
معنى العدل: نستخدم كلمة العدل في معنيين هما:
أ- العدل بمعنى وضع الأمور في مواضعها، فالعادل هو الّذي يضع كلّ شيء في مكانه وزمانه المناسِبَين له، فالظلم هنا بمعنى وضع الشيء في غير موضعه. ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:"بِالْعَدْلِ قامَتِ السّماواتُ وَالأَرْضُ"1.
ب- العدل بمعنى إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه: وذلك لأنّنا نؤمن بأنّ الله تعالى جعل لكلّ مخلوق في هذا الكون حقوقاً، لا يحقّ لأحد من الناس أن يَسلب عنه تلك الحقوق، أو أن يمنعه من الوصول إليها.
والعادل هو الّذي يعطي الحقّ لصاحبه، ويقابله الظالم، وهو الّذي يمنع غيره من الوصول إلى حقّه أو يَسلبه منه. لو تأمّلنا شيئاً ما في تعريف العدل بالمعنى الأوّل، لتوصّلنا إلى أنّ العدل هنا، يرجع إلى معنى الحكمة، وذلك لأنّ الحكيم هو الّذي يضع الأمور في مواضعها.
1ـ الفرق بين العدل والمساواة:
يتصوّر الكثير من الناس، أنّ العدل هو أن أُعطي كلّ واحد كما أعطي غيره، فتكون الحصص متساوية للجميع، لا أُفضّل أحداً على أحدٍ، ولا أُعطي أحداً أكثر من أحدٍ. ولكنّ هذه صورة خاطئة، لأنّ هذا ما يُطلق عليه المساواة، ولا يُطلق عليه العدل.
ويكفي لكي نُدرك الفارق بينهما، أن نلاحظ أنّ الناس تختلف من حيث الاستِحْقَاقات، فما يستحقّونه ليس دائماً بنحو التساوي، فالذي يَكدّ ويَتعب ويَبذل الجهد في دراسته، يستحقّ ما لا يستحقّه الّذي يكون كسولاً مسوِّفاً مقصِّراً.
ولو أنّ المعلِّم أعطى هذين علامة واحدة، وكافأهما بنحو واحد، فلن يكون هذا عدلاً، ولكنّه مساواة، لأنّه ساوى بينهما، ولم يعدل بينهما، لأنّ ما يستحقّه المُجِدّ، أكثر مما يستحقّه المُقَصِّر.
ولذا، يمكننا القول إنّ العدل والمساواة قد يجتمعان في مورد واحد، كما لو أُعْطِيَ شخص ما يستحقّه، وكان ما يستحقّه، مساوياً لما يستحقّه الآخر. وقد يكون هناك عدل ولا مساواة، كما لو أُعطيَ كلُّ شخصٍ ما يستحقّه، وكانت الاستحقاقاتُ مختلفة، فبعضهم يستحقّ ما هو أكثر مما يستحقه الآخر.
وقد يكون هناك مساواة ولا عدل، كما لو أَعْطَيتَ الجميع حِصصاً واحدة، مع أنّ بعضهم يستحقّ ولأسباب متعدِّدة، نصيباً أكثر.
ـ يختلف معنى العدل عن معنى المساواة، لأنّ العدل يراعي الاستحقاق لدى كلّ إنسان، لا السـويـّة.
ـ الله عزّ وجلّ غنيٌّ عن العالمين، فلا يصدر منه ظلم، لأنّ الظلم قد يصدر عن الحاجة.
2ـ الله عدل بكافـّة المعاني:
عندما نصفُ الله عزّ وجلّ بأنـّه عادل، فهو عادلٌ بكلا المعنيين أي:
ـ أنّ الله عزّ وجلّ عادل، يضع كلّ أمر في موضعه؛ لأنّه حكيم خبير، والحكيم لا يضع شيئاً في غير موضعه.
ـ والله عزّ وجلّ عادل، أي يعطي كلّ ذي حقّ حقّه، فهو لا يعطي الجميع بالتساوي؛ لأنّه قد يكون ظلماً، بل يعطي بحسب الاستحقاق.
قال تعالى:﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾2, وقال عزّ وجلّ:﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾3.
إستنتاج
العدل هو بمعنى إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، ومعناه يختلف عن معنى المساواة، فقد يكون الشيء عدلاً ومساواة، إذا كانت الاستحقاقات متساوية، وقد يكون الشيء عدلاً ولا مساواة إذا كان أحدهم يستحقّ أكثر من الآخر، وقد يكون الشيء ظلماً ومساواة إذا أعطيت بالتساوي مع أنّ أحدهم يستحقّ أكثر من غيره.
3ـ الدليل على العدل الإلهيّ:
عندما نريد إثبات العدل الإلهيّ، فذلك بمعنى نفي الظلم عن الله عزّ وجلّ، والطريق الواضح لإثبات العدل الإلهيّ، هو أن نبحث عن الأسباب الّتي تدعو إلى الظلم، فإذا كانت هذه الأسباب منتفية، بل غير متصوَّرة في حقّ الله عزّ وجلّ، فهذا يعني أنّه لا يصدر منه الظلم.
يعود السـَّبب في ممارسة الظّلم ومخالفة العدل إلى واحد من الأمور التالية:
1ـ الجهل: أي إذا كان الشخص لا يعرف كيف يكون عادلاً فإنّه سوف يقع في الظلم، فالقاضي إذا كان جاهلاً فإنّه سوف يَظلم الناس بسبب جهله.
2ـ الحاجة إلى ممارسة الظلم: قد يرغب الإنسان بشيء ويحتاج إليه، ولكنّه لا يملك وسيلة مشروعة للوصول إليه، فيلجأ إلى أن يظلم في سبيل تحقيق ذلك.
3ـ عدم الحكمة: أي إنّه يفعل الظلم ولا يبالي بأنّ ما يفعله هل هو من الظلم أم لا.
الظلم لا يصدر من الله عزّ وجلّ، لأنّ من أسباب الظلم الجهل، والله بكلّ شيء عليم.
هذه الأسباب الثلاثة لا نتصوّرها في حقّ الله عزّ وجلّ:
أمـّا الأوّل أي الجهل، فلأنّ الله عزّ وجلّ بكلّ شيء عليم، ودليل ثبوت هذا العلم لله عزّ وجلّ التّأمل في نظام الكون، فإنّ من خلق خلقاً بهذه الدِقّة المتناهية لا بدّ وأن يكون عليماً بكلّ شيء.
ترشدنا الآية الكريمة إلى هذا الدليل، قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾4.
والله عزّ وجلّ لا يغيبُ عنه شيء فهو حاضر في كلّ مكان وفي كلّ زمان، قال تعالى: ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾5.
أمـّا الثّاني، أي الحاجة، فهو أيضاً غير متصوّر في حقّ الله عزّ وجلّ؛ لأنّ هذه الحاجة، إمّا أن تكون إلى خالق مثله أو إلى المخلوق.
والأوّل غير ممكن، لما أثبتناه في باب التوحيد، من أنّ فرض وجود شريك له هو فرض للمحال.
والثاني غير ممكن، لأنّ الخالق غنيّ عن المخلوقين، فإنّ كلّ ما لدى المخلوق هو من خالقه فكيف يحتاج المخلوق إلى خالقه؟
أمـّا الثالث، أي عدم الحكمة، فالله عزّ وجلّ حكيم، يشهد لذلك التأمّل في خلق السّمواتِ والأرض، فإنّها كلّها أفعال صادرة من الله عزّ وجلّ، وهي في غاية الدّقّة، وتدلّ بوضوح على مدى حكمة فاعلها، وقد تكرّر في القرآن الكريم وصف الله عزّ وجلّ بأنّه حكيم عليم، قال تعالى:﴿يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾6.
إستنتاج
الدليل على عدم صدور الظلم من الله: انتفاء أسباب الظلم في حقّه تعالى.
أسباب الظلم هي: الجهل، الحاجة، عدم الحكمة، والله عزّ وجلّ عليم، غنيّ حكيم، لا يظلم.
للمطالعة
الرِّضا بالقضاء
كان على عهد رسول الله رجل يقال له"ذو النمرة" وكان من أقبح الناس، وإنّما سمّي"ذا النمرة" من قبحه، فأتى النبيّ صلى الله عليه واله وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني ما فرض الله عزّ وجل عليّ: فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:"فَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ سَبْعَ عَشَرَةَ ركعةً في اليومِ والليلةِ، وصومَ شهر رمضانٍ إذا أدركْتَهُ والحجَّ إذا استطْعَت إِليهِ سبيلاً والزكاةَ" وفسَّرها له، فقال:"والَّذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما أزيد على ما فرض عليّ شَيئاً"، فقال له النبيّ صلى الله عليه واله وسلم:"ولِمَ يا ذا النّمرة؟"
فقالَ كما خلقَني قبيحاً، قال: فهبط جبرائيل عليه السلام على النبيّ صلى الله عليه واله وسلم فقال:"يا رسول الله إنّ ربّك يأمرك أن تبلّغ ذا النمرة ـ عنه السلام ـ وتقول له: يقول لك ربّك تبارك وتعالى:"أما ترضى أن أَحْشُرَكَ على جمال جبرائيل يوم القيامة"، فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم،"يا ذا النمرة هذا جبرائيل يأمرني أن أبلّغك السلام ويقول لك ربّك أما ترضى أن أحشرك على جمال جبرائيل"، فقال ذو النمرة:"فإنّي قد رضيت يا ربّ فوعزتك لأزيدَنّك حتّى ترضى"7.
المصادر :
1-عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي، ج 4 ص 103
2- النساء: 40.
3- يونس: 44.
4-البقرة: 29.
5-البقرة: 115.
6-النساء: 26.
7- الكافي، الشيخ الكليني، ج8، ص 337