
هو الضحّاك بن قيس بن خالد الفهريّ ، القرشيّ ، وكنيته : أبو أمية ، وقيل : أبو أنيس ، وقيل : أبو عبد الرحمن ، وقيل : أبو سعيد. (1)
ولّاه معاوية بن أبي سفيان إمارة الكوفة سنة 53 (2) للهجرة في شهر صفر وكان الضحّاك بن قيس من المقربين عند معاوية بن أبي سفيان ، فعندما شعر معاوية بدنو أجله ، أرسل إلى الضحّاك (وكان آنذاك مدير شرطته) وقال : بلّغ (3) وصيتي هذه : (أنظر أهل الحجاز فإنّهم أصلك ، فأكرم من قدم عليك منهم ، وتعاهد من غاب ، وانظر أهل العراق ، فإن سألوك أن تعزل عنهم كلّ يوم عاملا فافعل ، فإنّ عزل عامل أحبّ إليّ من أن تشهر عليك مائة ألف سيف ، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبك ، فإن نابك شيء من عدوّك فانتصر بهم ، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم ، فإنّهم إن أقاموا بغير بلادهم ، أخذوا بغير أخلاقهم ، وإنّي لست أخافها من قريش ، إلّا ثلاثة : حسين بن عليّ وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير ... الخ). (4)
ولمّا مات معاوية سنة 60 للهجرة ، غسّله وكفّنه الضحّاك ، وخطب في الناس قائلا : (إنّ ابن هند قد مات ، وهذه أكفانه على المنبر ، ونحن مدرجوه فيها ، ومخلون بينه وبين ربّه ، ثمّ هو البرزخ إلى يوم القيامة ، ولو كان يزيد حاضرا ، لم يكن للضحاك ولا لغيره أن يفعل من هذا شيئا). (5)
وكان الضحّاك بن قيس أوّل من بايع يزيد بن معاوية بالخلافة ، وذلك حينما عهد معاوية بولاية العهد لأبنه يزيد سنة 59 للهجرة ، وفي ذلك قال عبد الرحمن بن همّام السلوليّ : (6)
فإن تأتوا برملة أو بهند / نبايعها أميرة مؤمنينا
وفي حرب صفّين الّتي دارت رحاها بين الإمام عليّ عليهالسلام وبين معاوية ابن أبي سفيان كان الضحّاك بن قيس على الرجّالة (7) كلها بجانب معاوية. (8)
ولمّا مات يزيد بن معاوية سنة 64 للهجرة ، كتب الضحّاك إلى قيس ابن الهيثم : (السلام عليك ، أما بعد ، فإن يزيد بن معاوية قد مات ، وأنتم إخواننا فلا تسبقونا بشيء حتّى نختار لأنفسنا). (9)
ثم بايع أهل دمشق (الضحّاك) على أن يصلي بهم ويتولى أمورهم لحين الاتّفاق على انتخاب خليفة جديد.
وحينما مات معاوية (الثاني) بن يزيد بن معاوية ، كان النعمان بن بشير الأنصاريّ هو أوّل من بايع عبد الله بن الزبير بالخلافة (وكان آنذاك أميرا على حمص) وكذلك بايعه زفر بن الحارث وكان أميرا على (قنسرين). أمّا الضحّاك فكان يدعو في (دمشق) لعبد الله بن الزبير (سرّا) ثمّ بعد ذلك أعلن الضحّاك بيعته لأبن الزبير (علانية) ، ولمّا سمع عبد الله بن الزبير بذلك ، ولّى الضحّاك إمارة دمشق. (10)
أما أكثرية بني أميّة (ومن تبعهم) فقد ذهبوا إلى الأردن ، وتجمعوا هناك مع مروان بن الحكم. (11)
وقيل إنّ مروان بن الحكم ذهب إلى مكّة لمبايعة عبد الله بن الزبير ، فلقيه في الطريق عبيد الله بن زياد وقال له : (أتبايع أبا خبيب وأنت سيّد بني مناف؟ والله لأنت أولى بها منه
وعندها رجع مروان بن الحكم إلى دمشق ، واجتمع مع بني أميّة ومواليهم على البيعة له ، فبايعوه ، وذلك سنة 64 للهجرة ، ثمّ سار بجيشه إلى (مرج راهط) ومعه ألف فارس ، فطلب الضحّاك بن قيس من النعمان بن بشير الأنصاريّ (أمير حمص) مساعدته ، ثمّ دارت معركة عظيمة بين الطرفين ، قتل خلالها الكثير من الجانبين ، وفي ذلك قال مروان بن الحكم :
لما رأيت الناس صاروا حربا / والمال لا يؤخذ إلا غصبا
دعوت غسانا لهم وكلبا / والسكسكين رجالا غلبا
والقين تمشي في الحديد نكبا / والأعوجيات يثبن وثبا
يحملن سروات ودينا صلبا
وفي تلك المعارك قال أيضا عبد الرحمن بن الحكم (أخو مروان) :
أرى أحاديث أهل المرج قد بلغت / أهل الفرات وأهل الفيض والنيل
واستمرت المعارك عشرين ليلة ، قتل خلالها الضحّاك بن قيس ، وقتل فيها أيضا هاني بن قبيصة النميري ، وعند ما سقط هاني جريحا قال : (12)
تعست ابن ذات النوف أجهر على مرى / يرى الموت خيرا من فرار وألزما
ولا تتركني بالحشاشة إنّني صبور / إذا ما النكس مثلك أحجما
وفي هذه المعركة (مرج راهط) قال زفر بن الحارث الكلابي ، وقد قتل ابناه فيها : (13)
لعمري لقد أبقت وقيعة راهط / بمروان صدعا بيّنا متنائيا
فلم ير مني زلّة قبل هذه / فراري وتركي صاحبيّ ورائيا
أيذهب يوم واحد إن أسأته / بصالح أيّامي وحسن بلائيا
أنترك كلبا لم تنله رماحنا / وتذهب قتلى راهط وهي ما هيا
وقد تنبت الخضراء في دمن الثرى / وتبقى حزازات النفوس كما هيا
فلا صلح حتّى ندعس الخيل بالقنا / وتثأر من أبناء كلب نسائيا
وقيل إنّ عدد ما كان مع الضحّاك من الرجال يوم (مرج راهط) ثلاثون ألفا ، وكان مع مروان بن الحكم ثلاثة عشر ألفا وأكثرهم رجّاله.
وقيل قتل الضحّاك سنة 64 للهجرة. وقيل سنة 65 للهجرة ، وخطب الضحّاك بن قيس يوما في مسجد الكوفة ، وهو جالس ، فقام إليه كعب بن عجره وقال له : (لم أر كاليوم قط إمام قوم مسلمين يخطب قاعدا) (14). وقيل عزل الضحّاك عن إمارة الكوفة في شهر ربيع الأول من سنة 57(15) للهجرة ، عزله معاوية بن أبي سفيان. وقيل : إنّ الضحّاك بن قيس لما وصل إلى الكوفة ، سأل عن قبر زياد بن أبيه ، فدلوه عليه ، ولمّا وقف على قبره قال : (16)
أبا المغيرة والدنيا مفجعة / وإنّ من غرّت الدنيا لمغرور
قد كان عندك للمعروف معرفة / وكان عندك للنكراء تنكير
لو خلّد الخير والإسلام ذا قدم / إذن لخلدك الإسلام والخير
وقيل إنّ هذه الأبيات لحارثة بن بدر يرثي بها زياد بن أبيه.
المصادر :
1- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٣٠٠.
2- الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٢٤٣. ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٨٥.
3- بلغ : أي أخبر ولدي (يزيد). لأن يزيد كان خارج دمشق عند موت معاوية.
4- الجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ٢ / ١٣١.
5- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٧ / ٢١٢.
6- وبقية الأبيات ذكرناها في ص ٦.
7- الرجّالة : أي المقاتلين وليس عندهم خيول أو جمال أو غيرها ، أي المشاة.
8- وذكر نصر بن مزاحم بأن الضحّاك بن قيس كان على أهل دمشق (وهم القلب). وقعة صفّين. ج ٣ / ٢٣٣.
9- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٥٠٤.
10- ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٣٩.
11- الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٢٤٣.
12- ابن الكلبيّ ـ جمهرة النسب. ج ٢ / ١٦.
13- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٢٦. وابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٤ / ٣٩٧.
14- ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ١١ / ١٣١.
15- محمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٨٩.
16- ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٣ / ٢٤١.
ولّاه معاوية بن أبي سفيان إمارة الكوفة سنة 53 (2) للهجرة في شهر صفر وكان الضحّاك بن قيس من المقربين عند معاوية بن أبي سفيان ، فعندما شعر معاوية بدنو أجله ، أرسل إلى الضحّاك (وكان آنذاك مدير شرطته) وقال : بلّغ (3) وصيتي هذه : (أنظر أهل الحجاز فإنّهم أصلك ، فأكرم من قدم عليك منهم ، وتعاهد من غاب ، وانظر أهل العراق ، فإن سألوك أن تعزل عنهم كلّ يوم عاملا فافعل ، فإنّ عزل عامل أحبّ إليّ من أن تشهر عليك مائة ألف سيف ، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبك ، فإن نابك شيء من عدوّك فانتصر بهم ، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم ، فإنّهم إن أقاموا بغير بلادهم ، أخذوا بغير أخلاقهم ، وإنّي لست أخافها من قريش ، إلّا ثلاثة : حسين بن عليّ وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير ... الخ). (4)
ولمّا مات معاوية سنة 60 للهجرة ، غسّله وكفّنه الضحّاك ، وخطب في الناس قائلا : (إنّ ابن هند قد مات ، وهذه أكفانه على المنبر ، ونحن مدرجوه فيها ، ومخلون بينه وبين ربّه ، ثمّ هو البرزخ إلى يوم القيامة ، ولو كان يزيد حاضرا ، لم يكن للضحاك ولا لغيره أن يفعل من هذا شيئا). (5)
وكان الضحّاك بن قيس أوّل من بايع يزيد بن معاوية بالخلافة ، وذلك حينما عهد معاوية بولاية العهد لأبنه يزيد سنة 59 للهجرة ، وفي ذلك قال عبد الرحمن بن همّام السلوليّ : (6)
فإن تأتوا برملة أو بهند / نبايعها أميرة مؤمنينا
وفي حرب صفّين الّتي دارت رحاها بين الإمام عليّ عليهالسلام وبين معاوية ابن أبي سفيان كان الضحّاك بن قيس على الرجّالة (7) كلها بجانب معاوية. (8)
ولمّا مات يزيد بن معاوية سنة 64 للهجرة ، كتب الضحّاك إلى قيس ابن الهيثم : (السلام عليك ، أما بعد ، فإن يزيد بن معاوية قد مات ، وأنتم إخواننا فلا تسبقونا بشيء حتّى نختار لأنفسنا). (9)
ثم بايع أهل دمشق (الضحّاك) على أن يصلي بهم ويتولى أمورهم لحين الاتّفاق على انتخاب خليفة جديد.
وحينما مات معاوية (الثاني) بن يزيد بن معاوية ، كان النعمان بن بشير الأنصاريّ هو أوّل من بايع عبد الله بن الزبير بالخلافة (وكان آنذاك أميرا على حمص) وكذلك بايعه زفر بن الحارث وكان أميرا على (قنسرين). أمّا الضحّاك فكان يدعو في (دمشق) لعبد الله بن الزبير (سرّا) ثمّ بعد ذلك أعلن الضحّاك بيعته لأبن الزبير (علانية) ، ولمّا سمع عبد الله بن الزبير بذلك ، ولّى الضحّاك إمارة دمشق. (10)
أما أكثرية بني أميّة (ومن تبعهم) فقد ذهبوا إلى الأردن ، وتجمعوا هناك مع مروان بن الحكم. (11)
وقيل إنّ مروان بن الحكم ذهب إلى مكّة لمبايعة عبد الله بن الزبير ، فلقيه في الطريق عبيد الله بن زياد وقال له : (أتبايع أبا خبيب وأنت سيّد بني مناف؟ والله لأنت أولى بها منه
وعندها رجع مروان بن الحكم إلى دمشق ، واجتمع مع بني أميّة ومواليهم على البيعة له ، فبايعوه ، وذلك سنة 64 للهجرة ، ثمّ سار بجيشه إلى (مرج راهط) ومعه ألف فارس ، فطلب الضحّاك بن قيس من النعمان بن بشير الأنصاريّ (أمير حمص) مساعدته ، ثمّ دارت معركة عظيمة بين الطرفين ، قتل خلالها الكثير من الجانبين ، وفي ذلك قال مروان بن الحكم :
لما رأيت الناس صاروا حربا / والمال لا يؤخذ إلا غصبا
دعوت غسانا لهم وكلبا / والسكسكين رجالا غلبا
والقين تمشي في الحديد نكبا / والأعوجيات يثبن وثبا
يحملن سروات ودينا صلبا
وفي تلك المعارك قال أيضا عبد الرحمن بن الحكم (أخو مروان) :
أرى أحاديث أهل المرج قد بلغت / أهل الفرات وأهل الفيض والنيل
واستمرت المعارك عشرين ليلة ، قتل خلالها الضحّاك بن قيس ، وقتل فيها أيضا هاني بن قبيصة النميري ، وعند ما سقط هاني جريحا قال : (12)
تعست ابن ذات النوف أجهر على مرى / يرى الموت خيرا من فرار وألزما
ولا تتركني بالحشاشة إنّني صبور / إذا ما النكس مثلك أحجما
وفي هذه المعركة (مرج راهط) قال زفر بن الحارث الكلابي ، وقد قتل ابناه فيها : (13)
لعمري لقد أبقت وقيعة راهط / بمروان صدعا بيّنا متنائيا
فلم ير مني زلّة قبل هذه / فراري وتركي صاحبيّ ورائيا
أيذهب يوم واحد إن أسأته / بصالح أيّامي وحسن بلائيا
أنترك كلبا لم تنله رماحنا / وتذهب قتلى راهط وهي ما هيا
وقد تنبت الخضراء في دمن الثرى / وتبقى حزازات النفوس كما هيا
فلا صلح حتّى ندعس الخيل بالقنا / وتثأر من أبناء كلب نسائيا
وقيل إنّ عدد ما كان مع الضحّاك من الرجال يوم (مرج راهط) ثلاثون ألفا ، وكان مع مروان بن الحكم ثلاثة عشر ألفا وأكثرهم رجّاله.
وقيل قتل الضحّاك سنة 64 للهجرة. وقيل سنة 65 للهجرة ، وخطب الضحّاك بن قيس يوما في مسجد الكوفة ، وهو جالس ، فقام إليه كعب بن عجره وقال له : (لم أر كاليوم قط إمام قوم مسلمين يخطب قاعدا) (14). وقيل عزل الضحّاك عن إمارة الكوفة في شهر ربيع الأول من سنة 57(15) للهجرة ، عزله معاوية بن أبي سفيان. وقيل : إنّ الضحّاك بن قيس لما وصل إلى الكوفة ، سأل عن قبر زياد بن أبيه ، فدلوه عليه ، ولمّا وقف على قبره قال : (16)
أبا المغيرة والدنيا مفجعة / وإنّ من غرّت الدنيا لمغرور
قد كان عندك للمعروف معرفة / وكان عندك للنكراء تنكير
لو خلّد الخير والإسلام ذا قدم / إذن لخلدك الإسلام والخير
وقيل إنّ هذه الأبيات لحارثة بن بدر يرثي بها زياد بن أبيه.
المصادر :
1- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٣٠٠.
2- الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٢٤٣. ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٨٥.
3- بلغ : أي أخبر ولدي (يزيد). لأن يزيد كان خارج دمشق عند موت معاوية.
4- الجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ٢ / ١٣١.
5- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٧ / ٢١٢.
6- وبقية الأبيات ذكرناها في ص ٦.
7- الرجّالة : أي المقاتلين وليس عندهم خيول أو جمال أو غيرها ، أي المشاة.
8- وذكر نصر بن مزاحم بأن الضحّاك بن قيس كان على أهل دمشق (وهم القلب). وقعة صفّين. ج ٣ / ٢٣٣.
9- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٥٠٤.
10- ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ٣٩.
11- الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٢٤٣.
12- ابن الكلبيّ ـ جمهرة النسب. ج ٢ / ١٦.
13- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٢٦. وابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٤ / ٣٩٧.
14- ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج ١١ / ١٣١.
15- محمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ٨٩.
16- ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٣ / ٢٤١.