إن الجمل والأمثال والحكم الإقليمية يجب عدم اعتبارها قضايا طبيعية أو حقيقية كما أن القدح والمدح هو كذلك ، فإذا مدحت أو ذمت فئة خاصة في ظروف خاصة ، يجب عدم اعتبار هذه كقضايا طبيعية أو قضايا حقيقية .
على أي حال الطريق مفتوح للتكامل والرقي والمهم هو طريق الموعظة وهو طريق خالد .
نصيحة صاحب الفتوحات للإمام الرازي :
ذات يوم حصل للإمام الرازي تجديد نظر خلال الدرس وبكى ، فقال تلاميذ درسه : لماذا تبكي ؟ قال كان هناك موضوع كنت أفكر فيه ثلاثين سنة ، وكنت نفسي محقاً ثلاثين سنة في أطراف ذلك الموضوع والآن فهمت ان الحق ليس معي وانني كنت مخطئاً ثلاثين سنة .
في رسائل صاحب الفتوحات ذكر ان ذلك العارف الكبير كتب للإمام الرازي : يجب أن تتعلم اولاً العلم ثلاثين سنة ، بحيث لا تبكي . بعد ثلاثين سنة ، لعل العقيدة التي لديك اليوم قد تبكي بسببها بعد ثلاثين سنة ، أسلك الطريق الذي يقل فيه خطؤك ، والأخرى هي أن تذهب وراء علم لا يتركك ولا تتركه ، أن كائن أبدي ، هيّيء العلم الذي يكون له مشترٍ بعد الموت أيضاً .
العلوم الأداتية والعلوم الحقيقية :
إذا بحث الشخص بشأن الرؤية الكونية الإلهية ، وبحث بشأن الله واسمائه الحسنى وصفات جلاله وجماله وأفعاله ، والمعاد ، ومواقف القيامة ، والجنة وجهنم ، والصراط والحساب ، والميزان والشفاعة ، وحوض الكوثر ، وغيرها ، وبحث في الوحي والرسالة والنبوة والإمامة ، فكل هذه البحوث تصبح بالنسبة له بعد موته طرية وواضحة ومشهودة وناضجة الواحدة تلو الأخرى ، وتصبح أكثر ازدهاراً لحظة فلحظة ، ولكن إذا سعى شخص في كيف يشق طريقاً ، وينبي مسجداً ومدرسة وجامعة ، وكيف يكو مهندساً للطرق والبناء ، وكيف يكون طبيباً ، فإن هذه العلوم ينساها شيئاً فشيئاً بعد الموت ، لأنه ليس هناك كلام في الطرق والبناء والعلم الذي لا يتكرر يرحل ، هناك لا يسألون شخصاً ان يقدم خريطة بناء أو خريطة شارع وصحراء .
هذا النوع من العلوم هي علوم لرفع حاجات الدنيا وتحصيلها واجب وإذا استفاد الإنسان من هذا الطريق وخدم في النظام الإسلامي . فخدمته هذه تصبح عملاً صالحاً وتبقى في القيامة إلى الأبد ولكن نفس هذا العلم ينتهي فهو ليس علماً باقياً .
كل هذه تتعلق بعالم الدنيا وبعد الموت لا يقال لشخص بأن يدرس العرفان والفلسفة او الفقه والاصول أو يضف ، أو يؤلف . التصنيف والتأليف والتدريس والكتابة هي من الحرف الدنيوية التي تنتهي بعد الموت ، فالشخص إذا كان لديه علم وكان هذا العلم معه حتى الشيخوخة ، ففي مرحلة الشيخوخة تذهب هذه المسائل شيئاً فشيئاً من ذهنه لأنه لا يستطيع ان يتمرّن .
الأديب الماهر يعجز في أواخر العمر عن قراءة حتى سطر أدبي واحد ، فهذه العلوم تنتهي عند قرب الموت ، وهي علوم أدواتية .
أما إذا عمل شخص بشأن المعارف الإلهية فإن معلوماته تلك تصبح مشهودة الواحدة تلو الأخرى ، إذا بحث شخص في هذا المجال في معنى الكوثر ، وهل هو من ماء يرفع الجوع أيضاً ؟ أم هل هو من ماء إذا شرب منه الشخص جرعة واحدة لا يعطش بعد ذلك إلى الأبد ، أي ماء هذا الذي يعمل عمل الخبز عمل التفاح والعرموط وعمل العطر ؟! .
إذ فهم هذه المسائل أو مسألة الشفاعة أو جسر الصراط فهذه علوم تصبح مشهودة له بع الموت ويجدها أوضح . أي يرى تعبه مشهوداً ويظهر له لحظة فلحظة ، وإذا لم يعمل شخص في هذه المسائل يصبح إفهامه صعباً .
من الممكن ان يتعلم في الدنيا بصعوبة ، ولكن في الآخرة ليس هكذا حيث يتعلم بسهولة ما هو معنى الشفاعة ؟ ما هو معنى الصراط ؟ ما هو معنى الكوثر ؟ ما هو معنى الجنة وجهنم ؟ لا يتعلم مجاناً ، هناك لا يتعلم بالسمع ، بل بالقلب ، لذا ما لم يتم تنظيف قلبه من الغبار ورفع الطبقات الدسمة عن قلبه فقلبه لا يرى . إذا أصبحت عين الإنسان لا ترى من أثر دخول شوكة وحشائش فيها فيجب ان يعطي عينه إلى الطبيب في غرفة العلميات والقسم العلاجي حتى تجرى لها عملية جراحية وتستخرج هذه الأشواك والحشائش والأوساخ من عينه حتى يرى وإلا فانه لن يرى . عين القلب هي كذلك أيضاً .
جاء في القرآن الكريم :
( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) (1) .
هذا الذنب هو رين يجلس على القلب . الإنسان لا يرى النبي ، ولا يرى الكوثر بالعين الظاهرية بل يرى بعين القلب ، وما لم يتم تنظيف عين القلب هذه واستخراج هذا الغبار والأوشاخ لا ترى مرآة القلب أسرار القيامة ، هناك تتطلب عملية جراحية وما لم تجر عملية جراحية للقلب وتستخرج هذه الأوساخ ، لا يرى الكوثر ، وهذا ليس أمراً سهلاً أيضاً ، هل يستطيع الأشخاص العاديون ان يروا علي بن أبي طالب عليه السلام ، من لم يكن من أهل الولاية هل يستطيع ان يرى الجمال النوراني للإمام ، هل ان رؤية سيد الشهداء عليه السلام أمر سهل ؟
بالنتيجة يرى الإنسان ذلك في القيامة ، ولكن بعمليات جراحية كثيرة ، وما لم ينظف الرين ، وما لم تجر عملية جراحية لعين القلب ، لا يرى شخص أسرار القيامة ، ولهذا يبدأ الضغط من القبر ، الشخص الذي يؤخذ إلى غرفة العلميات لا يؤخذ للضيافة ، هناك مكان عمليات جراحية . ورد في كتاب نهج البلاغة القيمّ أن الإنسان عندما يموت يحملونه إلى غرفة عمله ويصبح هذا البدن ميتة ، لذا يقول جميع ذويه : ادفنوه بسرعة حتى لا يجيف :
( صار جيفة بين أهله واسلموه إلى عمله ) (2) .
وورد أمر بأن التعجيل في أمر الميت مستحب ويجب دفنه بسرعة كما ان ذويه يسعون بسرعة لأن يدفنوه . وهذا يتعلق بالبدن ، إنه ( صار جيفة بين أهله ) ولكن إلى أين يحملون روحه ؟ قال : ( واسلموه إلى عمله ) .
بناء على هذا تذهب العلوم الحصولية حين الموت ، ولا يحصل بسهولة على العلوم الشهودية ، هناك إذا كانت المرأة أكثر تهذيباً تصل إلى المقصد . أسرع من الرجل ، ويجب عدم القول بأن المرأة ليست مقربة بدرجة الرجل لأن الرجل في الفيزياء أو الرياضيات أقوى .
ضرورة وجود المرأة والرجل في نظام الوجود :
جاء في القرآن الكريم أن الله تعالى يتولى نظام الخلق . لو فرض أن المجتمع الإنساني كله رجال . فمن هذا الفرض يأتي عدمه لازماً ؛ لأنه إذا كان الجميع رجالاً ، عند ذلك لا يكون هناك جميع ، لأنه إذا لم يكن هناك امرأة فالرجل لا يستطيع وحده ان يكون مبدأ ظهور النسل ، بناء على هذا فان المجتمع يحتاج إلى المرأة والرجل معاً وكلاهما ركن في هذا النظام الإنساني ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إذا أصبح الرجال نساء والنساء رجالاً فان هذا السؤال يطرح أيضاً وهو لماذا يوجد فرق .
النظام القائم على القسط والعدل :
منطق القرآن الكريم بشأن عمل الله هو أن الله سبحانه لا يظلم أحداً :
( ولا يظلم ربّك أحداً ) (3)
( وما ربّك بظلاّم للعبيد ) (4) .
إن الله تعالى قائم بالقسط أولاً ، وثانياً ، لأنه قائم بالقسط فهو يدعو الناس إلى القسط والعدل ، وثالثاً : يعرض للناس معيار القسط والعدل أيضاً . هذا المسائل الثلاث يبينها القرآن جيداً :
( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ) (5) .
المسألة الثانية هي ان الله تعالى أمر ودعا الناس إلى القسط والعدل :
( قل أمر ربّي بالقسط ) (6) .
المسألة الثالثة انه أرسل للناس معيار تشخيص القسط والعدل مع الأنبياء .
( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) (7) .
هذه المسائل الثلاثة يذكرها القرآن حيث يستفاد من جمع العقل والنقل علاوة على الأدلة العقلية انه لا يوجد ظلم في نظام الخلق . بناء على هذا لا يستطيع أي شخص ان يقول إنني ظلمت ، لا المرأة تستطيع أن تقول إنني ظلمت في نظام الوجود ولا الرجل يستطيع الظن أنه أعطي إليه أفضلية في نظام الوجود .
سر الفرق بين المرأة والرجل :
إن ما ذكر في القرآن الكريم فيما يتعلق بالفوارق بين الكائنات هو أنه أولاً يجب إدارة الحياة بأحسن وجه ، وثانياً ما لم يتحقق تسخير متقابل بين الكائنات وما لم يحصل إيجاد انسجام بين هذه الآحاد والطبقات ، فإن النظام لا يدار بأحسن وجه ، وقال في سورة الزخرف :
( أهم يقسمون رحمة ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون ) (8) .
وكما ان اختلاف الطبقات والقابليات والميول والجذب والدفع ليس معياراً للفضيلة ، بل الجميع هي لازم بوصفه أداة عمل حتى يتحقق تسخير متقابل وذو طرفين : ( ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ) ، كذلك الاختلاف بشأن المرأة والرجل أي أن الذي لديه قابلية أفضل ، فهذه القابلية ليست علامة على فضيلة معنوية وتقرب إلى الله . إذا استطاع ان يحصل على قائدة أفضل من هذه القابلية وان يعمل باخلاص أكثر فلديه تقوى أكثر ، ويكو أقرب إلى الكمال المحض من هذه الناحية ، ولكن إذا لم يستفد من هذه القابلية ولم يتقرب إلى الله سبحانه فقد تكون هذه القابلية الزائدة وبالاً عليه . فالقابليات وإن كانت فضيلة ظاهرية ولكنها ليست دليلاً على التقرب إلى الله . دليل القرب هو الاخلاص والتقوى وأمثالها .
بناء على هذا ، فان هذه الفوارق هي من أجل ان تسخر مجموعة مجموعة أخرى بصورة متقابلة ومن الطرفين ولا يحق لأحد ان يسخر شخصاً آخر ولا يصبح نفسه مسخراً ولا يستطيع شخص ان يطلب من الآخرين تسخيراً من طرف واحد بامتلاك قوة وامكانات في القابلية أو غير القابلية بل ( ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ) أي يجب أن يكون تسخير متقابل وخدمات متقابلة حتى يدار النظام بأحسن وجه ، وإذا لم يكن التسخير متقابلاً فهواستهزاء وأخذ مصالح الآخر مجاناً حيث نهى القرآن ذلك وحرّمه وأدانه بوصفه ظلماً .
بناء على هذا فان نظام الخلق يتطلب قابليات متقابلة ومتخالفة ، وهذا الفرق هو من أجل التسخير المتقابل وذي الطرفين وليس التسخير من طرف واحد ، وهذا التسخير المتقابل ذل الطرفين . ليس دليل فضيلة ، بل إن معيار الفضيلة هو في شيء آخر وهو التقرب إلى الله .
المصادر :
1- سورة المطففين ، الآية : 14 .
2- نهج البلاغة ، الخطبة 108 .
3- سورة الكهف ، الآية : 49 .
4- سورة فصلت : الآية : 46 .
5- سورة آل عمران ، الآية : 18 .
6- سورة الأعراف ، الآية : 29 .
7- سورة الحديد ، الآية : 25 .
8- سورة الزخرف ، الآية : 32 .
على أي حال الطريق مفتوح للتكامل والرقي والمهم هو طريق الموعظة وهو طريق خالد .
نصيحة صاحب الفتوحات للإمام الرازي :
ذات يوم حصل للإمام الرازي تجديد نظر خلال الدرس وبكى ، فقال تلاميذ درسه : لماذا تبكي ؟ قال كان هناك موضوع كنت أفكر فيه ثلاثين سنة ، وكنت نفسي محقاً ثلاثين سنة في أطراف ذلك الموضوع والآن فهمت ان الحق ليس معي وانني كنت مخطئاً ثلاثين سنة .
في رسائل صاحب الفتوحات ذكر ان ذلك العارف الكبير كتب للإمام الرازي : يجب أن تتعلم اولاً العلم ثلاثين سنة ، بحيث لا تبكي . بعد ثلاثين سنة ، لعل العقيدة التي لديك اليوم قد تبكي بسببها بعد ثلاثين سنة ، أسلك الطريق الذي يقل فيه خطؤك ، والأخرى هي أن تذهب وراء علم لا يتركك ولا تتركه ، أن كائن أبدي ، هيّيء العلم الذي يكون له مشترٍ بعد الموت أيضاً .
العلوم الأداتية والعلوم الحقيقية :
إذا بحث الشخص بشأن الرؤية الكونية الإلهية ، وبحث بشأن الله واسمائه الحسنى وصفات جلاله وجماله وأفعاله ، والمعاد ، ومواقف القيامة ، والجنة وجهنم ، والصراط والحساب ، والميزان والشفاعة ، وحوض الكوثر ، وغيرها ، وبحث في الوحي والرسالة والنبوة والإمامة ، فكل هذه البحوث تصبح بالنسبة له بعد موته طرية وواضحة ومشهودة وناضجة الواحدة تلو الأخرى ، وتصبح أكثر ازدهاراً لحظة فلحظة ، ولكن إذا سعى شخص في كيف يشق طريقاً ، وينبي مسجداً ومدرسة وجامعة ، وكيف يكو مهندساً للطرق والبناء ، وكيف يكون طبيباً ، فإن هذه العلوم ينساها شيئاً فشيئاً بعد الموت ، لأنه ليس هناك كلام في الطرق والبناء والعلم الذي لا يتكرر يرحل ، هناك لا يسألون شخصاً ان يقدم خريطة بناء أو خريطة شارع وصحراء .
هذا النوع من العلوم هي علوم لرفع حاجات الدنيا وتحصيلها واجب وإذا استفاد الإنسان من هذا الطريق وخدم في النظام الإسلامي . فخدمته هذه تصبح عملاً صالحاً وتبقى في القيامة إلى الأبد ولكن نفس هذا العلم ينتهي فهو ليس علماً باقياً .
كل هذه تتعلق بعالم الدنيا وبعد الموت لا يقال لشخص بأن يدرس العرفان والفلسفة او الفقه والاصول أو يضف ، أو يؤلف . التصنيف والتأليف والتدريس والكتابة هي من الحرف الدنيوية التي تنتهي بعد الموت ، فالشخص إذا كان لديه علم وكان هذا العلم معه حتى الشيخوخة ، ففي مرحلة الشيخوخة تذهب هذه المسائل شيئاً فشيئاً من ذهنه لأنه لا يستطيع ان يتمرّن .
الأديب الماهر يعجز في أواخر العمر عن قراءة حتى سطر أدبي واحد ، فهذه العلوم تنتهي عند قرب الموت ، وهي علوم أدواتية .
أما إذا عمل شخص بشأن المعارف الإلهية فإن معلوماته تلك تصبح مشهودة الواحدة تلو الأخرى ، إذا بحث شخص في هذا المجال في معنى الكوثر ، وهل هو من ماء يرفع الجوع أيضاً ؟ أم هل هو من ماء إذا شرب منه الشخص جرعة واحدة لا يعطش بعد ذلك إلى الأبد ، أي ماء هذا الذي يعمل عمل الخبز عمل التفاح والعرموط وعمل العطر ؟! .
إذ فهم هذه المسائل أو مسألة الشفاعة أو جسر الصراط فهذه علوم تصبح مشهودة له بع الموت ويجدها أوضح . أي يرى تعبه مشهوداً ويظهر له لحظة فلحظة ، وإذا لم يعمل شخص في هذه المسائل يصبح إفهامه صعباً .
من الممكن ان يتعلم في الدنيا بصعوبة ، ولكن في الآخرة ليس هكذا حيث يتعلم بسهولة ما هو معنى الشفاعة ؟ ما هو معنى الصراط ؟ ما هو معنى الكوثر ؟ ما هو معنى الجنة وجهنم ؟ لا يتعلم مجاناً ، هناك لا يتعلم بالسمع ، بل بالقلب ، لذا ما لم يتم تنظيف قلبه من الغبار ورفع الطبقات الدسمة عن قلبه فقلبه لا يرى . إذا أصبحت عين الإنسان لا ترى من أثر دخول شوكة وحشائش فيها فيجب ان يعطي عينه إلى الطبيب في غرفة العلميات والقسم العلاجي حتى تجرى لها عملية جراحية وتستخرج هذه الأشواك والحشائش والأوساخ من عينه حتى يرى وإلا فانه لن يرى . عين القلب هي كذلك أيضاً .
جاء في القرآن الكريم :
( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) (1) .
هذا الذنب هو رين يجلس على القلب . الإنسان لا يرى النبي ، ولا يرى الكوثر بالعين الظاهرية بل يرى بعين القلب ، وما لم يتم تنظيف عين القلب هذه واستخراج هذا الغبار والأوشاخ لا ترى مرآة القلب أسرار القيامة ، هناك تتطلب عملية جراحية وما لم تجر عملية جراحية للقلب وتستخرج هذه الأوساخ ، لا يرى الكوثر ، وهذا ليس أمراً سهلاً أيضاً ، هل يستطيع الأشخاص العاديون ان يروا علي بن أبي طالب عليه السلام ، من لم يكن من أهل الولاية هل يستطيع ان يرى الجمال النوراني للإمام ، هل ان رؤية سيد الشهداء عليه السلام أمر سهل ؟
بالنتيجة يرى الإنسان ذلك في القيامة ، ولكن بعمليات جراحية كثيرة ، وما لم ينظف الرين ، وما لم تجر عملية جراحية لعين القلب ، لا يرى شخص أسرار القيامة ، ولهذا يبدأ الضغط من القبر ، الشخص الذي يؤخذ إلى غرفة العلميات لا يؤخذ للضيافة ، هناك مكان عمليات جراحية . ورد في كتاب نهج البلاغة القيمّ أن الإنسان عندما يموت يحملونه إلى غرفة عمله ويصبح هذا البدن ميتة ، لذا يقول جميع ذويه : ادفنوه بسرعة حتى لا يجيف :
( صار جيفة بين أهله واسلموه إلى عمله ) (2) .
وورد أمر بأن التعجيل في أمر الميت مستحب ويجب دفنه بسرعة كما ان ذويه يسعون بسرعة لأن يدفنوه . وهذا يتعلق بالبدن ، إنه ( صار جيفة بين أهله ) ولكن إلى أين يحملون روحه ؟ قال : ( واسلموه إلى عمله ) .
بناء على هذا تذهب العلوم الحصولية حين الموت ، ولا يحصل بسهولة على العلوم الشهودية ، هناك إذا كانت المرأة أكثر تهذيباً تصل إلى المقصد . أسرع من الرجل ، ويجب عدم القول بأن المرأة ليست مقربة بدرجة الرجل لأن الرجل في الفيزياء أو الرياضيات أقوى .
ضرورة وجود المرأة والرجل في نظام الوجود :
جاء في القرآن الكريم أن الله تعالى يتولى نظام الخلق . لو فرض أن المجتمع الإنساني كله رجال . فمن هذا الفرض يأتي عدمه لازماً ؛ لأنه إذا كان الجميع رجالاً ، عند ذلك لا يكون هناك جميع ، لأنه إذا لم يكن هناك امرأة فالرجل لا يستطيع وحده ان يكون مبدأ ظهور النسل ، بناء على هذا فان المجتمع يحتاج إلى المرأة والرجل معاً وكلاهما ركن في هذا النظام الإنساني ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إذا أصبح الرجال نساء والنساء رجالاً فان هذا السؤال يطرح أيضاً وهو لماذا يوجد فرق .
النظام القائم على القسط والعدل :
منطق القرآن الكريم بشأن عمل الله هو أن الله سبحانه لا يظلم أحداً :
( ولا يظلم ربّك أحداً ) (3)
( وما ربّك بظلاّم للعبيد ) (4) .
إن الله تعالى قائم بالقسط أولاً ، وثانياً ، لأنه قائم بالقسط فهو يدعو الناس إلى القسط والعدل ، وثالثاً : يعرض للناس معيار القسط والعدل أيضاً . هذا المسائل الثلاث يبينها القرآن جيداً :
( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ) (5) .
المسألة الثانية هي ان الله تعالى أمر ودعا الناس إلى القسط والعدل :
( قل أمر ربّي بالقسط ) (6) .
المسألة الثالثة انه أرسل للناس معيار تشخيص القسط والعدل مع الأنبياء .
( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) (7) .
هذه المسائل الثلاثة يذكرها القرآن حيث يستفاد من جمع العقل والنقل علاوة على الأدلة العقلية انه لا يوجد ظلم في نظام الخلق . بناء على هذا لا يستطيع أي شخص ان يقول إنني ظلمت ، لا المرأة تستطيع أن تقول إنني ظلمت في نظام الوجود ولا الرجل يستطيع الظن أنه أعطي إليه أفضلية في نظام الوجود .
سر الفرق بين المرأة والرجل :
إن ما ذكر في القرآن الكريم فيما يتعلق بالفوارق بين الكائنات هو أنه أولاً يجب إدارة الحياة بأحسن وجه ، وثانياً ما لم يتحقق تسخير متقابل بين الكائنات وما لم يحصل إيجاد انسجام بين هذه الآحاد والطبقات ، فإن النظام لا يدار بأحسن وجه ، وقال في سورة الزخرف :
( أهم يقسمون رحمة ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون ) (8) .
وكما ان اختلاف الطبقات والقابليات والميول والجذب والدفع ليس معياراً للفضيلة ، بل الجميع هي لازم بوصفه أداة عمل حتى يتحقق تسخير متقابل وذو طرفين : ( ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ) ، كذلك الاختلاف بشأن المرأة والرجل أي أن الذي لديه قابلية أفضل ، فهذه القابلية ليست علامة على فضيلة معنوية وتقرب إلى الله . إذا استطاع ان يحصل على قائدة أفضل من هذه القابلية وان يعمل باخلاص أكثر فلديه تقوى أكثر ، ويكو أقرب إلى الكمال المحض من هذه الناحية ، ولكن إذا لم يستفد من هذه القابلية ولم يتقرب إلى الله سبحانه فقد تكون هذه القابلية الزائدة وبالاً عليه . فالقابليات وإن كانت فضيلة ظاهرية ولكنها ليست دليلاً على التقرب إلى الله . دليل القرب هو الاخلاص والتقوى وأمثالها .
بناء على هذا ، فان هذه الفوارق هي من أجل ان تسخر مجموعة مجموعة أخرى بصورة متقابلة ومن الطرفين ولا يحق لأحد ان يسخر شخصاً آخر ولا يصبح نفسه مسخراً ولا يستطيع شخص ان يطلب من الآخرين تسخيراً من طرف واحد بامتلاك قوة وامكانات في القابلية أو غير القابلية بل ( ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ) أي يجب أن يكون تسخير متقابل وخدمات متقابلة حتى يدار النظام بأحسن وجه ، وإذا لم يكن التسخير متقابلاً فهواستهزاء وأخذ مصالح الآخر مجاناً حيث نهى القرآن ذلك وحرّمه وأدانه بوصفه ظلماً .
بناء على هذا فان نظام الخلق يتطلب قابليات متقابلة ومتخالفة ، وهذا الفرق هو من أجل التسخير المتقابل وذي الطرفين وليس التسخير من طرف واحد ، وهذا التسخير المتقابل ذل الطرفين . ليس دليل فضيلة ، بل إن معيار الفضيلة هو في شيء آخر وهو التقرب إلى الله .
المصادر :
1- سورة المطففين ، الآية : 14 .
2- نهج البلاغة ، الخطبة 108 .
3- سورة الكهف ، الآية : 49 .
4- سورة فصلت : الآية : 46 .
5- سورة آل عمران ، الآية : 18 .
6- سورة الأعراف ، الآية : 29 .
7- سورة الحديد ، الآية : 25 .
8- سورة الزخرف ، الآية : 32 .