العبوديّة لله

كان الرسول وما تمتّع به من مقام وشأن وعظمة، غير غافل عن عبادته, كان يبكي منتصف الليل ويدعو ويستغفر. في إحدى الليالي تفقّدت أمّ سلمة الرسول فلم تجده, ذهبت تبحث عنه لتجده مشغولًا بالدعاء حيث كانت الدموع تنهمر
Sunday, February 18, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
العبوديّة لله
العبوديّة لله

كان الرسول وما تمتّع به من مقام وشأن وعظمة، غير غافل عن عبادته, كان يبكي منتصف الليل ويدعو ويستغفر. في إحدى الليالي تفقّدت أمّ سلمة الرسول فلم تجده, ذهبت تبحث عنه لتجده مشغولًا بالدعاء حيث كانت الدموع تنهمر من عينيه وهو يستغفر ويقول: "اللهم ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين" . بكت أمّ سلمة فتوجّه الرسول إليها وسألها عن سبب وجودها، فتوجّهت إليه قائلة: يا رسول الله، أنت عزيزٌ عند الله وذنوبك مغفورة ـ ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ . فلماذا تبكي ولماذا تردّد: اللهم ولا تكلني إلى نفسي؟ قال: "وما يؤمنني"؟4, مَن الذي يحفظني إذا غفلت عن الله؟ هذا درسٌ لنا. إن ّالدرس الكبير الذي علّمنا إيّاه الرسول هو عدم نسيان الله، والاعتماد على الله، والطلب منه في يوم العزة، وفي يوم الذلّة، وفي اليوم الصعب وفي يوم الراحة وفي اليوم الذي يحاصر فيه العدوّ الإنسان، وفي اليوم الذي يُفْرَض فيه العدوّ - بكلّ عظمته - على الإنسان وعلى وجوده .
تتجلّى قيمة والد فاطمة عند الله في العبوديّة مع الإشارة إلى أنّ فاطمة هي مبدأ ومنبع فضائل كافّة المعصومين، حيث إنّها وأمير المؤمنين قطراتٌ من بحر وجود الرسول. "أشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله", في البداية كانت عبوديّته ثمّ رسالته, وفي الأساس (إنّما) أُعطي مقام الرسالة له - وهو مقامٌ شامخ - بسبب العبوديّة .

العبادة والاستغفار:

جاء حول الصلوات المقرّرة في المفاتيح: "الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدأب في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه بخوعًا لك في إكرامه وإعظامه إلى محلّ حِمامه" , كان الرسول يعظّم شهر شعبان حتّى آخر حياته، ويخضع أمامه وقد عوّد نفسه على الصيام والقيام في شهر شعبان. جاء في العبارات التي تلت المقدمة: "اللهم فأعِنَّا على الاستنان بسنّته فيه" .
كانت عبادته، عبادة مَن تتورَّم قدماه من الوقوف في المحراب. كان يقضي جزءًا طويلًا من الليل صاحيًا ومشغولًا بالعبادة والتضرّع والبكاء والاستغفار والدعاء. كان يناجي الله ويستغفره. وفي غير شهر رمضان كان يصوم يومًا من كلّ يومين في شهري شعبان ورجب وفي باقي أيام العام... رغم ذلك الطقس الحار. وكان الأصحاب يتوجّهون إليه: لماذا كلّ هذا الدعاء والعبادة والاستغفار وأنتَ لا ذنب لك, حيث جاء في سورة الفتح: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ ؟! وكان يجيب: "أفلا أكونُ عبدًا شكورًا" , أفلا أكون عبدًا شكورًا وقد أنعم الله عليَّ كلّ هذه النِّعم؟

ذكر الله دائمًا:

كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مع تلك القوّة الملكوتيّة، دائم الذكر والتوجّه والتوسّل إلى الله تعالى .
نُقِل عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ألا أدلّكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم، تدعون ربّكم بالليل والنهار فإنّ سلاح المؤمن الدعاء" . لذلك كان رسول الإسلام المكرَّم يقوم بكافّة الأعمال الضروريّة في ساحة الحرب, كان ينظِّم الجنود ويضع كلّ منهم في مكانه ويقدّم لهم الإمكانيّات
اللازمة ويوصيهم بما يجب، ويشرف عليهم إشراف القائد على جنوده, ولكنّه كان في الوقت عينه، يركع على الأرض ويرفع يديه للدعاء والتضرّع ومناجاة الله تعالى ليطلبَ منه ما يريد .
الاعتماد على الله:
كان رسولنا الكريم... لا يأخذ بعين الاعتبار عندما يتضرّع إلى الله تعالى ويطلب العون منه في الأوقات الصعبة، أنّ ذلك قد يترك أثرًا في أذهان المخاطَبين والناظرين (والحاظرين)، فيفهموا عجزه. بل كان يشير بصراحة: أنا عاجزٌ ولا يمكنني الإتيان بعملٍ دون مساعدة من الله تعالى. أثناء معركة الأحزاب، عندما حاصر الأعداء المدينة والرسول والمؤمنين، من جهات عدّة، حيث كانوا يريدون القضاء بالكامل على الإسلام والقرآن والرسالة الجديدة، كان الرسول في تلك الحالة ينظّم الجنود ويتّخذ تدابير دقيقة، ويحرّض الناس على المقاومة، وكان بالإضافة إلى ذلك يجثو على ركبتيه، وقد تكرّر هذا المشهد وذكرته كتب السيرة، حيث كان يرفع يديه يتضرّع ويبكي ويناجي الله ويطلب العون والنصر والتوفيق منه تعالى .

عدم الخوف من أحد غير الله:

كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذاكرًا لله في كافّة الحالات وكان يطلب المدد منه في جميع الساحات، كان يطلب من الله ولم يخَف أحدًا سواه. ويكمن السرّ الأساسي لعبوديّة الرسول أمام الله تعالى في أنّه لم يحسب أيّ حساب لأيّ قوّة في مقابل الله، ولم تكن علاقته به علاقة واهم، ولم يقطع سبيل الله بسبب أهواء الآخرين. يجب أن يتحوّل مجتمعنا إلى مجتمعٍ إسلامي من خلال الدرس الذي يتعلّمه من الأخلاق النبويّة .
أخلاقه في العلاقة مع نفسه
الانضباط والترتيب:
كان الرسول ومنذ مرحلة الطفولة موجودًا نظيفًا. وخلافًا لما كان عليه أطفال مكّة وأطفال القبائل العربيّة، كان نظيفًا ومرتبًا. كان في مرحلة صباه يسرّح شعر رأسه وبعد ذلك، عندما أصبح رجلًا (صار يسرّح) شعر رأسه ولحيته ـ في سنّ الخمسين والستّين ـ كان مقيّدًا بالنظافة بشكلٍ كامل. كانت ذؤابتاه النظيفتان تصلان إلى أذنيه, وكذلك محاسنه الجميلة، كانت نظيفة ومعطّرة. قرأت في رواية أنّه كان في بيته دنّ (جرن) ماء ينظر فيه ليرى وجهه ـ حيث لم تكن المرآة رائجة في ذاك الزمان.
"كان يُسوّي عمامته ولحيته إذا أراد أن يخرج إلى أصحابه" ، وكان يعطّر نفسه بالعطر. وكان في رحلاته يصطحب معه المشط والعطر، على الرغم من حياة الزهد التي كان يعيشها - وسأشير إلى أنّ حياة الرسول كانت حياةً زاهدة - وكان يصطحب معه الكحل، يكحل به عينيه حيث كان الرجال في ذاك العصر يكحّلون أعينهم. وكان يستعمل المسواك عدّة مرات في اليوم وكان يأمر الآخرين بالنظافة والمسواك والظاهر المرتّب .
أولى الإسلام أهميّة لمسألة الجمال. وقد سمعنا كثيرًا: "إن الله جميلٌ ويحبّ الجمال" . وقد ذكرت كتبنا الحديثة العديد من الروايات حول اهتمام الرسول برأسه ووضعه. وفي كتاب "النكاح" بحثٌ مفصّل حول ضرورة اهتمام الرجل والمرأة بنفسيهما. يتصوّر البعض أنّه ينبغي على الرجال مثلًا تقصير شعر رأسهم، كلا، في الشرع يُستحبّ للشباب ترك شعر الرأس(بحسب عرف المجتمع). جاء في الرواية: "الشعر الحَسَن من كرامة الله فأكرموه" .
وفي الرواية على سبيل المثال أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يريد الخروج إلى أصحابه، كان ينظر إلى وعاء فيه ماء يرتّب وضعه ورأسه. لم يكن في ذاك الزمان مرآة بالشكل الموجود اليوم ولم تكن متوفّرة بكثرة, وكان مجتمع المدينة مجتمعًا فقيرًا. كان للرسول وعاء فيه ماء، حيث كان يستعمله كمرآة ينظر فيه عندما يريد الخروج إلى أصحابه. ويشير هذا الأمر إلى أنّ الوضع المرتب، اللباس الجيّد والميل نحو الجمال، كلّ ذلك مطلوب في شرع الإسلام. أمّا الشيء السيّئ والمضرّ فهو أن تصبح هذه الأمور وسيلة للفتنة والفساد والتبرّج .
الوقار والهيبة:
مع أنّ الرسول كان ذو هيبة إلهيّة وطبيعيّة وكان الناس يرتبكون في حضوره، فإنّه كان يلاطف الناس وكان حَسَنَ الأخلاق معهم .
النظافة والطهارة:
كان لباسه بسيطًا. وكان يتناول أيّ طعامٍ يضعونه أمامه, لم يكن يطلب طعامًا خاصًّا, ولم يكن يرفض أيَّ طعامٍ باعتباره غير مرغوب. كانت هذه الخُلُقيّات منقطعة النظير في تاريخ البشريّة. وكان حين تعامله مع الآخرين، في كمال النظافة والطهارة الظاهريّة والمعنويّة حتّى قال عبد الله بن عمر : "ما رأيت أحدًا أجود ولا أنجد ولا أشجع ولا أوضأ من رسول الله" ، .
بساطة اللباس:
رُوي أنّه كان في الغرفة القديمة والمظلمة للرسول، مرآةٌ طبيعيّة ووعاءٌ من ماء حيث: "كان يسويّ عمامته ولحيته إذا أراد أن يخرج إلى أصحابه", كان الرسول يهتمّ بترتيب عمامته ومشط لحيته. لماذا كان الرسول يرتّب
عمامته؟ ولماذا كان يرتّب لحيته؟ لماذا أكّدت الروايات العديدة وأوصت بترتيب شعر الرأس واللحية واستعمال المشط؟ ما هو السبب في ذلك؟ رُويَ أنّ الرسول كان يرتّب العمامة ويترك جزءًا منها يخرج إلى ما تحت الحنك. ما هي أهميّة ذلك؟ الأهميّة في ذلك أنّه أراد أن يعلّمنا درسًا في الانضباط والترتيب . لم يقولوا لكم لا تلبسوا اللباس الفاخر - في الأساس ليس من الضروري ارتداء اللباس الفاخر - بل العكس من ذلك، الأفضل ارتداء اللباس المتواضع والبسيط, إلّا أنّ هذا اللباس المتواضع يجب أن يكون نظيفًا لا تملؤه الأوساخ، يجب أن يكون منظّمًا ومرتبًا، أزراره غير منتزَعَة وغير مفتوحة. هذا هو المقصود من الانضباط والترتيب الظاهري .
يقع البعض في الخطأ عندما يتصوّر أنّ الظاهر المرتّب توأمٌ للسلوك الاستعلائي (الأرستقراطي) وتوأمٌ للإسراف, كلا، (إذ) يمكن للإنسان أن يكون شخصًا مرتّبًا نظيفًا (حتى) بهذا اللباس القديم والمرقّع (المتواضع). فقد كان لباس الرسول قديمًا وموصولًا (متواضعًا), إلّا أنّ لباسه ووجهه كانا نظيفين. هذه الأمور مؤثّرة وبشكل كبير على مستوى التعاطي مع الآخرين، وفي السلوك وفي الوضع الخارجي والصحي. إنّ هذه الأمور التي تبدو في الظاهر صغيرة هي في الباطن كثيرة التأثير .
الثبات والاستقامة:
لم تغيّره السلطة، ولم تغيّره الثروة الوطنيّة, لم يختلف سلوكه في مرحلة الصعوبات عنه في المرحلة التي زالت فيها الصعوبات .
المصدر :
من کتاب / الشخصية القياديّة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلّم / سلسلة في رحاب الولي الخامنئي دام ظلّه
 


نظرات کاربران
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.