مناقب عثمان

إن الذي ينظر في المناقب التي افتعلت للخلفاء الثلاثة بأمر معاوية بن أبي سفيان، ليأخذه العجب من شدّة التناقضات التي يجدها فيها، فان هذه المناقب تكاد تطيح بنظرية الجمهور في التفضيل بين الخلفاء على حسب الترتيب المعلوم،
Saturday, March 17, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
مناقب عثمان
 مناقب عثمان

إن الذي ينظر في المناقب التي افتعلت للخلفاء الثلاثة بأمر معاوية بن أبي سفيان، ليأخذه العجب من شدّة التناقضات التي يجدها فيها، فان هذه المناقب تكاد تطيح بنظرية الجمهور في التفضيل بين الخلفاء على حسب الترتيب المعلوم، فعثمان بن عفان ينفرد أحياناً بمناقب لا يبلغ شأوها أحد حتى الخليفتان اللذان سبقاه، ونجد أحياناً مناقب لعمر بن الخطاب لا يحلم أبو بكر أن يطالها، ومردّ كل ذلك أن خطة معاوية كانت تقتضي في البداية خلق فضائل لعثمان من أجل طمس فضائل علي، فتبارى الوضاعون في خلق تلك الفضائل حتى رفعوا عثمان الى مراتب عالية جداً، مما اضطر معاوية الى كبح جماحهم ودعوتهم الى اختلاق فضائل للصحابة عامة وللشيخين خاصة، فلما بدأوا بذلك تبين أنهم لا يقدرون أن يضاهوا بها مناقب عثمان إلاّ بالمبالغة والغلو في الشيخين - مما سوف يتبين لنا- ومن المضحك حقاً أن هؤلاء الوضاعين أو بعضهم لم يكن على إطلاع واسع على الحديث النبوي الشريف والسنّة النبوية، فأوقعوا أنفسهم في تناقضات غريبة، فمن ذلك مثلا ما تعارف عليه الجمهور من أن عثمان بن عفان كان يحيي الليل بقراءة القرآن في ركعة واحدة!
والأخبار في ذلك مستفيضة يرسلها البعض إرسال المسلّمات، فقد أفرد ابن سعد في ترجمة عثمان فصلا بعنوان (ذكر أنه كان يقرأ القرآن في ركعة)، أورد فيها روايات تنسب الى ابن سيرين وعبدالرحمان بن عثمان، وعطاء بن أبي رياح، وامرأة عثمان نائلة بنت الفرافصة، نذكر منها ما أورده عن إبراهيم بن عبدالرحمان بن عثمان قال: قمتُ خلف المقام وأنا اُريد أن لا يغلبني عليه أحد تلك الليلة، فاذا رجل يغمزني فلم ألتفت، ثم غمزني فنظرت فاذا عثمان بن عفان، فتنحيتُ فتقدّم فقرأ القرآن في ركعة ثم انصرف!
وعن إبن سيرين، قال: قالت امرأة عثمان حين قُتل عثمان: لقد قتلتموه وإنه ليحيي الليل كلّه بالقرآن في ركعة!(1)
لكن السنّة النبوية هي خلاف عمل عثمان، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن يقرأ القرآن كله في كل ليلة ولا في كل يوم وليلة، وقد أخرج ابن سعد عن عائشة، قالت: كان لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث(2).
ولقد استعظم الصحابة أن يقرأ أحدهم ثلث القرآن في الليلة الواحدة فكيف بكله، فعن أبي سعيد الخدري(رضي الله عنه) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: "أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة"؟ فشق ذلك عليهم وقالوا: أيُّنا يطيق ذلك يا رسول الله؟! فقال: "الله الواحد الصمد، ثلث القرآن"(3).
بل إن النبي (صلى الله عليه وآله) قد نهى عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث ليال، وربما أكثر من ذلك، فعن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إقرأ القرآن في شهر"، قلت: إني أجد قوة; حتى قال: "فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك"(4).
وفي رواية: "إقرأ القرآن في كل شهر، إقرأه في كل خمس وعشرين، إقرأه في عشرين، إقرأه في خمس عشرة، إقرأه في سبع، لا يفقهه من يقرأه في أقل من ثلاث"(5).
وهكذا يقع الوضاعون بجهلهم في الخطأ القاتل، في حين يريدون أن يختلقوا فضيلة لعثمان تكون مدحاً له، فانهم يختلقون ما يستحق عليه الذم وهم لا يشعرون.
ومن الاُمور التي ذاعت حتى صارت من المسلّمات، هي قضية تجهيز عثمان جيش العسرة، فعن أبي عمرو القرشي(رضي الله عنه)، وقال النبي (صلى الله عليه وآله): "من يحفر بئر رومة فله الجنة"، فحفرها عثمان، وقال: "من جهّز جيش العسرة فله الجنة"، فجهّزه عثمان(6).
من المعلوم أن عثمان بن عفان -حاله كحال المهاجرين- قد خرج من مكة دون متاع، لأن قريشاً ما كانت لتسمح لأحد بالهجرة بأمواله، وكان أقصى اهتمام المهاجرين أن ينجوا بأنفسهم من قريش، فمن أين جاء عثمان بالمال حتى يشتري بئر رومة! وأين كان الأنصار، كسعد بن عبادة صاحب الجفنة الشهيرة ـ كما مرّ- وغيره من الأنصار!
أما الحديث عن تجهيز جيش العسرة، فهو أعجب وأغرب، ولقد تبارى الوضّاعون فيه حتى تضاربت أقوالهم أيما تضارب، فالواحدي يذكر أن عثمان بن عفان قد جهّز بألف بعير بأقتابها وأحلاسها(7).
بينما يذكر ابن هشام أن من يثق به قد حدّثه بأن عثمان بن عفان قد أنفق في جيش العسرة ألف دينار(8).
وأخرج أبو نعيم بأن عثمان جاء بألف دينار(9).
وعند الإمام أحمد: ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها(10).
وعند ابن الأثير: قيل كانت ثلاثمائة بعير وألف دينار(11).
وعند الحلبي: جهّز عشرة آلاف دينار، غير الإبل والخيل وهي تسعمائة بعير ومائة فرس والزاد وما يتعلق بذلك حتى ما تربط به الأسقية!(12).
أما الطبري فقال: وأنفق عثمان ابن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم من نفقته!(13).
وهكذا تجد الوضّاعين يتسابقون لرفع عدد الدنانير، والتي ستزيد من عدد الدنانير التي تجود بها عليهم كف معاوية المعطاء دون شك.
ومن العجب أن سيرة عثمان السابقة لا تشي بهذا الكرم، ففي الوقت الذي كان فيه المسلمون يعانون الضيق في مكة، قبض عثمان يده عن الانفاق عليهم حتى نزلت بحقه آية من الكتاب العزيز، فقد أخرج المفسرون، أن قوله تعالى: (أفرأيتَ الذي تَولّى * وَأَعطى قَليلا وَأكدى * أَعندَهُ عِلمُ الغَيبِ فَهوَ يَرى)(14).
قد نزلت في حق عثمان بن عفان الذي كان يتصدّق وينفق في الخير، فقال له أخوه من الرضاعة عبدالله بن أبي سرح: ما هذا الذي تصنع! يوشك أن لا يُبقى لك شيئاً، فقال عثمان: إن لي ذنوباً وخطايا، وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوه، فقال له عبدالله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمّل عنك ذنوبك كلها! فأعطاه وأشهد عليه، وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة، فأنزل الله تعالى: (أَفَرأيتَ الذي تَولّى... الآية)، فعاد عثمان الى أحسن ذلك وأجمله(15).
وإذا كان عثمان بن عفان سريعاً الى الانفاق حبّاً لله ورسوله، فما باله لم ينفق درهماً من أجل أن يناجي النبي (صلى الله عليه وآله) وهو صهره، وقد زوّجه النبي (صلى الله عليه وآله) اثنين من بناته! وذلك عند نزول قوله تعالى: (يا أَيُّها الذينَ آمَنُوا إذا ناجَيتُمُ الرَّسولَ فَقدِّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجواكُم صَدَقَةً ذلكَ خَيرٌ لَكُمْ وأَطهرُ فإنْ لَمْ تَجدُوا فإنَّ اللهَ غَفورٌ رَحيمٌ * ءأَشفقتُم أَنْ تُقَدِّموا بَينَ يَدَيْ نَجواكُم صَدَقات فَإلَمْ تَفعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيكُمْ فَأَقيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وَأطيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبيرٌ بِما تَعمَلُونَ)(16).
قال مقاتل بن حيّان: نزلت الآية في الأغنياء، وذلك أنهم كانوا يأتون النبي (صلى الله عليه وآله) فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس، حتى كره رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك من طول جلوسهم ومناجاتهم، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية، وأمر بالصدقة عند المناجاة، فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئاً، وأما أهل الميسرة فبخلوا! واشتدّ ذلك على أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، فنزلت الرخصة.
وقال علي بن أبي طالب(عليه السلام): إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي: (يا أَيُّها الذينَ آمَنُوا إذا ناجَيتُم الرَّسولَ)، كان لي دينار فبعته بدراهم، وكنت إذا ناجيتُ الرسول تصدّقت بدرهم حتى نفدَ، فنسخت بالآية الاُخرى: (أَأَشفقتم أَن تُقَدّموا...) الآية(17).
المصادر :
1- الطبقات الكبرى 3: 55 ترجمة عثمان بن عفان.
2- الطبقات 1: 284
3- صحيح البخاري 6: 233 فضل قل هو الله أحد.
4- المصدر السابق 6: 423 باب: في كم يقرأ القرآن وقال البخاري: قال بعضهم: في ثلاث، وفي خمس، وأكثرهم على سبع.
5- مسند أحمد 2: 165 و 189، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة لناصر الدين الألباني المجلد الرابع ص 18 ح 1513 (حكم من يختم القرآن في أقل مما ثلاث).
6- صحيح البخاري 5: 16 باب مناقب عثمان بن عفان.
7- أسباب نزول القرآن: 55.
8- سيرة ابن هشام 4: 161.
9- حلية الأولياء 1: 59.
10- مسند أحمد 5: 38.
11- الكامل في التاريخ 1: 635.
12- السيرة الحلبية 3: 130.
13- تاريخ الطبري 3: 102 حوادث سنة تسع
14- سورة النجم: 33، 34، 35.
15- أسباب النزول للواحدي: 298، الكشاف 3: 146، تفسير القرطبي 17: 111.
16- سورة المجادلة: 12، 13.
17- أسباب النزول للواحدي: 432، تفسير الطبري 28: 14، الدر المنثور 6: 185، الرياض النضرة 2: 265، الكشاف 6: 76.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.