کتابة الحديث

يقول معظم الباحثين في تاريخ تدوين السنّة النبوية الشريفة بأنها لم تدوّن حتى نهاية القرن الأوّل الهجري، باستثناء بعض الصحف التي كان بعض الصحابة يدوّنون فيها شيئاً من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) ; كصحيفة جابر
Friday, March 16, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
کتابة الحديث
 کتابة الحديث

يقول معظم الباحثين في تاريخ تدوين السنّة النبوية الشريفة بأنها لم تدوّن حتى نهاية القرن الأوّل الهجري، باستثناء بعض الصحف التي كان بعض الصحابة يدوّنون فيها شيئاً من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) ; كصحيفة جابر بن عبدالله وصحيفة عبدالله بن عمرو بن العاص التي سميت (الصادقة) وغيرهما.
ويبدو أن المحاولة الاُولى لتدوين الحديث قد بدأت في مطلع القرن الثاني الهجري، بإيعاز من الخليفة الاُموي عمر بن عبدالعزيز 101 هـ، "فقد كتب هذا الخليفة الى قاضيه في المدينة المنورة أبي بكر بن عمرو بن حزم: أن انظر ما كان من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو سنّة فاكتبه، فاني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، إلاّ أن عمر بن عبدالعزيز توفي قبل أن ينفذ أمره"(1).
ويعدّ الزهري أوّل من دوّن الحديث، ويبدو أنه قد فعل ذلك بأمر من الخليفة الاُموي هشام بن عبدالملك، أو عبدالملك نفسه، وفي ذلك يقول الزهري: كنّا نكره الكتاب حتى أكرهنا عليه الاُمراء، فرأيت أن لا أمنعه مسلماً(2).
وروى الوليد بن مسلم، قال: خرج الزهري من الخضراء، من عند عبدالملك، فجلس عند ذلك العمود فقال: يا أيها الناس، إنا كنا قد منعناكم شيئاً قد بذلناه لهؤلاء، فتعالوا حتى اُحدّثكم. قال: فسمعهم يقولون: قال رسول الله، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا أهل الشام، مالي أرى أحاديثكم ليست لها أزمّة ولا خُطم! قال الوليد: فتمسك أصحابنا بالأسانيد من يومئذ. وروى نحوها من وجه آخر: أنه كان يمنعهم أن يكتبوا عنه، فلما ألزمه هشام بن عبدالملك أن يملي على بنيه، أذن للناس أن يكتبوا(3).
وقد بدأت منذ ذلك الحين حملة تدوين الحديث، وأقبل الناس على الحديث النبوي، وكثر المشتغلون به، ولكن بما أن الحديث كان غير مدوّن طيلة أكثر من قرن من الزمان، بل وكان هناك تشديد على منع روايته، الى أن فتح معاوية بن أبي سفيان الباب للحديث، ولكن للحديث المكذوب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من أجل ترويج سياسته، فانتشر الحديث الموضوع رواية، وكانت الفجوة الزمنية بين الرواية الشفهية والتدوين خير فرصة للوضّاعين، "فكانت هذه ثغرة نفذ منها أهل الأهواء الى تحقيق أغراضهم"(4)
مما جعل البعض يرفضون الركون الى الحديث بسبب ذلك، وبخاصة أصحاب مدرسة الرأي، وعلى رأسها محمد بن النعمان أبو حنيفة الذي أعرض عن معظم الأحاديث المتناقلة بين الناس، لأنه "فحص الأحاديث الموجودة في عصره، وكانت عشرات الآلاف، فلم يصح في نظره منها إلاّ نحو سبعة عشر"(5)
وتبعه على ذلك معظم الذين تمسكوا بالقياس، لذا فقد تعرض إمام الأحناف الى حملة تشهير شديدة من قبل أصحاب الحديث الذين كانوا يذمّون القياس وردّ الأحاديث. قال ابن عبدالبرّ: كثير من أهل الحديث استجازوا الطعن على أبي حنيفة لردّه كثيراً من أخبار العدول، لأنه كان يذهب في ذلك الى عرضها على ما أجمع عليه من الأحاديث ومعاني القرآن، فما شذّ عن ذلك ردّه وسمّاه شاذاً، وكان مع ذلك يقول: (الطاعات من الصلاة وغيرها لا تسمى إيماناً)، وكل من قال من أهل السنّة: الإيمان قول وعمل، ينكرون قوله ويبدّعونه بذلك، وكان مع ذلك محسوداً!(6).
وقال أيضاً: فممن طعن عليه وجرحه: أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، فقال في كتابه (الضعفاء والمتروكين): أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، قال نعيم بن حماد: حدثنا يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ، سمعنا سفيان الثوري يقول: استتيب أبو حنيفة من الكفر مرّتين! وقال نعيم عن الفزاري: كنت عند سفيان بن عينية، فجاء نعي أبي حنيفة، فقال: لعنه الله، كان يهدم الإسلام عروة عروة، وما ولد في الإسلام مولود أشرّ منه. هذا ما ذكره البخاري.
وقال ابن عدي: سمعت ابن أبي داود يقول: الوقيعة في أبي حنيفة إجماع من العلماء، لأن إمام البصرة أيوب السختياني، وقد تكلم فيه، وإمام الكوفة الثوري، وقد تكلم فيه، وإمام الحجاز مالك، وقد تكلم فيه، وإمام مصر الليث بن سعد، وقد تكلم فيه، وإمام الشام الأوزاعي، وقد تكلم فيه، وإمام خراسان عبدالعزيز بن مبارك، وقد تكلم فيه، فالوقيعة فيه إجماع من العلماء في جميع الآفاق(7).
وقال الذهبي: قال ابن عدي: عامة ما يرويه غلط وتصحيف وزيادات، وله أحاديث صالحة. وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، كثير الغلط على قلة روايته. وقال ابن معين: لا يكتب حديثه(8).
وقال أبو نعيم الإصفهاني: قال بخلق القرآن، واستتيب من كلامه الرديء غير مرّة، كثير الخطأ والأوهام(9).
الى غير ذلك من الأقوال في ذمّه.
ولم يكن أبو حنيفة وأتباعه من أصحاب مدرسة الرأي هم وحدهم في ذلك الموقف من الحديث المتداول بين الناس، إذ أن أتباع المدرسة العقلية كالمعتزلة قد أخذوا جانب الحذر منه أيضاً، وذكروا لذلك أسباباً، كوجود التضاد والتناقض بين الأحاديث مما لا يمكن صدوره عن النبي (صلى الله عليه وآله)، سواء في الاُصول - حيث تروي كل فرقة ما يؤيد وجهة نظرها- أو في الفروع أيضاً- كاختلاف روايات العراقيين والحجازيين- وكذلك رواياتهم للأحاديث التي تنافي تنزيه الله سبحانه وتعالى، حيث تصوّره وفق العقائد التي تدعو الى التجسيم والتشبيه والحلول، وكذلك تناقضهم في الجرح والتعديل..(10)
وقال ابن قتيبة أيضاً: ولقد أطلق المعتزلة ألسنتهم في أهل الحديث بتجريحهم واتهامهم بالجمود والغفلة وعدم الفطنة، ولقَّبوهم بالحشوبة والنابتة والمجبّرة، وربما قالوا: الجبرية، وسموهم: الغثاء والغثر(11).
وردّ المحدّثون على خصومهم فسمّوهم: أهل الباطل والكفر والفرقة، ورموهم بالبدعة والهوى والضلالة والغرور(12)

السلطة والحديث

استمرت حركة تدوين الحديث في أواخر العصر الاُموي، ولم تظهر المدوّنات المبوّبة للأحاديث في تلك الفترة، بل في أوائل عصر الدولة العباسية: حيث نهض بهذه المهمة عدد من العلماء، كابن جريج 150 هـ، ومعمّر بن راشد 154 هـ، وسفيان الثوري 161 هـ، وسفيان بن عينية 198 هـ وغيرهم.
إلاّ أن أهم المدونات التي حظيت بالقبول وذاع صيتها هو موطأ مالك بن أنس، الذي كتبه بإيعاز من الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، الذي قال لمالك -كما يروي هو-: لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك ونبثّها في الأمصار، ونعهد إليهم أن لا يخالفوها ولا يقضوا بسواها.
فقلت له: أصلح الله الأمير، إن أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر; يُحملون عليه، ونضرب عليه هاماتهم بالسيف، ونقطع طيّ ظهورهم بالسياط..(13)
انتعشت سوق الحديث، وراجت بضاعة المحدّثين، حتى إذا ما تولى المأمون العباسي - الذي تأثر بآراء المدرسة العقلية- الخلافة، مال الى رأي المعتزلة ونصرهم، وأساء المعتزلة استخدام جاههم عند الخلفاء، فراحوا يفرضون آراءهم بالقوة. ونكّلوا بالمحدّثين الذين رفضواالقول بخلق القرآن، وامتحنوهم، فيما عرف بفتنة خلق القرآن في عهد المعتصم والى أواخر عهد الواثق، حتى إذا ما تولى الخلافة المتوكل، قلب للمعتزلة ظهر المجن، وقرّب أصحاب الحديث، وأمرهم بنشره والتحديث به. "قال نفطويه في تاريخه:
وفي سنة أربع وثلاثين (بعد المائتين) أشخص المتوكل الفقهاء والمحدّثين، فكان بينهم مصعب الزبيري، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عبدالله الهروي، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة -وكان من الحفاظ- فقسّمت بينهم الجوائز، وأمرهم المتوكل أن يحدّثوا بالأحاديث التي فيها الردّ على المعتزلة والجهمية; فجلس عثمان في مدينة المنصور، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً، وجلس أبو بكر في مسجد الرصافة، وكان أشدّ تقدماً من أخيه، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً"(14).
وقال خليفة بن خياط: استخلف المتوكل، فأظهر السنّة، وتكلم بها في مجالسه، وكتب الى الآفاق برفع المحنة، وبسط السنّة، ونصر أهلها(15).
وقال الصولي: نهى المتوكل عن الكلام في القرآن، وأشخص الفقهاء والمحدّثين الى سامراء، منهم إبن أبي الشوارب، وأمرهم أن يحدّثوا، وأجزل لهم الصلات.
وذكر الخطيب بأن المتوكل العباسي أمر المحدّثين أن يجلسوا للناس ويحدّثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، وأن يحدّثوا بالأحاديث في الرؤية(16).
ولذلك قال إبراهيم بن محمد التيمي، قاضي البصرة: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصدّيق يوم الردة، وعمر بن عبدالعزيز في ردّ مظالم بني اُمية، والمتوكل في محو البدع وإظهار السنّة!(17).
المصادر :
1- أكرم ضياء العمري. بحوث في تاريخ السنّة المشرّفة: 7.
2- سير أعلام النبلاء 5: 334 ترجمة الزهري.
3- سير أعلام النبلاء 5: 334، ترجمة الزهري.
4- بحوث في تاريخ السنّة المشرفة: 24.
5- أئمة الفقه التسعة: 68.
6- الإنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء: 149، جامع بيان العلم 1: 148.
7- الكامل في ضعفاء الرجال 7: 5.
8- ديوان الضعفاء والمتروكين 2: 404، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي 3: 163، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 233.
9- كتاب الضعفاء: 154.
10- انظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: 2.
11- المصدر السابق: 96.
12- مقدمة كتاب شرف اصحاب الحديث للخطيب البغدادي
13- الإمامة والسياسة 2: 202.
14- تاريخ الاسلام للذهبي، وفيات 230 - 240: ص 230.
15- سير أعلام النبلاء 12: 31.
16- تاريخ بغداد 10: 66.
17- تاريخ الإسلام للذهبي وفيات 241 - 250 ص 196.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.