
هو : حوشب بن يزيد بن الحارث بن رويم الشيبانيّ (١) ، ولّاه الحجّاج ابن يوسف الثقفيّ إمارة الكوفة سنة (٧٥) (٢) للهجرة ، وذلك بعد عزل عروة ابن المغيرة بن شعبة ، ثمّ عزله وولّى مكانه البراء بن قبيصة. ثمّ أعيد تعيينه مرّة ثانية من قبل الحكم بن الصلت (خليفة يوسف بن عمر) على الكوفة. (٣)
ويزيد (أبو حوشب) من القادة الأمراء ، شاعر وأديب ، أدرك عصر النبوة ، وأسلم على يد الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وشهد حرب اليمامة وقال فيها : (٤)
تدور رحانا حول راية عامر يراقبنا بالأبطح المتلاحق
يلوذ بنار كنار معد ويبقى بنا غمرات الموت أهل المشارق
وعند ما مرض يزيد (أبو حوشب) ذهب الإمام عليهالسلام إلى الحارث بن رويم (جدّ حوشب) وقال له : (عندي جارية لطيفة الخدمة ، أبعث بها اليك).
فسماها يزيد (لطيفة).
وقال ابن حوشب لبلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، يعيّره بأمّه : (يا ابن حوراء). فأجابه بلال : (إنّ الأمّ تسمى حوراء وجيداء ولطيفة). (٥)
وعند ما جاء عبيد الله بن الحرّ إلى الكوفة سنة (٦٨) للهجرة لغرض الاستيلاء عليها ، فحاربه مصعب بن الزبير ، فانهزم ابن الحرّ وذهب إلى المدائن. فكتب مصعب إلى يزيد بن الحارث بن رويم (أمير المدائن) يأمره بمحاربة ابن الحرّ ، فأرسل يزيد ابنه (حوشب) فتلاقى الجيشان في (باجسرا). (6) فدارت بينهما معركة ضارية انهزم فيها حوشب ، ثمّ جاء ابن الحرّ ودخل المدائن وتحصّن فيها ، ثمّ أخذ يغير على السواد ويجبي الخراج ، وفي ذلك قال ابن الحرّ : (7)
سلوا ابن رويم عن جلادي وموقفي بإيوان كسرى لا أليهم ظهري
أكرّ عليهم معلما وتراهم كمفرى تحنّى خشية الذئب بالصخر
وبيتهم في حصن كسرى بن هرمز بمشحوذة بيض وخطيّة سمر
فأجزيتهم طعنا وضربا تراهم يلوذون فيا موهنا بذرى القصر
يلوذون منّي رهبة ومخافة لواذا كما لاذ الحمائم من صقر
وعند ما استولى الخوارج على ما بين الأهواز وأصفهان سنة (٦٨) للهجرة ، فأخذوا يقتلون وينهبون ، ثمّ ذهبوا إلى الريّ (8) وكان أميرها حينذاك يزيد ابن رويم ، فقاتلهم يزيد ابن رويم قتالا شديدا ، ولمّا رأى كثرتهم ، وأنّه لا قدرة له على قتالهم ، دخل المدينة واعتصم بها ، ثمّ جاء الخوارج فحاصروه ، فلمّا طال عليه الحصار ، خرج وقاتلهم ومعه ابنه (حوشب) وأثناء المعركة ترك (حوشب) أباه يقاتل لوحده وهرب ، ثمّ انقلب أهل الريّ ، وانظموا إلى الخوارج فقتل يزيد بن رويم وقتلت معه زوجته (لطيفة) ، فقال الشاعر في حوشب : (9)
مواقفنا في كلّ يوم كريهة أسر وأشفى من مواقف حوشب
دعاه يزيد والرماح شوارع فلم يستجب بل راغ روغة ثعلب
فلو كان شهم النفس أو ذا حفيضة رآى ما رأى عيسى بن مصعب
وقال شاعر آخر : (10)
نجّى حشاشته وأسلم شيخه لمّا رأى وقع الأسنة حوشب
وكان حوشب جالسا عند الحجّاج بن يوسف الثقفيّ فقال له : إنّ قيس بن عباد ترأبي (11) المذهب ، كثير الفتن ، ولم تكن فتنة في العراق إلّا وكان قيس صاحبها كما وكان مع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث في كافة حروبه ، وعند ما قتل ابن الأشعث كان قيس قد اعتزل في داره فأرسل إليه الحجّاج شرطته فقبضوا عليه وقتله. (12)
وكان أيوب بن الفرية من الّذين اشتركوا في معركة (دير الجماجم) مع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث في حربه مع الحجّاج ، وكان أيوب هذا يحضر في مجلس حوشب بن يزيد (أمير الكوفة) ، فقال حوشب لمن حوله : انظروا إلى هذا الواقف معي ، وغدا أو بعد غد ، يأتي كتاب الأمير ، لا أستطيع إلا نفاذه. (13)
وبينما كان ابن الفرية ذات يوم عند حوشب إذا جاءه كتاب من الحجّاج يقول فيه : (أما بعد ، فإنك قد صرت كهفا لمنافقي أهل العراق ، ومأوى لهم ، فإذا نظرت في كتابي هذا ، فابعث إليّ بابن الفرية ، مشدودة يده إلى عنقه). (14) عندها أرسله (حوشب) إلى الحجّاج فقتله وذلك سنة (٨٤) للهجرة.
وكان (خراش) بن حوشب بن يزيد الشيبانيّ ، رئيس شرطة يوسف ابن عمر في الكوفة سنة (١٢٢) للهجرة ، وهو الّذي نبش قبر زيد بن عليّ ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وصلبه (بالكناسة) (15) عاريا ، فقال فيه السيد الحميريّ : (16)
بت ليلي مسهدا ساهر الطرف مقصدا
ولقد قلت قولة وأطلت التبلدا
لعن الله حوشبا وخراشا ومزيدا
ويزيدا فإنه كان أعتى وأعتدا
ألف ألف وألف أل ف من اللعن سرمدا
إنّهم حاربوا الإل ه وآذوا محمّدا
شركوا في دم الطهر زيدا تعندا
ثمّ عالوه فوق جذ ع صريعا مجردا
يا خراش بن حوشب أنت أشقى الورى غدا
وكان عبد الله بن الزبير ، قد أرسل عبد الرحمن بن عتبة بن أياس أميرا على مصر (وذلك بعد عزل أميرها السابق سعيد بن يزيد بن علقمة الفهريّ) وذهب معه كثير من الخوارج الّذين كانوا مع عبد الله بن الزبير في مكّة من أهل مصر وغيرها وكان فيهم حوشب بن يزيد الشيبانيّ. (17)
وكان (الكميت (18)) قد مدح الحكم بن الصلت خليفة يوسف بن عمر على إمارة الكوفة ، بقصيدة مطلعها منها : (19)
طربت وهاجك الشوق الحثيث
فأمر له الحكم بجائزة ، وفي أثناء ذلك جيء بأبان (20) بن الوليد مقيدا بالحديد فطالبه الحكم بن الصلت بأموال ادّعى بأنّها مستحقة عليه ، فقال الكميت للحكم : خذ جائزتي عوضا عن دين (إبان). فقال إبان للكميت : يا أبا المستهل : ما حلّ عليّ دين بعد. فقال الكميت للحكم : أبي تسخر!! أصلح الله الأمير؟! فقال حوشب بن يزيد الشيبانيّ (وكان جالسا في المجلس) : (أصلح الله الأمير أتشفّع حمار بني أسد في عبد بجيلة)؟
فرد عليه الكميت قائلا : (فو الله ما فررنا عن آبائنا حتّى قتلوا ، ولا نكحنا حلائل آبائنا بعد أن ماتوا) (21). فسكت حوشب خجلا.
وقيل إنّ السليك بن السلكة ، خرج يوما للغزو ، فرآى بيتا كبيرا ، فقال لأصحابه : انتظروني في مكان كذا ، عسى أن أجد في ذلك البيت ما ينفعنا ، فذهب إليه فإذا هو بيت يزيد بن رويم الشيبانيّ ، فدخل البيت من خلفه ، وفي هذه الأثناء جاء ابن ليزيد ليلا ومعه إبله ، فغضب يزيد وقال لأبنه : (هلّا عشيتها)؟ فقال له ابنه : إنّها رفضت العشاء. فقال يزيد : (العاشية تهيج الآبية) (22). ثمّ أخذ يزيد الإبل وعاد بها إلى مرعاها ، فأخذت الإبل تأكل من مرعاها ، وجلس هو يتناول عشائه معها. فتبعه السليك ، فضربه بالسيف من خلفه فقتله ، ثمّ أخذ الإبل ورجع إلى أصحابه وقد كادوا ييأسون منه فقال : (23)
وعاشية رح بطان ذعرتها بضرب قتيل وسطها يتسيف
كأنّ عليه لون ورد محبّر إذا ما أتاه صارخ متلهف
فبات لها أهل خلاء فناؤهم ومرّت بهم طيرا فلم يتعيفوا
وجاء الأخطل إلى الكوفة ، فذهب إلى حوشب بن رويم الشيبانيّ ، وقال له : (إنّي تحملت ديتين لأحقن بهما دماء قومي) ، فزجره حوشب (طرده) ، فذهب بعد ذلك إلى (سبّار بن البزيعة) فاعتذر إليه سبّار ، ثمّ ذهب أخيرا إلى (عكرمة الفياض) (وكان كاتبا لبشر بن مروان) فسأله وأخبره بما قال حوشب وسبّار ، فقال عكرمة : (أما أنا فلا أنهرك ، ولا أعتذر اليك ، ولكنّي أعطيك إحداهما عينا والأخرى عرضا) ، فقال الأخطل قصيدة طويلة نقتطف منها الأبيات الآتية : (24)
والناس همهم الحياة وما أرى طول الحياة يزيد خير خبال
وإذا افتقرت إلى الذخائر ، لم تجد ذخرا يكون كصالح الأعمال
ومنها : ابن ربعيّ (25) كفاني سيبه ضغن العدو بونوة البخّال
أغليت حين تواكلتني وائل إنّ المكارم عند ذلك غوالي
ولقد شفيت غليلي من معشر (26) نزلوا بعقوة حية قتّال
المصادر :
1- ابن الاثير ـ الكامل ج ٥ / ٥٨٤. والزركلي ـ الاعلام ج ٩ / ٢٣١.
2- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢٩٤. وابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٣٨٠. والذهبي ـ تاريخ الأعلام. ج ٤ / ٣٥٤.
3- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٧ / ٣٩.
4- الزركلي ـ الاعلام ج ٩ / ٢٣١.
5- المبرد ـ الكامل. ج ٣ / ٣٤٢.
6- باجسرا : اسم منطقة قرب ناحية أبي صيدا (با صيدا) في محافظة ديالى.
7- تاريخ الطبري. ج ٦ / ١٣٥.
8- الريّ : عاصمة خراسان.
9- ابن الأثير ـ الكامل. ج ٤ / ٢٨٥. والمبرد ـ الكامل. ج ٣ / ٣٤٣. والزركلي ـ الأعلام. ج ٩ / ٢٣١.
10- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٧ / ٣٩.
11- ترابي المذهب : أي من أصحاب الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
12- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٢٨١.
13- المصدر السابق ج ٦ / ٣٨٥.
14- نفس المصدر أعلاه.
15- الكناسة : أسم محلة مشهورة في الكوفة ، وفيها ساحة للمزبلة ، أو هي كانت مزبلة.
16- تاريخ الطبري. ج ٧ / ١٩٠.
17- الكنديّ ـ الولاة في مصر. ص ٦٤.
18- الكميت : بن زيد بن خنيس ، شاعر مقدم ، عالم بلغات العرب ، خبير بأيامها ، كان في أيّام بني أميّة ولم يدرك الدولة العباسية ، وكان معروفا بتشيعه لآل البيت (عليهمالسلام) وقصائده الهاشميات من خير شعره.
19- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٧ / ٣٨.
20- وكان الكميت مداحا لأبان بن الوليد البجليّ ، وكان إبان محبا له ومحسنا إليه.
21- ويقال أن حوشب نكح جارية أباه بعد موته.
22- ومعنى هذا المثل : أن الإبل الّتي رفضت العشاء ، سرعان ما تعود إلى الطعام إذا رأت إبلا أخرى تتعشى.
23- الزمخشري ـ المستقصى من أمثال العرب. ج ١ / ٢٣٢.
24- مجيد طرّاد الكبيسي ـ شرح ديوان الأخطل. ص ١٤٧.
25- ابن ربعيّ : هو عكرمة بن الفياض.
26- المعشر : هو حوشب وسبّار.