!! وخلاصة قصتها، أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعد أن عاد من غزوة تبوك، فلما كان ببعض الطريق "مكر به اُناس من المنافقين وائتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق. فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) تلك العقبة.
أرادوا أن يسلكوها معه، فاُخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) خبرهم، فقال للناس: اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع. فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) العقبة،
وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان يسوق من خلفه. فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسير في العقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشوه، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم وقد رأوا غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، وظن القوم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد اطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فساق به.
فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من العقبة نزل الناس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله):
يا حذيفة، هل عرفت أحداً من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول الله، عرفتُ راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل...
كان أهل العقبة الذين أرادوا بالنبي (صلى الله عليه وآله) ثلاثة عشر رجلا، قد سمّاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحذيفة وعمار رحمهما الله...(3)
وقد أخرج المحدثون قصة العقبة، فروى الإمام مسلم عن أبي الطفيل قال:
كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله، كم كان أصحاب العقبة؟ قال: فقال له القوم: أخبره إذ سألك. قال: كنا نُخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنتَ منهم فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة. قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا علمنا بما أراد القوم. وقد كان في حرة، فمشى فقال: "إن الماء قليل، فلا يسبقني إليه أحد".
فوجد قوماً قد سبقوه، فلعنهم يومئذ.
وأخرج عن قيس قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر علي، أرأياً رأيتموه أو شيئاً عهده إليكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
فقال: ما عهد إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً لم يعهده الى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله):
"في أصحابي إثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدُّبيلة، وأربعة..." لم أحفظ ما قال شعبة فيهم(4).
ولقد أكّد معاوية بن أبي سفيان على دور أبي موسى الأشعري في نصرته وخيانة علي بن أبي طالب، فقد روى الطبري عن أحمد (ابن زهير) بسنده قال: قدم أبو موسى على معاوية، فدخل عليه في برنس أسود، فقال: السلام عليك يا أمين الله! قال: وعليك السلام.
فلما خرج قال معاوية: قدم الشيخ لاُولّيه! ولا والله لا اُولّيه.
وروى أيضاً عن عبدالله بن أحمد بسنده إلى أبي بردة(5).
قال: دخلت على معاوية حيث أصابته قرحته، فقال: هلم يا ابن أخي نحوي فانظر، فنظرت فإذا هي قد سبُرت، فقلت: ليس عليك بأس يا أمير المؤمنين. فدخل يزيد فقال معاوية: إن وليت من أمر الناس شيئاً فاستوصِ بهذا، فإن أباه كان لي خليلا -أو نحو ذلك من القول- غير أني رأيت في القتال ما لم يره(6).
فمعاوية قد اعتبر أبا موسى خليله، ومثل هذا اللفظ لا يقال إلاّ في حق الأعوان المقربين المخلصين، وكان أبو موسى يطمع في الولاية -كما يتبين من كلام معاوية- ولكن معاوية كافأه على خدماته بحرمانه من الولاية، ربما لعدم ثقته باخلاص هذا الرجل!
المصادر :
1- الاستيعاب 4: 326.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13: 314.
3- مغازي الواقدي 3: 1042.
4- صحيح مسلم 4: 2143، 2144، باب صفات المنافقين، وانظر مسند أحمد 5: 390، 453، مجمع الزوائد 1: 110، الدر المنثور للسيوطي 3: 258 آية 72 من سورة التوبة.
5- هو ابن أبي موسى الأشعري.
6- تاريخ الطبري 5: 332 حوادث سنة 60، أنساب الأشراف 5: 24، 50.