
نجحت وسائل إعلام معاوية في طمس بعض فضائل علي بن أبي طالب وتحويلها الى غيره، كلقب الصدّيق الذي أصبح لا يُذكر إلاّ ويقفز اسم أبي بكر الى الذهن باعتباره لقباً له، درجت الأجيال على حفظ ذلك، وأرسلها الكُتّاب والمؤلفون -قديماً وحديثاً- إرسال المسلّمات التي لا تقبل نقاشاً ولا جدلا، مع أن لقب الصدّيق هو لعلي بن أبي طالب، سمّاه به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال المحبّ الطبري: ولم يزل اسمه في الجاهلية علياً، وكان يُكنى أبا الحسن، وسمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) صِدّيقاً.
عن أبي ليلى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "الصّدّيقون ثلاثة، حبيب بن مري النجّار ومؤمن آل ياسين... وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب الثالث، وهو أفضلهم". خرّجه أحمد في المناقب، وكنّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأبي الريحانتين(1).
ولأن لفظ الصدّيق أصبح مقروناً باسم أبي بكر، لكثرة ما تردد على الألسن، لذا فإن إطلاق لقب الصدّيق على علي صار يثير حساسية عند المؤلّفين من الجمهور.
قال ابن كثير: قال سويد بن سعيد، ثنا نوح بن قيس بن سليمان بن عبدالله، عن معاذة العدوية قالت: سمعت علي بن أبي طالب على منبر البصرة يقول: أنا الصدّيق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمتُ قبل أن يُسلم. وهذا لا يصح، قاله البخاري(2).
وعن عباد بن عبدالله الأسدي، عن علي(رضي الله عنه) قال: إني عبدالله وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب، صلّيت قبل الناس بسبع سنين، قبل أن يعبده أحد من هذه الاُمّة.
قال الذهبي: حديث باطل... وعباد، قال إبن المديني: ضعيف(3).
أما إبن تيمية، فمعلوم شدة حساسيته تجاه أية فضيلة لعلي بن أبي طالب خصوصاً إذا كانت تتضارب مع إحدى فضائل الشيخين التي يرسلها إبن تيمية إرسال المسلّمات، لذا فانه يبادر لا إلى تضعيف الحديث لوجود أحد الضعفاء فيه كما هي العادة، بل الى نسف الحديث من أساسه، فقال: وعبّاد يروي عن علي ما يُعلم أنه كذب عليه قطعاً، مثل الحديث الذي هو كذب ظاهر، معلوم بالضرورة أنه كذب...
فابن تيمية ينسف الحديث بدعوى انه كذب بالضرورة، أي أن متنه يناقض ماهو معلوم من إطلاق لقب الصدّيق على أبي بكر، فيصبح إطلاق هذا اللقب على غيره كذباً بالضرورة!
ومثل ذلك في لقب الفاروق الذي صار سمة لعمر بن الخطاب حتى كاد يغلب على إسمه، وحتى صار لا يخطر ببال أحد أن يعتقد بأن ذلك لقب لعلي أيضاً، فعن علي بن إسحاق، عن إسماعيل بن موسى السدّي، عن عمر بن سعيد، عن فضيل بن مرزوق، عن أبي سخيلة، عن أبي ذر وسلمان، قالا: أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بيد علي فقال:
(إن هذا أوّل من آمن بي، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصدّيق الأكبر، وهذا فاروق هذه الاُمة، يفرّق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالم)(4).
قال نور الدين الهيتمي: وفيه عمرو بن سعيد المصري وهو ضعيف(5).
لكن عمرو بن سعيد المصري وثّقه البعض، "قال الدوري عن ابن معين: مشهور، وقال ابن الجنيد عن ابن معين: شيخ بصري، وقال ابن سعد والنسائي: ثقة، وذكره ابن حيان في الثقات"(6).
ومهما يكن من أمر، فان ألقاب علي بن أبي طالب مأثورة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أما ألقاب الآخرين فمشكوك في نسبتها إليه، قال ابن كثير -وهو يورد نسب عمر بن الخطاب- الملقب بالفاروق، قيل لقبه بذلك أهل الكتاب!(7).
وقال الطبري: قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أوّل من قال لعمر: الفاروق، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر من ذلك شيئاً!(8).
وأما تلقيب أبي بكر بالصدّيق، فيروون في سبب ذلك أن كل من عرض عليه النبي (صلى الله عليه وآله) الإسلام تردّد فيه إلاّ أبا بكر، ماعتم أن آمن به وصدّقه، ولكنهم يروون في مقابل ذلك أن النبي نفسه قد تحيّر عندما نزل عليه الوحي وضاق صدره ولم يصدّق نفسه، حتى أنه أراد أن يلقي بنفسه من أعلى الجبل!
والكلام عن فضائل الشيخين قد أصبح كالأساطير لشدة تناقلها بين الناس، "فالقدماء قد أكبروا هذين الشيخين الجليلين إكباراً يوشك أن يكون تقديساً لهما، ثم أرسلوا أنفسهم على سجيتها في مدحهما والثناء عليهما، وإذا كان من الحق أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد كذب الناس عليه، وكان كثير من هذا الكذب مصدره الاكبار والتقديس، فلا غرابة في أن يكون إكبار صاحبيه العظيمين وتقديسهما مصدراً من مصادر الكذب عليهما أيضاً"(9).
إلاّ أن الأمر الذي لم يذكره الدكتور طه حسين، هو أن ذلك التقديس للشيخين إنما تولّد بأمر معاوية الذي أمر بافتعال فضائل مختلقة لهما في مقابل فضائل علي بن أبي طالب، لم تكن معروفة حتى بداية عهد معاوية الذي اعترف بذلك في كلامه مع المغيرة بن شعبة من أن أخا تيم هلك وهلك ذكره إلاّ أن يقال أبو بكر، وأن أخا عدي هلك وهلك ذكره...الخ.
المصادر :
1- الرياض النضرة 3: 104، الجامع الصغير للسيوطي 2: 115، كنز العمال 11: 601، فيض القدير للمناوي 4: 313.
2- البداية والنهاية 7: 333.
3- تلخيص الذهبي على المستدرك 3: 112.
4- المعجم الكبير للطبراني 6: 269.
5- مجمع الزوائد 9: 102.
6- تهذيب التهذيب 8: 35.
7- 4 البداية والنهاية 7: 133.
8- تاريخ الطبري 4: 195 حوادث سنة 23، والطبقات الكبرى 3: 270، تاريخ عمر:30.
9- طه حسين، الخلفاء الراشدون، المجلد الرابع: 8.
عن أبي ليلى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "الصّدّيقون ثلاثة، حبيب بن مري النجّار ومؤمن آل ياسين... وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب الثالث، وهو أفضلهم". خرّجه أحمد في المناقب، وكنّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأبي الريحانتين(1).
ولأن لفظ الصدّيق أصبح مقروناً باسم أبي بكر، لكثرة ما تردد على الألسن، لذا فإن إطلاق لقب الصدّيق على علي صار يثير حساسية عند المؤلّفين من الجمهور.
قال ابن كثير: قال سويد بن سعيد، ثنا نوح بن قيس بن سليمان بن عبدالله، عن معاذة العدوية قالت: سمعت علي بن أبي طالب على منبر البصرة يقول: أنا الصدّيق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمتُ قبل أن يُسلم. وهذا لا يصح، قاله البخاري(2).
وعن عباد بن عبدالله الأسدي، عن علي(رضي الله عنه) قال: إني عبدالله وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب، صلّيت قبل الناس بسبع سنين، قبل أن يعبده أحد من هذه الاُمّة.
قال الذهبي: حديث باطل... وعباد، قال إبن المديني: ضعيف(3).
أما إبن تيمية، فمعلوم شدة حساسيته تجاه أية فضيلة لعلي بن أبي طالب خصوصاً إذا كانت تتضارب مع إحدى فضائل الشيخين التي يرسلها إبن تيمية إرسال المسلّمات، لذا فانه يبادر لا إلى تضعيف الحديث لوجود أحد الضعفاء فيه كما هي العادة، بل الى نسف الحديث من أساسه، فقال: وعبّاد يروي عن علي ما يُعلم أنه كذب عليه قطعاً، مثل الحديث الذي هو كذب ظاهر، معلوم بالضرورة أنه كذب...
فابن تيمية ينسف الحديث بدعوى انه كذب بالضرورة، أي أن متنه يناقض ماهو معلوم من إطلاق لقب الصدّيق على أبي بكر، فيصبح إطلاق هذا اللقب على غيره كذباً بالضرورة!
ومثل ذلك في لقب الفاروق الذي صار سمة لعمر بن الخطاب حتى كاد يغلب على إسمه، وحتى صار لا يخطر ببال أحد أن يعتقد بأن ذلك لقب لعلي أيضاً، فعن علي بن إسحاق، عن إسماعيل بن موسى السدّي، عن عمر بن سعيد، عن فضيل بن مرزوق، عن أبي سخيلة، عن أبي ذر وسلمان، قالا: أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بيد علي فقال:
(إن هذا أوّل من آمن بي، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصدّيق الأكبر، وهذا فاروق هذه الاُمة، يفرّق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالم)(4).
قال نور الدين الهيتمي: وفيه عمرو بن سعيد المصري وهو ضعيف(5).
لكن عمرو بن سعيد المصري وثّقه البعض، "قال الدوري عن ابن معين: مشهور، وقال ابن الجنيد عن ابن معين: شيخ بصري، وقال ابن سعد والنسائي: ثقة، وذكره ابن حيان في الثقات"(6).
ومهما يكن من أمر، فان ألقاب علي بن أبي طالب مأثورة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أما ألقاب الآخرين فمشكوك في نسبتها إليه، قال ابن كثير -وهو يورد نسب عمر بن الخطاب- الملقب بالفاروق، قيل لقبه بذلك أهل الكتاب!(7).
وقال الطبري: قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أوّل من قال لعمر: الفاروق، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر من ذلك شيئاً!(8).
وأما تلقيب أبي بكر بالصدّيق، فيروون في سبب ذلك أن كل من عرض عليه النبي (صلى الله عليه وآله) الإسلام تردّد فيه إلاّ أبا بكر، ماعتم أن آمن به وصدّقه، ولكنهم يروون في مقابل ذلك أن النبي نفسه قد تحيّر عندما نزل عليه الوحي وضاق صدره ولم يصدّق نفسه، حتى أنه أراد أن يلقي بنفسه من أعلى الجبل!
والكلام عن فضائل الشيخين قد أصبح كالأساطير لشدة تناقلها بين الناس، "فالقدماء قد أكبروا هذين الشيخين الجليلين إكباراً يوشك أن يكون تقديساً لهما، ثم أرسلوا أنفسهم على سجيتها في مدحهما والثناء عليهما، وإذا كان من الحق أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد كذب الناس عليه، وكان كثير من هذا الكذب مصدره الاكبار والتقديس، فلا غرابة في أن يكون إكبار صاحبيه العظيمين وتقديسهما مصدراً من مصادر الكذب عليهما أيضاً"(9).
إلاّ أن الأمر الذي لم يذكره الدكتور طه حسين، هو أن ذلك التقديس للشيخين إنما تولّد بأمر معاوية الذي أمر بافتعال فضائل مختلقة لهما في مقابل فضائل علي بن أبي طالب، لم تكن معروفة حتى بداية عهد معاوية الذي اعترف بذلك في كلامه مع المغيرة بن شعبة من أن أخا تيم هلك وهلك ذكره إلاّ أن يقال أبو بكر، وأن أخا عدي هلك وهلك ذكره...الخ.
المصادر :
1- الرياض النضرة 3: 104، الجامع الصغير للسيوطي 2: 115، كنز العمال 11: 601، فيض القدير للمناوي 4: 313.
2- البداية والنهاية 7: 333.
3- تلخيص الذهبي على المستدرك 3: 112.
4- المعجم الكبير للطبراني 6: 269.
5- مجمع الزوائد 9: 102.
6- تهذيب التهذيب 8: 35.
7- 4 البداية والنهاية 7: 133.
8- تاريخ الطبري 4: 195 حوادث سنة 23، والطبقات الكبرى 3: 270، تاريخ عمر:30.
9- طه حسين، الخلفاء الراشدون، المجلد الرابع: 8.