
هو : الحجّاج (وأسمه كليب) بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف ، وكنيته : أبو محمّد. (١)
ولّاه عبد الملك بن مروان إمارة الكوفة سنة (٧٥) للهجرة ، لإخماد ثورة الخوارج ، ولمّا وصل الحجّاج إلى القادسيّة ، أمر جيشه بالبقاء فيها ، وذهب هو وجماعة إلى الكوفة ، فدخلها في أوائل شهر محرّم من سنة (٧٥) للهجرة سنة (٦٩٤) للميلاد. (٢)
وذهب إلى المسجد ، ونودي في الناس (الصلاة جامعة) فجاء الناس إلى المسجد وكان الحجّاج جالسا على المنبر متلثما ، وحينما ازدحم المسجد بأهل الكوفة ، رفع الحجّاج اللّثام عن وجهه ، ثمّ قام ، وخلع العمامة عن رأسه فقال : (أنا الحجّاج) (٣).
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا / متى أضع العمامة تعرفوني
ثم قال (والله يا أهل العراق ، إنّي لأرى رؤوسا قد أينعت ، وحان قطافها ، وإنّي لصاحبها ، والله لكأنّي أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى .. إنّ أمير المؤمنين (عبد الملك) نثر كنافته بين يديه ، فعجم عيدانها عودا عودا ، فوجدني أمرّها عودا ، وأشدّها مكرا ، فوجّهني اليكم ، ورماني بكم ، يا أهل الكوفة ، أهل الشقاق والنفاق ، ومساوئ الأخلاق ... يا أهل العراق إنّما أنتم أهل قرية ، كانت آمنة مطمئنة ، يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت
أينسى كليب زمان الهزال / وتعليمه سورة الكوثر
رفيق له فلكة ما ترى / وآخر كالقمر الأزهر
بأنعم الله ، فأتاها وعيد القرى من ربّها ، فاستوثقوا ، واعتدلوا ولا تميلوا ، واسمعوا وأطيعوا وشايعوا وبايعوا .. الخ). (4)
وقد اشتهر الحجّاج بكثرة خطبه بذم أهل العراق (5) ، أكتفي بذكر خطبة قالها عند ما جيء برأس عبد الرحمن (6) بن محمّد بن الأشعث ، فوضع بين يديه ، ثمّ صعد منبر الكوفة فقال : (يا أهل العراق ، إنّ الشيطان استبطنكم مخالط اللحم منكم والعظم والأطراف والأعضاء ، وجرى فيكم مجرى الدم ، وأفضى إلى الأضلاع والأمخاخ ، فحشا ما هنالك شقاقا ، واختلافا ، ونفاقا ، ثمّ أربع فيه فعشعش ، وباض فيه ففرخ ، واتخذتموه دليلا تتابعونه ، وقائدا تطاوعونه ، ومؤمرا تستأمرونه ، ألستم أصحابي بالأهواز؟
حين سعيتم بالغدر بي ، فاستجمعتم عليّ ، وحيث ظننتم أن الله سيخذل دينه وخلافته ، وأقسم بالله إنّي لأراكم بطرفي وأنتم تتسلّلون لواذا منهزمين ، سراعا مفترقين ، كلّ امرئ منكم على عنقه السيف رعبا وجبنا ، ثمّ (يوم الزاوية) (7) وما يوم الزاوية ، بها كان فشلكم ، وبراءة الله منكم ، وتوليكم على أكتافكم السيوف هاربين ، ونكوص وليكم عنكم ، إذ وليتم كالأبل الشوارد إلى أوطانها ، لا يسأل الرجل عن بنيه ، ولا يلوي أمروء على أخيه ، حتّى عضتكم السلاح ، وقصفتكم الرماح ، ويوم (دير الجماجم) (8) بها كانت الملاحم ، والمعارك العظام. ضربا يزيل الهام عن مقيله / ويذهل الخليل عن خليله
فما الّذي أرجوه منكم يا أهل العراق؟ أم ما الّذي أتوقعه؟ ولماذا أستبقيكم؟ ولأيّ شيء أدخركم؟ للفجرات بعد العداوات؟ أم للنزوة بعد النزوات؟ وما الّذي أراقب بكم؟ وما الّذي أنتظر فيكم؟ إن بعثتم إلى ثغوركم جبنتم ، وإن أمنتم أو خفتم لما فقتم ، لا تجزون بحسنة ، ولا تشكرون نعمة .. يا أهل العراق ، هل استنبحكم نابح؟ أو استشلاكم غاو؟ أو استحثّكم ناكث؟ أو استنفركم عاص؟ إلّا بايعتموه وتابعتموه وآويتموه وكفيتموه؟
يا أهل العراق ، هل شغب شاغب ، أو نعب ناعب ، أو دب كاذب ، إلّا كنتم أشياعه وأتباعه؟ ... يا أهل العراق ، لم تنفعكم التجارب ، وتحفظكم المواعظ ، وتعضكم الوقائع ، هل يقع في صدوركم ، ما أوقع الله بكم عند مصادر الأمور ومواردها؟ (9)
ثم التفت إلى أهل الشام مخاطبا : (يا أهل الشام ، أنا لكم كالظيلم الرامح عن فراخه ، ينفي عنهم القذى ، ويكتنفهنّ من المطر ، ويحفظهنّ من الذئاب ، ويحميهن من سائر الدواب ، لا يخلص اليهن معه قذى ، ولا يقضي اليهن ردى ، ولا يمسهنّ بأذى .. يا أهل الشام ، أنتم العدة والعدد ، والجنة في الحرب ، إن نحارب حاربتم أو نجانب جانبتم ، وما أنتم وأهل العراق إلا كما قال نابغة بني جعدة : (10)
وإن تداعي حظهم / لم ترزقوه ولم نكذب
كقول اليهود : قتلنا المسيح / ولم يقتلوه ولم يصلب
ولقد خاض الحجّاج معارك عنيفة ، ودامية ، فقد ذهب إلى مكّة وحاصر فيها عبد الله بن الزبير لمدّة خمسين ليلة ، ثمّ ضرب الكعبة
بالمنجنيق ، وقتل عبد الله بن الزبير ، وهو متعلقا بأستار الكعبة. (11)
ثم حارب الخوارج ، وخاصّة مع شبيب الخارجيّ وزوجته (غزالة) كما حارب عبد الرحمن بن الأشعث في معركة (يوم الزاوية) فأنهزم جيشه أمام جيش ابن الأشعث ، وقد قتل الحجّاج في يوم الزاوية أحد عشر ألف خدعهم بإعطائهم الأمان ، ثمّ لمّا جاءوا واستسلموا قتلهم جميعا.
ثم معركة (دير الجماجم) الّتي وقعت بينه وبين ابن الأشعث أيضا ، حيث قتل فيها الآلاف ، وقتل فيها الكثير من العلماء والفقهاء ورواة الحديث. (12)
وقد أقسم الحجّاج بعد معركة (دير الجماجم) بأن لا يؤتى بأسير إلا قتله بل ويقتله شر قتلة (13) ، وقيل إنّ عدد الّذين قتلهم الحجّاج صبرا قد بلغ مائة وعشرون ألفا. (14)
ولمّا سمع عبد الملك بن مروان بقساوة الحجّاج ، في سفك الدماء ، وتبذير الأموال ، كتب إليه يستنكر ذلك ، وكتب في آخر الكتاب أبياتا نذكر منها : (15)
إذا أنت لم تترك أمورا كرهتها / وتطلب رضائي بالذي أنا طالبه
وتخشى الّذي يخشاه مثلك هاربا / إلى الله منه ضيّع الدّرّ حالبه
فإن تر منّي غفلة قرشية / فيا ربّما قد غص بالماء شاربه
وإن تر منّي وثبة أموية / فهذا وهذا كل ذا أنا صاحبه
فلا تلمني والحوادث جمّة / فإنك مجزيّ بما أنت كاسبه
فأجابه الحجّاج معتذرا ، وضمن كتابه بأبيات نذكر منها :
إذا أنا لم أتبع رضاك وأتقي / أذاك فيومي لا تزول كواكبه
أسالم من سالمت من ذي قرابة / ومن لم تسالمه فإني محاربه
إذا قارف الحجّاج منك خطيئة / فقامت عليه في الصباح نوادبه
فقف بي على حدّ الرضا لا أجوزه / متى الدهر حتّى يرجع الدرّ حالبه
وإلا فدعني والأمور فإنني / شفيق ، رقيق أهلتّه تجاربه
وعند ما جاء الحجّاج إلى الكوفة سنة (٧٥) للهجرة ، قيل له إنّ بين الكوفة والحيرة (دير هند) بنت النعمان بن المنذر (16) ، وهي بتمام صحتها وعقلها ، فذهب الحجّاج اليها ، فقيل لها : هذا الأمير (الحجّاج) على الباب ، فخرجت إليه. فقال لها الحجّاج : (يا هند ، ما هو أعجب ما رأيت)؟
قالت هند : (خروج مثلي إلى مثلك ، لا تغترنّ يا حجاج بالدنيا ، فإنا أصبحنا ونحن كما قال النابغة لأبي : (17)
رأيتك من تعقد له حبل ذمة / من الناس ، يأمن سرجه حيثما ارتقى
ولم نمس إلا ونحن أذل الناس / وقلّ إناء امتلأ إلا انكفأ
فخرج الحجّاج مغضبا ، وأمر بإخراجها من الدير ، وبأخذ الخراج منها ، فأخرجت هند من الدير ، ومعها ثلاث جواري من أهلها ، فقالت إحداهن : (18)
خارجات يسقن من دير هند / معلنات بذلة وهوان
ليت شعري أأوّل الحشر هذا / أم محا الدهر غيرة الفتيان
فسمعها فتى من أهل الكوفة ، فأخذته الغيرة والحميّة (والشهامة العربية) فشهر سيفه ، وخلصهن من جماعة الحجّاج ثمّ هرب.
ولمّا سمع الحجّاج بذلك قال : (إن أتانا فهو آمن ، وإن ظفرنا به قتلناه). (19) فلمّا سمع الفتى (الكوفي) بالأمان جاء إلى الحجّاج وسلم نفسه.
فقال له الحجّاج : ما الّذي دعاك إلى ذلك؟!
فقال الفتى : إنّها الغيرة أيّها الأمير. فعفى عنه الحجّاج.
وعند ما كان الحجّاج بالبصرة ، قبض على رجل من الخوارج ، فأمر بصلبه ، وذهب الحجّاج مساء لينظر إليه ، فرآى رجلا واقفا بقرب المصلوب ، وسمعه يقول : (طال ما ركبت فأعقب) فسأل عنه الحجّاج فقيل له : إنه شظاظ اللص (20). فقال الحجّاج : (والله ليعقبك). ثمّ أمر بصلب شظاظ في مكان المصلوب.
وعند ما خطب الحجّاج (هند بنت أسماء بن خارجة) أرسل اليها مائة ألف درهم وعشرين صندوقا من الثياب مع أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، ثمّ أرسل لها بعد ذلك ثلاثين جارية ، مع كلّ جارية صندوق ثياب.(21)
وبعد أن تزوجها ، بنى لها قصرا في مدينة (واسط) يسمى (قصر الحجّاج) فسألها ذات يوم : (هل رأيت أحسن من هذا القصر؟). فقالت : إنه قصر جميل. فقال لها الحجّاج : أصدقيني.
قالت هند : إذا كنت تريد الحقيقة ، فو الله ما رأيت أحسن من القصر الأحمر. (22)
وعند ما سمع العراقيون بوفاة محمّد بن الحجّاج وأخيه محمّد بن يوسف ، فرحوا كثيرا وقالوا : انكسر ظهر الحجّاج وكسرت جناحاه ، فخطب الحجّاج بالناس فقال : (يا أيّها الناس ، محمّدان في يوم واحد ، أما والله لقد كنت أحبّ أنّهما معي في الدنيا مع ما أرجوه لهما من ثواب الآخرة ، وأيم الله ليوشكنّ الباقي منّا ومنكم أن يفنى ، والجديد منّا ومنكم أن يبلى ... الخ). (23)
وجزع الحجّاج على ابنه (محمّد) جزعا شديدا ، وقال : إذا غسلتموه وكفنتموه فأعلموني ، ولمّا انتهوا من تغسيله وتكفينه ، نظر الحجّاج إلى ولده وقال : (24)
الآن لما كنت أكمل من مشى / وأفتر نابك عن شباة القارح
وتكاملت فيك المروءة كلّها / وأعنت ذلك بالفعال الصالح
ثم جلس الحجّاج للتعزية ، فدخل الناس عليه يعزّونه ، ومعهم الفرزدق ، فنظر إليه الحجّاج وقال : يا فرزدق ، أما رثيت محمّدا ومحمّدا؟
قال الفرزدق : نعم أيّها الأمير ، وأنشد يقول : (25)
إنّ الرزّية لا رزية مثلها / فقدان مثل محمّد ومحمّد
ملكان قد خلت المنابر منهما / أخذ الحمام عليهما بالمرصد
فقال الحجّاج : لو زدتني يا فرزدق ، فقال الفرزدق :
إنّي لباك على ابني يوسف جزعا / ومثل فقدهما للدّين يبكيني
ما سدّ حي ولا ميّت مسدهما / إلّا الخلائق من بعد النبيين
فقال الحجّاج : ما فعلت شيئا ، إنّما زدت في حزني ، فقال الفرزدق :
لئن جزع الحجّاج ما من مصيبة / تكون لمحزون أمض وأوجعا
من المصطفى والمصطفى من خيارهم / جناحيه لمّا فارقاه فودّعا
أخ كان أغنى أيمن الأرض كله / وأغنى ابنه أهل العراقين أجمعا
جناحا عقاب فارقاه كلاهما / ولو نزعا من غيره لتضعضعا
فقال الحجّاج : الآن أرحتني.
وكان الحجّاج يتعصب للقومية العربيّة ، حتّى أنّه أمر بأن لا يدخل الكوفة إلّا عربيّ ، كما أنه أمر بإخراج (النبط) من مدينة واسط عند ما نزل فيها ، ويقال إنّ الحجّاج قد جعل (وسما) (26) على أيدي النبط ، وفي ذلك قال الشاعر : (27)
لو كان حيّا له الحجّاج ما سلمت / صحيحة يده من وسم حجّاج
ولكل بداية ، لابدّ من نهاية ، والإنسان مهما طال به العمر ، فلا بد أن يموت ، والموت كما يقولون : (قاهر الرجال) فقد مرض الحجّاج ، وشعر بقرب أجله ، وأيقن أنّ الموت لابدّ منه فقال : أسندوني ، وأذن للناس فدخلوا عليه ، فذكر الموت وكربه ، واللحد ووحشته ، والدنيا وزوالها ، والآخرة وأهوالها ، وكثرة ذنوبه ، ثمّ قال : (28)
إنّ ذنبي وزن السماوات والأر ض وظنّي بخالقي أن يحابي
فلئن منّ بالرضا فهو ظنّي ولئن مرّ بالكتاب عذابي
لم يكن ذاك منه ظلما وهل يظ لم ربّ يرجى لحسن المآب
ثمّ بكى ، وبكى جلساؤه ، ثمّ أمر كاتبه أن يكتب إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان : (أما بعد ، فقد كنت أرعى غنمك ، أحوطها حياطة الناصح الشفيق برعية مولاه ، فجاء الأسد فبطش بالراعي ، ومزّق المرعي كلّ ممزّق ، وقد نزل بمولاك ما نزل بأيوب الصابر ، وأرجو أن يكون الجبّار ، أراد بعبده غفرانا لخطاياه ، وتكفيرا لما حمل من ذنوبه). ثمّ كتب في آخر الرسالة :
إذا ما لاقيت الله عنّي راضيا فإنّ شفاء النفس فيما هنالك وحسبي حياة الله من كلّ هالك
لقد ذاق هذا الموت من كان قبلنا / ونحن نذوق الموت من بعد ذلك مات الحجّاج بن يوسف الثقفيّ في السابع والعشرين من شهر رمضان من سنة (٩٥) (28) للهجرة في مدينة واسط ، وله من العمر (٥٣) سنة أو (٥٤) أو (٥٥) وأجري الماء على قبره فاندرس. (29)
وقد استخلف الحجّاج على إمارة الكوفة (قبل وفاته) ابنه عبد الرحمن وقيل عبد الله ، وقيل يزيد بن أبي كبشة على الصلاة ، ويزيد بن أبي مسلم على الخراج.
واليك أيّها القارئ الكريم بعض ما قيل في الحجّاج بن يوسف الثقفيّ :
١ ـ كان الحجّاج : سفّاكا ، سفاها باتّفاق معظم المؤرخين. (30)
٢ ـ وكان الحجّاج يعترف ويقول : (بأنّ أكبر لذاته سفك الدماء). (31)
٣ ـ وكان الحسن البصريّ (فقيه عصره) يسمي الحجّاج : (فاسق ثقيف). (32)
٤ ـ إنّه أمر بأحد الأسرى ، فشدّ في القصب الفارسيّ ، ثمّ سلّ عنه حتّى شرّح جسمه ، ثمّ صبّ عليه الخلّ والملح حتّى مات. (33)
٥ ـ وكان الحجّاج في القتل وسفك الدماء ، والعقوبات غرائب لم يسمع بمثلها. (34)
٦ ـ وكان عدوّ الله (الحجّاج) يتزيّن بزيّ المومسة ، ويصعد المنبر فيتكلم بكلام الأخيار ، وإذا نزل عمل عمل الفراعنة ، وكان في حديثه أكذب من الدجّال وكان يقيد الجماعة في المسجونين في قيد واحد ، وفي مكان ضيّق ، لا يجد الرجل إلا مكان مجلسه ، وفيه يأكلون ، وفيه يتغوّطون ، وفيه يصلون. (35)
٧ ـ وكتب الحجّاج لعبد الملك بن مروان : (إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل عليّ بن الحسين (زين العابدين) بن عليّ بن أبي طالب ، فكتب إليه عبد الملك : (أما بعد .. فجنبني دماء بني هاشم ، واحقنها ، فإنّي رأيت آل أبي سفيان ، لما أو هو فيها لم يلبثوا إلى أن أزال الله الملك عنهم). (36)
٨ ـ قتل الكثير من القرّاء (حفظة القرآن) والفقهاء في معركتي (يوم الزاوية والجماجم). (37)
٩ ـ وقال عمر بن عبد العزيز العادل : لو جاءت كلّ أمّة بخبيثها ، وجئنا بالحجّاج لغلبناهم. (38)
١٠ ـ وبعث عمر بن عبد العزيز بأهل (بيت الحجّاج) إلى الحارث بن عمر الطائي (الأمير على البلقاء) وكتب إليه : (أما بعد .. فقد بعثت اليك بآل أبي عقيل وبئس والله أهل البيت في دين الله ، وهلاك المسلمين ، فأنزلهم بقدر هوانهم على الله وعلى أمير المؤمنين). (39)
وبعد هذا ، وغير هذا كثير ، وكثير جدا ، فقد قال فيه (أحدهم) : (بأنّ الحجّاج رجل الدولة المفترى عليه). وأنا أسأل هذا (الشخص) : هل عندك عرق ينبض بالإنسانيّة؟ أم إنّك شبيه بالحجّاج؟! وقد قيل : (شبيه الشيء منجذب إليه).(40)
ولّاه عبد الملك بن مروان إمارة الكوفة سنة (٧٥) للهجرة ، لإخماد ثورة الخوارج ، ولمّا وصل الحجّاج إلى القادسيّة ، أمر جيشه بالبقاء فيها ، وذهب هو وجماعة إلى الكوفة ، فدخلها في أوائل شهر محرّم من سنة (٧٥) للهجرة سنة (٦٩٤) للميلاد. (٢)
وذهب إلى المسجد ، ونودي في الناس (الصلاة جامعة) فجاء الناس إلى المسجد وكان الحجّاج جالسا على المنبر متلثما ، وحينما ازدحم المسجد بأهل الكوفة ، رفع الحجّاج اللّثام عن وجهه ، ثمّ قام ، وخلع العمامة عن رأسه فقال : (أنا الحجّاج) (٣).
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا / متى أضع العمامة تعرفوني
ثم قال (والله يا أهل العراق ، إنّي لأرى رؤوسا قد أينعت ، وحان قطافها ، وإنّي لصاحبها ، والله لكأنّي أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى .. إنّ أمير المؤمنين (عبد الملك) نثر كنافته بين يديه ، فعجم عيدانها عودا عودا ، فوجدني أمرّها عودا ، وأشدّها مكرا ، فوجّهني اليكم ، ورماني بكم ، يا أهل الكوفة ، أهل الشقاق والنفاق ، ومساوئ الأخلاق ... يا أهل العراق إنّما أنتم أهل قرية ، كانت آمنة مطمئنة ، يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت
أينسى كليب زمان الهزال / وتعليمه سورة الكوثر
رفيق له فلكة ما ترى / وآخر كالقمر الأزهر
بأنعم الله ، فأتاها وعيد القرى من ربّها ، فاستوثقوا ، واعتدلوا ولا تميلوا ، واسمعوا وأطيعوا وشايعوا وبايعوا .. الخ). (4)
وقد اشتهر الحجّاج بكثرة خطبه بذم أهل العراق (5) ، أكتفي بذكر خطبة قالها عند ما جيء برأس عبد الرحمن (6) بن محمّد بن الأشعث ، فوضع بين يديه ، ثمّ صعد منبر الكوفة فقال : (يا أهل العراق ، إنّ الشيطان استبطنكم مخالط اللحم منكم والعظم والأطراف والأعضاء ، وجرى فيكم مجرى الدم ، وأفضى إلى الأضلاع والأمخاخ ، فحشا ما هنالك شقاقا ، واختلافا ، ونفاقا ، ثمّ أربع فيه فعشعش ، وباض فيه ففرخ ، واتخذتموه دليلا تتابعونه ، وقائدا تطاوعونه ، ومؤمرا تستأمرونه ، ألستم أصحابي بالأهواز؟
حين سعيتم بالغدر بي ، فاستجمعتم عليّ ، وحيث ظننتم أن الله سيخذل دينه وخلافته ، وأقسم بالله إنّي لأراكم بطرفي وأنتم تتسلّلون لواذا منهزمين ، سراعا مفترقين ، كلّ امرئ منكم على عنقه السيف رعبا وجبنا ، ثمّ (يوم الزاوية) (7) وما يوم الزاوية ، بها كان فشلكم ، وبراءة الله منكم ، وتوليكم على أكتافكم السيوف هاربين ، ونكوص وليكم عنكم ، إذ وليتم كالأبل الشوارد إلى أوطانها ، لا يسأل الرجل عن بنيه ، ولا يلوي أمروء على أخيه ، حتّى عضتكم السلاح ، وقصفتكم الرماح ، ويوم (دير الجماجم) (8) بها كانت الملاحم ، والمعارك العظام. ضربا يزيل الهام عن مقيله / ويذهل الخليل عن خليله
فما الّذي أرجوه منكم يا أهل العراق؟ أم ما الّذي أتوقعه؟ ولماذا أستبقيكم؟ ولأيّ شيء أدخركم؟ للفجرات بعد العداوات؟ أم للنزوة بعد النزوات؟ وما الّذي أراقب بكم؟ وما الّذي أنتظر فيكم؟ إن بعثتم إلى ثغوركم جبنتم ، وإن أمنتم أو خفتم لما فقتم ، لا تجزون بحسنة ، ولا تشكرون نعمة .. يا أهل العراق ، هل استنبحكم نابح؟ أو استشلاكم غاو؟ أو استحثّكم ناكث؟ أو استنفركم عاص؟ إلّا بايعتموه وتابعتموه وآويتموه وكفيتموه؟
يا أهل العراق ، هل شغب شاغب ، أو نعب ناعب ، أو دب كاذب ، إلّا كنتم أشياعه وأتباعه؟ ... يا أهل العراق ، لم تنفعكم التجارب ، وتحفظكم المواعظ ، وتعضكم الوقائع ، هل يقع في صدوركم ، ما أوقع الله بكم عند مصادر الأمور ومواردها؟ (9)
ثم التفت إلى أهل الشام مخاطبا : (يا أهل الشام ، أنا لكم كالظيلم الرامح عن فراخه ، ينفي عنهم القذى ، ويكتنفهنّ من المطر ، ويحفظهنّ من الذئاب ، ويحميهن من سائر الدواب ، لا يخلص اليهن معه قذى ، ولا يقضي اليهن ردى ، ولا يمسهنّ بأذى .. يا أهل الشام ، أنتم العدة والعدد ، والجنة في الحرب ، إن نحارب حاربتم أو نجانب جانبتم ، وما أنتم وأهل العراق إلا كما قال نابغة بني جعدة : (10)
وإن تداعي حظهم / لم ترزقوه ولم نكذب
كقول اليهود : قتلنا المسيح / ولم يقتلوه ولم يصلب
ولقد خاض الحجّاج معارك عنيفة ، ودامية ، فقد ذهب إلى مكّة وحاصر فيها عبد الله بن الزبير لمدّة خمسين ليلة ، ثمّ ضرب الكعبة
بالمنجنيق ، وقتل عبد الله بن الزبير ، وهو متعلقا بأستار الكعبة. (11)
ثم حارب الخوارج ، وخاصّة مع شبيب الخارجيّ وزوجته (غزالة) كما حارب عبد الرحمن بن الأشعث في معركة (يوم الزاوية) فأنهزم جيشه أمام جيش ابن الأشعث ، وقد قتل الحجّاج في يوم الزاوية أحد عشر ألف خدعهم بإعطائهم الأمان ، ثمّ لمّا جاءوا واستسلموا قتلهم جميعا.
ثم معركة (دير الجماجم) الّتي وقعت بينه وبين ابن الأشعث أيضا ، حيث قتل فيها الآلاف ، وقتل فيها الكثير من العلماء والفقهاء ورواة الحديث. (12)
وقد أقسم الحجّاج بعد معركة (دير الجماجم) بأن لا يؤتى بأسير إلا قتله بل ويقتله شر قتلة (13) ، وقيل إنّ عدد الّذين قتلهم الحجّاج صبرا قد بلغ مائة وعشرون ألفا. (14)
ولمّا سمع عبد الملك بن مروان بقساوة الحجّاج ، في سفك الدماء ، وتبذير الأموال ، كتب إليه يستنكر ذلك ، وكتب في آخر الكتاب أبياتا نذكر منها : (15)
إذا أنت لم تترك أمورا كرهتها / وتطلب رضائي بالذي أنا طالبه
وتخشى الّذي يخشاه مثلك هاربا / إلى الله منه ضيّع الدّرّ حالبه
فإن تر منّي غفلة قرشية / فيا ربّما قد غص بالماء شاربه
وإن تر منّي وثبة أموية / فهذا وهذا كل ذا أنا صاحبه
فلا تلمني والحوادث جمّة / فإنك مجزيّ بما أنت كاسبه
فأجابه الحجّاج معتذرا ، وضمن كتابه بأبيات نذكر منها :
إذا أنا لم أتبع رضاك وأتقي / أذاك فيومي لا تزول كواكبه
أسالم من سالمت من ذي قرابة / ومن لم تسالمه فإني محاربه
إذا قارف الحجّاج منك خطيئة / فقامت عليه في الصباح نوادبه
فقف بي على حدّ الرضا لا أجوزه / متى الدهر حتّى يرجع الدرّ حالبه
وإلا فدعني والأمور فإنني / شفيق ، رقيق أهلتّه تجاربه
وعند ما جاء الحجّاج إلى الكوفة سنة (٧٥) للهجرة ، قيل له إنّ بين الكوفة والحيرة (دير هند) بنت النعمان بن المنذر (16) ، وهي بتمام صحتها وعقلها ، فذهب الحجّاج اليها ، فقيل لها : هذا الأمير (الحجّاج) على الباب ، فخرجت إليه. فقال لها الحجّاج : (يا هند ، ما هو أعجب ما رأيت)؟
قالت هند : (خروج مثلي إلى مثلك ، لا تغترنّ يا حجاج بالدنيا ، فإنا أصبحنا ونحن كما قال النابغة لأبي : (17)
رأيتك من تعقد له حبل ذمة / من الناس ، يأمن سرجه حيثما ارتقى
ولم نمس إلا ونحن أذل الناس / وقلّ إناء امتلأ إلا انكفأ
فخرج الحجّاج مغضبا ، وأمر بإخراجها من الدير ، وبأخذ الخراج منها ، فأخرجت هند من الدير ، ومعها ثلاث جواري من أهلها ، فقالت إحداهن : (18)
خارجات يسقن من دير هند / معلنات بذلة وهوان
ليت شعري أأوّل الحشر هذا / أم محا الدهر غيرة الفتيان
فسمعها فتى من أهل الكوفة ، فأخذته الغيرة والحميّة (والشهامة العربية) فشهر سيفه ، وخلصهن من جماعة الحجّاج ثمّ هرب.
ولمّا سمع الحجّاج بذلك قال : (إن أتانا فهو آمن ، وإن ظفرنا به قتلناه). (19) فلمّا سمع الفتى (الكوفي) بالأمان جاء إلى الحجّاج وسلم نفسه.
فقال له الحجّاج : ما الّذي دعاك إلى ذلك؟!
فقال الفتى : إنّها الغيرة أيّها الأمير. فعفى عنه الحجّاج.
وعند ما كان الحجّاج بالبصرة ، قبض على رجل من الخوارج ، فأمر بصلبه ، وذهب الحجّاج مساء لينظر إليه ، فرآى رجلا واقفا بقرب المصلوب ، وسمعه يقول : (طال ما ركبت فأعقب) فسأل عنه الحجّاج فقيل له : إنه شظاظ اللص (20). فقال الحجّاج : (والله ليعقبك). ثمّ أمر بصلب شظاظ في مكان المصلوب.
وعند ما خطب الحجّاج (هند بنت أسماء بن خارجة) أرسل اليها مائة ألف درهم وعشرين صندوقا من الثياب مع أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، ثمّ أرسل لها بعد ذلك ثلاثين جارية ، مع كلّ جارية صندوق ثياب.(21)
وبعد أن تزوجها ، بنى لها قصرا في مدينة (واسط) يسمى (قصر الحجّاج) فسألها ذات يوم : (هل رأيت أحسن من هذا القصر؟). فقالت : إنه قصر جميل. فقال لها الحجّاج : أصدقيني.
قالت هند : إذا كنت تريد الحقيقة ، فو الله ما رأيت أحسن من القصر الأحمر. (22)
وعند ما سمع العراقيون بوفاة محمّد بن الحجّاج وأخيه محمّد بن يوسف ، فرحوا كثيرا وقالوا : انكسر ظهر الحجّاج وكسرت جناحاه ، فخطب الحجّاج بالناس فقال : (يا أيّها الناس ، محمّدان في يوم واحد ، أما والله لقد كنت أحبّ أنّهما معي في الدنيا مع ما أرجوه لهما من ثواب الآخرة ، وأيم الله ليوشكنّ الباقي منّا ومنكم أن يفنى ، والجديد منّا ومنكم أن يبلى ... الخ). (23)
وجزع الحجّاج على ابنه (محمّد) جزعا شديدا ، وقال : إذا غسلتموه وكفنتموه فأعلموني ، ولمّا انتهوا من تغسيله وتكفينه ، نظر الحجّاج إلى ولده وقال : (24)
الآن لما كنت أكمل من مشى / وأفتر نابك عن شباة القارح
وتكاملت فيك المروءة كلّها / وأعنت ذلك بالفعال الصالح
ثم جلس الحجّاج للتعزية ، فدخل الناس عليه يعزّونه ، ومعهم الفرزدق ، فنظر إليه الحجّاج وقال : يا فرزدق ، أما رثيت محمّدا ومحمّدا؟
قال الفرزدق : نعم أيّها الأمير ، وأنشد يقول : (25)
إنّ الرزّية لا رزية مثلها / فقدان مثل محمّد ومحمّد
ملكان قد خلت المنابر منهما / أخذ الحمام عليهما بالمرصد
فقال الحجّاج : لو زدتني يا فرزدق ، فقال الفرزدق :
إنّي لباك على ابني يوسف جزعا / ومثل فقدهما للدّين يبكيني
ما سدّ حي ولا ميّت مسدهما / إلّا الخلائق من بعد النبيين
فقال الحجّاج : ما فعلت شيئا ، إنّما زدت في حزني ، فقال الفرزدق :
لئن جزع الحجّاج ما من مصيبة / تكون لمحزون أمض وأوجعا
من المصطفى والمصطفى من خيارهم / جناحيه لمّا فارقاه فودّعا
أخ كان أغنى أيمن الأرض كله / وأغنى ابنه أهل العراقين أجمعا
جناحا عقاب فارقاه كلاهما / ولو نزعا من غيره لتضعضعا
فقال الحجّاج : الآن أرحتني.
وكان الحجّاج يتعصب للقومية العربيّة ، حتّى أنّه أمر بأن لا يدخل الكوفة إلّا عربيّ ، كما أنه أمر بإخراج (النبط) من مدينة واسط عند ما نزل فيها ، ويقال إنّ الحجّاج قد جعل (وسما) (26) على أيدي النبط ، وفي ذلك قال الشاعر : (27)
لو كان حيّا له الحجّاج ما سلمت / صحيحة يده من وسم حجّاج
ولكل بداية ، لابدّ من نهاية ، والإنسان مهما طال به العمر ، فلا بد أن يموت ، والموت كما يقولون : (قاهر الرجال) فقد مرض الحجّاج ، وشعر بقرب أجله ، وأيقن أنّ الموت لابدّ منه فقال : أسندوني ، وأذن للناس فدخلوا عليه ، فذكر الموت وكربه ، واللحد ووحشته ، والدنيا وزوالها ، والآخرة وأهوالها ، وكثرة ذنوبه ، ثمّ قال : (28)
إنّ ذنبي وزن السماوات والأر ض وظنّي بخالقي أن يحابي
فلئن منّ بالرضا فهو ظنّي ولئن مرّ بالكتاب عذابي
لم يكن ذاك منه ظلما وهل يظ لم ربّ يرجى لحسن المآب
ثمّ بكى ، وبكى جلساؤه ، ثمّ أمر كاتبه أن يكتب إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان : (أما بعد ، فقد كنت أرعى غنمك ، أحوطها حياطة الناصح الشفيق برعية مولاه ، فجاء الأسد فبطش بالراعي ، ومزّق المرعي كلّ ممزّق ، وقد نزل بمولاك ما نزل بأيوب الصابر ، وأرجو أن يكون الجبّار ، أراد بعبده غفرانا لخطاياه ، وتكفيرا لما حمل من ذنوبه). ثمّ كتب في آخر الرسالة :
إذا ما لاقيت الله عنّي راضيا فإنّ شفاء النفس فيما هنالك وحسبي حياة الله من كلّ هالك
لقد ذاق هذا الموت من كان قبلنا / ونحن نذوق الموت من بعد ذلك مات الحجّاج بن يوسف الثقفيّ في السابع والعشرين من شهر رمضان من سنة (٩٥) (28) للهجرة في مدينة واسط ، وله من العمر (٥٣) سنة أو (٥٤) أو (٥٥) وأجري الماء على قبره فاندرس. (29)
وقد استخلف الحجّاج على إمارة الكوفة (قبل وفاته) ابنه عبد الرحمن وقيل عبد الله ، وقيل يزيد بن أبي كبشة على الصلاة ، ويزيد بن أبي مسلم على الخراج.
واليك أيّها القارئ الكريم بعض ما قيل في الحجّاج بن يوسف الثقفيّ :
١ ـ كان الحجّاج : سفّاكا ، سفاها باتّفاق معظم المؤرخين. (30)
٢ ـ وكان الحجّاج يعترف ويقول : (بأنّ أكبر لذاته سفك الدماء). (31)
٣ ـ وكان الحسن البصريّ (فقيه عصره) يسمي الحجّاج : (فاسق ثقيف). (32)
٤ ـ إنّه أمر بأحد الأسرى ، فشدّ في القصب الفارسيّ ، ثمّ سلّ عنه حتّى شرّح جسمه ، ثمّ صبّ عليه الخلّ والملح حتّى مات. (33)
٥ ـ وكان الحجّاج في القتل وسفك الدماء ، والعقوبات غرائب لم يسمع بمثلها. (34)
٦ ـ وكان عدوّ الله (الحجّاج) يتزيّن بزيّ المومسة ، ويصعد المنبر فيتكلم بكلام الأخيار ، وإذا نزل عمل عمل الفراعنة ، وكان في حديثه أكذب من الدجّال وكان يقيد الجماعة في المسجونين في قيد واحد ، وفي مكان ضيّق ، لا يجد الرجل إلا مكان مجلسه ، وفيه يأكلون ، وفيه يتغوّطون ، وفيه يصلون. (35)
٧ ـ وكتب الحجّاج لعبد الملك بن مروان : (إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل عليّ بن الحسين (زين العابدين) بن عليّ بن أبي طالب ، فكتب إليه عبد الملك : (أما بعد .. فجنبني دماء بني هاشم ، واحقنها ، فإنّي رأيت آل أبي سفيان ، لما أو هو فيها لم يلبثوا إلى أن أزال الله الملك عنهم). (36)
٨ ـ قتل الكثير من القرّاء (حفظة القرآن) والفقهاء في معركتي (يوم الزاوية والجماجم). (37)
٩ ـ وقال عمر بن عبد العزيز العادل : لو جاءت كلّ أمّة بخبيثها ، وجئنا بالحجّاج لغلبناهم. (38)
١٠ ـ وبعث عمر بن عبد العزيز بأهل (بيت الحجّاج) إلى الحارث بن عمر الطائي (الأمير على البلقاء) وكتب إليه : (أما بعد .. فقد بعثت اليك بآل أبي عقيل وبئس والله أهل البيت في دين الله ، وهلاك المسلمين ، فأنزلهم بقدر هوانهم على الله وعلى أمير المؤمنين). (39)
وبعد هذا ، وغير هذا كثير ، وكثير جدا ، فقد قال فيه (أحدهم) : (بأنّ الحجّاج رجل الدولة المفترى عليه). وأنا أسأل هذا (الشخص) : هل عندك عرق ينبض بالإنسانيّة؟ أم إنّك شبيه بالحجّاج؟! وقد قيل : (شبيه الشيء منجذب إليه).(40)
المصادر :
1- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٣٤٥. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٣٧٤. والذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج ٣١٩. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٣٧ ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ١٠٧.
2- نفس المصدر أعلاه.
3- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ١٢٧. والقلقشندي ـ صبح الأعشى. ج ١ / ٢١٩.
4- ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٧ / ٩.
5- أهل العراق : معناها الكوفة والبصرة ، ولكن الحجّاج يقصد بها الكوفة ، لأن الكوفة هي العراق.
6- عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث : هو أحد أمراء الكوفة ، وسوف نتكلم عنه في حينه.
7- يوم الزاوية : وهي إحدى المعارك الّتي خاضها الحجّاج مع عبد الرحمن بن محمّد الأشعث وقد قتل فيها الكثير من الطرفين.
8- دير الجماجم : وهي المعركة الثانية الّتي دارت رحاها بين الحجّاج وابن الأشعث ، انتصر فيها الحجّاج ، وهرب ابن الأشعث ، وقد قتل فيها الكثير من العلماء والفقهاء والقراء.
9- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ١٣٢.
10- كقول اليهود : قتلنا المسيح ولم يقتلوه ولم يصلب.
11- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ١١٤.
12- ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ٢٣٣. والقلقشندي ـ نهاية الأرب. ص ٤٢٣.
13- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ١١٥.
14- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ١٦٦. والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٣٠.
15- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ١٣٤. وابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٢ / ٣٥.
16- وقد تكلّمنا عنها عند ذهابها إلى سعد بن أبي وقّاص في القادسية ج ١ / ٢٠ ، وكذلك عند ما ذهب اليها المغيرة بن شعبة ج ١ / ٤٣.
17- العمري ـ مسالك الأبصار. ج ١ / ٣٢٥.
18- نفس المصدر السابق.
19- العمري ـ مسالك الأبصار. ج ١ / ٣٢٥.
20- وشظاظ هذا من قطاع الطرق ، مع جماعة من أمثاله منهم : مالك بن الريب بن حوط الشاعر وأبو مروبة بن أثالة بن مازن وغويث بن كعب بن مالك بن حنظلة ، وفيهم قال الراجز :
21- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٢٢ / ٣٠٠.
22- القصر الأحمر : بناه عبيد الله بن زياد عند ما كان أميرا في البصرة ، وقد تزوج فيه بهند بنت أسماء بن خارجة.
23- ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٤ / ١٢٢.
24- الجاحظ ـ البيان والتبيين. ج ٤ / ٥٩.
25- المبرد ـ الكامل. ج ٢ / ١٠٧.
26- وسما : الوسم : العلامة ، وتكون هذه العلامة ثابتة.
27- احمد امين ـ ضحى الاسلام ج ١ / ٢٤.
28- ابن الكلبيّ ـ جمهرة النسب. ج ٢ / ٧٨. ـ المجلسي ـ البحار. ج ٤٦ / ٢٨.
29- تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢٩٠. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ٣٣٥. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٣٨. والعسقلاني ـ تهذيب التهذيب. ج ٢ / ١٨٦. وابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ١٠٦. ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج ١ / ١٢٧.
30- البراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٣٠.
31- الزركلي ـ الأعلام. ج ٢ / ١٧٥.
32- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٢٧. وابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ١ / ٣٤٢.
33- ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٢ / ٣٢٧.
34- المبرد ـ الكامل. ج ٢ / ٢٠٧.
35- ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ١ / ٣٤٣.
36- الجاحظ ـ البيان والتبيين ص ٤٠.
37- المجلسي ـ البحار. ج ٤٦ / ٢٨.
38- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢٨٢. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٦ / ٢٣١. وابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ٩٢.
39- ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٥٨٦. والبراقي ـ تاريخ الكوفة. ص ٢٣٠.
40- القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٥ / ٧٧. والتوحيدي ـ البصائر والذخائر. ج ٢ / ٥٨٦. والزركلي ـ الأعلام. ج ٣ / ٣١٨.