عند ما كان المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة ، زاره زياد بن أبيه ، فظنّ المغيرة بأنّ زيادا جاء يزاحمه على إمارة الكوفة ، فذهب إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام ، واستخلف على الكوفة عتيبة بن النهّاش العجلي ، وذلك سنة 45 للهجرة (1).
ولمّا وصل المغيرة إلى الشام ، ودخل على معاوية ، طلب منه أن يعفيه عن إمارة الكوفة ، فقال له معاوية (بعد أن عرف السبب) ارجع إلى إمارتك ، أما زياد فقد جعلناه أميرا على البصرة.
وقيل ذهب (الحطيئة) (2) إلى المدينة أيّام كان سعيد بن العاص أميرا عليها فذهب إلى بيت عتيبة بن النهّاش العجلي ، وطلب منه معونة (عطاء) ، فقال له عتيبة : (ما أنا بعامل فأعطيك ولا في مالي زيادة عن قومي فأعود به عليك). فخرج (الحطيئة) غاضبا ، فقال له أصحابه (أي أصحاب عتيبة) لقد عرّضتنا ونفسك للشرّ ، فقال عتيبة : وكيف ذاك؟ فقالوا له : إنّه (الحطيئة) وسوف يهجونا أشدّ هجاء ، فطلب منهم أن يأتوا به ، وعند ما رجع الحطيئة قال له عتيبة : لم كتمتنا نفسك؟ كأنّك تريد الحجّة علينا ، أجلس يا حطيئة ، فلك منا ما يسرك (3).
ثمّ سأله عتيبة وقال له : من أشعر الناس؟ قال الحطيئة الّذي يقول :
ومن يجعل المعروف من دون عرضة / يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
يعني : زهير بن أبي سلمى. فقال عتيبة : ثمّ من يأتي بعده؟ فقال الحطيئة : الّذي يقول :
من يسأل الناس يحرموه / وسائل الله لا يخيب
يقصد به : عبيد بن الأبرص. فقال عتيبة : ثمّ من يأتي بعدهما؟ فقال الحطيئة : (أنا).
عندها أمر عتيبة أحد أفراد حاشيته بأن يأخذ الحطيئة إلى السوق ويشتري له كل ما يطلبه ، فاشترى الحطيئة : الأكسية (4) والكرابيس (5) الغلاظ ، والأقبية (6) ولم يشتر غيرها. فقيل له : إنّ عتيبة قد أمر بشراء الكثير لك ، فقال الحطيئة : (لا حاجة في أن يكون له على قومي يد أعظم من هذه).
ثم عاد الحطيئة ، وكان عتيبة جالسا ، فقال له عتيبة : (هذا مقام العائذ بك يا أبا مليكة من خيرك وشرك).
فقال له الحطيئة : (كنت قد قلت بيتين فاستمع اليهما): (7)
سألت فلم تبخل ولم تعط طائلا / فسيان لا ذم عليك ولا حمد
وأنت أمرئ لا الجود بك سجية / فتعطي ولا يعدى على النائل الوجد (8)
وبعد معركة (دير الجماجم) سنة 82 للهجرة جيء بعتيبة بن النهّاش أسيرا إلى الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، فقال له الحجّاج : أنت عتيبة بن النهّاش؟ فقال : نعم أصلح الله الأمير ، أنا عتيبة بن النهّاس ، فقال له الحجّاج : بايعت عدوّنا عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث؟ قال : نعم ، بايعته أيّها الأمير خوفا على نفسي وأهلي وولدي ، ولم أقاتل معه أحدا فليشملني عفوك ورضاك ، فقال الحجّاج : يا عبد النخع ، أمقعد في الجماعة وصحيح في الفتنة؟ لقد فعلت بعثمان ما فعلت ثمّ عفا عنك يزيد وابنه معاوية بن يزيد ، ومروان بن الحكم ، وأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ، ثمّ جئت إلى العراق فعفوت عنك ، ورفعت منزلك وأنّك قد نظرت وسمعت إلى مطر بن ناجية اليربوعي وهو من أعراب بني تميم يشتمني على المنبر ويشتم عبد الملك بن مروان فنهضت معه أيدت رأيه ثمّ التفت الحجّاج إلى يزيد بن هبيرة المحاربي وقال له : يا يزيد خذه اليك اضرب عنقه. (9)
وقيل عند ما جاء الحطيئة إلى عتيبة بن النهّاش قال : (10)
لا أعد الأقتار عدما ولكن / فقد من رزئته الأعوام
وفي سنة 35 للهجرة كان عتيبة بن النهّاش أميرا على (حلوان) من قبل الخليفة عثمان بن عفّان. (11)
قتل عتيبة بن النهّاش سنة 82 للهجرة (12) ، قتله الحجّاج بن يوسف الثقفيّ.
المصادر :
1- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٢١٧.
2- الحطئية : اسمه : جرول بن أوس بن مالك العبسيّ ، وكنيته أبو مليكة ـ شاعر هجاء ومداح مخضرم جاهلي وإسلامي ، وهو غني عن التعريف.
3- ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ١ / ٢٨٣.
4- الأكسية : الملابس الخشنة (لرفيعة).
5- الكرابيس : ثياب من القطن (بيضاء) خشنة الملبس.
6- الأقبية : قماش من القطن (وهذه كلها رخيصة الثمن).
7- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢ / ١٦٨.
8- الوجد : السعة واليسار.
9- ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ١٤٢.
10- أبو الفضل إبراهيم ـ قصص العرب. ج ١ / ١٩٩.
11- ابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ١٨٦. وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ٧ / ٢٢٧.
12- ابن الأعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ١٤٢.
ولمّا وصل المغيرة إلى الشام ، ودخل على معاوية ، طلب منه أن يعفيه عن إمارة الكوفة ، فقال له معاوية (بعد أن عرف السبب) ارجع إلى إمارتك ، أما زياد فقد جعلناه أميرا على البصرة.
وقيل ذهب (الحطيئة) (2) إلى المدينة أيّام كان سعيد بن العاص أميرا عليها فذهب إلى بيت عتيبة بن النهّاش العجلي ، وطلب منه معونة (عطاء) ، فقال له عتيبة : (ما أنا بعامل فأعطيك ولا في مالي زيادة عن قومي فأعود به عليك). فخرج (الحطيئة) غاضبا ، فقال له أصحابه (أي أصحاب عتيبة) لقد عرّضتنا ونفسك للشرّ ، فقال عتيبة : وكيف ذاك؟ فقالوا له : إنّه (الحطيئة) وسوف يهجونا أشدّ هجاء ، فطلب منهم أن يأتوا به ، وعند ما رجع الحطيئة قال له عتيبة : لم كتمتنا نفسك؟ كأنّك تريد الحجّة علينا ، أجلس يا حطيئة ، فلك منا ما يسرك (3).
ثمّ سأله عتيبة وقال له : من أشعر الناس؟ قال الحطيئة الّذي يقول :
ومن يجعل المعروف من دون عرضة / يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
يعني : زهير بن أبي سلمى. فقال عتيبة : ثمّ من يأتي بعده؟ فقال الحطيئة : الّذي يقول :
من يسأل الناس يحرموه / وسائل الله لا يخيب
يقصد به : عبيد بن الأبرص. فقال عتيبة : ثمّ من يأتي بعدهما؟ فقال الحطيئة : (أنا).
عندها أمر عتيبة أحد أفراد حاشيته بأن يأخذ الحطيئة إلى السوق ويشتري له كل ما يطلبه ، فاشترى الحطيئة : الأكسية (4) والكرابيس (5) الغلاظ ، والأقبية (6) ولم يشتر غيرها. فقيل له : إنّ عتيبة قد أمر بشراء الكثير لك ، فقال الحطيئة : (لا حاجة في أن يكون له على قومي يد أعظم من هذه).
ثم عاد الحطيئة ، وكان عتيبة جالسا ، فقال له عتيبة : (هذا مقام العائذ بك يا أبا مليكة من خيرك وشرك).
فقال له الحطيئة : (كنت قد قلت بيتين فاستمع اليهما): (7)
سألت فلم تبخل ولم تعط طائلا / فسيان لا ذم عليك ولا حمد
وأنت أمرئ لا الجود بك سجية / فتعطي ولا يعدى على النائل الوجد (8)
وبعد معركة (دير الجماجم) سنة 82 للهجرة جيء بعتيبة بن النهّاش أسيرا إلى الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، فقال له الحجّاج : أنت عتيبة بن النهّاش؟ فقال : نعم أصلح الله الأمير ، أنا عتيبة بن النهّاس ، فقال له الحجّاج : بايعت عدوّنا عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث؟ قال : نعم ، بايعته أيّها الأمير خوفا على نفسي وأهلي وولدي ، ولم أقاتل معه أحدا فليشملني عفوك ورضاك ، فقال الحجّاج : يا عبد النخع ، أمقعد في الجماعة وصحيح في الفتنة؟ لقد فعلت بعثمان ما فعلت ثمّ عفا عنك يزيد وابنه معاوية بن يزيد ، ومروان بن الحكم ، وأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ، ثمّ جئت إلى العراق فعفوت عنك ، ورفعت منزلك وأنّك قد نظرت وسمعت إلى مطر بن ناجية اليربوعي وهو من أعراب بني تميم يشتمني على المنبر ويشتم عبد الملك بن مروان فنهضت معه أيدت رأيه ثمّ التفت الحجّاج إلى يزيد بن هبيرة المحاربي وقال له : يا يزيد خذه اليك اضرب عنقه. (9)
وقيل عند ما جاء الحطيئة إلى عتيبة بن النهّاش قال : (10)
لا أعد الأقتار عدما ولكن / فقد من رزئته الأعوام
وفي سنة 35 للهجرة كان عتيبة بن النهّاش أميرا على (حلوان) من قبل الخليفة عثمان بن عفّان. (11)
قتل عتيبة بن النهّاش سنة 82 للهجرة (12) ، قتله الحجّاج بن يوسف الثقفيّ.
المصادر :
1- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٢١٧.
2- الحطئية : اسمه : جرول بن أوس بن مالك العبسيّ ، وكنيته أبو مليكة ـ شاعر هجاء ومداح مخضرم جاهلي وإسلامي ، وهو غني عن التعريف.
3- ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ١ / ٢٨٣.
4- الأكسية : الملابس الخشنة (لرفيعة).
5- الكرابيس : ثياب من القطن (بيضاء) خشنة الملبس.
6- الأقبية : قماش من القطن (وهذه كلها رخيصة الثمن).
7- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢ / ١٦٨.
8- الوجد : السعة واليسار.
9- ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ١٤٢.
10- أبو الفضل إبراهيم ـ قصص العرب. ج ١ / ١٩٩.
11- ابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ١٨٦. وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ٧ / ٢٢٧.
12- ابن الأعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ١٤٢.