الخمر وبيع الاصنام

من الاُمور التي لا يخالج أحداً من المسلمين الشك فيها مطلقاً، حرمة الربا تحريماً قطعياً، والنهي الشديد عنه، والوعيد لآكله في الكتاب العزيز والسنّة النبوية الشريفة، وفقهاء المسلمين مجمعون بكافة طوائفهم على حرمة الربا وأنه من الكبائر.
Monday, March 19, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الخمر وبيع الاصنام
 الخمر وبيع الاصنام


من الاُمور التي لا يخالج أحداً من المسلمين الشك فيها مطلقاً، حرمة الربا تحريماً قطعياً، والنهي الشديد عنه، والوعيد لآكله في الكتاب العزيز والسنّة النبوية الشريفة، وفقهاء المسلمين مجمعون بكافة طوائفهم على حرمة الربا وأنه من الكبائر.
وقد نعت القرآن الكريم أكلة الربا بأقبح النعوت والأوصاف، وتوّعدهم بشدّة، فقال عزّ من قائل: (الذينَ يأكلونَ الرِّبا لا يقومونَ إلاّ كما يَقومُ الذي يَتخبَّطهُ الشيطانُ مِنَ المسّ ذلكَ بأنّهم قالوا إنَّما البيعُ مِثلُ الرِّبا وأَحَلَّ اللهُ البيعَ وَحَرَّمَ الربا فَمنْ جاءَهُ مَوعِظةٌ مِنْ رَبّهِ فانتهى فَلهُ ما سَلفَ وأَمرهُ الى اللهِ ومَنْ عادَ فأولئكَ أَصحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدونَ)(1)
فالذي يصر على أكل الربا هو من الخالدين في النار، مثله في ذلك كمثل الكفار والمشركين كما وتهدّد القرآن الكريم المصرّين على أكل الربا بحرب من الله ورسوله، فقال تعالى ذكره: (يا أيُّها الذينَ آمَنوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقيَ مِنَ الرّبا إنْ كُنتُمْ مُؤمِنينَ * فإنْ لَمْ تَفعلُوا فَأْذَنُوا بحرب مِنَ اللهِ وَرَسولِه)(2).
أما السنّة النبوية الشريفة، فالأحاديث فيها في التشديد على حرمة الربا أكثر من أن تحصى، ولا يخلو منها كتاب من كتب الحديث، والفقه، وسوف أكتفي بالاستشهاد بأمثلة قليلة جداً منها:
عن أبي جحيفة قال: رأيت أبي اشترى حجاماً، فسألته عن ذلك، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأَمَة، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا ومؤكله، ولعن الصور(3).
وعن أبي هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّمالله إلاّ بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات"(4).
وعن إبن مسعود مرفوعاً: "الربا ثلاث وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل اُمّه"(5).
هذا هو حكم آكل الربا ومؤكله في القرآن والسنّة، وهذا هو عقابه الأليم، فهو خالد في النار كالكفار، وهو محارب لله ورسوله...الخ.
ومع كل هذا فإن معاوية بن أبي سفيان الصحابي الذي يفترض أنه ممن يأخذ المسلمون دينهم عنهم لا يتورع عن أكل الربا، وليس هذا من تخرصات أحد مخالفيه أو من أكاذيب أهل البدع -كما يسميهم البعض- ولا هو من تقوّلات التاريخية الذين يكتبون للملوك المناوئين لبني اُمية، بل هو بشهادة الصحابة من أولي الفضل والتُقى، أخرجها عنهم أئمة الحديث من علماء الجمهور، فعن عطاء بن يسار: أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينهى عن مثل هذا إلاّ مثلا بمثل. فقال له معاوية: ما أرى بثمل هذا بأساً! فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية أنا أخبره عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويخبرني عن رأيه لا أُساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر له ذلك، فكتب عمر بن الخطاب الى معاوية: أن لا تبيع ذلك إلاّ مثلا بمثل، وزناً بوزن(6).
وعن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث، قال: قالوا: أبو الاشعث، أبو الاشعث; فجلس، فقلت له: حدّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا: آنية من فضة، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في اُعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح، إلاّ سواء بسواء، عيناً بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى.
فردّ الناس ما أخذوا، فبلغ معاوية فقام خطيباً فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحاديث قد كنّا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن كره معاوية (أو قال: وإن رغم)، ما اُبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء(7).
وفي رواية لابن عساكر عن الحسن، وفيها: فقال له معاوية: اسكت عن هذا الحديث ولا تذكره فقال له: بلى وإن رغم أنف معاوية، ثم قام فقال له معاوية: ما نجد شيئاً أبلغ فيما بيني وبين أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) من الصفح عنهم(8).

إن الملاحظ أن معاوية يريد أن يقرن نفسه بأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) الذين سارعوا الى الإيمان به منذ البداية، ورافقوه وشهدوا معه المشاهد، فيستنكر عليهم أن يرووا عنه أحاديث لم يسمع معاوية بها ولا أدري ما الغريب في ذلك فعبادة بن الصامت ممن بايع النبي (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة، وهو من النقباء، وهو بدري، وقد شهد مع النبي مشاهده(9).
بينما معاوية لم يُسلم إلاّ بعد فتح مكة، ولم يصحب النبي (صلى الله عليه وآله) إلاّ فترة وجيزة، فأنّى له الاحاطة بحديث النبي وسنته، حتى ينكر على عبادة وأمثاله من السبّاقين ولو أن معاوية اعترف بجهله بذلك، وارتدع عما يفعل، لكان له بعض العذر، لكننا نراه يصرّ على التمسك برأيه وينعى على الآخرين تبصيره بالحقيقة - إن كان يجهلها- مع العلم أن معاوية لابد وأن يكون قد سمع النبي (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع، في السنة العاشرة من الهجرة وهو يخطب قائلا: "أيها الناس. اسمعوا قولي فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً. أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، وكل رباً موضوع، لكم رؤوس أموالكم، وإن ربا العباس بن عبدالمطلب موضوع كله..."(10).
ولا يكتفي معاوية بكل ذلك، بل يمنّ على أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك بالصفح عنهم وكأنهم هم المذنبون بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وهو المصيب باصراره على المنكر والمحرّم!.
بيع الأصنام
قال السرخسي: وذُكر عن مسروق(رحمه الله) قال: بعث معاويةبتماثيل من صفر تُباع بأرض الهند، فمرّ بها على مسروق رحمه الله، قال: والله لو أني أعلم أنه يقتلني لغرّقتها، ولكني أخاف أن يعذبني فيفتنني، والله لا أدري أي الرجلين معاوية، رجل قد زُيّن له سوء عمله، أو رجل يئس من الآخرة فهو يتمتع في الدنيا.
وقيل: هذه تماثيل كانت أصيبت في الغنيمة، فأمر معاويةببيعها بأرض الهند بها الاسلحة والكراع للغزاة، فيكون دليلا لأبي حنيفة في جواز بيع الصنم والصليب ممن يعبده، كما هو طريقة القياس، وقد استعظم ذلك مسروق رحمه الله، كما هو طريق الاستحسان الذي ذهب إليه أبو يوسف ومحمد رحمهما الله في كراهة ذلك.
ومسروق من علماء التابعين، وكان يزاحم الصحابة رضي الله عنهم في الفتوى، وقد رجع ابن عباس الى قوله في مسألة النذر بذبح الولد، ولكن مع هذا، قول معاوية مقدّم على قوله وقد كانوا في المجتهدات يلحق بعضهم الوعيد بالبعض، كما قال علي(عليه السلام): من أراد أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الحد، يعني بقول زيد . وإنما قلنا هذا لأنه لا يُظن بمسروق رحمه الله أنه قال في معاويةما قال عن اعتقاد، وقد كان هو من كبار الصحابة رضي الله عنهم، وكان كاتب الوحي وكان أمير المؤمنين، وقد أخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالملك بعده فقال له (عليه السلام) يوماً: "إذا ملكت أمر اُمتي فأحسن إليهم"، فكان هو مخطئاً في مزاحمة علي(عليه السلام)، تاركاً لما هو واجب عليه من الانقياد له، لا يجوز أن يقال فيه أكثر من هذا(11).
لقد أوردت كلام السرخسي كله في هذه القضية للتذكير بأن بعض فقهاء العصر الاُموي قد قبلوا أن يبيعوا دينهم بدراهم معاوية، إلاّ أننا نجد في الفقهاء المتأخرين عن عصر بني اُمية -كأمثال السرخسي هذا- من يبيع دينه لمعاوية دون مقابل، بعد أن أضلته أساليب الدعاية الاُموية على مرّ القرون، فيستميت في الدفاع عن معاوية متأولا كلام التابعي مسروق بن الأجدع الواضح الذي لا لبس فيه ولانكارة - من باب حسن الظن بالصحابة كما درجوا على القول- ثم يفتعل لمعاوية مناقب عظيمة من كتابته الوحي وبشارة النبي المزعومة له بالملك وغيرها، وسوف اُؤجل البحث في مناقب معاوية ورأي الحفاظ والعلماء فيها إلى مباحث قادمة، إلاّ أنني اُريد فقط أن أذكر هذا الفقيه وأمثاله بقول النبي (صلى الله عليه وآله) في مسألة بيع الأصنام، مكتفياً بما أخرجه أعظم المحدثين، محمد بن اسماعيل البخاري، عن جابر بن عبدالله، أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول عام الفتح وهو بمكة: "إن الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام". فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: "لا، هو حرام"، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند ذلك: "قاتل الله اليهود، إن الله لمّا حرّم شحومها، جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه"(12).
المصادر :
1- البقرة: 275.
2- البقرة: 278 - 279.
3- صحيح البخاري 3: 78 كتاب البيوع باب مؤكل الربا، و 3: 111 باب ثمن الكلب.
4- صحيح مسلم 1: 64، صحيح البخاري 3: 195، سنن أبي داود ح 3333، سنن البيهقي 5: 275، سنن الترمذي 3: 12 ح 1206، سنن ابن ماجة 2: 764 ح 2277.
5- المستدرك على الصحيحين 2: 43 ح 2259، شعب الايمان للبيهقي 4: 394 ح 55199.
6- الموطأ 2: 634 باب بيع الذهب بالفضة تبراً وعيناً. السنن الكبرى للبيهقي 5: 280 كتاب البيوع، باب تحريم التفاضل في الجنس الواحد. السنن الكبرى للنسائي 4: 30 كتاب البيوع: بيع الذهب بالذهب ح 6164.
7- صحيح مسلم 3: 398 كتاب المساقاة: باب صرف وبيع الذهب بالورق نقداً، وسنن ابن ماجة 1: 22 ح 18 باب اتباع سنة رسول الله(ص)، والسنن الكبرى للنسائي 4: 27 كتاب البيوع: بيع الشعير بالشعير ح 6154، 6155، والسنن الكبرى للبيهقي 5: 277 كتاب البيوع وتاريخ ابن عساكر 26: 176.
8- تاريخ دمشق 8: 866.
9- روى ابن سعد عن خالد بن معدان قال: لم يبق من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالشام أحد أوثق ولا أفقه ولا أرضى من عباد بن الصامت وشداد بن أومى، الطبقات: 374.
10- 2 تاريخ الطبري 3: 148، الكامل لابن الاثير 2: 302 ذكر حجة الوداع، تاريخ الإسلام 1: 704، مغازي الواقدي 3: 1088، السيرة النبوية لابن هشام 4: 230، الطبقات الكبرى 2: 172، تاريخ خليفة بن خياط: 94، نهاية الإرب 17: 371، عيون الأثر 2: 272.
11- المبسوط: 24: 46 كتاب الاكراه.
12- صحيح البخاري 3: 110 باب بيع الميتة والأصنام.

 


نظرات کاربران
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.