الآثار الدنيوية للجهاد

قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ﴾ .
Friday, April 27, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الآثار الدنيوية للجهاد
 الآثار الدنيوية للجهاد


قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ﴾ .
كما هو الحال في سائر العبادات، فإنّ لتأدية الجهاد بنيّة خالصة في سبيل الله آثاراً كثيرة، سيظهر البعض منها في دار الدنيا والبعض الآخر في يوم القيامة والدار الآخرة. ونحن سنقوم ببيان هذه الآثار بالاستفادة من الآيات والروايات:

العزّة والرفعة

ترتبط حياة المجتمع بحياة أفراده. فالمجتمع الذي يتواجد فيه أشخاص مجاهدون بفعاليّة، يبقى في حالة دائمة من النشاط والتقدّم السريع، ويحافظ على دوامه واستمراريّته، ولكنّ المجتمع الذي يحوي أفراداً ضعافاً وخاملين، وبلا تأثير، هو مجتمع ميّت.
ومن هنا، يُعدُّ حفظ حياة المجتمع الإسلامي من أفضل آثار الجهاد، حيث يكونُ الجميع فيه مستعدين للدفاع عن الدين الإلهي وعن المظلومين، وللهجوم على العدو في الفرصة المناسبة, لإبطال كيده وإضعافه أو القضاء عليه. وتفويت فرصة امتلاك العدو قدرة التسلّط والاعتداء على أموال المسلمين وأرواحهم وأعراضهم وحقوقهم.
فمثل هكذا مجتمع يقضي حياته بعزّة ورفعة، وطالما أنّه يحافظ على هذه الروحية فلن يُبتلى بالذلّ أبداً. وقد عرّف القرآن المجيد الجهاد بعنوانه منشأ صيانة المجتمعات الإيمانية ضدّ أذى الكفّار والمشركين، حيث يقول تعالى بعد توجيه الأمر إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالحرب: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً﴾ .
وإنّ تاريخ صدر الإسلام هو خير شاهد على هذا المدّعى. فإلى الحين الذي تمسّك فيه المسلمون بالجهاد، وحافظوا على زمام المبادرة بالهجوم في أيديهم، كانوا يعيشون مكلّلين بالنصر والعزّة. ولكن في ذلك الوقت الذي تركوا فيه الجهاد وسعوا وراء الدنيا، وجلسوا على عرش الرئاسة، وانصرفوا إلى الملذّات، فقدوا مكانتهم، وهجم عليهم أعداء الداخل والخارج، وأبادوا مجدهم وعظمتهم.
ولقد شهدنا في العصر الأول توسّع نفوذ الحكومة الإسلامية، ووصول نداء التوحيد والعدل إلى أكثر بلاد تلك الأزمنة. غير أنّنا شهدنا بعد ذلك أفول الحكومة الإسلامية، وانفصال البلاد المفتوحة، بل وحتى عودة عدد من المسلمين الجدد إلى أديانهم السابقة.
فإنّ العزّة والرفعة اللذين يحدثان على أثر الجهاد يمتدُّ أثرهما أحياناً إلى الأجيال اللاحقة، ولا يقتصران على الجيل الحاضر. وعلى هذا الصعيد، يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "أُغزوا تُورِّثوا أبناءكم مجداً" .
ويشير الإمام الخامنئي إلى ذلك بقوله: "أوج عظمتكم المعنوية الملفتة هو في هذه الناحية الخفية، حيث كنتم تعون ماذا تفعلون وتعرفون لأي شيء تقاتلون. وإذا كان هذا سند عملكم الوحيد فسيرتجف العدو عندئذ من سماع اسمكم، فكيف وأنتم أرفع من ذلك، حيث سمعتم بآذانكم المعنوية النداء القرآني السماوي: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ " .

الحياة والحركة

حيث يدفعُ حصول الحرب وما ينتج عنها من مشكلات الناس إلى التحرّك، فتصير سبباً لاهتمام الجميع بالسُّبل الآيلة إلى صدّ العدو.
وهذا الأمر، يمنعُ أكثر أفراد المجتمع عن الخوض في الأمور الجزئية وغير المفيدة، ويبدّل روحيّة حبّ الاسترخاء والرفاه إلى روحيّة السعي والجدّ وارتفاع المعنويات القتالية. والجهود والقدرات العسكرية تعدُّ أيضاً من أفضل الآثار التي تنشأ على أثر تحرّك القوى.
وفي سياق بيانه أنّ الحرب تُخرج الناس من حالة الخمود وتُجبرهم على التحرّك، يقول الإمام الخميني قدس سره: "تُعدّ الحرب أمراً جيداً من بعض النواحي، وذلك أنّها تُبرِز الشجاعة الموجودة في داخل الإنسان، وتؤدّي إلى تحريكه وإخراجه من حالة الخمود... فإنّ قوى الإنسان تتّجه دائماً نحو الخمود، وأولئك الذين يعتادون على الرخاء والرفاهية خصوصاً، سيكون حالهم أسوأ، ولكن عندما تقع حرب ما وتتجلّى خلالها الملاحم... ولا يبقى إلاّ صوت المدافع، فكلُّ ذلك يُخرج الإنسان من حالة الخمود والضعف، فتظهر حقيقة الإنسان وتبرز فعاليّته وطاقاته إلى العلن" .

الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس

تؤدّي الحربُ إلى إيجاد صعوبات جمّة، وإلى وقوع المجاهدين تحت وطأة الحصار أحياناً. وهذه الضغوط نفسُها تدفع بالشعب إلى قطع يد الاعتماد على الأجانب، والى الاعتماد على النفس في المقابل.
فعامل الاعتماد على النفس والسعي لأجل رفع الاحتياجات عن طريقه، يؤدّي إلى نموّ الأدمغة ونضجها، ولهذا السبب قال الإمام الخميني قدس سره: "لقد كانت هذه الحرب، وهذا الحصار الاقتصادي وإخراج الخبراء الأجانب هدية إلهية كنّا غافلين عنها. واليوم، مع توجّه الحكومة والجيش لحظر بضائع ناهبي العالم، وللسير في طريق الابتكار بكلّ جدٍّ ونشاط، فإنّ الأمل معقود على حصول البلد على الاكتفاء الذاتي، والنجاة من الفقر والتبعية للأعداء. ولقد رأينا بأمّ العين كيف أنّ كثيراً من المصانع والوسائل المتطوّرة - كالطائرات وغيرها من الوسائل - والتي لم يكن يُتصوّر أن يتمكّن المتخصّصون الإيرانيون من تشغيلها، في وقت كان الجميع قد مدّوا أيديهم إلى الغرب أو الشرق من أجل أن يدير متخصّصوهم هذه المصانع والوسائل. ورأينا كيف أنّه وعلى أثر الحصار الاقتصادي والحرب المفروضة، قام شبابنا أنفسُهم بصنع قطع الغيار الضرورية وبقيمة أقل من المعروض، وسدّوا باب الحاجة، وأثبتوا أنّنا إن عزمنا فنحن قادرون على القيام بكلّ شيء" .
ويشير الإمام الخامنئي دام ظله إلى ذلك بقوله: "حافظوا على المسار في خططكم من أجل الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس. وإنّني أتهم كلّ من يقول باستحالة هذا الأمر. فلا يوجد شيء اسمه "مستحيل", لأنّ الإنسان ينطوي على قابليّات جبّارة تجعل المستحيل ممكناً" .

فصل الحقّ عن الباطل

من الآثار الأخرى المهمّة للجهاد، هو فصل خطّ النفاق عن المجتمع الإسلامي. ففي كلّ مجتمع يعيش المؤمنون الخُلّص جنباً إلى جنب مع ضعاف الإيمان والمنافقين من الناس، ومن الصعب جدّاً في زمن السلم والصلح تمييز هذه الفئات، إذ كثيراً ما يُظهر المنافقون وضعاف الإيمان أنفسهم بصورة المدافعين عن الحقّ أكثر من المؤمنين الحقيقيين. ولكن في الشدائد، بالخصوص في أوقات وقوع أحداث من قبيل الحرب والجهاد، تُعرف معادن الرجال وتمتاز صفوف الحقّ عن الباطل، فيبقى المؤمنون الحقيقيون، الصابرون والأوفياء، في الساحة حتى النهاية، في الوقت الذي يُخلي الآخرون الميدان ويفرّون.
ولقد أشار القرآن المجيد إلى هذه الحقيقة بشكل متكرّر، وإلى أنّ الله لو شاء لنصر الحقّ من دون الاستفادة من الفئة المجاهدة، ولجعل دينه ينتشر في كلّ العالم، ولكنّه لم يختَرْ هذا الطريق، بل أراد أن يمتاز الخُلّص عن غير الخُلّص في ساحة الحرب: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ .
وفي آية أخرى، ولأجل توبيخ المنافقين، يخاطب تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، قائلاً: ﴿عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ ، لأنّ المنافقين لو لم يأخذوا الأذن بالخروج من ميدان الحرب، وبقوا بين المؤمنين، فسوف يُعرفون بعد مدّة قصيرة من الزمن، وتتّضح حقيقتهم.

التوحّد في وجه الباطل

إنّ الشعب الذي يكون مُبتَلى في أيام الصلح والهدوء بالمشاكل الداخلية، ومشغولاً بالاختلافات الجزئية، يتوحّد على أثر اشتعال الحرب وظهور العدو، ويقوم في وجهه.
فإنّ الحرب تقود جميع الطاقات والقوى في اتجاه واحد، وتجعلها تنضوي تحت راية واحدة، وتوجِدُ روح التعاون فيما بينها، وتصير سبباً في بروز الإيثار والتسامح وعشرات الصفات الأخلاقية السامية.

معرفة الصديق من العدو

إنّ معرفة الأصدقاء من الأعداء خارج حدود البلد لهي من الآثار الأخرى للحرب والجهاد، ذلك أنّه ما لم تقع الحرب، فإنّ الكثير من الدول تتحدّث عن أواصر الصداقة والعلاقات المتينة، ولكن في زمن الحرب والمصاعب، يمتاز الأصدقاء الحقيقيون عن الأعداء، ويُظهرون أنفسهم للعيان.

الغلبة والنصر

في بعض الموارد، يُعدّ الانتصار على العدو أحد أفضل آثار الجهاد، لأنّه مع عدم بذل الجهد في ساحة الحرب لا يتحقّق الانتصار، والشعب الذي قد جلس منتظراً النصر دون تحمّل العناء وتقديم الجهود، لن يقطف سوى الحسرة جرّاء ذلك.
والقرآن المجيد، بعد تعداد الآثار المعنوية والأخروية للجهاد، يشير في سورة الصف المباركة إلى هذا الأثر الدنيوي، حيث يقول تعالى: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ .
وممّا ينبغي الإشارة إليه أنّ المجاهدين في سبيل الله منتصرون وأعزّاء حتماً، سواء عن طريق الانتصار الظاهري وهزيمة العدو، أم بنيل الشهادة والوصول إلى جوار رحمة الحقّ سبحانه، حيث قد أثنى القرآن الكريم على هاتين النتيجتين: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ﴾ .

المفاهيم الرئيسة

1- إنّ لتأدية الجهاد بنيّة خالصة وفي سبيل الله آثاراً كثيرة، بعضها يظهر في دار الدنيا والبعض الآخر في يوم القيامة والدار الآخرة.
2- العزة والرفعة: من النتائج الدنيوية للجهاد، فالمجتمع الذي يتواجد فيه أشخاص مجاهدون بفعالية، يبقى في حالة دائمة من النشاط والتقدّم السريع، ويحافظ على عزته وكرامته.
3- الحياة والحركة: حيث يدفعُ حصول الحرب وما ينتج عنها من مشكلات الناس إلى التحرّك، فتصير سبباً لاهتمام الجميع بالسُّبل الآيلة إلى صدّ العدو.
4- تقوية روح الاكتفاء الذاتي: حيث تؤدّي الحربُ إلى إيجاد صعوبات جمّة، وإلى وقوع المجاهدين تحت وطأة الحصار. وهذه الضغوط نفسُها تدفع بالشعب إلى قطع يد الاعتماد على الأجانب، والى الاعتماد على النفس.
5- فصل الحق عن الباطل: ففي الشدائد، وبالخصوص في أوقات وقوع أحداث من قبيل الحرب والجهاد، تُعرف معادن الرجال وتمتاز صفوف الحقّ عن الباطل.
6- الوحدة: لأنّ الحرب تقود جميع الطاقات والقوى في اتجاه واحد، وتجعلها تنضوي تحت راية واحدة، وتوجِدُ روح التعاون فيما بينها.
7- معرفة الصديق من العدو: ففي زمن الحرب والمصاعب، يمتاز الأصدقاء الحقيقيون عن الأعداء، ويُظهرون أنفسهم للعيان.
8- النصر: لأنّ المجاهدين في سبيل الله منتصرون وأعزّاء حتماً، سواء عن طريق الانتصار الظاهري وهزيمة العدو، أم بنيل الشهادة والوصول إلى جوار رحمة الحقّ سبحانه.

المصدر :
راسخون 2018
 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.