الموقف من علي عليه السلام

التاريخ هو رواية المنتصر وکان الحديث آنذاک هو رواية علی السن من بيدهم السلطة وکانت الرواية علی شکلین الرواية الشفهية والتدوين، كانت في الحقيقة من المراحل المعادية لعلي بن أبي طالب بشكل سافر، فرواية الحديث
Monday, March 12, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الموقف من علي عليه السلام
 الموقف من علي عليه السلام


التاريخ هو رواية المنتصر وکان الحديث آنذاک هو رواية علی السن من بيدهم السلطة وکانت الرواية علی شکلین الرواية الشفهية والتدوين، كانت في الحقيقة من المراحل المعادية لعلي بن أبي طالب بشكل سافر، فرواية الحديث الموضوع قد بدأت على نطاق واسع في عهد معاوية ومن جاء بعده - وقد مرّ فيما سبق نماذج منه- وكان أهم رواة الحديث في هذا العهد من مؤيدي السلطة الاُموية ومن المنحرفين عن علي بن أبي طالب، إما طلباً للدنيا ونيل عطاء معاوية وبني اُمية، وإما تهدئة لنائرة الحقد وإطفاء للثأر في صدور الذين قُتل آباؤهم وأقرباؤهم في حربي الجمل وصفّين!
قال أبو جعفر الاسكافي المعتزلي: إن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلا يُرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: عروة بن الزبير، روى الزهري أن عروة بن الزبير حدّثه قال: حدثتني عائشة قالت: كنت عند رسول الله، إذ أقبل العباس وعلي، فقال: "ياعائشة، إن هذين يموتان على غير ملّتي" أو قال: "ديني"!.
وروى عبدالرزاق عن معمر، قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي (عليه السلام)، فسألته عنهما يوماً، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما، الله أعلم بهما، إني لأتهمهما في بني هاشم!
قال: فأما الحديث الأوّل، فقد ذكرناه، وأما الحديث الثاني، فهو أن عروة زعم أن عائشة حدثته قالت: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل العباس وعلي، فقال:
"يا عائشة، إن سرّك أن تنظري الى رجلين من أهل النار، فانظري الى هذين قد طلعا". فنظرت، فاذا العباس وعلي بن أبي طالب!(1).
وقال الاسكافي: وقد تظاهرت الرواية عن عروة بن الزبير، أنه كان يأخذه الزمع (الرعدة) عند ذكر علي (عليه السلام)، فيسبّه، ويضرب باحدى يديه على الاُخرى ويقول: وما يغني أنه لم يخالف الى ما نُهي عنه، وقد أراق من دماء المسلمين ما أراق!(2).
وقال أيضاً: وعن يحيى بن عروة قال: كان أبي إذا ذكر علياً نال منه، وقال لي مرة: يا بني، والله ما أحجم الناس عنه إلاّ طلباً للدنيا، لقد بعث إليه اُسامة بن زيد: أن ابعث إلي بعطائي، فوالله إنك لتعلم أنك لو كنت في فم أسد لدخلت معك. فكتب إليه: إن هذا المال لمن جاهد عليه، ولكن لي مالا بالمدينة فأصب منه ما شئت!
قال يحيى: فكنت أعجب عن وصفه إياه بما وصفه به، ومن عيبه له وانحرافه عنه(3).
فعروة بن الزبير من كبار التابعين، وهو من الأعلام المعروفين، ورواياته تملأكتب الحديث، ولا خلاف بين المحدثين في وثاقته، إلاّ أن الكثير منهم لم يأخذ بنظر الاعتبار العوامل النفسية القاهرة التي قد تدفع بالفرد الى الاختلاق والافتراء على من وترهم، والأحاديث التي ذكرها الزهري، واتهامه لعروة في بني هاشم، واعتراف يحيى بن عروة بانحراف أبيه عن علي، تكفي شهادة على عروة، رغم كل ما يقال في فضله، وستأتي أمثلة اُخرى عن مواقف الرواة من علي، ومواقف العلماء من اُولئك الرواة بما يزيل بعض الغموض عن القضية.
وقد جرت عادة المحدّثين على عدم التعرض للصحابة والتابعين بجرح بعد أن عدّلهم الله ورسوله - على حد قولهم- وإنما يشمل التعديل والجرح ما دونهم، إلاّ أنه قد مرّت أخبار عمرو بن العاص، وسمرة بن جندب، والمغيرة بن شعبة، الذي كان يلعن علياً على المنبر بأمر معاوية، وبقي أن نذكر صحابياً آخر كان من المنحرفين عن علي، إذ قال الاسكافي: وروى الأعمش، قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة، جاء الى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس، جثا على ركبتيه، ثم ضرب صلعته مراراً، وقال: يا أهل العراق، أتزعمون أني أكذب على الله ورسوله وأحرق نفسي بالنار! والله لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "إن لكل نبي حرماً، وإن حرمي بالمدينة ما بين عير الى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً، عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". وأشهد بالله أن علياً أحدث فيها!.
فلما بلغ معاوية قوله، أجازه وأكرمه وولاّه إمارة المدينة(4).
وقال الاسكافي أيضاً: وقد صحّ أن بني اُمية منعوا من إظهار فضائل علي (عليه السلام)، وعاقبوا على ذلك الراوي له، حتى أن الرجل إذا روى عنه حديثاً لا يتعلق بفضله، بل بشرائع الدين، لا يتجاسر على ذكر اسمه، فيقول: عن أبي زينب(5).
هكذا كان الموقف من علي بن أبي طالب في فترة انتشار رواية الحديث على عهد معاوية ومن جاء بعده، الى أن جاءت الفترة التي بدأ فيها تدوين الحديث رسمياً بزعامة الزهري في العصر الاُموي، ومالك بن أنس في العصر العباسي، وكلاهما منحرف عن علي بن أبي طالب. قال ابن حبان: ولست أحفظ لمالك ولا للزهري فيما رويا من الحديث شيئاً من مناقب علي أصلا(6).
وكان مالك يرى مساواة علي بن أبي طالب لسائر الناس!(7).
ولم يخرج مالك شيئاً عن علي بن أبي طالب في موطئه، ولما سأله هارون الرشيد عن السبب، اعتذر بأنه (لم يكن في بلدي، ولم ألق رجاله)!(8).

المتوكل العباسي وعلي عليه السلام

أما المرحلة التي أوعز المتوكل بنشر الحديث فيها - والتي تعدّ الفترة الذهبية لتدوين الحديث - فكانت من أشد الفترات عداءً لعلي بن أبي طالب!
قال ابن الأثير: وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهل بيته بأخذ المال والدم، وكان من جملة ندمائه: عبادة المخنث، وكان أصلع، فيشدّ تحت ثيابه مخدّة، ويكشف رأسه ويرقص، والمغنّون يغنّون: قد أقبل الأصلع البطين، خليفة المسلمين، يحكي بذلك علي بن أبي طالب، والمتوكل يشرب ويضحك...! وقيل: إن المتوكل كان يبغض من تقدمه من الخلفاء: المأمون والمعتصم والواثق في محبة علي وأهل بيته، وإنما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي، منهم: علي بن الجهم، الشاعر الشامي، وأبو السمط، من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني اُمية، وعبدالله بن داود الهاشمي المعروف بابن اُترجة(9).
وعلي بن الجهم هو الشاعر المشهور، قال عنه ابن حجر: كان مشهور النصب، كثير الحط على علي وأهل بيته، وقيل إنه كان يلعن أباه لم سمّاه علياً!(10).
ولقد جازف بعض المنصفين من الرواة والمحدّثين بأرواحهم حينما رووا في مناقب علي وأهل بيته بحضرة المتوكل ما أثار حفيظته، ففي ترجمة نصر بن علي الجهضمي، أنه لما حدّث بحديث، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد حسن وحسين، فقال: "من أحبني وأحب هذين وأباهما واُمهما، كان في درجتي يوم القيامة"، أمر المتوكل بضربه ألف سوط، فكلمه فيه جعفر بن عبدالواحد، وجعل يقول له: هذا من أهل السنّة، فلم يزل به حتى تركه!(11).
وقال المتوكل يوماً ليعقوب بن السكيت: أيّما أحب إليك، أنا وولداي المؤيد والمعتز، أم علي والحسن والحسين؟ فقال: والله إن شعرة من قنبر خادم علي، خير منك ومن ولديك!
فأمر المتوكل الاتراك فداسوا بطنه، فحمل الى بيته ومات!(12).
وقال الذهبي: وفي سنة ست وثلاثين ومائتين، هدم المتوكل قبر الحسين، فقال البسامي أبياتاً منها:
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا/في قتله فتتبعوه رميماً
وكان المتوكل فيه نصب وانحراف، فهدم هذا المكان وما حوله من الدور، وأمر أن يُزرع، ومنع الناس من إتيانه(13).
أما اُولئك المحدّثين والفقهاء الذين استدعاهم المتوكل، فكان في مقدمتهم مصعب الزبيري الذي قال عنه ابن الأثير: وكان عالماً فقيهاً، إلاّ أنه كان منحرفاً عن علي (عليه السلام)!(14).
موقف المحدّثين من الرواة:
إن من يتعقب مواقف أهل الحديث من الرواة، يستطيع أن يلاحظ بكل وضوح، أن المقاييس التي كانوا يتبعونها تكاد تكون متممة لخطة العمل التي بدأها معاوية بن أبي سفيان وبنو اُمية عامة، ومن ثم سار على نهجهم بنو العباس في عصر المتوكل وبعده، واستمر هذا النهج الى يومنا هذا!.
لقد بدأ معاوية عهده باستبعاد العراق - وبخاصة الكوفة - من لعب أي دور في ترويج الحديث النبوي، وأمر بتعقب شيعة علي بن أبي طالب واضطهادهم وردّ شهاداتهم، فكان عدم قبول حديث العراقيين إحدى سمات وثمرات هذا الأمر.
وقد درج الباحثون المعاصرون على ترديد كلمات الأقدمين، والتمسك بموازينهم دون محاولة للتنقيب عن الحقيقة، مما يوقع بعض اُولئك الباحثين في التناقض أحياناً.
يقول أكرم ضياء العمري: لقد أدّت كثرة الوضع للحديث في الكوفة الى إعطاء فكرة سيئة عن العراق، كمركز مهم من مراكز العلم والرواية في العالم الإسلامي آنذاك، فتدهورت سمعة العراقيين العلمية في الأمصار المختلفة، منذ فترة مبكرة، فقالت عائشة(رض): (يا أهل العراق، أهل الشام خير منكم، خرج إليهم نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثير فحدّثونا بما نعرف، وخرج اليكم نفر قليل من أصحابه، فحدثتمونا بما نعرف وبما لا نعرف).
وقدم جماعة من أهل العراق الى عبدالله بن عمرو بن العاص بمكة طالبين إليه أن يحدّثهم، فقال لهم: (إن من أهل العراق قوماً يكذبون ويكذبون ويسخرون).
وقال الزهري: (إذا سمعت بالحديث العراقي فاردد به ثم اردد به).
وقد كان من نتيجة ذلك أن ضربت السلطة في دمشق العزلة العلمية عليهم، فلم تستفتهم فيما يستجد من أقضية وأحداث، بل اعتمدت على علماء الشام والمدينة فقط. يقول الأوزاعي: كانت الخلفاء بالشام، فاذا كانت الحادثة سألوا عنها علماء أهل الشام وأهل المدينة، وكانت أحاديث العراق لا تتجاوز جدر بيوتهم، فمتى كان علماء أهل الشام يحملون عن خوارج أهل العراق.
وهذا مالك بن أنس، فقيه المدينة العظيم، لم يرو عن أحد من الكوفيين سوى عبدالله بن إدريس الذي كان على مذهبه، وكان يقول في ذلك: كما لم يرو أولونا عن أوليهم، كذلك لا يروي آخرونا عن آخريهم، وكلام مالك صريح في أن عدم رواية العلماء عن الكوفيين ليست ظاهرة برزت في جيله، بل ان جيله كان يتبع الأقدمين في عدم الأخذ عنهم.!(15)
لو أننا حلّلنا مقولة العمري لوجدناها تكشف عن نقاط الإلتقاء بينها وبين سياسة الدولة الاُموية بشكل واضح، إضافة الى أن الأشخاص المذكورين بذم العراق وأهل الكوفة ورفض احاديثهم، هم في الحقيقة الذين كانوا إما في الخندق المقابل لأهل الكوفة في حرب الجمل كعائشة وأهل البصرة، وفي حرب صفين كعبد الله بن عمرو بن العاص، أو ممن يضطغن على علي بن أبي طالب وشيعته عامة، كالزهري ومالك، وقول مالك: لم يرو أولونا عن أوليهم يثبت هذه الحقيقة التي بدأت في عصر مبكر، وبالتحديد منذ إستلام معاوية مقاليد السلطة، أما ان الخلفاء كانت بالشام وكانت تستفتي علماء المدينة والشام، فهذا أمر طبيعي جداً، فهل نتوقع من معاوية أن يستفتي الصحابة من أهل الكوفة الذين كان وقع رماحهم في جيشه في حرب صفين لا يزال ماثلا أمام ناظريه، أم أن خلفاءه كان يمكن أن يستفتوا أهل الكوفة الشاهرين سيوفهم عليهم في كل حين! فمن الطبيعي إذاً أن يستفتوا أهل الشام الذين كانوا صنائعهم، وعلماء أهل المدينة، وفيهم الصحابة الذين تخلفوا عن علي بن أبي طالب ولم ينصروه وأبناؤهم!
ومن المفارقات العجيبة أن يناقض الباحث نفسه بنفسه، فالعمري الذي ينقل عن عائشة إدعاءها بأنه لم يخرج الى الكوفة إلاّ نفر قليل من الصحابة، يعود فيقول: لقد كان نصيب الكوفة من الصحابة كثيراً، إذ هبط فيها ثلاثمائة من أصحاب الشجرة، وسبعون من أهل بدر، وكان منهم عبدالله بن مسعود احد كبار فقهاء الصحابة ومحدثيهم، وكان الحسن البصري إذا سئل عن أهل البصرة وأهل الكوفة، يبدأ بأهل الكوفة!(16).
ويقيناً لو أننا راجعنا طبقات ابن سعد وغيره من الكتب، لوجدنا أن الصحابة الذين نزلوا الكوفة كانوا في معظمهم من السابقين والخيار، وعددهم أكبر من عدد الصحابة الذين نزلوا الشام، ولم يتمكن خيارهم الاستقرار في الشام من جرّاء تصرفات معاوية المخالفة لشريعة الإسلام وسنّة النبي (صلى الله عليه وآله) - وقد مرّت بنا مواقف بعضهم- ولم يستقر بها إلاّ صنائع معاوية كالنعمان بن بشير الذي كان عثمانياً وغيره.
المصادر :
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 63 - 64.
2- المصدر السابق 4: 69.
3- شرح نهج البلاغة 4: 102.
4- شرح نهج البلاغة 4: 63.
5- السابق 4: 73.
6- كتاب المجروحين 1: 258.
7- ترتيب المدارك: ترجمة مالك.
8- تنوير الحوالك للسيوطي 1: 7، شرح الموطأ للزرقاني 1: 11.
9- الكامل في التاريخ 4: 318.
10- لسان الميزان 4: 210.
11- تهذيب التهذيب 10: 383.
12- النجوم الزاهرة لابن تغري 2: 203، سير أعلام النبلاء 12: 18، تاريخ أبي الفداء 2: 40، وفيات الأعيان 6: 397.
13- سير أعلام النبلاء 12: 35، والمنتظم لابن الجوزي 2: 237.
14- الكامل في التاريخ 4: 320.
15- بحوث في تاريخ السنّة المشرفة: 19 - 23 عن إبن عساكر 1: 69، الطبقات 4: 267.
16- بحوث في تاريخ السنه المشرفه: 24 عن الطبقات 6: 9، الكامل لابن عدي 1: 45
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.